تفاصيل الخبر

الأخطـــــاء فــي الجينــــات الوراثيـــــة... تقنيـــــة ثوريـــــة للحــد مــن العيـــوب الخلقيـــة قبـــل حـــدوث الحمــــل!

05/01/2017
الأخطـــــاء فــي الجينــــات الوراثيـــــة... تقنيـــــة ثوريـــــة  للحــد مــن العيـــوب الخلقيـــة قبـــل حـــدوث الحمــــل!

الأخطـــــاء فــي الجينــــات الوراثيـــــة... تقنيـــــة ثوريـــــة للحــد مــن العيـــوب الخلقيـــة قبـــل حـــدوث الحمــــل!

بقلم وردية بطرس

--الدكتورة-مونيكا-شاولا------1

تنتقل الجينات الوراثية الى الأطفال من الأب والأم، فالصفات الوراثية تتمازج بين ما يملكه كل من الأب والأم من صفات، وقد تتكون طفرات في الجينات الوراثية التي يرثها الجنين من الآباء والأجداد، وهي اما سائدة اي يرثها الجنين من أحد الأبوين او متنحية اي يرثها الجنين من كلي الأبوين، وتؤدي هذه الطفرات الى مرض وراثي لدى الجنين يورثه بدوره الى أبنائه، وتتسبب في عيوب خلقية وراثية. وهناك بعض الأمراض الوراثية يمكن علاجها وتعديلها وراثياً، فيما هناك بعض الأمراض لم يتوصل العلم الى علاجها الى الآن.

لا شك ان العلم كشف لنا الكثير وأفاد البشرية في اكتشاف الكثير من الأمراض الوراثية والتي تنتقل عبر الأجيال وتسبب مشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة، والحديث هنا عن تشوهات الأجنة التي قد تنجم عن عوامل بيولوجية مثل نقص التغذية عند الأم او استعمال بعض العقاقير في المرحلة الأولى من الحمل او تعرض الجنين في مراحل عمره الأولى لبعض السموم مثل المواد الكيميائية والتدخين والتعرض للاشعاع، أو قد يعود السبب الرئيسي الآخر الى أسباب وراثية حيث قد يحمل كلا الزوجين او احدهما كروموسوماً مورثاً به تشوه، او قد يحدث اضطراب في عدد <الكروموسومات> عند اختلاط البويضة، ويتكون كل <كروموسوم> من وحدات صغيرة يطلق عليها الجينات وهي التي تحمل الصفات الشكلية للكائن البشري، وعدد هذه الكروموسومات هو 46 كروموسوما مصفوفة في 23 زوجاً ويوجد ضمنها زوج واحد فقط مسؤول عن تكوين جنس الجنين أحدهما يطلق عليها الصفة <X> والنصف الآخر الصفة <Y>.

ومن أهم الأسباب التي دفعت العلماء الى تكثيف دراسة الجينات هي الأمراض الوراثية المعقدة بغرض التصدي لها من أجل الوقاية من الأمراض الوراثية والتشوهات الخلقية للمواليد، وقد تم استحداث تقنية تتيح للزوجين تحديد جنس الجنين عن طريق فحص الأجنة التي تحمل بها الأم لضمان خلوها من الأمراض الوراثية، ولا تقتصر فائدة التقنية الجديدة على هذا الجانب بل أضافت بعداً جديداً لعلاج هذه الحالة.

وهناك أمراض وراثية تحدث نتيجة خلل في أكثر من مورث واحد وينتج عنها حالات عيوب القلب الخلقية وتشوهات الدماغ والضمور الفقري وضمور العضلات والتشوه في الجهاز العصبي والجهاز الهضمي، وقد تم حديثاً تطوير تقنيات لفحص اي تشوهات بكروموسومات الأجنة قبل نقلها للرحم وكذلك لفحص جينات الزوج قبل حقنها في بويضات الزوجة بغرض منع حدوث تشوهات مستقبلية لدى الجنين.

ويعتقد الأطباء ان أكثر من 70 بالمئة من حالات الاجهاض المبكر سببها التشوه في الأجنة بل ان كثيراً من هذه الحالات يحدث مبكراً للغاية قبل ان تكتشف المريضة انها حملت، وفي بعض الحالات يستمر الجنين في النمو حتى يولد، وان أكثر هذه الحالات شيوعاً يعود لوجود <كروموسوم> زائد في رقم 21 وهو ما يعرف بـ<الطفل المغولي>، وهناك حالات تشوه أخرى أقل حدوثاً، كما وأن هناك مئات من الأمراض الوراثية او المتلازمات التي تم اكتشافها وان كان أغلبها نادر الحدوث، وهناك بعض الأمراض الوراثية غير متوافقة مع الحياة وتؤدي الى وفاة الجنين، فيما بعضها الآخر يؤدي الى احداث اعاقة أو تشوهات خلقية لدى المولود.

