تفاصيل الخبر

الأزمة الحكومية أمام خيارين كلاهما صعب:اقناع الحريري بـ”التكنوسياسية“... أو البحث عن بديل له!

21/11/2019
الأزمة الحكومية أمام خيارين كلاهما صعب:اقناع الحريري بـ”التكنوسياسية“... أو البحث عن بديل له!

الأزمة الحكومية أمام خيارين كلاهما صعب:اقناع الحريري بـ”التكنوسياسية“... أو البحث عن بديل له!

 

يوم الأحد 17تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أطفأت <ثورة 17 تشرين الأول> (اكتوبر) شمعة الشهر الأول، لتستقبل الشهر الثاني بمزيد من التصميم على المضي حتى تحقيق المطالب التي وإن تنوعت حسب هوية القائمين بالحراك، إلا انها تلتقي على ضرورة تشكيل حكومة جديدة لا سياسيين فيها بل أهل اختصاص أو ما بات يُعرف بـ<التكنوقراط>. وإذا كانت <الثورة> نجحت في إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، وفي تحقيق مطالب أخرى متفرعة مثل تسعير خدمات الخليوي بالليرة اللبنانية وفرض ورقة اصلاحية تبنتها الحكومة قبل أن تستقيل وانتخاب نقيب جديد للمحامين هو ملحم خلف، وإرجاء جلستين تشريعيتين... إلا انها لم تنجح بعد بفرض حكومة الاختصاصيين التي نادت بها والتي كادت أن تحققها لو ان الرئيس سعد الحريري نجح في اقناع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و<الثنائي الشيعي> (حركة <أمل> وحزب الله) و<التيار الوطني الحر> في تشكيل هذه الحكومة الخالية من السياسيين. ذلك ان ما حصل هو العكس تماماً إذ خرج الرئيس الحريري طوعاً من السباق نحو السرايا وقبلَ بترشيح الوزير السابق محمد الصفدي لدخول نادي رؤساء الحكومات، لكن هذا الترشيح لم يصمد سوى ساعات قليلة اعتذر بعدها الصفدي من عدم بقائه مرشحاً للرئاسة الثالثة لأسباب عدة... فما الذي حصل حتى أبعد نائب طرابلس السابق محمد الصفدي نفسه عن رئاسة الحكومة؟

تروي المصادر التي رافقت ترشيح الصفدي وعزوفه عنه ما حصل فتقول ان إصرار الرئيس الحريري على عدم تشكيل حكومة فيها وزراء يمثلون الأحزاب والكتل السياسية الكبيرة، ولو كانوا وزراء دولة، فرض عملياً البحث عن شخصية سنية أخرى ترضى بتولي هذا المنصب الرفيع وتقبل بالتعامل مع الأحزاب والكتل السياسية. وتم التداول في عدد من الأسماء من الشخصيات التكنوقراط بعدما اعتذر الرئيس تمام سلام عن قبول الترشيح، بينها الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف وليد علم الدين وزميله أسامة مكداشي اللذين اعتذرا عن قبول الترشيح أيضاً، وبقي الاسم الثالث الوزير الصفدي الذي تقول المعلومات ان رئيس <تكتل لبنان القوي> الوزير جبران باسيل طرح اسمه من بين أسماء عدة لم تحظ بموافقة الرئيس الحريري، لأن الاتفاق تم على ان يدعم الرئيس الذي سوف يخلفه ويسهل مهمته. وخلال اللقاء الذي جمع الرئيس الحريري بخليفته المنتظر تم التداول في أهمية الوضع المستجد لاسيما بعدما أيد <الثنائي الشيعي> والوزير باسيل ترشيح الصفدي، وكان اتفاق على <الاتكال على الله> وترشيح الصفدي الذي كان من المفترض أن يحظى أيضاً بدعم رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام خصوصاً ان الرئيس الحريري أبلغه بموافقة الرؤساء الثلاثة على ترشيحه، وذهب الحريري الى حد القول للصفدي إن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان سيزوره في منزله لـ<يبارك> ترشيحه.

