تفاصيل الخبر

الاختصاصي في الطب الداخلي والتشخيص الدكتور ايلي نقولا فرح: الـنظــام الغـــذائي والنشــاط البدنــي لهمــا التأثيــر الفاعــل في أداء الجينات التي تحدد فرص التعرض للإصابة بالسرطان!

11/08/2017
الاختصاصي في الطب الداخلي والتشخيص الدكتور ايلي نقولا فرح:  الـنظــام الغـــذائي والنشــاط البدنــي لهمــا التأثيــر الفاعــل في أداء الجينات التي تحدد فرص التعرض للإصابة بالسرطان!

الاختصاصي في الطب الداخلي والتشخيص الدكتور ايلي نقولا فرح: الـنظــام الغـــذائي والنشــاط البدنــي لهمــا التأثيــر الفاعــل في أداء الجينات التي تحدد فرص التعرض للإصابة بالسرطان!

  

بقلم وردية بطرس

الدكتور-ايلي-نقولا-فرح---b

إن تعدد العوامل التي يجب على المرء مقاومتها او استغلالها للمحافظة على صحة الانسان المهددة باجتياح كاسح لمرض السرطان هي عوامل متداخلة ومتشعبة فيما بينها، كما بات من الواضح ان هناك علاقة وثيقة بين التطور والتصنيع والغذاء والعمل والتلوث معاً. وهناك اعتقاد خاطىء بأن احتمالات اصابة الانسان بالداء الخبيث هي مجرد مسألة وراثية او سوء حظ، ولكن بات معلوماً حالياً انه بالامكان الوقاية من الاصابة بما قد يصل الى 80 او حتى 90 في المئة من حالات السرطان عبر نظام غذائي او نمط حياة ينعكسان بفائدة وقائية على الصحة.

فكيف يحدث السرطان ولماذا يحدث؟ وماذا عن الوقاية؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على الدكتور ايلي نقولا فرح الاختصاصي في الطب الداخلي والتشخيص واستهل حديثه قائلاً:

- السرطان عبارة عن مجموعة تشمل أكثر من 200 مرض مختلف، فمليارات الخلايا السليمة التي تكون الأنسجة داخل جسم الانسان تنمو وتنقسم وفق نظام معين. الا ان بعضاً منها يفقد أحياناً القدرة على التحكم في نموه، فيبدأ الانقسام العشوائي من دون ضوابط، ونتيجة لذلك تزداد كمية النسيج ويتكون الورم الذي يمكن ان يكون حميداً أو خبيثاً. فالأورام الخبيثة السرطانية قادرة على تدمير الأنسجة المحيطة بها كما لها القدرة على الانتشار الى أجزاء أخرى من الجسم وتُسمى انباتاً.

ــ وكيف يحدث السرطان؟

- ان الدكتور <برنبلوم> من معهد <وايزمن للعلوم> والدكتور <بوتويل> من جامعة <ويسكونسن> في <ماديسون>، قد قاما في أربعينات القرن الحالي ببرهنة العملية المسرطنة التي تمر بمرحلتين متميزتين على الأقل هما: المرحلة البدئية اي النشوء، ومرحلة التحفيز والتأسيس. ويُعتقد الآن على نطاق واسع ان السرطان يتطور في مراحل غير مترابطة، تُنظم كل منها عوامل مختلفة بشكل مستقل وفي أوقات مختلفة. فمرحلة النشوء تشمل تفاعلاً وجيزاً بين المسرطن والمادة الجينية للنسيج المستهدف، ويؤدي التفاعل الى آفة جزئية قد تحوّل بعض الخلايا الى حالة شاذة من دون ان تكون ورماً ما لم يؤثر فيها عامل آخر يُدعى بالمحفز او المسهّل للتكاثر، عند ذاك تتكاثر الخلايا لتشكل ورماً، وقد تمتد الفترة الزمنية من النشوء الى الظهور من 10 الى 20 سنة او أكثر. ومن أجل استيعاب أفضل، هناك صورة حسية تقريبية توكد ان مليون خلية سرطانية هي بحجم رأس دبوس، وهناك مليار خلية يقارب حجمها حبة العنب، وهذا يفسر عملية الوقت الضروري لحدوث الورم.

