الإرهاب الذي يضرب منطقة الشرق الأوسط ويهدد العالم كله نما وترعرع في ظل دعم واحتضان الغرب واسرائيل ليؤدي وظيفة محددة وهي تفتيت المنطقة وتقسيمها الى دويلات طائفية واتنية، وهذا هو جوهر المشروع الصهيوني وحماته.. فهل التحالف الدولي العريض الذي نشأ لمواجهة <داعش> موحد الرؤية والأهداف؟ أم كل طرف يغني على ليلاه؟ وإلا لماذا استمر هذا التنظيم في التمدد ومن أين يلقى الدعم والمساندة والمال عبر الحدود المفتوحة لتدفق المسلحين من أقاصي الأرض الى بلداننا؟!
<الأفكار> استضافت في مكاتبها وزير الخارجية السابق عدنان منصور وحاورته على هذا الخط لاسيما وانه ضليع كديبلوماسي عريق في العلاقات الدولية وسبق واختبر مواقف الدول المعنية بمشكلة الإرهاب منذ انطلاق التنظيمات الإرهابية التي سرقت ثورات الربيع العربي وحولتها الى دم ودموع وخراب في كل البلدان العربية.
سألناه بداية:
ــ سبق وحذرت عما يحدث في المنطقة وبالأخص عما يجري في سوريا، واتهمت بأنك وزير لسوريا وحزب الله وطالب البعض باستقالتك. فهل ترى أن ما حذّرت منه أصبح واقعاً؟
- صحيح، فإذا عدنا الى خطاباتي في الجامعة العربية ومقابلاتي الصحافية والتلفزيونية، نجد ان ما حذرت منه في بداية الأحداث السورية أصبح واقعاً، وما حذرت منه في الجامعة وقلت إن من يظن نفسه بعيداً عن لهيب الحرب فهو مخطئ، والمسألة هي مسألة وقت لأن النار ستصل الى كل ديارنا، وهذا ما حصل. فالقضية ليست قضية حريات ويموقراطية وحقوق إنسان، لأنه عندما تسقط سوريا تسقط المنطقة كلها، وحتى انني في اللقاءات مع وزراء الخارجية الأجانب كنت أقول لهم إن المسألة لا تتعلق بتغيير سياسي، بل الخطر هو التأسيس للإرهاب الذي سيلعب دوراً في المستقبل، وهو إرهاب لا حدود له، وقلنا إن الإرهاب عندما بدأ عام 2001 في أفغانستان جاء التحالف الدولي وتدخل، وحتى اليوم لم ينتهِ منه بل بالعكس تمدّد الإرهاب الى باكستان، لاسيما في منطقة بلوشستان، والى العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر ومالي ونيجيريا والجزائر، حتى انني سألت أحد وزراء الخارجية الأوروبيين يوماً عن مدى بعد أوروبا عن افريقيا، فقال إن المسافة هي 12 كلم فقط، وهو يقصد المسافة عند مضيق جبل طارق، فقلت له إن أوروبا ليست قادرة على مواجهة الهجرة السلمية ووقفها، فماذا ستفعل أوروبا إذاً مع الهجرة الإرهابية المخطط لها والمدربة والمنظمة، وكيف سيتم وقفها؟! فالإرهاب بدأ من زمن بعيد وهم اليوم بدأوا بالتحرك ضد <داعش>، ولكن الإرهاب كان يضرب المنطقة قبل <داعش> ولم يتحرك أحد لمواجهته منذ بدء الأحداث في سوريا عام 2011 وكذلك في العراق.
