تفاصيل الخبر

الأرض تأخذ استراحة في زمن "الكورونا" ونسب التلوث تنخفض...

16/04/2020
الأرض تأخذ استراحة في زمن "الكورونا" ونسب التلوث تنخفض...

الأرض تأخذ استراحة في زمن "الكورونا" ونسب التلوث تنخفض...

بقلم وردية بطرس

 

سماء العاصمة الصينية بكين قبل وبعد كورونا.

 

رئيس "التجمع اللبناني للبيئة" المهندس مالك غندور: انخفاض نسب التلوث في العالم منذ توقف حركة الطيران العالمية والمصانع وحركة المرور بفعل الحجر المنزلي!

 

[caption id="attachment_77162" align="alignleft" width="200"] مالك غندور ثقب الاوزون سيغلق هذا الشهر مما سيؤدي إلى تخفيف حرارة الأرض.[/caption]

بالرغم من الأضرار التي خلفها انتشار فيروس "كورونا المستجد"، الا ان ما رصدته الاقمار الاصطناعية فوق البلدان الموبوءة يشير إلى أن الأرض تأخذ استراحة من البشر والمصانع والتلوث، اذ تشير الدراسات إلى أن نسبة التلوث في العالم انخفضت في الأسابيع الماضية بما يعادل 48 بالمئة مقارنة بالنسب المسجلة سابقا، ولقد أظهرت صور نشرتها وكالة (ناسا) الاميركية تراجعا حادا في مستويات التلوث في الصين، وهو ما يرجح أن يكون نتيجة لتباطؤ النشاط الاقتصادي بسبب انتشار فيروس (كورونا) المستجد، كما أظهرت خرائط (ناسا) انخفاضا في مستويات أكسيد النيتروجين في الصين هذا العام، ويأتي ذلك وسط تراجع قياسي في نشاط المصانع الصينية اذ اوقف المصنعون الإنتاج في إطار جهود تستهدف احتواء الفيروس، وقد أفادت (ناسا) ان تراجع التلوث في الصين جاء تزامنا مع قيود فرضتها السلطات على أنشطة الشركات مع خضوع ملايين الأشخاص للحجر المنزلي الصحي.

كذلك انخفض معدل تلوث انبعاثات الغازات السامة في مختلف القارات ايضا مع توقف حركة الإنتاج الصناعي وحركة التنقل بعد فرض الحجر المنزلي في مختلف دول العالم وتوقف التدريس والعمل والتزام ملايين الأشخاص منازلهم.

وايضا وثقت وكالة الفضاء الأوروبية فيديو فوق ايطاليا يظهر جليا انخفاض معدلات انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين وهو غاز ضار ينبعث من محطات توليد الطاقة والسيارات والمصانع، وقد أصبحت قنوات مدينة البندقية اكثر نقاء وشفافية مما كانت عليه بعد أن ادى الحجر المنزلي المفروض في ايطاليا الى توقف القوارب المسببة للتلوث، وتحولت ممرات المياه الى نقاء شديد الوضوح منذ توقف حركة القوارب بسبب أزمة "كورونا" وأصبح ممكنا رؤية الأسماك تسبح وسط الماء.

اما في بيروت فلقد تحولت السماء الرمادية الى سماء زرقاء،  اذ تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا لمدينة بيروت قبل وبعد انتشار الفيروس، اذ تظهر الصور انخفاض نسبة التلوث والدخان الذي كان يغطي سماء بيروت بعدما أقفلت المؤسسات أبوابها والتزم المواطنون منازلهم.

المهندس مالك غندور وانخفاض نسبة التلوث في مختلف البلدان!