 

العوامل المؤثرة والمصابون

ــ ولماذا يحدث السرطان؟

- ان عوامل عديدة تؤول إما الى نشوء الخلية الشاذة وإما الى دفعها نحو التكاثر او منع آلية التصحيح الذاتي داخل الجسم من لعب دوره، فالأمور تجري بطريقة معقدة. هناك ما هو مسرطن، وما هو مسهّل للسرطنة وما هو مانع لكبحها، ومن هذه العوامل التدخين والتلوث والوراثة والتعرض للاشعاع ومنها أشعة الشمس والاشعاع المهني بالاضافة الى الاصابة ببعض من الأمراض الجرثومية والفيروسات والطفيليات كما هي طبيعة الغذاء وأنماط الحياة. على سبيل المثال لا الحصر ان الحمض النووي <دي ان اي> داخل كل خلية يتعرض كل 8 ثوان الى ضربة أحد عناصر التأكسد الخارجية، او الداخلية للجسم، كما ان كل خلية تتعرض بدورها الى أكثر من 10000 ضربة في اليوم الواحد. اذاً ليس هناك من أسباب بل عوامل بيولوجية وكيميائية وفيزيائية متداخلة قد تقوم بتخصيب ذاك الداء الفتاك عبر احداث مفاعل التهابية قد تقود الى عملية الاجهاد التأكسدي.

ــ ولمن يحدث السرطان؟ والى اي حد؟

- حددت الجمعية الأميركية للسرطان خطر الاصابة بهذا الداء باستثناء ما هو جلدي بنسبة 44 في المئة للرجال و38 في المئة للنساء وهذه النسب آخذة في الازدياد، بمعدل رجل من بين اثنين وامرأة من اصل ثلاث سيُصابون بمرض السرطان. ويتراوح عدد الاصابات بالسرطان حسب البلدان والتوزيع الجغرافي للسكان ما بين 110 الى 410 حالات لكل 100,000 مواطن. ان 80 في المئة من السرطانات المختلفة تحدث بعد العقد الرابع او الخامس من العمر الا ان اللوكيميا وبعضاً من السرطانات الوراثية تصيب الأطفال، كما ان اللمفوما وسرطانات المعدة والثدي تصيب الشباب والشابات، مع العلم ان نسبة العامل الوراثي لا يتخطى الـ15 في المئة من حالات السرطان وتتراوح اجمالاً بين 5 و10 في المئة وليس كما يعتقد البعض بأن معظمه وراثي.

ويتابع قائلاً:

- على خط مواز اذا ما قارنا الحالات الجديدة المشخصة سنوياً للمرض السرطاني مع الدلالة على من لقوا حتفهم ما بين عامي 1990 و2000 نستنتج ان هناك ازدياداً في نسبة حدوث المرض السرطاني بمعدل 19 في المئة وارتفاع معدل الوفيات منه الى 18 في المئة حسب تقرير منظمة الصحة العالمية عام 2003. وتتوقع الجهات المعنية حدوث 16 مليون حالة جديدة مشخصة للسرطان في حلول العام 2020، وأكثر من 10 مليون حالة وفاة نتيجة لذلك. ناهيك عن توقع ازدياد حالات السرطان في اقليم شرق المتوسط بنسبة 180 في المئة في غضون السنين القادمة. أما اذا ما قارنا النسب في حدوث المرض السرطاني منذ العام 1950 وصولاً الى العام 2001 فقد نرى بوضوح ازديادها بنسبة 86 في المئة كمعدل وسطي حسب ما تناولتها التقارير. وعلى حد سواء برز ازدياد حدوث المرض السرطاني لدى الأطفال بمعدل 1.1 في المئة سنوياً في أوروبا ما بين 1978 و1997.اضافة الى ذلك فقد أمدّنا التشريح بمعلومات مفادها ان نسباً تصل من 6 الى 12 في المئة من السرطانات تبقى غير مشخصة قبل الوفاة مثل الغدة الدرقية والبروستات والقولون، مما يدل على ان ما يُعطى من نسب حول حدوث المرض السرطاني هو أدنى مما هو في الأمر الواقع، وهو واقع أمر مرّ.

ضرورة استشارة الطبيب

ــ ومتى يستوجب استشارة الطبيب؟

- ان ثمة عوارض منذرة ولكنها ليست بالضرورة علامات مباشرة لحدوث المرض السرطاني وانما تستحق التوقف عندها واستشارة الطبيب من أجل التوضيح والتشخيص ومنها: نقص غير مقصود في الوزن يتجاوز الى 10 في المئة خلال فترة ستة أشهر. تغير في عادات التبول. صعوبة في البلع او عسر هضم حديث النشوء. كتلة او تمسك في اي مكان في الجسم وخصوصاً الثدي لدى المرأة والخصية لدى الرجل. تغير في لون او حجم الخال او الشامة. بحة او سعال لا يستجيب للعلاج وخصوصاً اذا ما ترافق مع نفث دم. تقرّح لا يستجيب للعلاج. تعرق ليلي غزير وغير طبيعي. حرارة تفوق 38,2 درجة مئوية مأخوذة من البدن، مزمنة وغير ناتجة عن التهابات جرثومية او أمراض الروماتيزم. وجع رأس حديث النشوء يترافق مع تقيؤ مستمر. وجود فقر دم او دم في البول او في البراز من دون اي تفسير واضح. معاودة الدورة الشهرية او ما شابه عند المرأة بعد انقطاع الطمث. وجع في عظام الجسم متواصل وغير عادي.