تفتيت المنطقة
ــ وهل التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب جدي في القضاء عليه، أم يريد احتواءه أو توظيفه لمصلحته؟
- أبداً، فكيف لجهات دولية تريد ضرب الإرهاب الممثل بـ<داعش> أن تعمل في الوقت نفسه على تسليح فصائل مسلحة أخرى؟ ألم ينشأ الإرهاب من قلب المعارضة المسلحة التي أفرزت هذه التنظيمات الإرهابية من <داعش> و<جبهة النصرة> والمئات من الكتائب الأخرى التي اتخذت تسميات شتى من كتائب الرسول الى الفاروق الى المجاهدين إلخ؟! فمن موّل هذه الجماعات ومن أين حصلت على السلاح؟! وكيف يأتي الغرب ليقول إنه يريد تسليح 5 آلاف عنصر من المعارضة السورية المعتدلة؟
وأضاف يقول:
- هنا نسأل: هل هناك معارضة مسلحة في كل دول أوروبا، وهل تسمح أوروبا بتسليح المعارضات لديها؟ طبعاً لا.. فما يجري هو تفتيت للمنطقة وبالأخص سوريا وهذا ما يجب التنبيه إليه لأن سوريا هي قلب المنطقة، ودمارها هو دمار للمنطقة، وما يحصل هو تدمير لعناصر المقاومة ضد قوى التسلّط والهيمنة وتدمير لكل الحضارة والثقافة، وما حصل في الموصل هو الدليل الأكبر على ذلك، لاسيما واننا رأينا كيف ان التراث الإنساني هدم هناك، ما يجعلنا نتأكد من وحشية هذه الفصائل، ولا توجد كلمة في القاموس تستطيع أن تعبّر عما جرى في الموصل، فالتاريخ يتعرض للهدم.
ــ ألا يذكرنا هذا بتهديم حركة طالبان لتماثيل <بوذا> في أفغانستان؟
- طبعاً، وللأسف، فالثقافة واحدة، وهذا ما يجب أن ننبّه إليه. فنحن بحاجة الى صحوة من جديد لأننا نعيش في سبات عميق ولا بد من صحوة، لأن ما يحصل هو تدمير كامل للتراث والتاريخ والحضارة والمجتمعات والنسيج الوطني الديني والطائفي والقومي وكل شيء يتفتت.
تهجير المسيحيين وإسرائيل
ــ كيف تفسر هذا الاستهداف للمسيحيين؟
- هذا مخطط مرسوم يقضي بتفريغ المنطقة من المكونات لإعطاء المبرر لإسرائيل في تعاطيها مع الفلسطينيين وللمطالبة بدولة يهودية، لا بل أقول إن اسرائيل ليست بعيدة عن هذا المخطط، بالإضافة الى من يقف معها ويتحالف مع الكيان الغاصب.
ــ إلى أين نحن سائرون في تقديرك؟
- نحن في حرب استنزاف طويلة الأمد وداخل نفق مجهول لا يتصور أحد أننا سنخرج منه خلال أشهر، فالصراع لا يزال مستمراً ولن ينتهي بسرعة.
ــ قال الرئيس الأميركي <باراك أوباما> انه يلزم الغرب 3 سنوات للقضاء على الإرهاب. فما معنى ذلك؟
- عندما يقول <أوباما> ذلك، فمعناه انه يبشر المنطقة بحرب متواصلة لمدة ثلاث سنوات، ولكن قد تنتهي هذه السنوات وتبدأ ثلاث سنوات أخرى متجددة، فالغرب عندما دخل الى أفغانستان عام 2001 لم يتصور ان قوات التحالف ستبقى لمدة 15 سنة هناك ولا تزال حتى اليوم، والعملية تتكرر في العالم العربي، والخوف الكبير من ان الدول العربية التي كانت تمتلك الجيوش القوية مثل سوريا والعراق ومصر تتعرّض اليوم للضرب الواحدة تلو الأخرى. فمصر اليوم في نفق طويل وهناك خطورة عليها، لاسيما وان الإرهاب يضرب في أماكن متفرقة من مصر وهذه بداية.
