تفاصيل الخبر

الإمـــــــام الــصـــــــدر لـيــــــس قـضـيــــــــة شيـعـيـــــــة بــــــل هـــــو قــضـيـــــــة مــسـيـحـيــــــــة ــ اسـلامـيـــــــــة!

17/01/2019
الإمـــــــام الــصـــــــدر لـيــــــس قـضـيــــــــة شيـعـيـــــــة  بــــــل هـــــو قــضـيـــــــة مــسـيـحـيــــــــة ــ اسـلامـيـــــــــة!

الإمـــــــام الــصـــــــدر لـيــــــس قـضـيــــــــة شيـعـيـــــــة بــــــل هـــــو قــضـيـــــــة مــسـيـحـيــــــــة ــ اسـلامـيـــــــــة!

بقلم وليد عوض

 

لبنان هو لؤلؤة العرب. جوهرة كانت ولا تزال عبر التاريخ. والعواصف التي اعترضتها زادت مناعتها وجعلتها تخرج من وسط العاصفة بهامة مرفوعة تماماً كما حصل في مؤتمر الطائف عام 1989، حيث انهارت حربها الأهلية وعادت الى الانتظام في مسار ديموقراطي بدا بانتخاب النائب المحامي رينيه معوّض في مطار القليعات رئيساً للجمهورية، ثم النائب الياس الهراوي بعد استشهاد الرئيس رينيه معوّض.

ولو أمسكنا بخريطة الشرق الأوسط وأنعمنا النظر في تقسيماتها وخطوطها، لتنبهنا ان لبنان هو البحيرة الآمنة، وأرض الطبيعة الغنية والمثل الأعلى، ولو راجعنا الأحداث العاصفة منذ العام 1989، لرأينا أن لبنان كان الأرض الطيبة حتى لو سقطت عليه سيول الأمطار ورعدت به الغضبات الجوية!

ولو جئنا الى الشأن المالي لأطل علينا حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة وقال إن المصرف المركزي يملك الآن احتياطياً مالياً من النقد الأجنبي بمقدار 40 مليار دولار، فيما دول بالجملة من الشرق الأوسط تكشف عيوبها المالية وتستنجد بصندوق النقد الدولي الذي ترئسه الوزيرة الفرنسية السابقة <كريستين لاغارد>، وتفتح أبوابها لقروض واستدانات بالجملة.

لكن هذا كله لا يبرر الانشقاق السياسي في لبنان، وإذا كان الانشقاق محصوراً في الأصول الديموقراطية بين موالاة ومعارضة، فالأمر مقبول ولا بأس به، لكن هذا الانشقاق تحول الى شبه نزاع مذهبي، وهذا ليس من شيمة لبنان بعد اتفاق الطائف عام 1989، والأمر يحتاج الى حركة تصحيحية.

والسؤال الآن في هذا المضمار: من هو مالك الأمر في لبنان؟! هل هو الرئيس نبيه بري رئيس مجلس النواب ورئيس حركة <أمل>، وقطب الثنائي الشيعي مع حزب الله؟! وهل هو الرئيس ميشال عون مالك مفاتيح المسيحيين والمسلمين المعتدلين؟! أم هو الرئيس سعد الحريري أو المسمى بمالك الحزين الذي يحاولون الاستيلاء على سلطاته الدستورية وحقه في ممارسة القرار؟!

كل ما في الأجواء السياسية يبدي أن الرئيس نبيه بري بما يملك من رؤية سياسية لا يريد لهذه القمة العربية الاقتصادية أن تنعقد في لبنان الآن ما دام هناك انقسام في أرض الجامعة العربية. فسوريا ما تزال خارج الحضن الجامعي العربي، وقطر مقبولة في الإطار الجامعي العربي بحذر. ومن محاذير الجامعة تلك الزيارة التي قام بها رئيس وزراء اسرائيل <بنيامين نتانياهو> لسلطنة عمان، وزيارة رئيس الاستخبارات السورية علي المملوك للقاهرة، وانقسام أعضاء الجامعة بين مؤيد لانعقاد القمة العربية الاقتصادية في بيروت، ومعارض لهذا الانعقاد الآن، فالتقط الرئيس نبيه بري هذه المؤشرات ليدعو الى تأجيل انعقاد هذه القمة، فيما الرئيس ميشال عون لا يرى أن لبنان يملك قرار التأجيل بدلاً من الجامعة، مما سمح لللاعبين في الماء العكر أن ينسجوا جواً ملبداً بين القصر الجمهوري وقصر عين التينة.