ــ ما هو دوركم؟

- في ضوء ذلك يأتي دورنا الفاعل من أجل قهر هذا المرض الخبيث لننتزع منه فرص التربص بنا، والفتك بأبنائنا، وزرع الخوف في مجتمعاتنا وذلك عبر معادلة سأعمد الى تبسيطها من خلال أجوبة واضحة وسهلة وموضوعية عن أسئلة نعايشها يومياً: ماذا نأكل؟ ماذا نشرب؟ وماذا نفعل؟ بهذه المعادلة المبسطة في استطاعتنا تجنب احتمال الاصابة بالسرطان بنسبة قد تصل الى 70 في المئة اذا لم تكن 80 او 90 في المئة. وخلافاً لما يظنه العديد من الناس فإن نمط الحياة والنظام الغذائي الأفضل للصحة، لا يعني بالضرورة التخلي عن كل شيء نتمتع به، ولكن اجراء تغييرات تدريجية قد تؤدي الى الهدف المنشود أي الصحة المثلى. وكان قد عرّف <ساجرت> الصحة بأنها قدرة الجسم على مقاومة قوى التشتت والحوادث والصدف وضروريات المحيط الخارجي، الا اني قد أختلف معه لناحية ان الصحة ليست فقط القدرة على مقاومة المحيط بسلبياته وانما أيضاً القدرة على استغلاله بايجابياته. وأما تعريف منظمة الصحة العالمية بأن الصحة هي حالة من الرفاهية الكلية: البدنية والنفسية والاجتماعية فهو برأيي تعريف مغال في المثالية، فأقول من باب التوعية والحث الواقعي إن الصحة هي قدرة جسم الانسان على استغلال ايجابيات المحيط وتطويق سلبياته بفضل برنامج خاص واستراتيجية فردية ملائمة، بما يحقق الأهداف الحياتية بفعالية مطلقة <الصحة هي تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه سوى المرضى>.