فصل مصر عن سوريا
ــ البعض يقول إن هذا مخطط لإلهاء مصر بنفسها وبالمغرب العربي ومنعها من التطلع الى الجبهة الشرقية ومحاولتها التوصل مع سوريا لفصل الجبهة الشرقية عن الجبهة الغربية نهائياً. فهل هذا أمر صحيح؟
- هذا صحيح، فالمخطط الصهيوني عند إنشاء إسرائيل كان هدفه فصل الجبهتين ورئيس وزراء بريطانيا عام 1904 <بنيامين دزرائيلي> ورئيس المنظمة الصهيونية العالمية <حاييم وايزمن> اجتمعا مرة وسأل الأول الثاني عن سر الإصرار على إنشاء وطن يهودي في فلسطين، فقال له إن وجود دولة يهودية في فلسطين كفيل بأن يفصل عرب المشرق عن عرب المغرب، وبالذات عن مصر لأنها تمتلك مقومات الدولة. وقد جاء مؤتمر <كامب دايفيد> فأقامت اسرائيل فصلاً جغرافياً وعسكرياً واستراتيجياً وسياسياً وتم تكبيل أيادي مصر العسكرية في الشرق وأي تنسيق ضد اسرائيل، وبالتالي كان الفصل الجغرافي في الماضي وحصل الفصل السياسي والاستراتيجي والعسكري في <كامب دايفيد>، وبذلك لا تريد اسرائيل لمصر أن تكون قوية أو لأي دولة عربية تمتلك قرارها المستقل، والغرب أيضاً لا يريد ذلك، والخيار هو محاولة تفتيت المنطقة. وبالأمس كانت ذكرى الوحدة بين مصر وسوريا، وأسأل: هل قام أحد على ذكر هذه الوحدة؟ فالوحدة عندما أعلنت عام 1958 هزت العالم العربي كله و<عدنان مندريس> رئيس وزراء تركيا أرسل كتاباً الى وزير خارجية أميركا يومئذٍ <جون فوستر دالاس> غداة الوحدة، وقال له إنه نام وكانت هناك دولة على حدوده الجغرافية تضم 6 ملايين نسمة واستفاق فوجد دولة تضم 30 مليون نسمة.. فرمز الدولة مهم حيث لا يمكن لهذا الشرق العربي أن ينهض بدون الوحدة، لأن الوحدة هي القوة، ولذلك لا يريدون القوة لهذا الشرق.
الغرب وفلسطين
ــ كديبلوماسي وسفير للبنان في الاتحاد الأوروبي ووزير للخارجية عاصرت القضية الفلسطينية، هل هناك تبديل في الموقف الأوروبي منها، أم انه لا يزال الحاضن الأول لإسرائيل؟
- لا يزال الموقف الأوروبي للأسف كما هو وإن كانت هناك خطوات إيجابية تجاه القضية الفلسطينية، ولكن ما زالت السياسة الأوروبية تتمحور في مكانها، رغم ان أوروبا تستطيع أن تلعب دوراً أكبر بكثير مما هي عليه تجاه القضية الفلسطينية. وهنا نسأل عن اتفاق <أوسلو> مع الفلسطينيين وأين الدولة الفلسطينية؟ فالاتحاد الأوروبي لا يزال يؤيد اسرائيل وعندما يحصل عمل عسكري فلسطيني ضد اسرائيل تندد أوروبا به، ولكن إذا قامت اسرائيل بعدوان ومجازر ضد الفلسطينيين لا تستنكر أوروبا وتقول بخجل ان هذا العمل يقوض أسس السلام، وبالتالي لا تزال أوروبا تتأثر بالضغوط الصهيونية والأميركية من خلال <اللوبي> اليهودي الموجود في أوروبا.
ــ وهل من المتوقع أن تتطور اعترافات بعض البرلمانات الأوروبية بفلسطين الى أكثر من ذلك؟
- هذا هو الحد الأدنى، لاسيما وان الأمم المتحدة اعترفت بفلسطين كعضو وبالتالي كان لا بد من كل دول العالم المنضوية في الأمم المتحدة أن تعترف بفلسطين دولة مستقلة، ولذلك نتمنى من أوروبا أن يكون موقفها أكثر شجاعة وقوة ودعماً لحل قضية الشرق الأوسط، وهذه الأزمة لا تحل بالوقوف مع فريق ضد آخر، ولا ننسى ان الاتحاد الأوروبي أعطى اسرائيل داخل أطره وضعية مميزة جداً هي أشبه بعضو داخل الاتحاد، وإن لم تكن عضواً رسمياً، وهذا ما يجعلها تتمادى أكثر فأكثر في عدوانها، لاسيما في مسألة الاستيطان حيث لم تدن أوروبا هذا الاستيطان وتطلب وقفه تحت طائلة فرض عقوبات على اسرائيل إذا لم توقفه، رغم ان هذا الاستيطان عدوان متواصل بحق الشعب الفلسطيني ويتعارض مع القانون الدولي، سائلاً: هل اكتفت أوروبا بعدم استقبال البضائع الآتية من المناطق المحتلة؟ هذا تدبير غير كافٍ ولا بد من عقوبات رادعة للعدو. فأوروبا اتخذت عقوبات ضد إيران بحجة الملف النووي، وهو ملف سلمي، فلماذا لا تتخذ عقوبات ضد اسرائيل، وأيهما أهم: البرنامج السلمي أم المجازر التي تحصل بحق شعب بأكمله يحرم من وطنه وتصادر أراضيه وتهوّد؟!
