تفاصيل الخبر

الاقتصــــاد بــــات أشبـــــه بالرجـــــل المريـــــض الــــذي  يتمسك بالحيـــــاة والمنتظـــــر لبريــــق الأمـــــل!

23/06/2017
الاقتصــــاد بــــات أشبـــــه بالرجـــــل المريـــــض الــــذي   يتمسك بالحيـــــاة والمنتظـــــر لبريــــق الأمـــــل!

الاقتصــــاد بــــات أشبـــــه بالرجـــــل المريـــــض الــــذي  يتمسك بالحيـــــاة والمنتظـــــر لبريــــق الأمـــــل!

 

بقلم طوني بشارة

11 

الاقتصاد اللبناني هو اقتصاد حر يعتمد على المبادرة الفردية والانفتاح على العالم الخارجي مع تحرك مناسب للرساميل والعمالة، ويستحوذ القطاع الخاص على أكثر من 75 بالمئة من اجمالي أعمال الاقتصاد ويشغل رساميل في كل القطاعات الاقتصادية ويعتبر عماد الانماء الاقتصادي.

واذا تتبعنا الأمور الاقتصادية بشكل منطقي تحليلي، نرى ان هذا الاقتصاد يمر بمرحلة هي الأدق في تاريخه منذ الاستقلال، فالمؤشرات الاقتصادية تتراجع بمجملها لتؤذن بانهيار كبير إذا لم يتم تدارك الأمور، فمن التراجــع الكبيــر في القطاع العقــاري إلى التراجــع في النمــو وفي الصــادرات الصناعيــة والزراعيــة والتسليفــات... الى تفاقم العجز في ميزان المدفوعات علماً انه ما بين مطلع الاستقلال والستينات من القرن الماضي، لم يكن عجز الموازنة العامة يتخطى الـ3 بالمئة... وفيما كان لبنان يبيع الكهرباء لسوريا، وكانت مؤسـسة كهرباء لبنان تحقق أرباحاً، بتنا اليوم أمام عجز سنوي في الكهرباء يصل إلى ملياري دولار، وهو يزحف ليشكل نحو 50 بالمئة من عجز الموازنة، مما جعل اقتصادنا اشبه بالرجل المريض المتمسك بالحياة والمنتظر لأي بريق أمل.

واقع الاستثمارات

لا يخفى على احد بأن الوضع المتأزم والجدل البيزنطي المستمر يطغيان منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات على معظم مفاصل الحياة العامة حيث تغيب المفردات المرتبطة بالخطط التنموية والتخطيط الاستراتيجي للتنمية والإصلاح الإداري عن السمع، واللافت انه خلال العقد المنصرم، مر الاقتصاد اللبناني بتغييرات هيكلية، فقبيل العام ٢٠١١ اعتمد الاقتصاد بشكل كبير على تدفقات رؤوس الأموال وتحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، مما ساهم في زيادة نسب الاستهلاك المحلي ووفر الدعم للقطاعات الخدماتية كقطاع المصارف والعقارات والسياحة، غير أن التغييرات التي طرأت في المنطقة وخاصة اندلاع الثورة السورية، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي في ظل غياب رئيس للجمهورية لفترة طويلة والتعطيل المستمر لعمل الحكومة، وتصنيف لبنان في مراتب متأخرة ضمن مؤشرات الشفافية والاستقرار وسهولة ممارسة الاعمال، كل ذلك أثر بشكل سلبي وكبير على واقع الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال الخارجية، كما ترافق مع عدم وجود خطط بديلة وتنويع اقتصادي يسمح بامتصاص الازمات، مما أدى الى تدهور اقتصادي مع ازدياد في الدين العام الى ما يزيد عن ٧٠ مليار دولار.

