تفاصيل الخبر

آلام الظهر قد تكون ناتجة عن الضغط النفسي واتباع نمط حياة غير صحي!

12/07/2019
آلام الظهر قد تكون ناتجة عن الضغط النفسي واتباع نمط حياة غير صحي!

آلام الظهر قد تكون ناتجة عن الضغط النفسي واتباع نمط حياة غير صحي!

[caption id="attachment_70318" align="alignleft" width="300"] The pain is deep[/caption]

ليست كل حالات آلام الظهر ناتجة عن عوامل عضوية وما شابه، بل ان نصف حالات وجع الظهر هي ناتجة عن تشنج عضلات الظهر جرّاء الضغط النفسي ونمط الحياة غير الصحي، الا ان العديد من الاختصاصيين لا يتنبهون للأمر، ولهذا يُخضع المريض لعملية جراحية في كثير من الأحيان والتي لا تكون ضرورية او لا تعطي النتيجة المرجوة. ولهذا على الطبيب المعالج التنبه لحالة المريض على الصعيد النفسي والعضوي، والابتعاد عن التسرع في اخضاعه الى العمليات الجراحية لأن الألم لن يزول طالما لم يتم تشخيص الحالة من الجانب النفسي والعضوي على حد سواء.

وفي يومنا هذا تزداد حالات تشنجات الظهر اذ تتراوح هذه الحالة من تشنجات غير متكررة مصحوبة بشعور خفيف بعدم الارتياح، الى تشنجات مزمنة يصاحبها ألم شديد مما يتسبب بصعوبة في الحركة، وفي الغالب يمكن علاج تشنجات الظهر دون تدخل جراحي، وبعض التدخلات العلاجية قد تكون ضرورية، اذا كان الألم مرتبطاً بمشاكل في أعصاب العمود الفقري.

 

الــبروفيســور نبيل عقيص وآلام الظهـــــر

 غــــير الـناتجــة عــن حـــــالات عضويــة!

فلماذا تزداد حالات آلام الظهر غير الناتجة عن عوامل عضوية؟ ولماذا تزداد حالات التشنج؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على جرّاح الأعصاب والأستاذ في <جامعة القديس يوسف> البروفيسور نبيل عقيص، ونسأله:

ــ لماذا تزداد حالات آلام الظهر والعمود الفقري؟ ولماذا تزداد آلام الظهر غير الناتجة عن عوامل عضوية؟

- تزداد حالات آلام الظهر اليوم بسبب نمط الحياة من حيث طريقة الجلوس في المكاتب لساعات طويلة، والجلوس في السيارات لوقت طويل خصوصاً أثناء زحمة السير، وقلة مزاولة الرياضة، والتشنجات، فهذه كلها تسبب آلام الظهر... وتزداد آلام الظهر غير الناتجة عن حالات عضوية اي لا تُفسر بمشاكل الظهر بالذات ولكن بآلام غير وهمية بل واقعية، لأن المريض يتألم بالفعل ولكن مصدر الألم ليس الظهر او الفقرات او الديسك، وانما التشنج النفسي الذي يعاني منه المريض. وهذا أصعب تحدٍ للطبيب الذي سيقوم بتشخيص الحالة، خصوصاً بالآم الظهر أكثر من اي حالة مرضية فيها عوامل نفسية وفيها عوامل عضوية، لأن أكثرية الناس بعد سن معين اذا أخضعوا لفحص الصورة سنجد خللاً لديهم، لأنه من الطبيعي ان يهترىء الديسك مع مرور الوقت او يحدث فيه الخلل، ولكن ليس بالضرورة أن يسبب اهتراء الديسك او التكلسات ألماً. والسؤال هنا: اذا رأى الطبيب الصورة وسمع الألم فهل يقدر ان يربط بين الاثنين؟ الجواب لا، لهذا على الطبيب ان يعرف ان يميز من سماعه الى طبيعة الألم وتطوره، وكيف بدأ الألم لدى المريض، وما الذي يزيد الألم وما شابه... وأيضاً لا بد من اجراء الفحص السريري، اذ على الطبيب ان يفحص الظهر بتأنٍ، وليس فقط ان يسمع الألم وينظر الى الصورة بسرعة، فهذا سيدفعه الى أعمال طبية وجراحية وللأسف تكون أحياناً مغلوطة، وهذا ليس لأن الجرّاح بدون ضمير لا سمح الله ويريد ان يجري العملية الجراحية للمريض، بل أحياناً يحدث ذلك لأنه لم يتأن ولم يسمع بشكل صحيح أوجاع المريض ونوعية الوجع الى ما هنالك، وبالتالي يجب ألا يكتفي الطبيب بسماع الألم وبأن الشخص موجوع سطحياً فينظر بشكل سطحي الى الصورة، بل عليه ان يعرف حالة المريض ككل كانسان لديه نفس وجسد، اذ يجب عليه ان يعرف مشاكله لمساعدته.

