تفاصيل الخبر

الأزمة الاقتصادية والمالية وانعكاسها السلبي على القطاعين الصناعي والتجاري!

06/12/2019
الأزمة الاقتصادية والمالية وانعكاسها السلبي على القطاعين الصناعي والتجاري!

الأزمة الاقتصادية والمالية وانعكاسها السلبي على القطاعين الصناعي والتجاري!

 

بقلم طوني بشارة

البلد يمر للأسف بمرحلة مأساوية للغاية، بضائع مفقودة من السوق، اقفال قسري للمؤسسات، غياب تام لإمكانية سحب الأموال وحتى قبض التحويلات، صرف تعسفي للموظفين... إرتفاع غير مسبوق بسعر صرف الدولار وما ترافق معه من غلاء بأسعار المواد الغذائية وتراجع حاد بالقدرة الشرائية.

فما سبب هذه الازمة وهل من إمكانية لمعالجتها في الوقت القريب؟ وما موقف التجار وأصحاب الشأن من تداعيات هذه الازمة؟

دبوسي والازمة!

بداية مع رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس ولبنان الشمالي الأستاذ توفيق دبوسي، وكان السؤال المدخل عن الواقع الحالي للتجار...

- اليوم وبمراقبة ميدانية للأوضاع يمكننا ان نلاحظ بأن التاجر يمر بأوقات عصيبة جدا، فأمواله مكدسة لا بل محجوزة لدى المصارف، تراه مقيدا غير قادر على إتمام أي عملية تحويل للأموال أو حتى سحب لاسيما للحسابات المودعة بالدولار، وبالمقابل مدفوعاته تزداد يوميا نتيجة لإلتزاماته تجاه الموظفين أولا والتجار ثانيا، فهو حاليا غير قادر على لعب دوره من خلاله موقعه التجاري ونعني بذلك البيع والشراء والاستيراد والتصريف..

ــ  بصفتك رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة، كيف ترى الواقع الحالي للسوق؟

- للأسف وبزيارة إطلاعية على الأسواق نرى أن السلع باتت محدودة وهي لا تكفي إطلاقا حاجة السوق كما أن الصناعة الوطنية لا تغطي التكلفة ولا تلبي حاجة التجار، فالبلد يمر بحالة إفلاس غير معلنة.

ــ  البعض يعتبر أن ما نمر به هو وليد الوضع الحالي والبعض الاخر يؤكد انه نتيجة لفساد متراكم، فكيف تصف ما نمر به حاليا وما أسبابه؟

- منذ فترة معينة قامت المصارف بإتباع سياسة تشجيعية للإيداع اذ عمدت الى رفع الفوائد على الأموال المودعة لديها، فتهافت الافراد الى البنوك وأودعوا الأموال رغبة بالربح المضمون وابتعد العدد الكبير منهم عن فكرة الاستثمار وذلك طمعا بالفوائد على الأموال المجمدة لدى المصارف التجارية، التي بدورها قامت بتديين مصرف لبنان الذي أمن السيولة للدولة من تلك الأموال، والدولة بدلا من إتباع أي خطة استثمارية منتجة قامت بدفع إستحقاقاتها من الأموال التي أمنها لها مصرف لبنان مما جعل المواطن ضحية لهذه السياسة، فالوضع الحالي وما نمر به من أزمة سببه إدارة مسؤولة ولكنها بحاجة الى إصلاح اي بمعنى اخر الوطن تعرض لسوء إدارة على المستوى العام، وعلى الجهات المختصة تحديد الجهات التي اوصلتنا لهذا الواقع الصعب وان تعمد فورا الى محاكمتها، والقضاء يقرر عندها ان كان هناك فساد أم لا.

وتابع دبوسي قائلا:

- ان مصلحة الاقتصاد الوطني والخزينة العامة والوزارات الحكومية تعتمد بالدرجة الأولى على إنعاش الاقتصاد والحركة الاقتصادية من خلال عملية الدعم، وهنا وبتحليل اقتصادي رقمي سيعود هذا الدعم ومن خلال الدورة الاقتصادية الى الخزينة العامة بنسبة 25% من اجمالي العائدات المالية.

 

الحل الأنسب!

ــ  المشكلة واقعة لا محالة لاسيما بين المواطن والمصرف، فما الحل الأنسب لهذا الامر؟

- المواطن ضحية إدارة فاسدة بحاجة الى اصلاح ومحاسبة، وحاليا وبأسرع وقت ممكن يجب إجراء إجتماع فني انقاذي جريء ما بين مصرف لبنان والمصارف التجارية، اجتماع مبني على إجراءات سريعة من اجل الحد من الخسائر وبالتالي من اجل إطلاق ورشة عمل إصلاحية وبرنامج يوحي بالثقة ويحرك العجلة الاقتصادية.