المواطن ومستلزمات الحياة

في ظل هذه الاجواء الضبابية، غابت للأسف الرؤية التنموية عن مفاصل الحياة العامة إلا من بعض السياسات والقرارات الوزارية التي تعتبر بغالبيتها العظمى مجهوداً فردياً لبعض الوزراء ولا تندرج من ضمن رؤية تنموية جامعة، وبالتالي وفي ظل غياب الرؤية التنموية أصبح المواطن العادي يجد صعوبة جمة في تأمين مستلزمات الحياة الضرورية... غياب للرؤية تزامن مع ما يمكن تسميته بالركود الاقتصادي والتأزم السياسي والتدهور الأمني، ناهيك عن الأزمة السورية وكلفتها العالية على مالية الدولة وتداعياتها السلبية على سوق العمل اللبناني وعلى الصادرات اللبنانية إلى دول الخليج، والفراغ الرئاسي السابق وما رافقه من تعطيل حكومي ونيابي وشلل إداري.

أجواء ضبابية وغياب للخطط التنموية وركود اقتصادي، كلها مشاكل أدت الى وجود أسواق تجارية شبه فارغة من المتسوقين ورزوح تجار كثيرين تحت الديون وإقفال مصانع عدة أبوابها وما بقي منها يعمل بوتيرة ضعيفة، كذلك أدت الى مغادرة مؤسسات إقليمية ودولية لبنان وهروب الاستثمارات ومقاطعة السياح العرب والأجانب للبنان، كما انسحب الركود على الوضع الاجتماعي والمعيشي مع انخفاض معدلات النمو وارتفاع نسبة البطالة إلى 25 بالمئة من إجمالي القوى العاملة وازدياد معدل الهجرة لاسيما هجرة الشباب من أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية، ولولا التحويلات المالية من هؤلاء المهاجرين لكان الوضع الاقتصادي والاجتماعي أسوأ بكثير، علماً ان ثلث اللبنانيين باتوا يعيشون تحت خط الفقر في ظل هذه الأوضاع المتردية.

 

واقع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

إزاء هذه الازمة عمد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وبعد تجديد تعيينه الى الغاء الفوائد على القروض التشغيلية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، تلك المؤسسات التي باتت تلعب دولياً دوراً محورياً في دعم اقتصادات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، فمن الناحية الاقتصادية تظهر الادبيات الاقتصادية علاقة وطيدة بين وضع خطط لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وزيادة حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلى ذلك، وفي حالة البلدان النامية تظهر الاحصائيات بأن ٩٥ بالمئة من مجمل المؤسسات الخاصة تعتبر من ضمن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وفي لبنان تشكل هذه المؤسسات ما يزيد عن ٩٧ بالمئة من المؤسسات المسجلة في القطاع الخاص وتوظف ما يزيد عن ٨٢ بالمئة من القوى العاملة المسجلة.

لذا كان لا بد من دعم هذا القطاع المفصلي الذي يعاني عدداً من المشاكل أبرزها غياب التشريعات الضرورية لحماية اصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وغياب سياسات الدعم للمبدعين، وعدم تأمين مصادر التموين اللازمة عبر القروض الميسرة وغيرها، ولعل المشكلة الاساسية تكمن في غياب اعتماد تعريف موحد لهذه المؤسسات، فبين تعريف وزارة الاقتصاد التي تصنف المؤسسة كصغيرة أو متوسطة إذا قل عدد العاملين فيها عن ٢٠٠ شخص، يعتمد البنك المركزي في تعريفه على حجم مبيعات المؤسسات، لذا فإن اشكالية تفاوت معيار التعريف والتصنيف تؤثر سلباً على قدرة المؤسسات في الحصول على تمويل ميسر وتخلق لغطاً في تسجيل المؤسسات وما يتبعه من إجراءات قانونية.

ولكن وبمراجعة تاريخية اقتصادية نرى ان الحكومة عام 2004 أنشأت ما يمكن تسميته وحدة دعم المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم التابعة لوزارة الاقتصاد الوطني، غير أن هذه الوحدة بقدرتها وصلاحياتها المحدودة لم تكن قادرة على مواجهة التحديات ورفع مستوى لبنان على مؤشر سهولة الاعمال الذي يقيس قابلية البنية التحتية اللبنانية والقوانين والتشريعات اللازمة لتوفير مناخ ملائم للاستثمار.