حدثان غير متوقعين!

 

وعلى هذا الأساس بدأ الصفدي تحركه التشاوري ليفاجأ بحدثين غير متوقعين: الأول تسريب اسمه كمرشح قبل الاعلان عن ذلك صراحة من قبل الرئيس الحريري الذي كان وعده ببيان رسمي يزكي ترشيحه، والثاني صدور بيان عن رؤساء الحكومات الثلاثة تضمن تمسكاً بترشيح الرئيس الحريري، الأمر الذي اعتبره الصفدي مغايراً لما كان أبلغه إياه الرئيس الحريري بموافقة الثلاثي ميقاتي ــ السنيورة ــ سلام. أما المسألة الأكثر احراجاً للصفدي كانت تسريب معلومات عن مصادر تيار <المستقبل> خلاصتها ان الرئيس الحريري وعد بدعم ترشيح الصفدي من دون أن يشارك <المستقبل> في الحكومة، وذلك على عكس ما كان تبلغه الصفدي من الرئيس الحريري شخصياً... وترافق كل ذلك مع اعتراض مكونات <الحراك الشعبي> على الترشيح ومحاصرة منزله في طرابلس ومجمع <زيتونة باي> الذي يرأس الصفدي مجلس ادارة الشركة الذي تملكه. إلا ان مصادر مطلعة أكدت ان ردة الفعل الرافضة كان يمكن تجاوزها، لو بقي دعم الحريري على حاله لجهة المشاركة في الحكومة، وهو ما اعتبره الصفدي <نكوثاً> من الرئيس الحريري بوعده إليه... وما أربك سعاة ترشيح الصفدي أيضاً، تسريب معلومات عن ان معاون رئيس مجلس النواب الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الحاج حسين الخليل (المعروفين بـ<الخليلين>) أيدا ترشيح الصفدي، الأمر الذي أثار ردة فعل في الشارع السني، خصوصاً ان التسريب ألمح الى توافق بين <الخليلين> والوزير باسيل على دعم الصفدي. إضافة الى ذلك تسريب معلومات أخرى عن ان الحريري لم يتفق مع <الخليلين> على شكل الحكومة العتيدة، في وقت كان سمع فيه الصفدي ان توافقاً تم على صيغة <التكنوسياسية>!

أمام هذه الوقائع لم يجد الصفدي ان عوامل نجاحه في ترؤس الحكومة العتيدة متوافرة لاسيما بعد <تراجع> الرئيس الحريري عن وعوده له، وعدم دعم الثلاثي ميقاتي ــ السنيورة ــ سلام لترشيحه (خلافاً لما قيل له)، إضافة الى اعتبارات أخرى تتعلق بشكل الحكومة الجديدة، الأمر الذي دفعه الى اصدار بيان العزوف عن الترشيح مسجلاً سلسلة ملاحظات طاولت موقف الرئيس الحريري وغيره على حد سواء. وبدا واضحاً ان ورقة الوزير الصفدي لم تعد على طاولة البحث بعد سلسلة التباسات وتسريبات وممارسات أزعجت الوزير الصفدي...

 

