تفاصيل الخبر

الأزمة الحكومية أمام خيارين لا ثالث لهما:عودة الحريري من دون شروطه... أو الفراغ!

12/12/2019
الأزمة الحكومية أمام خيارين لا ثالث لهما:عودة الحريري من دون شروطه... أو الفراغ!

الأزمة الحكومية أمام خيارين لا ثالث لهما:عودة الحريري من دون شروطه... أو الفراغ!

قبل ساعات قليلة من بدء الاستشارات النيابية الملزمة يوم الاثنين الماضي في 9 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وقعت المفاجأة المنتظرة وانسحب رجل الأعمال المهندس سمير الخطيب من السباق الى السرايا الكبير الذي كاد أن يدخله بأصوات 72 نائباً على الأقل لو قُدّر للاستشارات أن تتم في موعدها. فبعدما عاش الخطيب أياماً عدة رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة وأُخضع لسلسة امتحانات في <بيت الوسط> وغيره، تبين ان الكثير من الكلام المؤيد له الذي سمعه من كثيرين وفي مقدمهم الرئيس سعد الحريري، لم يكن كلاماً صادقاً، بل ذهب الخطيب ضحية قرار ضمني بعدم وصوله الى السراي اشترك في اتخاذه وتنفيذه مجموعة سياسيين وروحيين من أبناء جلدته تقاسموا الأدوار وجعلوه <ينام على حرير>، فيما كانوا في الواقع يحضرون الأجواء المناسبة لدفعه الى سحب ترشيحه، علماً ان معطيات كثيرة أوحت بأن خروج الخطيب من السباق ليس وارداً نتيجة ما سمعه من تأييد من مرجعيات سياسية عدة لعل أبرزها الرئيس الحريري نفسه الذي استقبله يوم السبت الذي سبق <أحد الانسحاب> وسمع منه انه ماضٍ في ترشيح نفسه، فرد الرئيس الحريري بالقول: <الله يوفق>، لكن رئيس تيار <المستقبل> دعاه الى العودة في اليوم التالي الى <بيت الوسط> للبحث في التفاصيل.

ولاستكمال الرواية، لا بد من الإشارة الى ان الخطيب قال لمعاونيه ليل السبت الماضي انه لا يزال ينتظر صدور بيان عن الرئيس الحريري بتأييده رسمياً، على أن يتبع ذلك صدور بيان آخر بعد اجتماع كتلة <المستقبل>، إضافة الى موعد مع مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان <يرحب> بترشيحه ويتمنى له التوفيق. إلا ان تسلسل الأحداث جعل <الفأر يلعب في عبه>، عندما صدرت تصريحات من نواب في كتلة <المستقبل> لا تؤكد التأييد وذهب النائب محمد كبارة الى حد القول إنه لن يسمي الخطيب في الاستشارات. وطار اجتماع كتلة <المستقبل> من يوم الخميس الى الجمعة ثم الى السبت وأخيراً الى الأحد، ولم تجتمع الكتلة ولم يصدر موقف التأييد. لا بل أكثر من ذلك أدلى الرئيس فؤاد السنيورة بسلسلة تصريحات في أحدها ان الخطيب (من دون أن يسميه) لا يتمتع بالخبرة السياسية التي يفترض أن تتوافر في رئيس الحكومة ممثل السنة في ادارة شؤون الدولة. غير ان الخطيب لم يتوقف عند هذه المواقف لأنه سمع مباشرة من الرئيس الحريري انه يؤيده، وعندما تبلغ مضمون البيان الذي صدر عن العائلات البيروتية التي دعمت ترشيح الحريري آثر أن يسمع بنفسه موقف الحريري... وتلقى تطمينات لم تدم طويلاً. وعندما زار المفتي دريان كان لا يزال يعتقد بأن مفتي الجمهورية سوف يؤيده. لكن المفاجأة كانت أكبر من أن توصف إذ قال له المفتي كلاماً واضحاً: <الاتصالات والمشاورات مع أبناء الطائفة أفضت للتوافق على كليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة>. عندذاك انتهت الرحلة بالنسبة الى رجل الأعمال فقصد <بيت الوسط> ليعلن منه خروجه من السباق وسحب ترشيحه!

