كل من يتعاطى السياسة ينبغي أن يدرك انه غادٍ على خطر، وانه لن يسلم من لفح النيران السياسية والأمنية. ومن هذا الباب لا ضرورة لاستغراب التنبؤات التي أرسلها من شاشة <أم تي في> صاحب النبؤات ميشال حايك. وخذوا مثلاً الرئيس السابق ميشال سليمان. لقد قال في مناسبات عديدة، وهو رئيس للجمهورية ان أسعد الأيام في حياته يوم يعود الى بلدته عمشيت ويرتدي لباس الفلاح ويمسك بالمنكوش ويفلح ويزرع. وشيء من هذا القبيل قاله لهذه المجلة. إلا ان وجهة سيره بعدما ترك قصر بعبدا كانت مختلفة، ولم يذهب الى الحقل في عمشيت ولم يحمل المنكوش، بل ذهب الى دارته الجديدة في اليرزة، وقرر أن يتعاطى السياسة، وكان أخير هذا التعاطي، لا آخره، انه أوعز الى الوزراء الثلاثة الذين اختارهم باسمه لحكومة الرئيس تمام سلام قبل أن يترك السلطة، وهم وزيرة المهجرين أليس شبطيني، ووزير الشباب والرياضة عبد المطلب الحناوي، ووزير الدفاع سمير مقبل، بأن يتصدوا في مجلس الوزراء لكل مشروع من شأنه التمديد لمجلس النواب. وقد يكون الرجل على حق.
وسلوك الرئيس سليمان حالياً يدل على أنه يحاول ملء فراغ الكرسي الرئاسي، ولو بصفة رئيس سابق، ولكن ليس لأوساطه الاحتجاج أو الاعتراض على تنبؤات ميشال حايك التي جاء في بعضها أن الرئيس سليمان يتعرض لحادث يذهب ضحيته شخص آخر، وأن الطريق من والى منزله في اليرزة ليست آمنة. فكل شخص يتعاطى السياسة يجب أن يأخذ حذره أمنياً.
وفي تنبؤات ميشال حايك ان حرب تموز (يوليو) 2006 لم تنته وهناك محاولة لنقل حرب غزة الى لبنان، كما ان قضية عرسال لم تنته فصولا.
إنها بوصلة ميشال حايك. فماذا تقول بوصلة الأحداث المتلاحقة في المنطقة؟
لطالما ذهب المحللون السياسيون الى أن مفتاح المعركة الرئاسية في لبنان موجود في الرياض، ولكن يحتاج الى يد أخرى تمسك به هي إيران. فإذا اجتمعت كلمة الرياض وطهران فتح الباب على مصراعيه للرئيس الجديد في قصر بعبدا.
وهناك مقدمات لحركة هذا المفتاح. فبالأمس توجه الى جدة وكيل وزارة الخارجية الإيرانية <حسين أمير عبد اللهيان>، تحت عنوان <محاربة مشتركة لارهاب تنظيم داعش>. ولكن محادثاته مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل لا بد أن تتطرق الى موضوع رئاسة الجمهورية في لبنان، ولكن البت في هذا الموضوع سيتطلب وجود وزير الخارجية الإيراني <محمد جواد ظريف> حامل الأختام السرية للرئيس الإيراني <حسن روحاني>، وربما اقتضى أيضاً قمة بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس <روحاني>.
حلف ضد الارهاب!
لكن هاجس الارهاب الذي يلف المنطقة وصولاً الى قلب البيت الأبيض، سيحكم أي مباحثات يجريها مسؤولون أميركيون أو أوروبيون في الشرق الأوسط. والارهاب لا يستثني دولة دون أخرى. فهو متأصل في العراق، وعميق الجذور في سوريا، وحاضر في اليمن، ومنتشر في ليبيا، ولم يسلم منه لبنان في معركة عرسال. ومن يدري فقد يمتد الى دول خليجية اتخذت الحيطة والحذر لمواجهة هذا الخطر.
والمفاجأة ضد داعش أتت هذه المرة من سوريا التي كانت متهمة أصلاً باختراع ما يمكن تسميته بـ<فرانكشتاين الجديد> الذي سلطه العالم الفيزيائي على أخصامه، فلما انتهى منهم ارتد على المعلّم. فقدأعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم ان سوريا تمد يدها لأي جهة اقليمية ودولية لصد هذا الخطر الداعشي، ولكن ضمن الحفاظ على السيادة. ومعنى هذا الكلام ان الحكومة السورية قد تسمح للطائرات الأميركية بضرب معاقل <داعش> كما فعلت في العراق، أي بالتنسيق مع السلطات السورية. وبذلك تفتح السلطة السورية الباب لتتفاهم مع واشنطن بعدما كانت واشنطن هي الشيطان الأكبر كما لإيران كذلك لسوريا. وليس بمستغرب خلال الأسابيع المقبلة أن تغير الطائرات الأميركية، حتى بدون طيار، على معاقل داعش في الرقة وشمالي سوريا المتاخم للحدود التركية.