ــ اشرت الى برنامج يوحي بالثقة وكأن عامل الثقة مفقود ما بين المواطن والجهات المعنية؟

- بالتأكيد الثقة معدومة لا بل مفقودة وأقصد هنا ثقة المواطن بالجهات المسؤولة، لذا المطلوب حاليا تعاون الجهات المعنية مع دول لديها خبرات سابقة بمساعدة الدول للنهوض من كبوتها والإتفاق معها على خطة انقاذية تحتوي بنوداً جدية صارمة وحازمة، ويفترض بنا كمواطنين وكمسؤولين ان نهتم بمصلحة وطننا والقبول بهذه الإجراءات.

ــ  ولكن الا يؤدي ذلك الى وجود أعباء إضافية على كاهل الدولة التي تمر بمقتضى الحال بأزمة لا مثيل لها اطلاقا؟

- اقصد هنا الاستعانة بجهات دولية متطوعة مثل اليابان - المانيا - اميركا- الصين... التي تمد البلدان المنكوبة ومن دون أي مقابل بمتخصصين بارعين من اجل تقديم اقتراحات ودراسات ومشاريع غير مدفوعة، مستندين بتحليلاتهم الى تجاربهم السابقة من اجل الوصول الى صيغة خروج من الازمة التي نمر بها من دون أي تكلفة أي بمعنى اخر تسمى هذه الدول بالجهات المتطوعة للانقاذ.

ولكن كل ذلك يجب ان يترافق مع تناسي أصحاب القرار لخلافاتهم العقائدية والسياسية من اجل التوصل باجتهاداتهم على المستوى الوطني لخطة انقاذية تصب لمصلحة الجميع، أي عليهم ضرورة الإسراع بالتوافق على اخذ قرارات ترضي الشعب وتوحي بالثقة.

وللاطلاع على الواقع الحالي للقطاع الصناعي التقت <الأفكار> عميد الصناعات الغذائية الاستاذ جورج نصراوي الذي افادنا قائلا:

- بطبيعة الحال القطاع الصناعي مرتبط بالأزمة الحاصلة لاسيما الأزمة مع المصارف، ففي ظل الازمة المالية الحالية المصارف غير قادرة على إجراء أي تحويل للصناعيين، أقله التحويلات المرتبطة بدفع ثمن المواد الأولية، مما أدى وبنتيجة محتمة للأوضاع الى اقفال مؤقت لبعض المصانع من أجل التريث وإنتظار ما ستؤول اليه الأوضاع.

نصراوي وأزمة البطالة!

ــ  وهل تتأمل خيرا في الأشهر المقبلة؟

- بطبيعتي أرفض التشاؤم، ولكن مع إستمرار الأوضاع على ما هي عليه فاننا سنواجه بالقريب العاجل أزمة إجتماعية بسبب البطالة الناتجة عن إقفال المصانع، علماً أن هذا القطاع يؤمن العمل لـ160 الف عامل وقريبا سنجد 25000 عامل مصروفين من العمل، وإضافة الى أزمة البطالة سنشهد في الأسابيع المقبلة - ونتيجة لتدني سعر الليرة تجاه الدولار- أزمة جديدة مرتبطة بتدني القدرة الشرائية الناتج عن انخفاض قيمة العملة مما سيفاقم الأزمة الاجتماعية وحتى أننا سنعاني من فقدان العديد من السلع الاستهلاكية من السوق بسبب غياب فكرة الإعتمادات.

ــ  حاكم مصرف لبنان أشار الى إمكانية القيام بعملية تحويل أموال، الا يعتبر ذلك جزءاً من الحل؟

- بالرغم من تصريح الحاكم فالعديد من المصارف لم تأخذ بعين الإعتبار ما أوعز به سلامة، فبات كل مصرف يعامل عملاءه بشكل منفرد وفقا للعلاقة التي تربط العميل بالمصرف، وفي السياق نفسه فان رئيس جمعية المصارف سليم صفير طلب من كل صناعي وتاجر بأن يقدم لمصرفه مجموع التحاويل كل ثلاثة أشهر من اجل برمجة الدفع، ولكن هل من ضامن لتنفيذ هذا الاجراء؟

ــ وما الحل الأنسب؟

- نحن نطالب الرئيس والمسؤولين كافة بضرورة الإسراع بتشكيل حكومة من أجل إعادة منح الثقة من جهة والمساهمة بعودة النشاط الى الحياة الاقتصادية من جهة ثانية، علما ان عودة النشاط بحاجة الى وقت طويل اقله سنة.