"الافكار" تحدثت مع رئيس "التجمع اللبناني للبيئة" و"جمعية امواج البيئة" المهندس مالك غندور  ليطلعنا اكثر عن انخفاض نسبة التلوث في العالم منذ انتشار فيروس "كورونا" وسألناه بداية:

* رغم أضرار فيروس "كورونا"المستجد، تظهر الأقمار الاصطناعية انخفاضاً في نسبة التلوث نتيجة استراحة البشر والمصانع... ما تقييمك لذلك؟

- في غضون أشهر قليلة انقلب العالم رأسا على عقب منذ ظهور فيروس "كورونا المستجد" في مدينة (ووهان) الصينية في كانون الأول (ديسمبر) 2019 وقد تفشى في أرجاء العالم واودى بحياة عشرات الآلاف وأصاب أكثر من مليون شخص حتى تاريخه. توقفت حركة الطيران العالمية، خلت الشوارع من السيارات، توقفت محركات المصانع... ورغم أن الهدف من كل هذه الاجراءات هو الحد من انتشار فيروس (كورونا) المستجد، فقد نتجت عن ذلك تبعات أخرى غير متوقعة، كمثل الانخفاض المفاجىء في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، اذ تراجعت مستويات التلوث في (نيويورك) بنحو  50 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وانحسرت الانبعاثات في الصين 25 بالمئة، وتراجع استهلاك الفحم بنسبة 40 بالمئة، وتحسنت جودة الهواء في 337 مدينة حول العالم بنسبة 11.4 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وقد أظهرت الأقمار الاصطناعية في أوروبا ان نسبة انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين في الجو تراجعت في شمالي ايطاليا، واسبانيا، وبريطانيا. إلا ان هذه الجائحة العالمية الفتاكة لا يمكن ان نعلق عليها امالا لاحداث تغييرات بيئية، وذلك لأسباب عديدة منها أننا لا نعلم الى متى سيدوم هذا الانخفاض في انبعاثات الكربون والملوثات في الجو وعدم عودتها الى مستوياتها السابقة بعد انحسار الوباء وكأن هذا التغيير البيئي لم يكن.

*وما هي إيجابيات استراحة الأرض؟

- بالفعل يبدو أن الأرض تأخذ استراحة من الممارسات الضاغطة التي تتعرض لها وتؤدي إلى تدمير البيئة وترفع نسب المخاطر الصحية والنفسية وترهق حياة الشعوب. ومن أبرز نتائج هذه الاستراحة بسبب اجراءات الوقاية من جائحة "كورونا" ان ظهر عدد من السلوكيات التي تخفف من الضغوطات السلبية وتساهم في إعادة شيء من التوازن ومنها: تخفيف الاستهلاك المفرط، نشر ثقافة العمل من المنزل، التعليم عن بعد، تخفيف نسب التلوث بنسبة 48 بالمئة عالميا، الحفاظ على النظافة الشخصية.

انخفاض نسبة التلوث في بيروت!

[caption id="attachment_77158" align="alignleft" width="318"] الفارق في تغير سماء بيروت قبل وبعد كورونا.[/caption]

*نشرت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي صوراً تبدو فيها سماء بيروت زرقاء نتيجة انخفاض التلوث، فما أهمية ذلك وكيف تتأثر صحة الناس والبيئة؟

- للمرة الأولى شاهدنا صوراً مقارنة تظهر مشهد الجو فوق مدينة بيروت بين الرمادي القاتم من قبل والسماء الزرقاء الصافية حاليا، وهذا يدل بوضوح على جدية الدراسات الحاصلة ونتائجها التي كانت تحذر من نسب التلوث العالية الناتجة عن غاز الميتان وعصارة النفايات والمطاعم والمنازل والنقل بسبب عوادم السيارات غير المزودة بفلتر للبيئة وخصوصا العاملة على المازوت وغياب سياسة النقل المشترك وعدم وجود خطة لإدارة السير مثل التي فرضتها أزمة "كورونا" بتقسيم سير المركبات ثلاثة أيام للمفرد وثلاثة أيام للمجوز ونهار الأحد منعاً تاماً لسير السيارات، مما انعكس إيجابا على صحة الإنسان والبيئة. واذا استمرت توافر أسباب منع التلوث فسنشهد مزيدا من تحسن نوعية الحياة والبشرية والطبيعة.

