تفاصيل الخبر

الاستحقاق الأول أمام حكومة دياب بعد الثقة كيفية تسديد ”اليوروبوندز“ في آذار المقبل!

13/02/2020
الاستحقاق الأول أمام حكومة دياب بعد الثقة كيفية تسديد ”اليوروبوندز“ في آذار المقبل!

الاستحقاق الأول أمام حكومة دياب بعد الثقة كيفية تسديد ”اليوروبوندز“ في آذار المقبل!

 

نيل حكومة الرئيس حسان دياب الثقة من مجلس النواب لن يكون كافياً كي تستطيع أن <تقلّع> وتحقق انجازات لأن الفرصة المتاحة امامها لالتقاط الأنفاس اقتصادياً ومالياً ونقدياً محدودة جداً لا بل قد تكون شبه معدومة إذا ما نظر اللبنانيون الى الحال التي وصلت إليها بلادهم في مهلة زمنية قصيرة بدأت في 17تشرين الأول (أكتوبر) ولمّا تنتهي بعد، لا بل هي تزداد اتساعاً مع تكاثر المخاطر والتحديات وتنوعها على غير صعيد. والثابت ان حكومة الرئيس دياب تدرك هذه الحقائق وأوردتها في مستهل البيان الوزاري عندما قالت ما حرفيته <مخطئ من يعتقد انه سينجو من أي انهيار في الاقتصاد ومن غضب الناس>، داعية الى التواضع والاعتراف بأن <استعادة الثقة تكون بالأفعال وليس بالوعود، وان استعادة الثقة مسار طويل يتطلب مصارحة الناس بالحقيقة ويحتاج الى انجازات ملموسة>. غير ان <ادراك> الحكومة هذه الحقيقة، و<اقرارها> بأن لبنان <يواجه أزمات اقتصادية ومالية واجتماعية ومعيشية وبيئية خانقة ومصيرية> لم تعكسهما في مضمون البيان الوزاري الذي جاء طويلاً من حيث الشكل (16 صفحة فولسكاب بحرف صغير) ومعقداً من حيث المضمون وهو الذي حفل بوعود كثيرة وإن كانت ممرحلة على مئة يوم وسنة كاملة ثم ثلاث سنوات. فالبيان الذي أقرّ <بوجود بطالة جامحة وفقر مدقع وانهيار وتهديد للبنى التحتية والخدمات الأساسية وتهديد مباشر للناس في صحتهم ورواتبهم وسكنهم ولقمة عيشهم، لم يتضمن كلاماً عن اجراءات عملية سوف تحد من البطالة وتفتح الأفق أمام جيل عاطل عن العمل، ولم يعط ضمانات فعلية للفقراء، كما غابت عنه الاجراءات التي ستعيد بالفعل لا بالقول ترميم البنى التحتية أو تطويرها، وتفعيل الخدمات الأساسية، كما انه لم يلحظ خطوات مضمونة لتحسين صحة الناس وزيادة رواتبهم أو على الأقل المحافظة عليها إما من اقتطاع المؤسسات نصف رواتب العاملين لديها، أو حجبها نهائياً عنهم. وغابت عن البيان الوزاري الخطط الفعلية لضمان سكن الناس ولقمة عيشهم.

والتقت أكثر من جهة على وصف البيان بأنه <بيان الوعود البراقة> مع شوق لما هو عملي وإن بدا تقسيم هذه الوعود على ثلاث مراحل بهدف اكسابه صدقية وجدية. إلا ان الانصاف يقتضي الاقرار بأن الجهد المبذول لإخراج البيان الوزاري الى حيز الوجود، كان جهداً مميزاً إذ ولد البيان في فترة زمنية معقولة لم تكن تحصل في الماضي حيث كان يستهلك انجاز البيانات الوزارية المهلة الدستورية كلها، أي شهر كامل. وإذا كان البيان وزع برنامج الحكومة على صفحات عدة، فإنه أفرد 12 صفحة ونصف الصفحة للقضايا الاقتصادية والمالية والاجتماعية والإنماء، وأورد العناوين السياسية الأساسية في ثلاث صفحات مكرراً في بعضها ما كان يرد في بيانات وزارية سابقة لاسيما في خاص <السير في ألغام> أحداث المنطقة وسياسة <النأي بالنفس>، وموضوع الصراع مع اسرائيل، ووثيقة الوفاق الوطني، والثروة النفطية في المياه البحرية اللبنانية، من دون أن تغيب قضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري والمحكمة الدولية التي تنظر فيها، ومسألة تغييب الإمام السيد موسى الصدر وضرورة مضاعفة الجهود لجلائها، ودعم اللجنة الرسمية المشكلة للمتابعة <بهدف تحرير الإمام ورفاقه وعودتهم سالمين>. كذلك كان لقضية النازحين بضعة أسطر في البيان في تكرار عما ورد في البيان الوزاري لحكومتي الرئيس الحريري مع بداية عهد الرئيس العماد ميشال عون، كذلك لم تغب القضية الفلسطينية وحق العودة، وتحقيق التنمية المستدامة...ولم يحمل البيان جديداً إلا فقرة من ثلاثة أسطر حول العمل على تحقيق الحكومة لمبادرة رئيس الجمهورية بإنشاء <أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار> في لبنان التي أقرتها الأمم المتحدة في 16 أيلول (سبتمبر) الماضي.