 

<الدعم الوهمي>!

وروى مطلعون ان مناخ الانسحاب أشيع قبل ظهر الأحد حين سُربت معلومات مفادها ان الخطيب سوف ينسحب بعد الظهر، فتم اتصال به نفى خلاله وجود هذا الخيار لديه، الى أن حصلت زيارة المفتي وكان ما كان فطوى ورقة ترشيحه وسلمها الى الرئيس الحريري <شاكراً له الثقة> التي أولاده إياها وجعله يعيش أياماً عدة على أنه <دولة الرئيس المكلف>. وبدا واضحاً من كلام الخطيب في دار الفتوى، ثم في <بيت الوسط> ان الرجل ما كان ليقبل بأن يستمر مرشحاً لرئاسة الحكومة لو لم يتلق <ضمانات> من أكثر من جهة معنية بالتكليف، علماً انه عندما زار الرئيس بري في بداية مشواره <نصحه> رئيس مجلس النواب بزيارة الرئيس الحريري والحصول منه على <درع التثبيت>، وعندما زار <بيت الوسط> في المرة الأولى خرج مطمئناً الى وعود رئيس حكومة تصريف الأعمال...

وبصرف النظر عمن <خدع> الخطيب وأوهمه <بالدعم المطلوب>، فإن السؤال الذي طرحته الأوساط السياسية بعد اعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن تأجيل الاستشارات أسبوعاً الى يوم الاثنين المقبل، تركز على من سيكون <الضحية> الرابعة بعد الوزير السابق محمد الصفدي والنائب سمير الجسر والسفير نواف سلام الذين أضيفوا الى لائحة كان تصدّرها الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف وليد علم الدين بعد اعتذار زميله اسامة مكداشي والوزير السابق بهيج طبارة عن دخول <نادي رؤساء الوزراء> الذين قالوا كلمتهم بأن مرشحهم هو الرئيس الحريري.

بعض المراقبين يرى انه بسقوط الخطيب بمواقف القاعدة السنية، الروحية منها والسياسية والشعبية، عادت البلاد الى المربع الأول في ظل تمسك كل طرف بشروطه. ذلك ان <الثنائي الشيعي> حزب الله وحركة <أمل> و<التيار الوطني الحر> ورئيس الجمهورية يريدون الحريري أن يكون على رأس حكومة تكنوسياسية يتمثل فيها هذا الفريق بوزراء سياسيين، فيما يصر الحريري على ترؤس حكومة تكنوقراط بصلاحيات استثنائية ضمن مهلة لا تتجاوز ثمانية أشهر، فيما تبقى علامة الاستفهام حيال موقف الحريري بأن ليس أنا بل أحد غيري>، وما إذا كان ذلك الشعار يعني ان زعيم <المستقبل> لا يزال رافضاً العودة الى رئاسة الحكومة رغم ان الفريق الآخر لا <يفهم> مثل هذه الاشارات الصادرة من <بيت الوسط>، علماً ان الشارع الذي <رحب> بانسحاب الخطيب من السباق الى السرايا الكبير، لا يتلقى عودة الحريري الى السرايا بالترحيب...

