تفاصيل الخبر

الأمر في المنطقة أصبح لـ”بوتين“... وحده

18/10/2019
الأمر في المنطقة أصبح لـ”بوتين“... وحده

الأمر في المنطقة أصبح لـ”بوتين“... وحده

 

بقلم خالد عوض

الحدث الأكبر في منطقة الشرق الأوسط كلها ليس التغيير الديمقراطي السهل الممتنع في تونس أو الهجوم التركي على شمال سوريا وإنسحاب القوات الأميركية من هذه المنطقة أو الغضب الشعبي المتفاقم في العراق ولا حتى حرائق لبنان المدمية للقلوب. الحدث هو شخص إسمه <فلاديمير بوتين> يقوم بدور المايسترو في كل الإتجاهات السياسية والعسكرية والإقتصادية في المنطقة. الدور المتنامي للرئيس الروسي تجلى مؤخرا بزيارته التاريخية للسعودية والإمارات العربية المتحدة وبإستلام القوات الروسية القواعد الأميركية في منطقة شمال سوريا. لم يعد دور روسيا في المنطقة هو حق الفيتو على الأمور الكبرى كما كان في السابق بل أصبح <بوتين> المعبر الأول والأخير لأي حل في الشرق الأوسط.

 

<كش ملك> في سوريا!

 

في آب (أغسطس) ٢٠١٥ قررت روسيا، بناء على طلب حكومة الرئيس بشار الأسد، التدخل عسكريا في سوريا. ارسلت إليها الطائرات والدبابات وأكثر من ٤٠٠٠ عسكري روسي. وبدأت في أيلول (سبتمبر) ٢٠١٥ أول حملاتها الجوية من قاعدة حميميم في جنوب شرق مدينة اللاذقية ضد من سمتهم الإرهابيين. منذ هذا التاريخ تغير مسار الحرب في سوريا لصالح نظام الأسد الذي بدأ يستعيد سلطته على العديد من المناطق التي كان خسرها منذ بداية الحرب في آذار (مارس) ٢٠١١. طولت الأحداث بعد ذلك لتثبت مرة بعد مرة أن روسيا درست تدخلها جيدا بينما لم يكن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة واضح الإستراتيجية والأهداف. الطرفان دخلا سوريا، روسيا لمساعدة النظام ضد الإرهاب، والتحالف الغربي المدعوم عربيا لمحاربة <داعش> أي الإرهاب أيضا. ولكن القضاء على <داعش> لم يستثمر غربيا لصالح طرف أو فريق في سوريا بل اقتنصه النظام السوري نفسه، فالمعارضة السياسية السورية فشلت في أن تكون قوة تمثيلية على الأرض قادرة على أن تفرض الحلول، والمعارضات العسكرية المتنوعة والتي كانت تحارب النظام وزعت ولاءاتها بين تركيا والقوى الإسلامية المختلفة من دون أن تكون لها أي رؤية سياسية.

بعد حوالى خمس سنوات من التدخل الروسي يقول <فلاديمير بوتين> للولايات المتحدة في سوريا <كش ملك>.

أوكرانيا أولاً و... أخيراً!

 

يعتبر الكثيرون أن إحتلال الروس لشبه جزيرة القرم في شباط (فبراير) ٢٠١٤ وعدم تصدي الغرب لذلك إلا من خلال عقوبات غير فعالة كان الضوء الأخضر الذي سمح لـ<بوتين> بأن يقوم بمغامرته السورية، بل أكثر من ذلك فقد أتاح ذلك لعدة دول أن تتشبه بالمثل الروسي في أوكرانيا وتضم أجزاء من دول أخرى. إسرائيل ضمت الجولان بقرار أميركي من دون إعتراض روسي أو دولي يذكر، تركيا تدخل شرق سوريا من دون أي موافقة دولية ومن دون أن تكترث لعقوبات شكلية ستفرضها عليها الولايات المتحدة أو لتصاريــــــــــــــــــــــــــح إستنكار من أوروبا. ضم القرم عام ٢٠١٤ غيّر مفهوم سيادة الدول وخلق سابقة دولية لا زالت تبعاتها تظهر تدريجيا. وجاءت الفضيحة التليفونية بين الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> ونظيره الأوكراني <فولوديمير زيلينسكي> حيث أوحى إليه <ترامب> خلالها بضرورة ملاحقة قضية إبن <جو بايدن> نائب الرئيس الأميركي السابق مقابل إستمـــــــــــــــــــــرار دعم الولايات المتحدة لإعادة أوكرانيا من جديد إلى واجهة الحدث الدولي، فهي يمكن أن تكون السبب في إتهام وربما عزل الرئيس الأميركي أو على الأقل منعه من الترشح من جديد.

 

إيران وتركيا وإسرائيل في حضن الدب الروسي!

لا شك أن إستراتيجية <بوتين> في المنطقة قائمة على عدة ركائز. حلف إستراتيجي مع إيران التي أصبحت بالنسبة إلى روسيا مثلما هي إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة. علاقة متطورة مع تركيا التي أصبحت تجمعها مع الروس مصالح أكبر بكثير مما يجمعها مع الغرب. وعلاقة <مستقرة> مع اسرائيل التي أصبح المطلوب منها زيادة الولاء لروسيا حتى تحمي نفسها من صواريخ إيران المنتشرة حولها. حتى دول الخليج التي تعرف تماما قوة روسيا النفطية (روسيا هي ثالث أكبر منتج للنفط بعد الولايات المتحدة والسعودية وثاني أكبر مصدر بعد السعودية) فتحت ابوابها للقيصر <بوتين> منذ أيام، فإذا إتفق الطرفان على رفع سعر النفط من خلال ضبط الإنتاج يمكن توفير ما يكفي من الأموال لإعادة اعمار سوريا ولكن هذه المرة.. عبر الروس.

ربما تأخر <ترامب> في إرسال نائبه <مايك بينس> ووزير الخارجية <مايك بومبيو> إلى تركيا ليس فقط لمحاولة اقناعها بوقف تدخلها في سوريا بل لبحث كيفية اعادتها إلى الحضن الغربي، فالرئيس التركي حزم إتجاهه منذ مدة. ولن يكون مستغربا أن نرى <بوتين> في إسرائيل بعد ثلاثة شهور يستقبل كالحليف الأول للدولة اليهودية... الزمن زمانه وبحوزته اليوم كل مفاتيح الشرق الأوسط.