تفاصيل الخبر

الأزهري وكتاب ”الوثيقة“

13/06/2014
الأزهري وكتاب ”الوثيقة“

الأزهري وكتاب ”الوثيقة“

 بقلم جورج بشير 

نهاية عهد الرئيس فؤاد شهاب في النصف الأول من الخمسينات، كنت في لقاء دردشة خاص مع الرئيس الحاج حسين العويني رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وكان دولته يتكرم عليّ بلقاء كل شهر لأتزود منه بالرأي والمعلومات كوني كنت من العائلة الاعلامية لصحيفتي <الأوريان> و<الجريدة>، ومجلة <الحوادث>، وكان الرئيس العويني يحتل موقعاً سياسياً مهماً وله مكانته المميزة في تلك الحقبة ليس بين السياسيين اللبنانيين والعرب فحسب، بل بين الزملاء الاعلاميين أيضاً.

    اللقاءات مع دولته كانت تعقد في معظم الأحيان في مكتبه الخاص داخل مبنى <بنك لبنان والمهجر> الواقع في قلب بيروت الى جانب المبنى التاريخي لبلديتها. و<بنك لبنان والمهجر> له تاريخه الأصيل في حياة القطاع المصرفي النشيط في لبنان قبل أن يرتقي سلّم الريادة ليصل الى أعلاه لبنانياً واقليمياً.

   خلال اللقاء مع دولة الحاج حسين، أطل علينا فجأة في مكتب ملاصق <الأنتي شامبر> كما كانوا يسمونها في تلك الأيام، الدكتور نعمان الأزهري وفوجئ دولة الرئيس العويني بأن كل منا يعرف الآخر، أنا والدكتور الأزهري، وذلك عندما اختير هذا النطاسي البارع في مجال علم المال والاقتصاد من الرئيس السوري ناظم القدسي ورئيس الوزراء في تلك الأيام خالد العظم وزيراً للمال والاقتصاد لمهمة انقاذ سوريا اقتصادياً ومالياً ووضع خطة لورشة الانقاذ المشار إليها.. تبادلت التحية بحرارة مع الوزير النشيط وسررت عندما أبلغني الحاج حسين ــ وكان يومئذٍ رئيساً لمجلس ادارة <بنك لبنان والمهجر> ــ ان معالي الوزير الدكتور نعمان الأزهري الذي نصحه به وبطاقاته وخبرته صديقه وشريكه في البنك الشيخ بطرس الخوري رئيس الهيئات الاقتصادية صار معاوناً لنا وأسند إليه منصب مدير عام...

   طبعاً، المدير العام صار العقل المحرّك لهذا البنك، وأصبح بفعل ذلك رئيساً لمجلس ادارته في بنك لبنان والمهجر، وسجّل البنك في عهد رئاسته أعلى أرباح بين المصارف اللبنانية (353 مليون دولار) بمردود قياسي قدره 16,7 بالمئة على أموال المساهمين، في حين انه عند تسلم الأزهري الادارة في الستينات لم تكن موجودات البنك تبلغ أكثر من عشرة ملايين دولار أميركي. وأصبح في نهاية العام الماضي 2013 أفضل مصرف في لبنان، واختارت جمعية المصرفيين العرب رئيسه المصرفي العربي للعام 2013. وتجاوزت موجودات بنك لبنان والمهجر 26 ملياراً  من الدولارات وعدد فروعها 174 فرعاً موزعة على 13 بلداً.

    وفي فندق <فينيسيا> تجمّع أركان القطاع المصرفي وفي طليعتهم حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة الذي سجّل وجوده بين أقرانه دوراً مميزاً، وعدد من أركان الدولة اللبنانية الحاليين والسابقين، مع أولياء عهد نعمان الأزهري لمشاركته الاحتفال باصدار كتابه الجديد <المخاطر المالية على لبنان، وفرص تداركها التي لا تزال متاحة>.

