تفاصيل الخبر

الأقليات شاغل لبناني وإقليمي وعالمي بدءاً من الأيزيديين

19/09/2014
الأقليات شاغل لبناني وإقليمي وعالمي بدءاً من الأيزيديين

الأقليات شاغل لبناني وإقليمي وعالمي بدءاً من الأيزيديين

1

يعتبر الباحثون والدارسون في مجالات علم الاجتماع والتاريخ أنه ليس هناك تعريف علمي واحد لأية أقلية في الوطن العربي، بل هناك جماعات تصنف في خانة الأقليات وتعد بعشرات الملايين. ويعتبر موضوع الأقليات من الموضوعات المهمة والقديمة الحديثة المتجددة مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحدث في الحقب التاريخية المختلفة... كما أن مشكلة الأقليات تخفي داخلها صراعات حقيقية أخرى مثل الصراعات الطبقية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة والتي تظهر كصراعات عرقية واتنية.

وإثارة منطق الأقليات تعتبر من أخطر الأمور على الأمن القومي العربي ومن المداخل المهمة التي تتداخل فيها القوى الاستعمارية لتحقيق أهدافها ومآربها وتخترق الأمن القومي العربي وتحقق استراتيجياتها ومصالحها.

ويـــــعتبر البـــــاحث عبــــداللــــــه حيـــــدر في حديثــــــه مـــــع <الافكار> ان الشـــــعور الأقلــــــوي للبعض من الشــــــعوب في الوطن العربي يجعلهم في غربـــــة داخـــــل الدول التي يــــــعيشون فيهــــا، لا بل ان هذا الشعور يقف عائقاً أمام احساسهم بالانتماء القومي أو الوطني، ويعملون بالتالي على تعزيز مكانتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والبعض وصــــل الى تعزيــــــز قوتـــــــه العسكريــــــة وان كان ذلك بشكل غير معلن.

8

واقع الأقليات  في منظار

 مسعود ضاهر

اما أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتور مسعود ضاهر، فقد استعرض في قراءته لواقع الأقليات في الوطن العربي المرحلة التاريخية التي سبقت بروز مشكلة هذه الأقليات معتبراً انه بعد أن وضعت بعض الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وروسيا السلطنة العثمانية تحت رقابة مشددة وعملت على تفكيكها واقتسام ولاياتها، برزت مشكلة الأقليات بصورة حادة في المنطقة العربية والبلقان. وكانت السلطنة العثمانية تميز بين الطبقة الحاكمة والرعايا، وتقسم الرعايا على أساس نظام الملل العثماني الذي أعطى لكل طائفة حق إدارة شؤونها الدينية بنفسها، وبناء مؤسساتها التربوية، والثقافية، والاجتماعية، وإدارة أوقافها عبر مجلس ملي لكل منها دون تدخل مباشر من جانب السلطنة. لكن نظام الملل العثماني الذي شكل نموذجاً متطوراً للتعايش بين المذاهب والطوائف والجماعات الدينية والفرق الصوفية وغيرها في مرحلة القوة التي امتدت طوال القرنين السادس والسابع عشر، تحول إلى عبء عليها في مرحلة الضعف... وبات على السلطنة العثمانية أن تواجه مطالب تلك الأقليات في طلب الديموقراطية، والحريات العامة والفردية.

العروبة والأقليات

ويعتبر ضاهر انه كان لقادة الفكر القومي العربي مواقف متشنجة تجاه مسألة الأقليات القومية والإتنية واللغوية على امتداد الوطن العربي. ومارست بعض الدول العربية سياسة تعريب خاطئة أدت إلى حرمان الأقليات من حقوقها الطبيعية في التحدث بلغاتها والحفاظ على تراثها الثقافي من جهة، وإلى افتعال معركة ثقافية ما زالت مستمرة حتى الآن بين العربية واللغات الأوروبية الأخرى، ولكن بالمقابل تمتعت بعض القيادات العربية بروح عالية من المسؤولية الوطنية والقومية مكنتها من تجاوز غالبية الحساسيات السابقة للزعماء المحليين، وصولاً إلى بناء دولة حديثة منفتحة على العلوم العصرية، وتخطط لبناء مؤسسات قادرة على التكيف الإيجابي مع تحديات العولمة. وتعتبر تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة من أرقى التجارب الوحدوية العربية في التاريخ الحديث والمعاصر. فقد رسخت دعائم الوحدة على أسس ثابتة وقد جمعت الدولة الجديدة سبع إمارات ومشيخات تقدمت جميعاً بخطى مسرعة على طريق التقدم الاجتماعي والثقافي، والازدهار الاقتصادي، وبناء علاقات سليمة مع دول الجوار وباقي الدول العربية والعالمية.