وفي ظل الوضع الاقتصادي المتردي وغياب الحلول والخطط التنموية الاجتماعية والاقتصادية، وغرق البلد في تعقيدات واشكاليات شكلية - أصبحت مفصلية - تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فرصة لخلق فرص عمل للشباب اللبناني والحد من هجرة الأدمغة والمساهمة في التنمية المحلية المتوازنة، لذا كان لا بد من اصدار قرار من قبل حاكم مصرف لبنان يقضي بإلغاء الفوائد على الرسم التشغيلي لهذه المؤسسات، فكيف تلقى الصناعيون وقع هذا القرار؟ وهل يمكن اعتباره قرارا حكيما من قبل حاكم مصرف لبنان؟

 

فادي الجميل وقرار حاكم مصرف لبنان

رحب رئيس <جمعية الصناعيين اللبنانيين> الدكتور فادي الجميل بـقرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة القاضي بتوفير التمويل بفوائد منخفضة للرأسمال التشغيلي للمؤسسات الصناعية المرخصة بغية مساعدتها على تصدير انتاجها.

ولفت الجميل إلى أن هذا القرار يأتي نتيجة جهد وعمل دؤوب استمر لأشهر بين <مصرف لبنان> و<جمعية الصناعيين>، وتوجه بالشكر إلى شخص حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ونواب الحاكم وفريق عمل مصرف لبنان الذي شكل مع الجمعية خلية عمل جرى بنتيجتها التوصل إلى إصدار هذا التعميم والذي يؤكد اهتمام المصرف المركزي بالدفع قدماً نحو تطوير القطاع الصناعي وتعزيز الاقتصاد.

وأشار الجميل إلى أن <هذا الإجراء جاء في تعميم وسيط أصدره سلامة أضاف بموجبه إلى القرار الأساسي رقم 7835 فقرة تضمنت خفض الإحتياطي الإلزامي المترتب على التزامات المصارف بنسبة 100 بالمئة من أرصدة أصل القروض الممنوحة بالليرة اللبنانية لتمويل الرأسمال التشغيلي للمؤسسات الصناعية المرخصة بغية مساعدتها على تصدير إنتاجها>.

وفي ما يتعلق بأهمية هذا الاجراء، وعن دور الجمعية في الحصول عليه، أكد الجميل: أن <توفير التمويل المدعوم للرأسمال التشغيلي للمؤسسات الصناعية مطلب لطالما سعت الجمعية إلى تحقيقه خصوصاً بعد تراجع رأس المال المتداول نتيجة التراجعات والتحديات والأزمات التي مر بها القطاع خلال السنوات السابقة>.

وعن احقية هذا الاجراء نوه الجميل قائلا: <أننا نرى في هذا التعميم إجراء أولياً من مجموعة إجراءات حددتها الجمعية بهدف استرجاع قيمة الصادرات الصناعية التي خسرتها في السنوات الماضية نتيجة الأزمات والأحداث التي تمر بها المنطقة، وهنا انتهزها فرصة لاؤكد إصرارنا على ضرورة اتخاذ هذه الإجراءات من قبل الجهات المعنية، وأننا سنبقى على اتصال ومتابعة مع هذه الجهات لتحقيق مطالبنا>.

وبالنسبة للانعكاسات الايجابية لهذا القرار في ظل الاوضاع الحالية شدد الجميل ان الانعكاسات لهذا القرار على القطاع الصناعي ايجابية بامتياز، كونه يوفر التمويل للرأسمال التشغيلي من خلال قروض مصرفية وبفوائد أقل، وهذا يعطي دفعا قوياً للصناعيين للتوسع في اعمالهم ورفع نسبة استثماراتهم، كما من شأنه ان يشكل حافزا قوياً لزيادة التصدير الصناعي الذي تراجعت قيمته حوالى الثلث مع تسجيل خسائر تعدت المليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية.

وختم الجميل قائلاً: الى <جانب هذا التعميم لدينا مطالب اخرى لتحفيز الصادرات الصناعية ومنها: دعم النقل للصادرات والمقدر تكلفته بـ60 مليون دولار، زيادة الصادرات اللبنانية الى الدول التي يستورد لبنان منها بشكل اساسي، الطلب من المنظمات الدولية والجهات التي تساعد النازحين السوريين شراء البضائع المخصصة لهذه الغاية من المصانع اللبنانية>.