الوقاية خير من قنطار علاج

ــ وماذا عن برنامج الوقاية؟

- لقد وفرت مقارنات بين معدلات الوفاة بالسرطان في جماعات سكانية من قوميات مختلفة قرائن بالغة الأهمية بالنسبة الى تعليل أسباب السرطان. وكانت احدى أكثر المقارنات امداداً بالمعلومات تلك التي كانت بين أميركا واليابان. ففي البلدين مستويات متشابهة من التصنيع والتعليم، ومستويات طبية راقية واحصاءات حيوية جيدة، ومما يثير الدهشة انه على الرغم من ان معدلات السرطان الاجمالية متشابهة، الى ان البلدين يقدمان صورتين مختلفتين عند مقارنة أنماط معينة من السرطان: فسرطان الثدي والقولون والبروستات على سبيل المثال شائعة في أميركا ولكنها نادرة في اليابان، وعلى نقيض ذلك فإن سرطان المعدة أكثر شيوعاً في اليابان منه في أميركا. فهل ثمة عوامل بيئية تجعل الانتشار مختلفاً بين منطقة وأخرى وبين بلد وآخر؟ قد يقول بعضهم ان الفرق يعود الى اختلافات جينية عرقية وهذا جواب بديهي للكثيرين، الا ان بيانات الهجرة الجارية من بلد الى آخر قد دحضت هذه الفرضية حيث ان الاختلاف الجغرافي على نطاق العالم في معدلات السرطان يعزى الى العوامل البيئية أكثر منه الى العوامل الجينية. ومن الطبيعي ان تلفت هذه الانتقالات الانتباه الى اعتبار الفروق الغذائية والبيئية عاملاً مؤثراً، ومن هنا نشأت فكرة احتمال ان يكون للغذاء دور منذ أكثر من 50 عاماً من قبل عالم وبائيات انكليزي وهو <ستوكس> الذي ربط الفروق في معدلات السرطان في أجزاء مختلفة من انكلترا بالفروق في استهلاك بعض الأطعمة. كما استنتج <ويندر> من منظمة الصحة العالمية ان الفرق الواسع بين معدل سرطان الثدي في اليابان ومعدله في أميركا لا يمكن تفسيره عبر عوامل الخطورة مثل تاريخ الأسرة والخصائص الانجابية، فرأى ان صفة بيئية مثل الغذاء هي المحدد الأساسي. لقد ساعد التطور السريع خلال العقد الماضي الذي حدث في عدد من المجالات الطبية والعلمية ذات الصلة، ولا سيما في مقدار القرائن المتعلقة بعلم الأوبئة والمستندة الى السكان، على ايضاح دور النظام الغذائي ونمط الحياة في الوقاية من الأمراض السرطانية، كما اتضح ان بعضاً من مكونات النظام الغذائي المحددة قد تؤول الى زيادة احتمال الاصابة بداء السرطان. وعلاوة على ذلك تسارعت خلال العقد المنصرم تغيرات أساسية في النظم الغذائية وأساليب الحياة التي حدثت مع التحضير والتصنيع والتنمية الاقتصادية وعولمة الأسواق، فكانت هناك عواقب سلبية بالغة الأهمية من حيث عدم سلامة أنماط النظام الغذائي وتناقص الأنشطة البدنية وتعاطي التبغ والكحول ما أدى الى حدوث زيادة في نسبة المرض السرطاني. وتنعكس في المقابل التغيرات الحاصلة في الاقتصاد الغذائي العالمي على حدوث تحول في أنماط النظم الغذائية، ومثال ذلك استهلاك الأغذية الكثيفة الطاقة التي ترتفع فيها نسبة الدهون والشحوم، لا سيما الدهون المشبعة كما السكريات المكررة والتي تنخفض فيها نسبة المواد الكربوهيدراتية غير المكررة، وهذه الأنماط يقترن بها حدوث انخفاض في انفاق الطاقة المرتبط باتباع أسلوب حياة يتسم بقلة الحركة، ففي العام 2003، 65 في المئة من الرجال و75 في المئة من النساء في انكلترا تتراوح أعمارهم بين 16 و69 سنة صُنفوا بقليلي النشاط البديني. لقد أضحت التغذية تحتل مركز الصدارة كمجموعة عوامل رئيسة تغذي او تمنع المرض السرطاني ويمكن تعديلها باتجاهات صحيحة فلا تؤثر في الصحة الحالية فحسب، بل قد تحدد أيضاً ما اذا كان الفرد سيُصاب بهذا المرض الفتاك.

وأضاف:

  - ومن هذه العوامل:

أولاً: التطور في توافر الطاقة الغذائية: ان استهلاك الأغذية الذي يُحسب بالسعرات الحرارية لكل فرد يومياً هو متغير رئيسي يُستخدم في قياس وتطور الوضع الغذائي عالمياً، وقد أخذت هذه السعرات تتزايد باطراد على نطاق العالم. ثانياً: توافر الدهون الغذائية والتغيرات في استهلاكها: ان الزيادة في كمية ونوعية الدهون المستهلكة في الغذاء سمة من سمات التحول التغذوي الذي ينعكس على النظام الغذائي، فقد زاد مستوى امدادات الدهون المستخلصة من الأغذية الحيوانية بنسبة 15 غراماً للفرد يومياً في البلدان النامية و5 غرامات للفرد يومياً في البلدان المصنعة. ثالثاً: الفواكه والخضراوات واستهلاكها: يلعب استهلاك الفاكهة والخضار دوراً حيوياً في توفير غذاء متنوع ومغذٍ، الا ان استهلاكها المنخفض يمثل ظاهرة مستمرة تؤكدها نتائج عمليات مسح استهلاك الأغذية. رابعاً: توافر السكر المبسّط والمكرر: لقد تبين ان استهلاك السكر المكرر قد تسارع في التزايد منذ الحرب العالمية الثانية من جراء تناول مكعبات السكر الجاهزة كما المحبحب والمطحون منها والمشروبات الغازية المحلاة بالسكر الى جانب تناول الحلويات على أنواعها والمربيات وغيرها من الأطعمة. خامساً: البدانة: لقد تبين ان الوزن النسبي في مرحلة ما بعد البلوغ والبدانة يرتبط بزيادة مخاطر الاصابة بالسرطان وخصوصاً سرطانات الثدي والقولون والبروستات. والوزن الزائد في مرحلة الطفولة قد يستمر الى مرحلة ما بعد البلوغ. سادساً: انخفاض النشاط البدني: ان انعدام النشاط البدني يمثل حافزاً أساسياً في نسبة حدوث المرض السرطاني، ويُقدر ان الوزن الزائد وقلة الحركة معاً مسؤولان عن خمس الى ثلث العديد من السرطانات الأكثر شيوعاً وتحديداً سرطانات الثدي والقولون وبطانة الرحم والكلى.