ما هي الأقليات في العالم العربي؟

7

يتمتع العراق بتنوع عرقي وديني ولغوي كبير. فإلى جانب الشيعة والسنة الذين يشكلون الاغلبية في البلاد، هناك الاكراد، والتركمان، والمسيحيون العرب، والايرانيون والصابئة. اما الأكراد فغالبيتهم العظمى من السنة، وهم يتمركزون في شمال العراق وشماله الشرقي، بجانب الفيلية الشيعة واليزيديين - خصوصاً في جبل <سنجار> ومنطقة <الشيخان> - وهم يشكلون 18 بالمئة من السكان. وفيما يشكل الايرانيون 1,5 بالمئة من السكان، يشكل التركمان 2 بالمئة. اما المسيحيون العرب (فالغالبية الساحقة من الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك) وهم أقلية ضئيلة، والمسيحيون غير العرب (النساطرة - الآشوريون «الأرثوذكس» والكلدان «الكاثوليك» - واليعاقبة «السريان» الأرثوذكس والكاثوليك) فيشكلون 3 بالمئة من عدد السكان. وهناك ايضاً الصابئة المعمدانيون (أتباع يوحنا المعمدان) ويشكلون أقل من 1 بالمئة من السكان. والشركس ويشكلون 0,5 بالمئة، والأرمن وهم أقلية ضئيلة، ثم اليهود وهم من أقدم الجاليات اليهودية في العالم وأرقاها وأغناها، هاجروا كلهم تقريباً.

في لبنان، يشكل المسيحيون العرب (موارنة وروم أورثوذكس وروم كاثوليك وبروتستانت) 33 بالمئة من السكان، والمسيحيون غير العرب (الأرمن «الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت» والسريان واللاتين والأقباط) 5 بالمئة، كما يشكل الدروز 6 بالمئة، والعلويون ( كالدروز من الشيعة الباطنية)، والأكراد، والترك وكل منهم يشكل نحو 1 بالمئة من السكان.

الجزائر والمغرب وموريتانيا والصومال

في الجزائر، يشكل البربر السنة (أهمهم الشاوية والقبائليون والشلوح) 26 بالمئة من السكان، فيما يشكل كل من المسيحيين العرب 1 بالمئة من السكان، وكذلك الاباضيون (المزابيون، وهم من البربر)، والطوارق (بربر سنة من البدو الرحّل)، والمسيحيون البربر (خصوصاً في جبال القبائل).

وفي المغرب، يشكل البربر (مسلمون سنة أهمهم الريفيون والأمازيغ والشلوح) 36 بالمئة من السكان، والطوارق (بربر من البدو الرحّل) أقل من 1 بالمئة، واليهود 0,2  بالمئة، والأوروبيون (الغالبية الساحقة مسيحيون) 1 بالمئة، والأفارقة (الزنوج) أقل من 1 بالمئة. ولا يختلف الحال مع موريتانيا، التي يشكل المولّدون (عرب وبربر) فيها نسبة 40 بالمئة، والأفارقة وخصوصاً (التكرور والولوف والسونينكي والفولاني) 20 بالمئة، البربر (بمن فيهم الطوارق) 2,5 بالمئة. وفي الصومال لا تقارب نسبة العرب أكثر من1 بالمئة فقط من السكان، فيما يشكل الصوماليون 95 بالمئة من السكان، فيما الافارقة 2 بالمئة، والآسيويون 1 بالمئة. وفي مصر، يشكل الأقباط 9 بالمئة من السكان، يليهم النوبيون ويشكلون 2 بالمئة، والارمن والاوروبيون واليهود ويشكلون 1 بالمئة، كما يوجد بجا (ومنهم البشارية) والبربر (السيويون)، وأفارقة آخرون وغجر وهؤلاء جميعاً يشكلون نحو 3 بالمئة من السكان.

3

اليمن

 بدورها تتميز اليمن بتجانس عرقي وديني أكبر. والأقليات فيها قليلة النسبة لا تتعدى نسبة 5 بالمئة من اجمالي السكان، فطائفة الاسماعيليين تشكل 2 بالمئة من عدد السكان. اما اليهود (من سكان اليمن القدامى، وقد هاجر معظمهم الى اسرائيل) فيشكلون 1 بالمئة، والايرانيون 1 بالمئة، والهنود 1 بالمئة. اما الصوماليون فيشكلون أقل من 1 بالمئة، وباقي البلاد العربية تتمتع ايضاً بتنوع عرقي ولغوي وديني كبير، غير انها ربما نجحت اكثر في تجاوز الكثير من سلبيات الموروث القبلي والطائفي.