ما سر تأخير الاستشارات أسبوعاً؟

يضيف المراقبون ان الرئيس الحريري عندما اتصل بالرئيس عون ليل الأحد الماضي متمنياً تأجيل الاستشارات النيابية الى يوم الخميس، بدا وكأنه يدعو سيد القصر ومن معه من <التيار البرتقالي> و<الثنائي الشيعي>، الى معاودة البحث معه للعودة الى السرايا... لكن بشروط، فأتى الرد من بعبدا تأجيلاً للاستشارات أسبوعاً كاملاً للإفساح في المجال أمام المزيد من المشاورات بين الكتل النيابية <ومع الشخصيات المحتمل تكليفها تشكيل الحكومة>، ما أوحى بأن فريق بعبدا ــ الثنائي الشيعي لم يعلم بأن الحريري بات مرشحاً وحيداً لترؤس الحكومة الجديدة، بل ان الباب ما زال مفتوحاً لغيره، وهو ما سيتضح قبل ساعات قليلة من اجراء الاستشارات النيابية لأن أي عودة للحريري ــ وإن كانت مرغوب بها من <الثنائي الشيعي> ــ لا يمكن أن تعني عودة بشروط الحريري، بل بشروط فريق بعبدا ــ <الثنائي الشيعي> و<التيار الوطني الحر> وأولها تركيبة <التكنوسياسية> للحكومة العتيدة. فالرئيس عون الذي أعلن صراحة هذه المواصفات لن يتراجع عن موقفه مهما كان الثمن، وان الذي يجب أن يتراجع هو الرئيس الحريري الذي من خلال دعمه المعلن للخطيب، إنما قبل بالحكومة التكنوسياسية التي كان الخطيب يريد أن يشكل حكومته على أساسها.

ويقول المراقبون ان مجال المناورة ضاق أمام الرئيس الحريري الذي وإن كان نجح في لعبة إسقاط الخطيب ومن سبقه في <لائحة المحروقين> لن يكون قادراً هذه المرة على مواجهة تصميم الفريق الآخر على تشكيل حكومة تكنوسياسية، وبالتالي فإن الغطاء السني الذي تمكن الحريري من سحبه عن الخطيب، لن يكون من السهل سحبه مرة جديدة من تحت أي مرشح آخر يرضى بمواجهة الحريري في معركة الوصول الى السرايا، لاسيما وان أحزاب <الثنائي الشيعي> و<التيار الوطني الحر> و<المردة> وعدداً من المستقلين تشكل اكثر من 73 صوتاً في ما إذا اتحدت في تسمية مرشح جديد تقول مصادر مطلعة انه يمكن ان يكون نائب بيروت فؤاد مخزومي الذي لطالما تحدث عن ان الوصول الى السرايا هي من أهدافه، وهو ليس على علاقة جيدة مع الحريري ويمكنه أن يبقى خارج عباءته كما هو وضعه منذ الانتخابات النيابية الأخيرة.

الخيارات ضاقت!

وعليه، فإن الخيارات باتت ضيقة جداً وتتمحور على الاختيار بين عودة الحريري الى السرايا بشروطه ــ وهو أمر صعب المنال ــ أو اللجوء الى تزكية شخصية سنية <متحررة> من الضغط الحريري وراغبة في مواجهته. وفي هذه الحالة، ثمة من يرى ان البلاد ستدخل في مرحلة جديدة من المواجهة فإما أن يعود الحريري بعد تعديل شروطه وقبوله بمشاركة سياسية ولو رمزية في حكومة تكنوسياسيين، أو لا يعود ويأتي غيره الى السرايا مع علم الآتي انه سيواجه معارضة حريرية وسنية خصوصاً بعد الموقف الذي اتخذه المفتي دريان عندما بايع الحريري من دون غيره من السياسيين السنة الذين يرون بأن الرأس الروحي للطائفة السنية يجب أن يكون على مسافة واحدة من أبناء الطائفة. وقد أتت المواقف التي صدرت عن أعضاء <اللقاء التشاوري> بالجملة والمفرق، وخصوصاً كلام النائب فيصل كرامي، ليبرز حركة اعتراضية على مواقف المفتي وفريق <المستقبل>.

وثمة من يرى ان المشهد الذي سوف يرتسم الأسبوع المقبل يقوم على احتمالين لا ثالث لهما: الأول قبول الحريري بتكليفه تشكيل الحكومة بعد تعديل شروطه لأن شرط حكومة التكنوقراط غير مقبول من الفريق الآخر المدعوم رئاسياً، وإما دخول البلاد في فراغ حكومي يطيل من عمر حكومة تصريف الأعمال الى موعد غير محدد لأن أي مرشح آخر غير الحريري سيُصاب بـ<حُرم> سني يربكه ويدفعه الى <العد للعشرة> قبل قبوله الرئاسة الثالثة في علبة هدية ملغومة!