ويتابع:

- أحياناً يقول الأطباء انهم ليسوا أطباء علم نفس بل هم جرّاحون وما شابه وليس من اختصاصهم حل المشاكل النفسية، وبالتالي ليسوا مخولين الدخول الى تفاصيل حياة المريض، هنا نقول للأطباء على العكس فنحن كأطباء لا نعمل على الأعضاء فقط بل نحن معنيون بالمريض كانسان، ولهذا يسمون الطبيب في لبنان والدول العربية <الحكيم> الذي يُعنى بمشاكل فلسفية وسيكولوجية لكي يفهم الطبيب مريضه من كل النواحي قبل ان يقرر ان يجري له العملية الجراحية او العلاج خصوصاً في الظهر.

 

العامل النفسي!

ــ الى اي مدى هناك ارتباط بين آلام الظهر والعامل النفسي؟

- تبين انه في كل دول العالم وليس عندنا في لبنان فقط، أكثر من نصف الآلام المزمنة نسبياً تعود أسبابها الى العوامل النفسية أكثر منه الى العوامل العضوية، اي نُخضع المريض للعملية الجراحية ولكنه لا يُشفى على العكس، وفي هذه الحالة ما هو الحل؟ الحل هو ان نرسل هذه الحالات الى الحكيم: الحكيم الذي ينظر الى المريض من كل النواحي، ويفهم المرض جسدياً ونفسياً، واذا قال ان هذه المشكلة ليست عضوية فماذا سيفعل في هذه الحالة والتي نسبتها 1 على 2 من المرضى الذين يأتون الينا؟ فاذا أرسلناه الى الطبيب النفسي سيقول لنا ان المريض لا يعاني من مشكلة نفسية، اذ انه لا يعاني من اكتئاب او القلق وما شابه، ولكن حياته وطبيعة حياته لا تجعله يشعر بالاكتفاء اذ لا يشعر انه في المكان المناسب، وهذا الأمر يخلق لديه تشنجات داخلياً فيعاني من مشكلة الجز على أسنانه أثناء النوم، فتحدث مشاكل في أسنانه، لذا يقصد طبيب الأسنان ليعطيه عضّاضة لكي لا تهترئ أسنانه ولكن هذا ليس حلاً. بالنسبة للناس فمن السهل معرفة مشكلة الجز على الاسنان، ولكن يغيب عن بالهم بأن الجز على الظهر والرقبة هو الأمر نفسه، ففي الليل بدل ان ينام الشخص وتسترخي كل العضلات لكي يقدر الديسك ان ينتعش مجدداً، تبقى العضلات مشدودة وهو نائم، وعندما يستيقظ في الصباح يشعر وكأنه تلقى ضربات، والسبب ان الظهر لم يسترح خلال الليل وأيضاً عضلاته. وهذا مثل مرض <Fibromyalgia> اي يسبب أوجاعاً في كل الجسم اي في كل مناطق الجسم حيث مكان العضلات، اذ يلتصق على العظم من كثرة الشد في الليل، وعندئذٍ يحدث التهاب في هذه النقاط فيضطر المريض ان يأخذ حقن الكورتيزون، طبعاً المكان الذي يُحقن فيه يرتاح، ولكن بالنهاية يجب ان نعالج المريض من هذه الحالة التي يعاني منها، وهنا دور الـ<Life Coach> او مدرب الحياة الذي يعالج المريض تثقيفياً اذا يسأله عن حياته ومشاكله، وأيضاً عن أولوياته وهدفه في الحياة، فهناك أشخاص لا يعرفون هدفهم في الحياة، اذ عندما نسأل أحدهم عن حياته يقول انه يعمل ويجني المال، ولديه منزل وسيارة ويقدم لأولاده احتياجاتهم الى ما هنالك، ولكن عندما نسأله شخصياً ما هو حلمه، وهل يشعر انه يحقق أحلامه، وهل يشعر انه على الطريق الذي خلقه الله من أجله، فهو اتى الى هذه الدنيا لكي يصل الى مكان ما، وهذه الحياة تتكلم بداخله ولكنه لا يسمعها لأنه منشغل اليوم بأكمله، فيجيب بأنه على مدار اليوم يعمل ويخرج ويسهر، ولكن هنا يقول له مدرب الحياة: اهدأ قليلاً اذ عليك ان تسمع نفسك، وهذه مهمة مدرب الحياة، ولهذا أسسنا في <مستشفى بلفو> ما يُسمى <Stress Management Unit>  لكي تعالج هذه الحالات التي ليست مشكلة نفسية اي انه ليس مرضاً نفسياً ولا عضوياً ولكن لا يمكن ان نقول للمريض ان يذهب الى منزله وبأنه لا يعاني من شيء، اذ انه لن يُشفى وسيظل يسأل ويتنقل من طبيب لآخر لحين ان تُجرى له عملية جراحية لكن بدون نتيجة، ولهذا السبب أنشأنا هذا المركز في <مستشفى بلفو>، والحمد لله نرى فرقاً كبيراً.