المملكة العربية السعودية

وفي المملكة العربية السعودية، يشكل الاسماعيليون (من المستعلية في جبال عسير المتاخمة لليمن) 3 بالمئة من السكان. اما الأفارقة (من مختلف الشعوب الافريقية، مثل النوبيين والكنوز والزغاوة والبقارة والمساليت، والتكرور والصنغاي والهوسا والفولاني «الفلاتة» والجيرما «الزبرماويون» والكانوري والولوف والسرير وغيرهم) فهم نحو 5 بالمئة، فيما يشكل الآسيويون (ايرانيون وهنود وترك وصينيون وأفغان وبلوش وملاويون وغيرهم) 5 بالمئة ايضاً.

الإمارات والكويت والبحرين

4

 وفي دولة الامارات العربية المتحدة، يشكل السكان من اصل ايراني 12 بالمئة من السكان، والآسيويون من غير الايرانيين (الهنود والباكستانيون والبنغلاديشيون والبلوش وغيرهم) 50 بالمئة، اما المسيحيون (العرب والأجانب) فهم 2 بالمئة، فيما الهندوس 3 بالمئة. وفي قطر، يشكل الايرانيون (بمن فيهم البلوش) 10 بالمئة من اجمالي السكان، فيما يشكل الباكستانيون (بمن فيهم البلوش) 18 بالمئة، والهنود 18 بالمئة، والهندوس 3 بالمئة، والمسيحيون العرب وغير العرب 2 بالمئة من السكان. كذلك يوجد في البحرين العديد من الأقليات العرقية والدينية، مثل الايرانيين، ويشكلون 10 بالمئة، والآسيويون من غير الايرانيين (الهنود والبلوش والباكستانيون وغيرهم) 17 بالمئة، والأوروبيون، 2 بالمئة. اما في الكويت، فيشكل المسيحيون العرب (من مختلف الطوائف) نحو 8 بالمئة من السكان، فيما الايرانيون 5 بالمئة، والآسيويون (الهنود والباكستانيون والبلوش والبنغلاديشيون وغيرهم) 9 بالمئة.

في الاردن وسوريا

وفي الاردن، يشكل المسيحيون (معظمهم عرب من الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك ومنهم عشائر بدوية) نحو 5 بالمئة من السكان، اما الشركس (مسلمون سنة) فيشكلون 1,6 بالمئة. وهناك ايضاً الشيشان (مسلمون سنة)، والأرمن الأكراد، والتركمان وهؤلاء جميعاً لا يشكلون نحو 1 بالمئة من السكان، فيما يشكل الدروز نحو 25 ألف نسمة.

وفي سوريا، يوجد العلويون بكثافة في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وهم يشكلون 10 بالمئة من السكان، والدروز 4 بالمئة، والاسماعيليون(الفرقة النزارية الآغاخانية، أهم مراكزهم بلدة السلمية)  1 بالمئة، والمسيحيون العرب (معظمهم روم أرثوذكس وروم كاثوليك وموارنة، في معظم المدن السورية ووادي النصارى - تتقاسمها محافظتا حمص وطرطوس)، عشائر بدوية 7 بالمئة. اما المسيحيون غير العرب (اليعاقبة «السريان» واللاتين والأرمن، لهم وجود كثيف في شمال سوريا خصوصاً) فهم 3 بالمئة، والأكراد (يشكلون كثافة سكانية في المناطق الحدودية في شمال سوريا لا سيما محافظة الحسكة) يشكلون 4 بالمئة، والترك (وبالذات التركمان، ينتشرون في مناطق مختلفة من سوريا) فيشكلون 1 بالمئة، اما الشركس فهم 1 بالمئة، فيما اليهود (هاجر معظمهم من دمشق وحلب) أقلية ضئيلة.

الكاتبة سمر أبو ركبة توافق الدكتور مسعود ضاهر في اعتبارها أن مصطلح «الأقليات» ليس دقيقاً ولا يجوز اعتماده في دراسات علمية جادة، وانه ليس هناك تعريف علمي واحد لأية أقلية في الوطن العربي.

وهي تجد ان حدة مشكلة الأقليات انخفضت بشكل ملحوظ واتجهت إلى الاندماج في فترة النهوض العربي في الخمسينات والستينات إبان المشروع التوحيدي الذي قادته ثورة 23 تموز/يوليو لدرجة أن كثيراً من أفراد الأقليات القومية انضموا إلى الحركات القومية العربية (ظاهرة الناصريين الأكراد مثلاً.. الخ)، وفي المقابل، تفاقمت مشكلة الأقليات بعد انكسار المشروع القومي العربي بعد هزيمة حزيران/ يونيو عام 1967 إلى أن وصلت الى وضعها المتفجر حالياً في ظل الدرك الأسفل الذي انحدرت إليه الأمة.