هل يعود الحريري مرشحاً؟

ومع غياب الصفدي من المسرح الحكومي تأخر تحديد موعد الاستشارات وحل مكانه التشاور من جديد بحثاً عن شخصية تكلف تشكيل الحكومة طالما ان الرئيس الحريري يصر على موقفه بتشكيل حكومة تكنوقراط مئة بالمئة يختارهم هو ويكون لرئيس الجمهورية ــ وليس غيره ــ حق الفيتو على اي من الأسماء المقترحة فيصار الى تقديم البديل، ما يعني ان ملف التكليف سيبقى مفتوحاً الى حين تحقيق أمرين: الأول اقتناع الرئيس الحريري بضرورة <تليين> موقفه والقبول بصيغة <التكنوسياسية> التي يريدها الرئيس عون، والثاني الوصول الى شخصية سنية تقبل تولي هذه المهمة الحساسة ويوافق عليها الرئيس الحريري الذي كان اعترض على ترشيح الدكتور وليد علم الدين. ولن يكون من السهل ايجاد هذه الشخصية البديلة ما يعني ان التفاوض سيعود مع الرئيس الحريري من جديد ما سيأخذ وقتاً قبل رؤية حكومة جديدة، لاسيما وان ثمة من يقول إن الرئيس الحريري <كبّر الحجر> بموقفه لأنه غير راغب في ترؤس حكومة قد تواجه رفضاً من المعتصمين والمتظاهرين خصوصاً إذا كانت تركيبتها بعيدة عن <نَفَس> الثوار الجدد، أو إذا وجدوا فيها وزراء لا يمثلونهم، علماً أن من بين المقترحات أن يشارك وزراء من <الحراك الشعبي> في التركيبة الحكومية العتيدة. والسؤال الذي طرح نفسه: هل تطبق <الخطة ب> التي تدعو الى تكليف شخص آخر غير الرئيس الحريري تشكيل الحكومة الجديدة؟ وهل يعني اللجوء الى <الخطة ب> ان الحكومة ستولد قريباً؟

من الصعب الجزم، يقول المتابعون بامكانية ولادة الحكومة خلال الأسبوعين المقبلين كما تحدثت أوساط مطلعة. إلا ان ذلك لا يعني حصول تأخير يتجاوز بداية شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل لأكثر من سبب، أبرزها دقة الظروف التي تمر بها البلاد مع استمرار التحركات الشعبية، من اعتصامات وتظاهرات وقطع طرق وسط تخوف من حصول صدامات على الأرض. وفي تقدير المتابعين ان الحراك لن يتوقف بعد تشكيل الحكومة بل سيتابع عملها تباعاً ليرى ما إذا كانت ستنفذ ما سوف تتعهد به من اقرار قوانين اصلاحية ومباشرة عملية مكافحة الفساد ورفع الحصانات وغيرها من الاجراءات التي وعد الرئيس عون في اطلالته التلفزيونية يوم الثلاثاء الماضي، بالسير بها حتى النهاية من دون أن يكون هناك أي تحفظ على أي ملف.

أما السبب الثاني، والمهم، فهو ضرورة اقناع المجتمع الدولي بأن لبنان يعمل بجدية من أجل الخروج من المحنة التي وقع فيها، وبالتالي فإن حكومة تكنوقراط تضم كفاءات وخبراء ومتخصصين سوف تحقق المطلوب لأنها لن تكون أسيرة التوجهات السياسية التي غالباً ما تكبّل الحكومات السياسية. ولعل ما قاله الموفد الفرنسي <كريستوف فارنو> مدير دائرة شمال افريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية خير دليل على ان الاهتمام الدولي بلبنان يرتبط مباشرة بالاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما كشفه للمسؤولين والسياسيين الذين التقاهم هذا الأسبوع خلال وجوده في بيروت.

إلا ان الوقائع التي برزت خلال الأيام القليلة الماضية لا تؤشر الى ولادة حكومية قريبة، وان الحكومة المستقيلة سوف تواصل تصريف الأعمال الى أن يتم الاتفاق إما مع الحريري نفسه، أو مع شخصية اخرى تحظى بتأييده ويدعمها <الثنائي الشيعي> و<التيار الوطني الحر>، إذ انه من غير هذا الدعم المثلث لا يمكن لأي شخصية سنية أن ترضى بدخول نادي رؤساء الحكومات في المرحلة الراهنة على الأقل. وعليه فإن الانتظار سيد الموقف وتجربة الوزير الصفدي ستكون عبرة لم يعتبر، علماً ان العلاقات التي سادت بين الحريري والوزير باسيل بعد الذي حصل مع الوزير الصفدي قد تشكل عائقاً أمام الاتفاق السريع على تحريك الملف الحكومي من جديد، ما يجعل الأمل بولادة حكومية قريبة... صعب المنال!