دور الاعلام بايصال المعلومات للناس!

ــ كجرّاح أعصاب تتحدث عن الجانب النفسي نظراً لأهميته في معالجة آلام الظهر، فكيف يمكن اقناع المريض الذي يعاني من آلام الظهر ان المشكلة هي نفسية وليست عضوية؟

- هذا هو دور الاعلام، ويسعدني انك تتطرقين الى هذا الموضوع، اذ على الاعلام ان يلقي الضوء على هذا الموضوع نظراً لأهميته. وبدورنا نعوّل على الاعلام فالطبيب يرى المرضى، ولكن لا يقدر ان يصل لكل طبقات المجتمع لشرح كل هذه الأمور وبأن الانسان ليس ماكينة، لذا على المريض ان يدرك بأن هناك عوامل عديدة تؤثر عليه كثيراً وهي مرتبطة ببعضها البعض، فعندما يشعر الشخص بالتشنج سيتألم أكثر، وبالتالي عليه ان يصدق ويفهم عندما يقول له الطبيب انه لا يحتاج لعملية جراحية، فالمريض سيلمس الصدقية عندما يسمع هذا الكلام من الجرّاح نفسه، وكوني جرّاحاً أقول لهم ذلك وبالتالي يصدقون أكثر عندما اقول ان العملية الجراحية ليست هي الحل بل يجب معالجة المشكلة من كل النواحي، ولكنني لا اقدر ان اصل لكل الناس، فيما الاعلام يقدر ان يقوم بهذه المهمة لايصال هذه المعلومات لأكبر عدد ممكن من الناس.

العلاقة بين الجسد والنفس!

