تفاصيل الخبر

الاختصاصية في علم النفس الدكتورة بيا زينون: 90 بالمئة من حالات الانتحار ناتجة عن مرضي الاكتئاب والفصام الشخصي!

13/12/2019
الاختصاصية في علم النفس الدكتورة بيا زينون:  90 بالمئة من حالات الانتحار ناتجة عن مرضي الاكتئاب والفصام الشخصي!

الاختصاصية في علم النفس الدكتورة بيا زينون: 90 بالمئة من حالات الانتحار ناتجة عن مرضي الاكتئاب والفصام الشخصي!

 

 

 

بقلم وردية بطرس

 

ضجت وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بحالات الانتحار في مختلف المناطق اللبنانية... فمنذ ايام شكل انتحار المواطن ناجي الفليطي في عرسال صدمة كبيرة لدى اللبنانيين اذ انه انتحر يأساً من وضعه المعيشي بعدما أصبح عاطلاً عن العمل قبل شهرين، والأفظع من ذلك عندما سألته ابنته ان يعطيها ألف ليرة لبنانية قبل الذهاب الى مدرستها لتشتري منقوشة، ولكن لم يكن في جيبه حتى الف ليرة فآلمه ذلك كثيراً، وأيضاً بسبب ديون متراكمة عليه والتي بالكاد تتجاوز النصف مليون ليرة لبنانية فانتحر... ولم تمر 48 ساعة حتى اقدم المواطن داني ابي حيدر في منطقة النبعة على الانتحار بسبب وضعه الاقتصادي اذ كان يتقاضى نصف راتبه منذ شهرين. كما عُثر على العنصر الأمني <أ.ط> جثة في حقل في خراج بلدة سفينة الدريب - عكار والى جانبه مسدسه وكل الدلائل تشير الى انتحاره. في حين حاول مواطن الانتحار حرقاً في مجدلا بعدما سكب البنزين على نفسه قبل ان يردعه شبان كانوا في المكان وأنقذوا حياته. وقبل أيام حاولت فاطمة المصطفى في طرابلس احراق نفسها للمرة الثانية يأساً من اي بارقة أمل وهي العجوز المريضة التي تفترش شوارع طرابلس وتلتحف سماءها مع حفيدها منذ 40 يوماً من دون مأوى. وقبلهم كان أحد المواطنين قد هدد  باحراق نفسه أمام الناس ما لم تستجب السلطة لمطالب شعبها الموجوع الجائع... صحيح ان الوضع الاقتصادي متردٍ في البلد وهناك انتشاراً للبطالة وضائقة معيشية يرزح تحتها المواطنون، الا ان أطباء علم النفس يعتبرون ان الشخص الذي يقدم على الانتحار يكون ذلك ناتجاً عن اصابته بمرض نفسي وتحديداً الاكتئاب وليس لأنه لم يتمكن من اعالة اسرته او دفع ديونه المتراكمة وما شابه كما يُتداول في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي.

جمعية <Embrace> والخط الساخن لانقاذ حياة الناس!

ولانقاذ حياة الأشخاص الذين يفكرون بالانتحار سارعت <Embrace> (وهي جمعية خيرية لدعم ونشر الوعي حول الصحة النفسية في لبنان) بنشر معلومات مهمة على صفحة الـ<فايسبوك> بامكانها انقاذ حياة، معتبرة ان الانتحار خسارة حزينة ومؤلمة في حياة الانسان، وبأن التغطية الاعلامية للانتحار من شأنها ان تقلل من الخطر او ان تحفز الأشخاص الذين لديهم أفكار انتحارية على الانتحار وذلك بحسب الطريقة التي تمت من خلالها تغطية الخبر، اذ لدينا جميعاً دور نلعبه كمستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي ويجب ان نولي اهتماماً دقيقاً لما يلي:

- قبل مشاركة اي خبر او <بوست> يجب التأكد من الحقائق حول موضوع الانتحار وتجنب نشر معلومات غير دقيقة. لا تصف او تشارك صوراً حول الطريقة المستخدمة للانتحار. تفادى استخدام او مشاركة الصور او لقطات الفيديو او روابط وسائل التواصل الاجتماعي للحدث. لا تتكهن حول سبب الانتحار او محفزه حتى لو تم توفيره من قبل العائلة او الأصدقاء المقربين. لا تستخدم التفسيرات المبسطة للانتحار وتجنب ربط الانتحار بعامل سببي واحد. لا تفترض او تذكر ان الأشخاص الذين حاولوا الانتحار هم ضعفاء او يحاولون جذب الانتباه، لأن المنتحر يكون في أزمة نفسية شديدة تتطلب رعاية فورية. انشر رقم <1564> وهو الخط الوطني الساخن للوقاية من الانتحار فالعاملون مستعدون للاستماع لأي شخص يريد التكلم، اما الاشخاص القلقون على أحد ما فيمكنهم الاتصال بين 12 ظهراً و 2 صباحاً يومياً.

وتجدر الاشارة الى ان جمعية <Embrace> كانت قد أطلقت في أيلول (سبتمبر) 2017 الخط الساخن الوطني للوقاية من الانتحار، وهو الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي. و<Embrace> نشأت في العام 2013 بالتعاون الوثيق مع قسم الطب النفسي في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت. وبدءاً من آب (أغسطس) 2017 أصبحت <Embrace> جمعية خيرية مستقلة، وهذه المبادرة هي الأولى من نوعها تهدف الى جمع التبرعات لنشر التوعية وتأمين العلاج للأمراض النفسية، كما تسعى الى توعية ودعم الأشخاص الذين يحتاجون الى المساعدة عبر تبديد الخرافات والمعلومات الخاطئة التي تحيط بالمريض النفسي، كما تقدم معلومات عن الموارد المتوافرة الى الأشخاص الذين يعيشون في لبنان، وتجمع التبرعات للمساعدة في تأمين العلاج والعناية للأشخاص العاجزين عن تحمل كلفتها.

 

الدكتورة بيّا زينون وتلقي الاتصالات من أشخاص يعانون من مرض نفسي!

<الأفكار> تحدثت مع الاختصاصية في علم النفس الدكتورة بيا زينون وهي أستاذة محاضرة في الجامعة الأميركية في بيروت، وأيضاً عضو في مجلس <Embrace> وسألتها عن الخط الساخن الذي كانت الجمعية قد اطلقته منذ العام 2017 فتقول:

- أولاً يجب ان نوضح الأمر من ناحية علم النفس بأن 90 بالمئة من حالات الانتحار هي ناتجة عن مرض نفسي، وبدورنا نحاول ان نقدم ما يلزم للأشخاص الذين يعانون من مرض نفسي، ولهذا كانت <Embrace> قد أطلقت الخط الساخن سنة 2017، اذ نتلقى مئات الاتصالات من قبل أشخاص يعانون من مشاكل نفسية، وليس فقط الأشخاص الذين يفكرون بالانتحار، ولدى الجمعية 50 شخصاً يتلقون اتصالات الناس اذ انه سبق ان تدربوا على هذا النوع من العمل وفق المعايير العالمية، وقد أتينا ببرامج كندية لتدريب هؤلاء الأشخاص على تلقي مثل هذه الاتصالات لكي يساعدوا المتصلين ضمن الموارد المتوافرة لدى الجمعية، وطبعاً هم يتّبعون تقنية محددة لتخفيف الضغط على الأشخاص الذين يتصلون بنا.

ــ منذ ان اطلقتم الخط الساخن حتى اليوم هل تلاحظون ان نسبة الأشخاص الذين يفكرون بالانتحار قد ازدادت؟

- لا نقدر ان نعرف عما اذا ازداد عدد الأشخاص الذين يفكرون بالانتحار، ولكن ما تظهره الاحصاءات ان نسبة الأمراض النفسية في لبنان عالية، اذ ان اللبنانيين يتناولون أدوية مهدئة للأعصاب بشكل كبير، ونلاحظ من خلال اتصالات الأشخاص بالجمعية ان ليس الجميع يفكر بالانتحار، ولكن لا شك انهم أشخاص يمرون بظروف نفسية صعبة او يعانون من القلق والاكتئاب.

تهويل الاعلام من تزايد حالات الانتحار!