وخطر داعش ما زال ماثلاً في لبنان، بعدما انكفأ مؤقتاً عن عرسال. فهذا الكاتب غسان إمام يحذر في عدد الثلاثاء الماضي لجريدة <الشرق الأوسط> من خطر داعشي يتهدد شمالي لبنان، وهذا ما حذرنا منه في عدد سابق من <الأفكار>. ومثل هذا الأمر يتطلب وعياً مركزاً من وزير الداخلية نهاد المشنوق وقائد الجيش العماد جان قهوجي، ولا بد أن يكون الاثنان قد تحسبا لهذا الخطر. إلا ان الخطر الداعشي لن يجرر أذيال الفشل، إلا إذا كانت هناك عملية عسكرية جوية تحت علم الأمم المتحدة لاجتثاث شأفة داعش في العراق وسوريا ولبنان. وفي رأي وزير الخارجية السوري وليد المعلم ان تفريغ الأراضي السورية والعراقية من داعش يتطلب تجفيف المنابع المالية التي يعتمد عليها هذا التنظيم لشراء الأسلحة وتجنيد المقاتلين وتأمين مرتباتهم والتزاماتهم المالية، والتهمة موجهة الى تركيا وبعض الدول الخليجية المتهمة.. بالتمويل.
كلام ملفت لضاحي خلفان
وملفت في هذا الباب ما قاله نائب رئيس شرطة إمارة دبي وأمنها العام ضاحي خلفان على <تويتر> عن النائب العربي السابق في مجلس النواب الاسرائيلي <الكنيست> عزمي بشارة المقيم في قطر عن توجيهه للشباب ضد بعض الدول الخليجية، وهو في الحضن القطري، تماماً كما يفعل رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي حامل الجنسية القطرية، اضافة الى جنسيته المصرية.
وهذا مؤشر على ان دولاً خليجية تتحضر لمواجهة مخطط عزمي بشارة، إذا صح انه يعد مثل هذا المخطط، وأن الأيام المقبلة حبلى بالأحداث الساخنة على طول المنطقة وعرضها، وهذه الأحداث الساخنة سترفع سعر برميل النفط، وتجعل الاقتصاد الأميركي والأوروبي في محنة جديدة، اضافة الى محنتهما المالية التي تجسدت في فرنسا من خلال سقوط حكومة فرنسا برئاسة <دانيال فالس> بالضربة القاضية التي سببها وزير الاقتصاد <آرنو مونتبورغ> بانتقاده السياسة التقشفية للحكومة في حديث الى جريدة <لوموند> وتأثيرهما على البطالة التي بلغت نسبتها عشرة بالمئة والارهاق الضريبي الذي أصاب الطبقة الوسطى، اضافة الى انتقاده للمستشارة الألمانية <أنجيلا ميركل> ومطالبته الرئيس <هولاند> برفع الصوت في وجهها، ورفض السياسة المتشددة التي تفرضها على فرنسا وأوروبا.
ونعود الى موضوعنا: لبنان.
ففي يوم الثلاثاء المقبل الثاني من أيلول (سبتمبر) يجتمع مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية بطلب من الرئيس نبيه بري. ونواب بالجملة يرون أن النصاب سيكون مفقوداً، كسائر الجلسات السابقة، بينما يرى نواب آخرون أن هناك أملاً في أن يكون النصاب مكفولاً، وأن ينفتح الباب لانتخاب سيد جديد لقصر بعبدا، إذ ارتضى العماد ميشال عون بأن يفسح في المجال لمرشح وفاقي، شرط ألا يكون قائد الجيش العماد جان قهوجي، وتجلى ذلك من خلال مطالبة نواب تكتل الاصلاح والتغيير بعدم تعديل الدستور لانتخاب رئيس جديد. والكلام موجه الى حالة قائد الجيش العماد جان قهوجي، لا الى حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة الذي لا يعوزه تعديل الدستور حتى يترشح، لأنه، بحسب دراسات قانونية ليس محسوباً على موظفي الفئة الأولى، ولا ينطبق عليه ما ينطبق عليهم. كما في جعبة الوسطاء أسماء مثل بطرس حرب وجان عبيد وروبير غانم وروجيه ديب وفارس بويز.
واستشعار الرئيس نبيه بري للمخاطر التي تنتظر لبنان أملى عليه استدعاء سفراء الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن لمطالبة المجتمع الدولي بأن يكون الى جانب لبنان إذا تعرض لأي مكروه.
راقبوا وصول الحريري
ويركز المراقبون على حركة الرئيس سعد الحريري. فمجيئه في المرة السابقة الى لبنان أتاح انتخاب الشيخ عبد اللطيف دريان لمنصب مفتي الجمهو
رية اللبنانية، وعندما يقرر أن يعود الى لبنان مرة أخرى، وقبل 2 أيلول (سبتمبر) المقبل، فذلك يؤشر الى اكتمال الظروف التي تتيح انتخاب رئيس جمهورية جديد، علماً بأن الذين التقوا الرئيس نبيه بري هذا الأسبوع قد اكتشفوا من خلال كلماته بأن باب انتخاب رئيس جديد للجمهورية موصد بدون مفتاح.
وهكذا أصبح الخلاص من داعش ورئيسه أبو بكر البغدادي، أهم من الخلاص من أزمة الرئاسة في لبنان، وهذا يتطلب تصويب الأنظار الى العراق حيث <مملكة> داعش، ومخطط نائب الرئيس الأميركي <جوزف بايدن> لتقسيم العراق الى ثلاث دويلات: سنية في الوسط، وشيعية في الجنوب، وكردية في الشمال، والحالة الثالثة تكاد تكون مكتملة رغم التفجيرات التي تعرضت لها أربيل عاصمة كردستان.
ومن أربيل يمتد القلم الدولي ليرسم خريطة المنطقة..
وما علينا إلا الانتظار والاعتصام بالذي سماه <نابوليون بونابارت>: الجنرال: زمان!!