* ولكن اذا عادت حركة النقل والصناعة إلى طبيعتها، فهل سترتفع نسبة التلوث في لبنان مثل ما قبل الحجر المنزلي؟

- أظهرت الدراسات السابقة أنه من بين 100,000 سيارة تدخل وتخرج من بيروت يوميا، هناك 80 بالمئة منها فيها شخص واحد، وهذا يدل على غياب الإدارة الرشيدة لقطاع النقل في لبنان المسبب الرئيسي للتلوث، ولكي تبقى السماء زرقاء بعد "كورونا" يجب المحافظة على أسباب منع التلوث بواسطة إدارة متكاملة للسير والنقل المشترك والعام، وتنظيم النشاطات الصناعية، واعتماد تقنية تشغيل المولدات الكهربائية المانعة للتلوث، وكذلك بالنسبة لمعدات تشغيل الفنادق والمؤسسات العامة الكبيرة، اذ لكي نحافظ على أجواء هذه الاستراحة ومؤشراتها الايجابية يجب على الحكومة اعتماد إلزامية التقنيات البديلة التي تعتمد الطاقة الشمسية والرياح والمياه، ومنع مصادر التلوث من قطاع السير والصناعة والمولدات.

ثقب الأوزون سيغلق هذا الشهر!

[caption id="attachment_77159" align="alignleft" width="444"] سماء البندقية في ايطاليا بعد كورونا.[/caption]

* لقد اعلن خبراء الوكالة الأوروبية أن ثقب الأوزون سيغلق في نيسان (ابريل) الجاري، ما أهمية ذلك؟

- هذا صحيح اعلن خبراء في وكالة الفضاء الأوروبية أن ثقب الأوزون الضخم فوق القطب الشمالي الذي نتج عن انخفاض درجات الحرارة في طبقة (الستراتوسفير) سيغلق في أواسط نيسان (أبريل) الجاري. ووفقا للباحث (دييغو لويلا) من المركز الألماني للطيران والفضاء بدأ عمود الأوزون فوق القطب الشمالي بالتقلص الى المستوى الطبيعي الذي يعادل 2.2 وحدة (دوبسون) وذلك منذ 14 آذار (مارس) الماضي، ونتوقع ان ينغلق هذا الثقب تماما في أواسط نيسان (أبريل) الجاري، وهذا سيؤدي إلى تخفيف حرارة الأرض و كبح الأسباب المؤدية إلى تغيرات في المناخ والطبيعة والحياة البشرية.

*أضر "كورونا" بحياة الناس لكن التلوث انخفض في الوقت الذي كان يحضر فيه لعقد مؤتمرات عالمية لحماية البيئة... ما تحليلك؟

- بالفعل تراجعت في الوقت الراهن أولوية حماية البيئة في العالم أمام أهمية القضاء على الفيروس وإنقاذ الأرواح، وعرقل الوباء أيضا جهود تنظيم مؤتمرات لمناقشة تداعيات تغير المناخ، ودعا ناشطون في مجال البيئة للتظاهر على المنصات الإلكترونية بدلا من النزول إلى الشوارع احتجاجا على تغير المناخ، وكذلك تم تأجيل مؤتمرات عالمية كان من المقرر إقامتها لمناقشة تغير المناخ مثل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الذي كان من المقرر إقامته في اسكتلندا. 

*بعد (كورونا) ما المطلوب للحفاظ على البيئة؟

- قد يكون توقع عدم انتشار فيروسات في مرات قديمة ضربا من المستحيل حتى مع تطور الطب والأبحاث الفيروسية، وان انتشار الأوبئة وعشرات الفيروسات في العقود القليلة الماضية وعلى مختلف القارات لهو دليل على انها ستظل جزءا لا يتجزأ من حياة البشرية في السنوات والعقود القليلة المقبلة على أقل تقدير، إلا ان ما يمكن ان يخفف من تداعياتها هو وجود قرارات حكومية جذرية بتغيير طريقة التعاطي في النمط الاستهلاكي والتوسع العمراني والاقتصادي على حساب الغطاء الأخضر... ولربما يحفز "كوفيد ١٩" الحكومات والشركات الخاصة على تخصيص مزيد من الميزانيات ترجح أولوية حماية البيئة وذلك لتحسين نوعية الحياة وديمومة البشرية، ولا بد من الالتزام بدراسات الأثر البيئي للمشاريع قبل تنفيذها للحد من تدمير النظم البيئية.