ــ خلال أيام قصيرة رأينا حالات انتحار في مختلف المناطق اللبنانية، فالى اي مدى يشكل ذلك خوفاً من اللجوء الى الانتحار بسبب ما يمر به البلد من ظروف صعبة على جميع الأصعدة؟

- بصراحة ما نراه اليوم خطير بما يتعلق بتسليط الاعلام الضوء على حالات الانتحار بأنها ازدادت بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعاني منها اللبنانيون، فهذا أمر خطير بأن يظهر الاعلام ان اقدام الأشخاص على الانتحار هو بسبب الوضع المتردي في البلد، وكأن كل شخص ينتحر بسبب ما يحدث في البلد، بينما ما يحدث بالفعل هو ان الشخص الذي يلجأ الى الانتحار هو بالأساس يعاني من حالة نفسية صعبة وذلك بنسبة 90 بالمئة، بمعنى آخر فان الشخص الذي لا يعاني من مرض نفسي فمهما أصبحت ظروفه المعيشية والاجتماعية صعبة فلن يقدم على الانتحار. ان موضوع الانتحار معقد جداً لأن الشخص الذي ينتحر هو بالأساس مكتئب، ولأنه كان مكتئباً فهو لم يقدر ان يعمل وينتج فتراكمت الديون عليه، وعندما يرى انه لا يقدر ان يساعد نفسه يرى ان الانتحار هو الحل.

ــ وهل ان الشخص الذي يتصل بالجمعية يعلمكم بأنه سينتحر؟

- الشخص الذي يقرر ان ينتحر لا يسأل أحداً ولا يطلب مساعدة من أحد لأن قرار الانتحار ربما هو أصعب قرار يتخذه الشخص. أحياناً يفكر الشخص بالانتحار ولكنه لا يقدم على ذلك، وان اعلم المحيطين به بالأمر فانه يفعل ذلك بدافع تدخلهم ومنعه من الاقدام على الانتحار، ولكن عندما يصل الشخص الى المرحلة الأخيرة فلا يعود هناك شيء ينفع فلا احد يقدر ان يردعه لأنه يكون قد قرر ولن يتراجع، وبالتالي عندما يتصل بنا الشخص لا يقول لنا بأنه سينتحر.

 

اسباب اقدام الانسان على الانتحار!

ــ وما الذي يدفع الانسان الى الانتحار؟ ولماذا يفكر بالأمر؟

- كما ذكرت في البداية ان حالات الانتحار بنسبة 90 بالمئة هي ناتجة عن مرض نفسي، وتكون اجمالاً بسبب الاكتئاب و<Schizophrenia> او الفصام الشخصي، وبالتالي اصابة الانسان بهذين المرضين تدفعه الى الانتحار، وعندما نتحدث عن الاكتئاب نعني بذلك ان الانسان يفقد الأمل تماماً ولا يعود يريد ان يقوم بالأمور التي كان يحبها كما انه يبتعد عن الأهل والأصدقاء ولا يعود يأكل وينام بشكل جيد، أما الفصام الشخصي فهو أقل شيوعاً من الاكتئاب ولكن هذه الحالة تدفع الشخص للانتحار ايضاً، انما كما ذكرت بأن 90 بالمئة من الحالات هي ناتجة عن مرض نفسي وليس لأن الشخص يواجه مشكلة مادية وما شابه. ويجب ان نذكّر هنا بأنه ليس كل شخص مكتئب يفكر بالانتحار، ولكن اذا كان الاكتئاب شديداً بحيث لا يعود الشخص يتجاوب مع العلاج او انه تعرض لمشكلة عاطفية او مادية فعندها يشعر بالخوف والقلق ولا يجد أي حلول للمشكلة الى جانب شعوره بالاكتئاب وعندها يقدم على الانتحار.

تكرار محاولات الانتحار!