وبرزت مشكلة الأقليات في الوطن العربي مجدداً بعد جرائم تنظيم الدولة الاسلامية <داعش> ضد الأيزيديين والمسيحيين في العراق والتهديد المستمر للتركمان جراء حصار آمرلي، فيما بدأ تنظيم <داعش> بتهديد الكاكائيين.

الإيزيدية من أقدم الديانات

وتعرف الباحثة الكردية دلشاد عبد الله الإيزيدية أو اليزدانية كواحدة من أقدم الديانات الشرقية القديمة، إذ ظهرت في وادي الرافدين قبل آلاف السنين، وهي من الديانات التي تدرجت من العبادات الطبيعية إلى الوحدانية ولها معتقدات وطقوس خاصة بها.

وكان عدد الإيزيديين في العراق أكثر من 600 ألف نسمة، لكن عددهم الحالي غير معروف على وجه الدقة، فهجرتهم مستمرة من العراق بسبب حملا

5

ت الإبادة التي يتعرضون لها على يد الجماعات المتشددة. أما في العالم، فيبلغ عدد الإيزيديين نحو مليون وربع مليون شخص.

ويقول الباحث الإيزيدي خضر دوملي عن الإيزيديين وأصلهم وديانتهم: «الإيزيدية واحدة من الديانات الكردية القديمة التي تتمركز في بلاد وادي الرافدين منذ آلاف السنين، لغتهم كردية ونصوصهم الدينية كردية ومعبدهم الرئيس هو <لالش> في كردستان، ويوجدون في كردستان منذ الأزل، ومرت الإيزيدية بعدة مراحل متعددة إلى أن وصلت الوحدانية فهي من الديانات التي تدرجت من الطبيعة. وان«الملك طـــــاووس» والشمس همـــــا من أهم مقدسات الإيزيديين، إذ يقدسون الملك طــــــاووس لأنه بالنسبة لهم، كما يقول دوملي، «رئيس الملائكة> وهــــو الــــذي حفـــــظ ســـــر المحفوظ للإله الكبير عند الخليقة، فللإيزيديين معتقدات خاصة بهم تختلف عن معتقدات الديانات التي لها كتب سماوية>.

طقوس الإيزيديين

طقوس الإيزيديين تتمثل في دعاء الصباح والمساء ودعاء الليل، وصيام ثلاثة أيام، وهناك طقوس أخرى كزيارة معبد <لالش> في «عين سفني» ومراسم العيد وخصوصاً عيد رأس السنة، إضافة إلى طقوس تقديم النذور والخيرات وطقوس أخرى تمتد إلى آلاف السنين. وهناك نصوص تتحدث عن الممارسات الحياتية اليومية. وحول جمع هذه النصوص، قال دوملي إن «المجلس الروحاني الإيزيدي العالي شكل لجنة خاصة لجمعها وتدوينها وتوثيقها في كتاب>.

الدولة العثمانية حلت كارثة أخرى بالإيزيديين وهي كارثة تشكيل الدولة العراقية، وحركت الدولة العراقية في أعوام 1931 و1933 الجيوش التي هاجمت المواطنين الإيزيديين العزل في <سنجار> بسبب رفضهم لأداء الخدمة العسكرية.

الطائفة الكاكائية

2

طائفة الكاكائية هي إحدى الديانات الكردية التي ظهرت في القرن الثاني عشر وهي ليست ديناً أو مذهباً خاصاً، ولكنها خليطٌ من الأديان والمذاهب، وأغلب أبنائها يسكنون في كردستان الجنوبية وخصوصاً في كركوك وخانقين وجلولاء والسليمانية وغيرها، كذلك هم موجودون في كردستان الشرقية، ولهم وجود أيضاً في تلعفر.

مصادر صحافيةٌ نقلت أن <داعش> بدأ بحملات تهجيرٍ واستهدافٍ للكاكائيين، كما شن التنظيم هجماتٍ منسقةً عليهم في بلدة الحمدانية في نينوى، ما دفع بالآلاف إلى النزوح نحو القرى القريبة من إقليم كردستان، كما دمر <داعش> ثلاثةً من أهم مراقدهم الدينية في محافظة نينوى، من بينها مزارٌ عمره أكثر من 700 عام.

فهل يشهد الوطن العربي ثورة أقليات تزيد من تشرذمه وتفككه، وتكون مدخلاً لـ<كانتونات> طائفية وعرقية؟