الملف النووي الإيراني
ــ على ذكر الملف النووي، هل يتم الوصول الى اتفاق مع الغرب في هذا الشهر، أم ان اسرائيل ستنجح في منع ذلك؟
- الموقف الإيراني واضح وهو انها ستحافظ على حقوقها ولن تتخلى عنها طالما ان الحقوق معترف بها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. المشكلة مع الغرب انه لا يريد لإيران ان تكون لديها قوة نووية سلمية أو تنعم بمستقبل باهر لجهة استعمال هذه الطاقة في مجالات التنمية والبناء والزراعة، وقد أوضح مرشد الثورة علي خامنئي ان ايران لا تسعى لامتلاك قنبلة نووية. واليوم لا تزال هناك نقاط موضع خلاف وهي تتمحور حول العقوبات الأميركية التي سترفع تدريجياً، وإيران تطالب برفعها كلياً. وأيضاً بالنسبة لمسألة تخصيب <اليورانيوم>، فلقد تدنت النسبة من 20 بالمئة الى 5 بالمئة، وتخفيض عدد أنظمة الطرد المركزي من 13 ألف طرد الى 10 آلاف، لكن يحق لإيران فيما بعد رفع نسبة التخصيب وزيادة أجهزة الطرد المركزي حسب احتياجاتها، لأنها تخطط لبناء بين 7 و9 مفاعلات ذرية خلال السنوات الثماني المقبلة، وأيضاً في ما يتعلق بالأموال المحجوزة في أميركا وبعض دول الاتحاد الأوروبي والصين وكوريا الجنوبية وهي تتجاوز 120 مليار دولار.
ــ بالأمس كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عند الرئيس الأميركي <باراك أوباما> الذي طلب من الأول الوقوف ضد <داعش>، فرد الشيخ تميم: <نتمنى من أميركا الوقوف مع قطر ضد النظام السوري>. فكيف تفسر لعبة الشطرنج هذه؟
- مصالح الجميع صبّت منذ بداية أحداث سوريا على إسقاط النظام السوري رغم كل الاختلافات. وهنا نسأل: من هو المموّل والمسلّح والمدرّب والمخطّط والذي سهّل إعلامياً ولوجستياً للفصائل المعارضة المسلحة، لاسيما وان بعض الدول الإقليمية لعبت دوراً سيئاً بالنسبة لسوريا؟ وإن اختلفت وجهات النظر بين هذه الدول الآن، إنما لا تزال تعمل من أجل إسقاط النظام، وإن كان البعض خرج من هذه المجموعة واعتبر أن الرئيس بشار الأسد له دوره المستقبلي. فالجميع كانوا في البداية يتبعون توجهاً واحداً، وكان العمل والتنسيق مشتركين لإسقاط سوريا، ولكن لم يكن يتصور أحد من هؤلاء أن سوريا ستتماسك وجيشها لن يتفكك، وان القيادة تستوعب الأحداث، وهذا ما حصل بعد 4 سنوات، وقد تبيّن للغرب انه يلحق التدمير بسوريا ويزيد من أعداد الضحايا، ولكن سوريا لن تسقط، وأي حل سياسي لن يكون بدون الأسد.
ــ هل يعني ذلك ان الأسد باقٍ؟
- الوقائع أظهرت أنه رئيس سوريا ويقودها في أصعب المراحل، وبالتالي هو جزء لا يتجزأ من أي حل. وسبق ان قلنا ذلك لوزراء الخارجية الأجانب عند اللقاء بهم وشرحنا لهم بأنه لا يمكن إيجاد حل سياسي في سوريا بدون كل الأفرقاء ولا يمكن اختزال القيادة السورية وان الحوار يتم بين الطرفين ولا يتم اختزال الفريق الأقوى.