ــ أحياناً يحاول الشخص  ان ينتحر مرات عديدة اذ لا يقوم بالأمر من المرة الأولى فما السبب؟

- يحاول الشخص ان ينتحر مرات عديدة، ولكنه في الحقيقة يقصد بذلك بأن يتنبّه أحدهم للأمر لكي يتدخل ويمنعه من الانتحار، لأنه لا يريد ان ينتحر بل يحاول لفت نظر المحيطين به. تجدر الاشارة الى ان كل شخص حاول ان ينتحر فانه سيحاول مرة ثانية وثالثة الى ان يموت اذا كان قد قرر بالفعل ان ينتحر. ونذكر هنا بأن لكل انتحار كامل هناك ست محاولات وليس محاولة واحدة او اثنتين، وبالتالي يحاول الشخص مراراً قبل ان ينتحر بالفعل.

ــ ولكن هناك ضغط نفسي يتعرض له الناس في الفترة الأخيرة نتيجة ما يحدث في البلد على الصعيد المادي والمعيشي والاجتماعي، اليس لذلك تأثير؟

- طبعاً الناس يعيشون فترة عصيبة نتيجة ما يحدث في البلد، ولكن الشخص الذي لا يعاني من اكتئاب يقدر ان يتفاعل مع هذا الضغط، وربما يلجأ الى الأهل والأصدقاء لطلب المساعدة مثلاً او الدعم المادي، بمعنى انه يحاول شتى الطرق ان يستمر ويواجه الحياة مهما كانت قاسية وصعبة، ولكن الشخص المصاب بالاكتئاب فانه يشعر بأنه لا يقدر ان يساعد حتى نفسه فكيف الحال ان يساعد عائلته وما شابه، وهذا يظهر بأن الانسان المكتئب لا يرى الحلول، لا بل يجد نفسه عبئاً على الآخرين، ويقول في نفسه اذا انتحرت فانني سأرتاح وأريح الأشخاص المحيطين به، وأكثر من ذلك فان الأب الذي يقدم على الانتحار لأنه لم يقدر ان يعيل اسرته قد يعتبر انه بعدما ينتحر سيلتف الناس حول أولاده ويقدمون الدعم المادي لهم، وهذا أمر مؤسف ومحزن ان يصل الانسان الى هذه الدرجة من اليأس والاستسلام، وان يظن بأن حياة أسرته ستصبح أفضل اذا انتحر لأن الناس سيساعدون أولاده، وهذا أمر لمحزن فعلاً.

وعن تكاتف اللبنانيين ومساعدة بعضهم البعض في الظروف الصعبة التي يمر بها البلد تقول:

- بالرغم من الوضع المتردي في البلد الا ان اللافت والجميل بأن الناس يتكاتفون ويساعدون بعضهم البعض، مثلاً هناك أشخاص يقومون بمبادرات فردية لمساعدة المحتاجين والمعوزين، وهذا أمر جيد اذ من شأنه ان يقلّل مأساة الناس، وكما ترين هناك مبادرات انسانية تُطلق على صفحات الـ<فايسبوك> لمساعدة الفقراء. ولهذا نطلب من كل شخص اذا كان يعاني من العوز ان يتحدث بالأمر أمام أهله او اصدقائه، اذ طبعاً سيجد من يساعده بينما اذا بقي صامتاً ولا أحد يعلم بما يمر به فانه سيتعرض لضغط نفسي وقد يُصاب بالاكتئاب من ثم يفكر بالانتحار كأفضل حل بالنسبة له.

وختمت الدكتورة زينون حديثها قائلة:

- لهذا ننصح الشخص الذي يشعر بأنه متضايق سواء على الصعيد المادي او النفسي ان يتحدث بالأمر مع اصدقائه وأهله او ان يلجأ الى جمعية مثلاً لأنه من المفيد ان يجد من يسمعه وان يعرف انه ليس وحيداً في هذه الدنيا، ومن الضروري ان يتحدث كل انسان عما يعانيه لأن الصمت والكتمان يؤثران سلباً على الشخص خصوصاً من الناحية النفسية، كما ننصح الأشخاص الذين يشعرون بالتوتر كلما تابعوا نشرات الأخبار ان يقلّلوا من مشاهدتها لأنه عندما يشاهد الشخص أخباراً مأساوية وأخباراً سيئة ومحزنة فانه سيشعر بالضغط النفسي أكثر وبالتالي سيؤثر ذلك على حياته ونشاطه.