تفاصيل الخبر

الأستاذ نبيل أبو ضرغم : لو كنت وزيراً لمارست العمل الوزاري موظفاً عند العلم وخادماً للشعب!

13/02/2020
الأستاذ نبيل أبو ضرغم : لو كنت وزيراً لمارست العمل الوزاري موظفاً عند العلم وخادماً للشعب!

الأستاذ نبيل أبو ضرغم : لو كنت وزيراً لمارست العمل الوزاري موظفاً عند العلم وخادماً للشعب!

بقلم وردية بطرس

بعد 30 سنة من العمل الدؤوب والعطاء في خدمة الأمم المتحدة في بيروت يتحدث الأستاذ نبيل محمود طي ابو ضرغم عن تجربته الغنية في هذه المنظمة باسلوب مميز ومحبب، ويتمنى ان يستطيع كتابة ما يُمكن ان يُقال، وهو يحب ممارسة هواية الرسم التي ورثها عن والده الذي أسس فوج المغاوير وتميّز بمسيرة عسكرية لافتة. التقيناه في منزل والديه في بيروت وكان لـ <الأفكار> معه حديث مقتضب بجوانبه الانسانية والسياسية والثقافية.

 

الانخراط في سلك المنظمة الدولية!

يعترف الرجل الخمسيني الذي انخرط في سلك المنظمة الدولية في العام 1989 وهو في السابعة والعشرين من العمر، بأن والده كان يريده ان يتقدم الى وزارة الخارجية والمغتربين بعد انهاء دراسته في الجامعة الأميركية ليبدأ مسيرة مهنية في مجال الدبلوماسية. وكان قد أرسله في نهاية المرحلة المدرسية في <الانترناشونال كولدج> <IC> عام 1981 الى زوريخ (سويسرا) في عهدة صديقة للعائلة عملت في بيروت خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي أخضعته لدورة تدريبية مكثفة في كيفية التعامل مع الشخصيات الرفيعة وفي العادات الاجتماعية الراقية، لكن ظروف البلد لم تسمح باقامة امتحانات الخارجية. وفي هذه الفترة المتأرجحة بين قراره ترك لبنان او البقاء لفتت انتباهه الأميرة زينة مجيد أرسلان الى وظيفة صغيرة في المركز الاعلامي للأمم المتحدة في بيروت وشجعته على ان يتقدم بالطلب. وكلما اتصل بها اليوم يشكرها على التفاتتها التي غيرّت مجرى حياته وحررته من العمل في المؤسسات الحكومية.

ويقول:

- الا ان القرار كان بيد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق لشؤون الاعلام الأستاذ سمير صنبر الذي يعود اليه الفضل الأكبر بما أنا عليه اليوم من تعييني الى تربيتي المهنية، فلقد وضعني سمير صنبر أمام تحدٍ كبير في أواخر الثمانينات اي القيام بأعمال المركز الذي كان في طلعة الحمام العسكري منذ تأسيسه في العام 1962 واعادة تنشيطه تجنباً لنقله من بيروت في ظروف شهدت أحداثاً دقيقة مثل <حرب التحرير> التي أعلنها الرئيس العماد ميشال عون ضد الجيش السوري ومن ثم تحرير الرهائن الأجانب من خلال مبادرة للأمم المتحدة قادها في عهد الأمين العام <خافيير بيريز دوكويلار> الوسيط الدولي <جياندومنيكو بيكو> الذي كان يشغل آنذاك منصب الأمين العام المساعد للمهمات الخاصة... نشاطات ومهمات تطلبت قدراً عالياً من الصبر والحكمة والارادة الصلبة عاونه فيها فريق عمل صغير ضم ثلاث سيدات ورجلاً: أمال جابر ونبيلة سروجي واميلي حجار ومنذر جابر، ولم يكن يطرق باباً الا ويتلقى الدعم المطلوب من غسان تويني، الى فرانسوا عقل، وطلال سلمان، ووليد عوض، ومنح الصلح، ورفيق شلالا، وشارل أيوب، وصلاح سلام، وبيار الضاهر، وأمين ابو خالد، وحنّا عنبر وغيرهم.

 

العمل مع السيدة ميرفت تلاوي!

وقبيل عودة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا <الاسكوا> الى بيروت كان الأستاذ نبيل محمود طي ابو ضرغم في خدمة الأمين التنفيذي الدكتور حازم الببلاوي (الذي أصبح رئيساً للوزراء في مصر) خلال رحلاته المكوكية بين عمان حيث استقرت <الاسكوا> خلال حرب الخليج الثانية والعاصمة اللبنانية تمهيداً لافتتاح بيت الأمم المتحدة في العام 1998. الا ان وجود السفيرة والوزيرة المصرية السابقة ميرفت تلاوي على رأس اللجنة في العام 2001 شكّل محطة مفصلية في حياته المهنية اذ أعطته فرصة الانتقال الى الملاك الدولي فيما كان يتابع مرحلة أخرى من مهمة خاصة مع الوسيط الدولي <بيكو> لم تستمر طويلاً.