   مع الزملاء الذين شاركوا في حفل التكريم المشار إليه، كنا نتمنى لو ان نواب الأمة في لبنان كانوا بين الحضور، لا بل تمنيت ولا أزال أن يقرأ الذين شاركوا في الحفل والذين لم يسعدهم الحظ بالمشاركة مضمون هذا الكتاب ليجدوا أن فيه ما يشبه الوصفة الطبية التي تحدد الداء الذي يعاني منه لبنان والدواء. وقد أهدى الدكتور نعمان الأزهري عصارته الفكرية الجديدة من خلال تجربته على الساحة اللبنانية في وطنه الجديد <الى شعب لبنان المميز بمواهبه وكفاءاته>، هذا الشعب الذي وصفه الأزهري بأنه <صمد وصبر عقوداً من الدهر على حروب أهلية وصراعات واضطرابات عبثية، وعلى استهتار متمادٍ بأوضاعه الاقتصادية والمالية، على أمل أن يساهم كتابه (طبعاً بعد أن يطلع عليه ويقرأه النواب والزعماء والسياسيون ومن بيدهم الحل والربط) في تكوين رأي عام ضاغط لتأمين المناخات الأمنية والاقتصادية والمالية الملائمة ليعود لبنان من جديد قبلة السياح والمستثمرين وينجز اللبنانيون في بلدهم، ولبلدهم المعجزات التي حققوها في ديار الانتشار.

   للوهلة الأولى، توقع الدكتور الأزهري بأن يتأخر لبنان عن اسرائيل عشر سنوات في استخراج الغاز، هذه الثروة الطبيعية التي منحها الله سبحانه للبنانيين في أعماق مياههم الاقليمية، <وهذا قمة الاستهتار كون لبنان لم يقم ولم ينجز الخطوات الواجبة لاستخراج هذه الطاقة العظيمة وتسويقها وتحصينها، في حين ان اسرائيل باشرت في آذار (مارس) 2013 باستخراج الغاز والبترول من حقول مجاورة للمياه الاقليمية اللبنانية، ولبنان أرجأ مراراً طرح مناقصات استخراج الغاز والنفط الذي بحوزته وحصته ما بين سبع الى عشر سنوات، فيما الانفاق الحكومي يتضخم بما يؤدي الى تفاقم عجز الموازنة وارتفاع مستوى الدين، وقوله: من الاستهتار زيادة النفقات وعجز الموازنة والدين اتكالاً على موارد متأخرة جداً وغير مضمونة كمن يبيع سمكاً في البحر...

    يدرك اللبنانيون مع نعمان الأزهري ان بلدهم لم يعد كما في الماضي سويسرا الشرق، كما انه لم يعد باستطاعته أن يسابق دبي أو الأردن بسبب شح المساعدات العربية والدولية وعبء اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، وان لبنان لم يعد يتمتع بأية شبكة أمان مالية، ناسباً سبب هذا العجز في المواجهة والمعالجة الى استهتار الطبقة السياسية اللبنانية وفقدانها للثقة الخارجية.

   طبعاً الجميع يشارك الدكتور نعمان الأزهري توصيفاته القيمة التي أوردها كونه اختصاصياً رقم واحد في معالجة المشاكل المشابهة لتلك التي يعاني منها لبنان وهو قد عايشها. لكن حبذا لو ان الفاعليات الاقتصادية التي يعتبر الأزهري من أركانها المجرّبين والخبراء المعالجين، وهم أم الصبي، دعوا الطبقة السياسية الى مؤتمر دراسي لنشر تجارب هذه الفاعليات علّ هذه الطبقة تتعظ وتتعلم، وتقبل بممارسة سياسة المساءلة والمحاسبة عمّن يتحمل مسؤولية هذا العجز في الموازنة، وفي جعل البلد مديناً بهذا الشكل المرعب، وهذا الهدر الذي أوصل لبنان الى هذا الدرك.

   إنه انجاز جديد حققه الدكتور الأزهري للبنان واللبنانيين، نرجو أن يقرأه ويعمل به من يهمهم الأمر <ليكتمل النقل بالزعرور>.