لذا لا بد من السعي الى إعادة الثقة والعمل على قمع الفساد ومحاكمة الفاسدين، ولكن هنا لا بد من التساؤل من سيحاسب من؟ ومن سيتولى عملية المحاكمة طالما أن الفاسدين هم في السلطة؟ مما يعني أن معالجة الفساد لاسيما محاكمة الفاسدين أمر صعب للغاية.

 

الشماس والتهديد المميت!

وبدوره رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس وبدردشة موضوعية عن الأسباب التي أدت الى الازمة الحالية أوضح قائلا:

- وصلنا اليوم إلى المرحلة التي لا تحمد عقباها حيث باتت كل مؤسسة من مؤسساتنا تشعر بالتهديد المميت، فمنذ سنوات بدأت أرقام أعمالنا تتهاوى ونشاط الأسواق يتلاشى والحركة تتراجع ولكننا بقينا صامدين، والبعض منا شهد تدهوراً بلغ الـ60% وأكثر في نشاط مؤسساته لكنه ظل صامداً ومتأملاً بتحسن الوضع، في حين وجد البعض الاخر نفسه مكرها الى الإقفال وتسريح موظفيه مما ضخم حجم البطالة واعداد العاطلين عن العمل.

وهنا لا بد من الإشارة الى ان أعداد النازحين كانت تتكاثر من دون حسيب أو رقيب ومنهم القوى العاملة التي باتت تنافس اللبناني في سوق العمل وفي لقمة عيشه، وبدل أن تصرف الاموال التي يجنيها هؤلاء في الداخل اللبناني نراها ترسل إلى عوائلهم وأقاربهم في البلاد المجاورة، في حين شهدت الأسر اللبنانية على قدرتها الشرائية تتبخر يوما بعد يوم، ولم يعد بإمكانها تأمين أبسط حاجاتها الاجتماعية.

وتابع شماس قائلاً:

- بالمقابل رأينا المعابر غير الشرعية تتكاثر وتنتشر والتهريب يتفاقم والمهربين يزدهرون غير سائلين لا عن ضريبة ولا عن جمارك ولا عن التزامات مصرفية ولا ضمان اجتماعي، في حين ان التاجر الشريف يلوي وينوء تحت وطأة الأعباء والإلتزامات والاستحقاقات.

ونوه شماس قائلا:

- ومن ثم جاء زمن الانتخابات النيابية ومعها فرصة المواقف الشعبوية والوعود الفضفاضة لتجميع الأصوات وصفوف المناصرين، وأقدمت الطبقة السياسية على إقرار سلسلة الرتب والرواتب وهي الحق المكتسب والمشروع لكل فرد من موظفي الدولة، إنما دون ان تكون لهذه الدولة الموارد لتأمينها وتغطيتها، وكان الإستسهال في الحلول بإقرار سلة مشؤومة من الضرائب والرسوم الجديدة التي كبلت المواطنين وقدرتهم على الإستهلاك وأوصلت الأسواق الى حالة شبه شلل وعلى حافة الهاوية وبات التجار مهددين بملاءتهم المالية، وكان الفصل يتلو الاخر جاذباً معه حادثاً أمنياً من هنا وصراعا حكوميا من هناك، مؤثراً  على الأجواء في البلاد ورادعاً الراغبين من مغتربين لبنانيين ومن سياح أجانب وخليجيين عن زيارة لبنان وإنعاش اسواقه وقطاعاته المختلفة.

وانهى الشماس حديثه قائلا:

- طوال هذه الفترة شهد الاقتصاد تراجعاً في النمو بوتيرة متسارعة الى أن اصبح إنكماشا في غياب أي إجراءات أو خطوات عملية من شأنها أن تشجع الاستثمار الشافي الداخلي منه او الخارجي، وكذلك امتنعت الجهات الدولية المانحة عن المبادرة الى تقديم أي دعم لإعادة تنشيط الإقتصاد الوطني في غياب أي برامج أو خطوات حكومية مطمئنة، الى أن وصلنا وللأسف الى ما وصلنا اليه اليوم لا بيع ولا شراء ولا دفع ولا قبض ولا تجديد في المخزون، وبالتالي بات هناك تقنين وأزمات تموين ولا تلبية لاحتياجاتنا من سيولة أو تحويلات أو عملة أجنبية، إلى إقفال مؤسسات وتسريح موظفين أو على الأقل إقتطاع في المرتبات وتخلف عن التمويل للموردين وفقدان ثقة معمرة بالتاجر اللبناني وعجز في القدرة على تسديد الضرائب والمتوجبات الرسمية الى اجل غير مسمى وتدهور في قيمة الليرة وفي القدرة الشرائية... ولا بصيص امل في الأفق.