وعن تأثير النفس على الجسد وبالعكس يشرح الدكتور عقيص:

- ان نصف الأمراض البشرية هي <Psychosomatic> (وهو فرع من الطب يُعنى بالأمراض النفسية الجسمية) اي هي مزيج تأثير النفس على الجسد، وأيضاً تأثير الجسد على النفس، لأن الآلام المزمنة تؤدي الى الاكتئاب وغيرها، وبالتالي هذه العلاقة بين <Psycho & Soma> اي الجسد والنفس يجب ان يعمل بها الطبيب فوراً، وللأسف لفترات طويلة لم تُدرس هذه المادة في الجامعات، والآن وُضعت مادة جديدة في جامعة القديس يوسف حيث أدرّس فيها، مع العلم انني وجدت صعوبات بادخال هذه المادة الى الجامعة، ولكن عندما اقتنعت كل الادارات بدأت بتدريسها، كما أنني أدرّس مادة الفلسفة في مجال الطب اذ اتحضر لنيل الدكتوراة في الفلسفة لأنني وجدت انه ليس هناك حل الا بهذه الطريقة. وتجدر الاشارة الى ان الأطباء القدامى على ايام سقراط كانوا فلاسفة في الأساس ومن ثم درسوا الطب، ونحاول الآن القيام بالمثل، ونسعى لإدخال هذه المادة الى كلية الطب لكي يصبح كل طبيب يتخرج من كلية الطب لديه المام بالتساؤلات حول الاشكالية: ما هي علاقة النفس والروح بالجسد؟

ازدياد حالات التشنج!

ــ وهل ان ازدياد حالات التشنج في يومنا هذا هو نتيجة الضغوطات التي يعاني منها الناس على الصعيد المادي والمعيشي ووضع البلد وما شابه؟

- أولاً التشنج موجود أيضاً في المجتمعات التي تنعم بالرفاهية، لأن الانسان قد يتعب لكسب لقمة العيش ولكنه لا يتساءل او يطرح الأسئلة على نفسه كمثل لماذا هو يعيش، فهو يعرف انه يعمل ويتعب ويجني المال ليعيش ويوفر لأولاده كل احتياجاتهم، فهذا الشخص ليست لديه تساؤلات عن الحياة، ولكن عندما يبدأ يتساءل ان لديه الخيار بأن يعيش ام لا، وعندما يقول لنفسه ان للحياة معنى وتستحق ان نعيشها او يقدر ان يوقف حياته اي ينتحر، وهذا سؤال مهم يطرحه الشخص على نفسه باطنياً، أو ان يسأل نفسه هل تستحق الحياة كل هذا التعب والكفاح؟ فهذا السؤال موجود دائماً وكلما زاد هذا السؤال كلما زادت صعوبة الاجابة عنه. ففي يومنا هذا يلجأ الشخص الى الدين كهوية اي فقط انه ينتمي لطائفة معينة او دين معين، ولكن الدين ليس كعلاقته مع ذاته ومع ربه، اي لم تعد هناك روحانية في الدين، مع العلم ان الروحانية لا تعني ان يصلي الشخص كل الوقت ولكن معنى ذلك ان يعود لذاته ويمنح وقتاً لنفسه ويسمع صوته الداخلي ويسمع من هو والى اين يسير.

ــ وما هو المطلوب من الشخص الذين يعاني من التشنج وكيف يقدر ان يساعد نفسه؟

- يجب ان يعي الناس عندما يتمسكون بأجسامهم ليعبّروا عن قناعتهم وايمانهم في الحياة، انه يجب ان يبدأوا من النفس والروحانية، لأن هذا الجانب لا يراه الشخص، بينما اذا كانت هناك مشكلة صحية جسدية فيمكن رؤيتها من خلال فحص الصورة وما شابه. لاشعورياً الشخص لن يقول ان لديه مشكلة نفسية لأن باعتقاده انه طالما يعمل ويجني المال ويملك ما يريد فلا مشكلة لديه، ولكن عندما نسأله: لماذا انت غير سعيد؟ فلا يجد الجواب.

ويختم البروفيسور عقيص حديثه قائلاً:

- اذا أردنا أن نحمي أنفسنا فعلينا ان نتوقف من وقت لآخر عن العمل والانترنت والتلفزيون ونتوجه الى الطبيعة ونمشي في الغابة والجبل او على شاطىء البحر. وان نسمع ما بداخلنا... في الماضي كان هناك ليل ونهار، وفي يومنا هذا لم يعد هناك ليل اذ بالليل نقضي أوقاتاً طويلة أمام شاشات الكمبيوتر والخليوي وغيرها.