وعن هذه المحطة في حياته المهنية يقول:

- لم يكن العمل مع السيدة ميرفت تلاوي سهلاً على الاطلاق لأنها كانت سيدة محترفة للغاية ومتطلبة الى أبعد الحدود تستنفد طاقات العاملين معها لمصلحة وجود <الاسكوا> على الخارطة الاقليمية ــ الدولية واستجابتها لمتطلبات منطقة عربية غير مستقرة. فقد أعطت السيدة ميرفت تلاوي المنظمة وهجاً لا أعتقد أنه سيتكرر بسهولة، وهي عملت على فوز لبنان بـ<جائزة الأمم المتحدة للاعمار> من خلال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي يعود اليه الفضل باستعادة <الاسكوا> مقرها النهائي والدائم في بيروت، اذ أعطته ميرفت تلاوي كل الدعم المعنوي ليتحرك من ناحية الاعلام والعلاقات العامة ووثقت بأسلوبه في التعامل مع الشركاء الحكوميين وغير الحكوميين وزوار <الاسكوا> العرب والدوليين، وكانت تعتبر ان لديه القدرة على ان يعمل بتفرد وينجح لكنها كانت تأخذ عليه انه مشاكس مستمر ولو بنعومة كبيرة، وهذا أخطر من الذين يفكرون بصوت عال.

وفي زمن ميرفت تلاوي عرفت <الاسكوا> تحت مظلة رفيق الحريري حركة هائلة من النشاط وأصبحت قبلة الشخصيات العربية والدولية ومنبراً للفكر والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والاعلام والأولويات الاقليمية كالتكامل العربي وفلسطين والعراق في ما بعد. ولم يمنع المنصب الدولي بجانبه الوظيفي الاداري او البيروقراطي الأمينة التنفيذية من اظهار شجاعتها في ما يخص القضايا العربية حتى أنها بعيد غزو العراق طرحت السؤال على أحد السفراء الأجانب عن سبب الاستمرار بحضوره مؤتمرات <الاسكوا>.

ولقد رافق الأستاذ نبيل ابو ضرغم السيدة تلاوي في رحلاتها الرسمية في المنطقة وكان يشارك في تفاصيل تحضيرها وتنفيذها ودخل الى المقرات والمؤسسات الرسمية العربية وكانت فرصة ليتعرف عن كثب على أسلوب عمل معظم القيمين عليها ما يبقيه حتى اليوم غير متفائل بتغيير جذري فيها. وقد شجعته الأمينة التنفيذية أيضاً على تطوير مؤهلاته العلمية فنال شهادة الماجستير بالشؤون الدولية من كلية <Fletcher> للحقوق والدبلوماسية التابعة لجامعة <Tufts> الشهيرة. وهنا يقول:

- والدتي كانت أيضاً تريدني ان أذهب اما الى <Harvard> او <Fletcher> فحققت لها هذه الأمنية، ولو بعد رحيلها، وكان برنامج الدراسات مخصصاً للذين يعملون في الحكومات والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني لتحضيرهم الى المواقع العليا.

وبعد عهد ميرفت تلاوي الذي شهد الحرب على لبنان في العام 2006 والانسحاب المؤقت للـ<اسكوا> من بيروت عاصر نبيل أبو ضرغم ستة أمناء تنفيذيين، اثنان منهم تسلما المهمة بالانابة أو بالوكالة.

وبعد الحاح منا يختصر الكلام قائلاً:

- حديثنا المقتضب لا يفيهم حقّهم وقد تعلمّت كثيراً من خبراتهم العالية وتميّزهم العلمي والثقافي ورقيّهم.

يعشق لبنان كما عشقه والده!

ويحتفظ الاستاذ نبيل بذكريات راسخة تعود الى الستينات والسبعينات من القرن الماضي أثرت في شخصيته الى حد بعيد، وهو يتابع ما يجري في الوطن الذي ما زال يعشقه كما عشقه والده من قبله بعيداً عن المحاصصات السياسية والتجارية، كما انه يتابع ما يجري بعين مجردة وبحيادية تربى واعتاد عليها في الأمم المتحدة. وفي هذا الاطار يرى انه منذ 13 نيسان (أبريل) 1975 انقلب بنا العالم رأساً على عقب ودخلنا في أزمة أخلاقية وتربوية معقدة توازي الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية، كما أنه لا يرى تغييراً قريباً سوف يؤدي الى دولة مؤسسات منظمة تحكمها العدالة والمساواة والمبادىء التي تضع الانسان في محور الأولويات، ذلك انه أولاً الخلاص من الفساد الذي أصبح تربية وثقافة وأحد مبادىء العيش يتطلب جيلاً برمته للتغيير بالاضافة الى الاجراءات الطارئة التي يجب القيام بها سريعاً، وثانياً لأن القيمين على الانسانية تجاهلوا وضع الشعوب النامية على سكة حقوق الانسان ما دفعها إلى البقاء غارقة في مشاكلها العميقة. والاستاذ نبيل يخشى بان يخيّم على لبنان شبح الفئوية والانقسام والفرز حتى يصبح لبنانات رغم احلام الشعب واخلاصه وبالأخص المرأة اللبنانية. وهو يرى ان هناك فريقاً هو الأقوى حالياً ومحترف بفن التفاوض يستطيع ان يحدث تغييراً وان يأخذ لبنان الى مرحلة جديدة وايجابية في التعامل الدولي، أما المطالب المحقة التي يحملها المواطن اللبناني الذي ما زال ملتزماً بفكرة الوطن الى الساحات فعنها يقول:

- لن تجدي اذا لم تنتقل الى صناديق الاقتراع المقبلة، وهذا يتطلب عملاً دؤوباً وجهداً مكثفاً لتوعية شرائح المجتمع كافة حول من يحق له ان يترشح وكيف يحق له ان يترشح لتمثيل الشعب في الندوة النيابية، والا فانه كما العادة سيأتون الى الناس بمرشحين مظليين فارغين من الكفاءة والرؤية السياسية والانمائية يفرضون عليهم انتخابهم، فيما الشعب يريد مسؤولين مثقفين ومتقشفين ومخلصين للشعب وليس لأهدافهم الشخصية. أما بالنسبة للزعامات، فهذا الموضوع مرتبط الى حد بعيد بالخصوصية السياسية والتاريخية والثقافية لشرائح المجتمع اللبناني ومتوقف عليها.

وموضوع الكفاءة دفعنا لطرح السؤال على الاستاذ نبيل ابو ضرغم عما اذا كان وليد جنبلاط جدياً حين اقترح اسمه أمام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للتوزير في حكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة فقال:

- أشكر لوليد بك هذه الالتفاتة لكنني منذ اللحظة الأولى لم أتوقع التوزير، ليس فقط لأن الظروف السياسية حالت دون ذلك بل لأن الجميع يعلم بأنه بعد ثلاثين عاماً في الأمم المتحدة كنت سأمارس العمل الوزاري موظفاً عند العلم اللبناني وخادماً للشعب وليس للأشخاص والمواقع، وهذا ما زال يسبب خلافات مع المراجع والزعامات السياسية في بلدٍ مثل لبنان.

 

الرسم والموسيقى!

ولقد اعتاد الأستاذ نبيل نبيل ابو ضرغم منذ صغره على تمضية معظم وقته بين الكتب والرسم والموسيقى، فكان والداه يهديانه، هو وشقيقته رلى (طلال الخليل)، كتباً في المناسبات ويحرصان على اصطحابهما الى معارض الرسم والمسارح ومشاهدة الأفلام السينمائية القيّمة والهادفة في ظل تربية صارمة للغاية. وهو يحاول حالياً قراءة <قصة الحضارة> للمؤرخ والباحث <وليام جيمس ديورانت> بأجزائها كاملة ويقول:

- تبقى أجمل الرحلات بالنسبة لي هي غير المتحركة اذ تجعل المرء يسافر في الكتاب متنقلاً بين مملكة الكلمة والصور.

وبين المرحلتين المدرسية والجامعية كان الأستاذ نبيل ابو ضرغم  قد أمضى خمس سنوات يدرس العزف على البيانو وتاريخ الموسيقى في <ستوديو نورا فرتابديان> المتخرجة من <أكاديمية فيينا للموسيقى> العريقة فأصبح يعرف من هم العازفون الذين يستحقون الانتقال من مهرجان الى آخر لأجل سماعهم، وهو يأمل بأن تأخذ الثقافة حيّزاً رئيسياً تكون فيه وجهاً من وجوه التنمية المستدامة في بيئة لبنانية يجب ان تكون قابلة لذلك، كما يأمل أن تسعى وزارة الثقافة الى بقاء الجدران التي كُتبت عليها الشعارات الموضوعية للثورة (وليس النابية) وارتفعت عليها الأعمال الفنية الخلاقة حتى تتحول الى مكان استقطاب للسياح والوافدين الى العاصمة اللبنانية والمدن الأخرى.

ومنذ رحيل والده عن الدنيا بقي نبيل ابو ضرغم وشقيقته رلى على تواصل مع الجيش اللبناني <لأنه كما كان يقول والدي العمود الفقري للوطن فاذا انهار ينهار الوطن على الجميع من دون استثناء ولأنه مؤسسة لها الفضل في تربيتنا>، لذلك يحرصان على دعم عائلات شهداء الجيش اللبناني من خلال عائدات الكتب التي وضعها والده ونشاطات أخرى، كما ان الأستاذ نبيل ابو ضرغم هو أيضاً على تواصل مستمر مع المسؤولين الدوليين الذين عمل بقيادتهم في الأمم المتحدة، اذ يقول: <لا معنى لحياة الانسان من دون الوفاء>.