وإقدام الرئيس نبيه بري على طلب تأجيل القمة العربية في بيروت موصول أيضاً بسبب محلي وطني، وهو رفضه لدعوة ليبيا الى هذه القمة، ما دامت سلطاتها القضائية لم تحسم موضوع الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين عام 1978، وما دامت قضية الإمام الصدر ورفيقيه لم تخرج في ليبيا من قفص المجهول، وكل الدلائل والقرائن تقيم الدليل على ان الإمام الصدر ورفيقيه قد خطفوا من فندق طرابلس الغرب، وأخذوا الى مكان مجهول، وربما واجهوا قدرهم الصعب. فلتقل الحكومة الليبية أين الإمام الصدر ورفيقاه ونقطة على السطر!

وقد جاء اعتذار وزير خارجية ليبيا محمد سيالة عن حضور القمة لينهي المشكلة ويحمي الشارع في لبنان من الانتفاضة!

في وجه الرئيس الحريري

 

والإمام الصدر ليس قضية شيعية بالمطلق، بل هي قضية لبنانية محض، والإمام الصدر كان حليف المسيحيين بقدر ما كان زعيم الطائفة الشيعية، وخطبته المشهورة في كنيسة باب ادريس تشهد له بالتعاطف مع الأشقاء المسيحيين، وظلمهم في اعتباره ظلم لكل لبنان، وهذا ما جمع حوله شخصيات مسيحية مثل الأمير فاروق أبي اللمع والصحافي غسان تويني.

وهذه الأجواء والملابسات تنقلنا الى التجاذب القائم بين أعضاء اللقاء التشاوري النواب المسلمين الستة فيصل كرامي، وعبد الرحيم مراد، وقاسم هاشم، وجهاد الصمد، ووليد سكرية، وعدنان طرابلسي. فهذه الكتلة من النواب المسلمين السنة لم تأت في الواجهة النيابية من فراغ. فالنائب فيصل كرامي هو ابن رئيس الوزراء السابق عمر كرامي، وابن شقيق الرئيس السابق رشيد كرامي، وحفيد ركن الاستقلال عبد الحميد كرامي. وجهاد الصمد هو ابن النائب السابق المرحوم مرشد الصمد، والنائب عدنان طرابلسي هو ركن جمعية المشاريع في بيروت والمناطق، والوليد سكرية هو قطب الحضور الاسلامي في بعلبك، وعبد الرحيم مراد نائب ووزير سابق، وقاسم هاشم هو لسان الرئيس نبيه بري ظهر كل أربعاء الى جانب النائب علي بزي، وقد نالوا جميعاً، وكل في منطقته، كمية كبيرة من الأصوات. أي يحملون الى المجلس النيابي وكالة شعبية من حقها أن تشارك في السلطة وتسهم في القرار الوطني، أي لهم ملء الحق في القرار <نعم> أو القرار <لا>. ولكن مشكلتهم عند الرئيس سعد الحريري أنهم ينطلقون من تجمع اسلامي سني، فيدور في خلد الناس أنهم كتلة اسلامية سنية في وجه الرئيس سعد الحريري، مع أن الأمر ليس كذلك، فكلهم بدءاً من فيصل كرامي ملتفون من حيث المبدأ حول الرئيس الحريري كرئيس وزراء وصاحب وكالة دستورية في تشكيل الحكومة، وليسوا تجمعاً اسلامياً في وجه الرئيس الحريري، ومع ذلك كله لا يوافق الرئيس الحريري على توزير أي واحد منهم ما دام في بطن هذه الكتلة، وكما لا يوافق على أي اسم يرشحونه كوزير، كما حصل مع رجل المعلومات جواد عدرا، الذي رفض أن ينفصل في القرار عن رئيس الجمهورية الذي هو من حصته الوزارية!