 

مستحقات <اليوروبوندز>!

 

وإذا كانت الحكومة طلبت من النواب ثقتهم على امهالها مئة يوم على تحقيق بعض الانجازات التي أوردتها في بيانها الوزاري، بمراحله الثلاث، فإن قضية الدين العام المتصاعد هو <اللغم> الحقيقي الذي سيكون على الحكومة الجديدة أن تتعامل معه بحذر شديد لاسيما وأن استحقاقاته الكثيرة والكبيرة في آن ستدق الأبواب خلال الشهر المقبل، لأن في طريقة التعاطي المؤشر الأول لنجاح الحكومة أو فشلها، لاسيما وأن القضية الأكثر إلحاحاً على جدول الأعمال ستكون دفع مستحقات <اليوروبوندز> للعام 2020 والتي يبدو ان الحكومة تتجه للتعامل معها وفق التعريف العلمي <سواب> أي استبدال دين بدين آخر لأن هذا النمط من التعامل مع الدين العام معمول به منذ العام 1992 بصورة، يقول عدد من الخبراء في الاقتصاد والمال، انها تخالف أكثر مبادئ الاقتصاد بديهية حيث قامت قيمة الدين في الأصل على أساس استدانة مبالغ مالية بهدف تحويلها الى طاقة استثمارية تؤمن للمستدين امكانية الاكتفاء المادي ودفع فائدة الدين ليصار من ثم الى رد أصوله عبر فترة زمنية محددة. لكن المشكلة برزت نتيجة استخدام المبالغ المقترضة في مجال الاستهلاك عوضاً عن الانتاج، وفي تحقيق أرباح فردية وفئوية وشراء الذمم، وهو ــ يضيف الخبراء ــ ما حصل في لبنان منذ 27 عاماً!

إذن الاستحقاق السريع الذي ينتظر الحكومة خلال أيام قليلة هو سندات <اليوروبوندز> المستحقة بين آذار (مارس) وحزيران (يونيو) المقبلين بقيمة مليارين ونصف مليار دولار، أكبرها دفعة التاسع من آذار (مارس) المقبل وهي 1,2 مليار دولار يقول المطلعون انها شهدت عملية تحايل أو تلاعب تعبر عنها الأرقام في مطلع كانون الثاني (يناير) الماضي حيث كان المقرضون المحليون، أي المصارف اللبنانية، يحملون 660 مليون دولار أميركي من هذه السندات و540 مليون دولار يحملها المستثمرون الجانب من مصارف وشركات ومؤسسات مالية في الخارج. لكن تبين ــ وفق للمصادر العليمة نفسها ــ ان المصارف اللبنانية باعت بواسطة شركة <ميد كلير> أكثر من 260 مليون دولار بخسارة لأنها بيعت بأقل من قيمتها، الى المؤسسات الأجنبية، الأمر الذي أحرج الدولة اللبنانية التي كانت تخطط لتأجيل دفع المستحقات اللبنانية والاكتفاء بدفع سندات <اليوروبوندز> المستحقة للخارج. واللافت في هذا المجال ان لا أحد يملك أجوبة مقنعة حول ما حصل من بيع وشراء عبر الشركة الوحيدة المخولة بعملية بيع السندات اللبنانية وشرائها على رغم وجود تعاميم من مصرف لبنان تمنع قيام مثل هذه العمليات. صحيح ان التحقيق جار لمعرفة المسار القانوني لعملية البيع التي قامت بها المصارف اللبنانية وما إذا كانت قبضت الثمن في الخارج، لكن الصحيح أيضاً ان هذه العملية رتبت أعباء اضافية بلغت قيمتها ربع مليار دولار يجب أن تدفعها الحكومة من احتياطي العملة الصعبة، ليصبح اجمالي ما ستكون ملزمة بدفعه للمصارف الأجنبية بحدود 800 مليون دولار في مقابل 400 مليون دولار للمصارف اللبنانية والتي سيصار الى تأجيلها، مع العلم بأن الاستحقاقين المقبلين لسندات <اليوروبوندز> في نيسان (ابريل) بقيمة 700 مليون دولار وفي حزيران (يونيو) بقيمة 600 مليون دولار وقد تتبدل أرقامهما نتيجة عمليات الدفع التي قامت بها المصارف المحلية بعدما أدركت ان الدولة ستسدد التزاماتها فقط للخارج، علماً ان ثمة من يتحدث راهناً عن مخاطر يمكن أن تترتب على شراء المصارف الأجنبية للسندات خصوصاً مع تراجع تصنيف لبنان الائتماني.

 

خياران لا ثالث لهما!

ويقول خبراء مصرفيون ان الدولة ستكون أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول دفع المترتبات عليها في القسط الأول في آذار (مارس) المقبل لأن الرئيس دياب يردد أمام زواره انه لن يقبل أن يقال إنه في عهده تخلف لبنان عن سداد ديونه، ويلاقيه في هذا الموقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يصر على التزام لبنان سداد ديونه في المواعيد المحددة حفاظاً على سمعة لبنان الخارجية. أما الخيار الثاني فيتطلب إعادة جدولة الدين، وهنا يبدو صندوق النقد الدولي هو الخيار الأكثر واقعية ــ حسب الخبراء ــ بالنسبة الى أهل الحكم. لكن هذا الخيار يحتاج خصوصاً الى قرار سياسي من السلطة السياسية إضافة الى خريطة طريق متدرجة قبل موافقة الصندوق على التدخل رسمياً. وقد تواصلت في الأسبوع الماضي اللقاءات والاجتماعات، ومعظمها بعيداً عن الأضواء لتحديد سلبيات كل خيار وايجابياته للوصول الى نتيجة حاسمة قبل حلول شهر آذار (مارس) المقبل لاسيما وانه تم استبعاد خيار ثالث يدعو الى التفاوض مع الدائنين وصولاً الى مقايضة السندات بأخرى ذات آجال أطول في حال وافق المقرضون وبالتالي تحمّل لبنان المزيد من خفض تصنيفه السيادي. أما سبب استبعاد هذا الخيار فهو عدم ثقة السلطات اللبنانية بامكانية قبول المقرضين بإجراء مثل هذا التفاوض نظراً للوضع الراهن للبنان من الناحيتين الاقتصادية والمالية.

وفيما يستبعد بعض الخبراء ما يتردد عن ضرورة استعادة الأموال المنهوبة من خلال آلية قوامها رفع السرية المصرفية وتوقيف المشتبه بهم، يرى آخرون عدم قدرة الدولة على إعادة أموال سحبت من لبنان في العام 2019 وتتجاوز أرقامها المعلنة حتى الآن الـ10 مليارات دولار أميركي معظمها لكبار المودعين بمن فيهم عدد من المساهمين الكبار في المصارف، لأن هذه الخطوة تحتاج الى قرار سياسي من غير المضمون الحصول عليه.

ومع الحيرة التي تنتاب المسؤولين اللبنانيين حيال الخيارين المطروحين يقفز الى الواجهة موضوع مناقشة خيار <السواب> بهدف تأجيل الانهيار الكبير الذي بات الكثيرون يتحدثون عنه بأنه صار حتمياً. لكن هذا القرار يفترض أن يتخذ بسرعة، من هنا يبدو التحدي الأول أمام حكومة الرئيس دياب وهو أهم من تحدي نيلها الثقة وما يستتبع ذلك ما يفرض ــ في رأي الخبراء الاقتصاديين ــ ضرورة اعتماد خطوات واضحة ومستقبلية لمقاربة هذا الموضوع الدقيق والذي سوف يتكرر بعد حين لأن ديون لبنان ممتدة حتى العام 2037... إذا لم تستدن الدولة المزيد من الأموال، مع العلم بأن لا ضمانة رسمية بعد لقبول صندوق النقد الدولي بالتدخل لمساعدة لبنان لأن أبواب هذا الصندوق لا تُفتح مجاناً من دون تطبيق قراراته و<توصياته> وأبرزها، كما بات معروفاً، رفع قيمة ضريبة القيمة المضافة من 11 بالمئة الى 15 بالمئة، وزيادة الضريبة على البنزين بمقدار خمسة آلاف ليرة عن كل صفيحة بنزين، وزيادة تعرفة الكهرباء، وتحرير صرف الليرة اللبنانية، وإعادة النظر في هيكلية الادارات والمؤسسات العامة...

فأي من الخيارات ستعتمد الحكومة اللبنانية لمعالجة قضية <اليوروبوندز> وسط هذا الضياع المعبّر عنه في أكثر من مناسبة... ان غداً لناظره قريب!