 

المبادرة في يد الرئيس عون

 

وحتى مساء الجمعة الماضي كان كل شيء باقياً على حاله، وكل متمسك برأيه وقراره، وقد تعامل أهل طرابلس بالتقدير للنائب فيصل كرامي وهو يشيد من منزله بالخصائص الوطنية لوالده الراحل الرئيس عمر كرامي. لكن هذا الموقف لم يشفع لفيصل كرامي وهو يسمي رئيس الجمهورية اسم مساعده عثمان مجذوب الآتي من القاعدة التلفزيونية لتلفزيون لبنان من منطقة الحازمية، وصار هناك اتجاه الى تسمية نائب رئيس المجلس الوطني للاعلام ابراهيم عوض، كما قالت نشرة أخبار تلفزيون <الجديد> وهو موصوف بأنه صديق الكل، ولا ينحاز الى طرف معين.

وماذا لو كان أي انسان مكان الرئيس ميشال عون أن يفعل؟!

الرئيس عون، بدون شك، ليس راضياً عن التعاطي مع الأزمة وليس راضياً عن طريقة تقديم اللقاء التشاوري لمرشحيه، ويرى بدوره أن هناك أخطاء في التقدير جرى ارتكابها، فهو سيأخذ قرار أن يختار مسلماً سنياً في حصته الوزارية على النحو الجاري، بدلاً من أن تكون حصته الوزارية خالية من أي توجه مذهبي. وهو يرى كذلك ان المجرى السياسي في لبنان يعمل في الوقت الضائع، ويستغرب أن تطول مدة تشكيل الحكومة، بدلاً من أن تكون هناك حكومة تساهم في نهضة البلد باسم كل اللبنانيين، خصوصاً أمام هذه الهجمة من العواصف الطبيعية بدءاً من عاصفة <نورما> التي ناءت بصخبها على الكل!

لقد كانت الأضرار الناجمة عن العواصف والرعود وسيول المطر أكثر من قوة الاحتمال عند بلديات المناطق، ولكن العيب الوطني الأبرز كان غياب الحكومة، وفراغ السراي منها، وكان التعويض المبدئي في هيئة الإغاثة التي يرئسها ابن بلدة المنية اللواء محمد خير حيث مارس وجوده في كل أعطاف الخريطة اللبنانية.

وكانت المشكلة في عدم وجود احتياطي مالي في مجلس الإنماء والإعمار، على غرار الاحتياطي المالي في مصرف لبنان من النقد الأجنبي البالغ أكثر من 40 مليار دولار، وهذا ما عطل سرعة الانجاز ونقل المصابين والمصابات الى المستشفيات، والطرق المسدودة بالمياه التي تمنع مرور السيارات.

وكان رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر على حق في رفضه المثول أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية على أساس انه كان ينقل هواجس الطبقة العمالية وأفكارها، وقد قام بشارة الأسمر في هذا المقام مكان وزير أشغال ووزير اقتصاد في وقت معاً، وكان سديد التصرف وهو يحمل على الوزير رائد خوري في تعامله مع فضيحة المولدات الكهربائية، ويحثه على أن يكون سديد التصرف أيضاً مع المقصرين في ردع العواصف المائية التي أكلت الأخضر واليابس.

هل بعدنا كثيراً عن النهوض بالمرحلة اللبنانية واستيلاد الحلول الكفيلة بمواجهة الكوارث؟!

ربما كنا في حاجة الى أن تكون الحكومة المنوي ولادتها حكومة انقاذ واسعاف لا حكومة بروتوكولات. وهنا يدعو الرئيس نجيب ميقاتي الى التضامن مع الرئيس سعد الحريري في موقفه الوطني، وإذا استدعى الأمر تغيير الحكومة كما يحصل في البلدان الراقية التي تواجه الزلازل والحصارات، فالمرشح لتولي رئاسة حكومة الانقاذ موجود ولا يحتاج الى بحث عن بديل..

إنه سعد الحريري، حتى لا نردد قول الشاعر: <أضعنا فتى وأي فتى أضعنا>!

ولا مفر من أن يخبط الرئيس عون على الطاولة ويتخذ القرار حتى ينجلي الليل الطويل، تماماً كما خبط على الطاولة وأصر على أن يجري انعقاد القمة العربية الاقتصادية في يومها الموعود!