وتجدر الاشارة الى ان زواج الأقارب ليس السبب الوحيد لانتشار الأمراض الوراثية وانما يمكن ان تنتشر الأمراض الوراثية في المجتمع بين أطفال غير أقارب فيما قد يكون أطفال الأقارب أصحاء، ولكن يُنصح في حالة الرغبة في زواج الأقارب مثل ابن العم او ابن الخالة وابن العمة باجراء الفحص الطبي قبل الزواج، كما يُنصح أيضاً حتى لو لم يكن الزواج من الأقرباء بمعرفة اذا كانت هناك أية أمراض وراثية في اسرة أي من الزوجين أو كليهما ثم استشارة الطبيب لاجراء الفحوصات والتحاليل لمعرفة احتمالات اصابة الأطفال بهذه الأمراض الوراثية، ومن هنا تأتي أهمية الفحص الطبي قبل الزواج حيث يسأل الطبيب كلاً من الزوجين إذا ما كانت هناك أمراض وراثية في اي من العائلتين.

الدكتورة مونيكا شاولا وزواج الأقارب

فما هي الأخطاء في الجينات الوراثية؟ وكيف يمكن الحد من العيوب الخلقية قبل حدوث الحمل؟ والى اي مدى يشكل زواج الأقارب عاملاً لنقل الأمراض الوراثية؟ وغيرها من الأسئلة أجابت عنها الدكتورة مونيكا شاولا الاختصاصية في مجال الخصوبة وهي تعمل في مجال معالجة العقم والغدد الصماء الانجابية (كاختصاص ثانوي) منذ أكثر من 16 عاماً، كما انها خبيرة في الجراحة بواسطة مناظير البطن الرحمية والمهبلية، وفي الطب الانجابي والعقم وحالات الحمل العالية المخاطر والأمراض النسائية الجراحية، وقد نشرت بحوثها في 27 مجلة عالمية وعلمية مفهرسة، كما تم تقديم هذه البحوث في مؤتمرات عالمية مختلفة، وهي عضو في الجمعية الأميركية للطب الانجابي، والجمعية الانكليزية للخصوبة، والجمعية الأميركية لطب الأمراض النسائية وتنظير البطن، وحازت عضوية الكلية الملكية لأطباء الانجاب وأطباء الأمراض النسائية (أم آر سي او جي) في العام 2004، وعضوية الجمعية الدولية لجراحي تنظير البطن في العام 2008، وتستهل الدكتورة مونيكا شاولا حديثها قائلة:

- يعد زواج الأقارب تقليداً راسخاً ومنتشراً بكثرة في منطقة الشرق الأوسط نظراً للثقافة المتأصلة بضرورة الزواج من الأقارب لتحقيق التوافق الأسري والاستقرار الاجتماعي، ولكن على الرغم من ذلك فان لهذا النوع من الزيجات سلبياته وأضراره الجسيمة حيث تزيد احتمالية اصابة الأطفال عند ولادتهم بتشوهات خلقية كبيرة، ويمكن ان تترواح التشوهات والعيوب الخلقية من مشاكل بسيطة وعادية مثل وجود أصابع قدم او يد اضافية، الى ظهور مشاكل وأمراض خطيرة تشكل تهديداً للحياة مثل ثقب القلب او اضطرابات الدماغ وغيرها، ويساعد التشخيص الوراثي قبل الغرس (التشخيص الوراثي قبل بدء الحمل) على التعرف الى وجود تلك الأمراض في الأجنة قبل حدوث الحمل، ويبدأ ذلك التشخيص مع البدء في عملية الاخصاب داخل المختبر (اطفال الأنابيب) التي تنطوي على استرجاع البويضات من رحم المرأة وتخصيبها داخل المختبر، وبعد ثلاثة أيام من التخصيب ينقسم الجنين الى مجموعة من الخلايا داخل المختبر، فتتم ازالة خلية او اثنتين بعناية من الجنين على شكل خزعة بسيطة جداً، ولا يشكل ذلك اي خطر او ضرر على الجنين حيث يتم أداء تلك العملية بمهارة فائقة، ومن ثم يتم تقييم الخلايا لتحديد ما اذا كان الجنين حاملاً لخلل او تطور غير طبيعي في الجينات الوراثية ام لا، وبمجرد أداء اختبار التشخيص الجيني قبل الغرس <PGD> والتأكد من أن الأجنة خالية من اية مشاكل خاصة بالجينات الوراثية، يتم وضع الجنين مرة أخرى داخل الرحم ليبدأ في التطور والنمو بشكل طبيعي.

حالات التشوهات الخلقية

ــ وهل من حالات عاينتها؟

- حضرت سيدة الى العيادة الطبية منذ عام وكانت لديها حالتان من أطفالها مصابين بـ<اضطرابات التخزين الليزوزومية>، وهو مرض نادر وقاتل يتسبب في تراكم السموم الخطيرة بسبب عيب في الجينات الوراثية والانزيمات، وقالت السيدة حينئذ ان طفليها تمت ولادتهما بصحة جيدة وكان ذلك يبدو عليهما بوضوح، ولكن مع الوقت وبشكل تدريجي بدأت تظهر عليهما آثار اصابتهما بأمراض خطيرة مثل الاسهال والفتق، وبعد ذلك ظهرت أيضاً تشوهات في ملامح الوجه، مثل اتساع وكبر حجم اللسان وتضخم في الكبد، وغيرها من علامات الأمراض التي بدت واضحة أيضاً في التخلف العقلي وتأخر النمو. أخذت حياة الزوجين منحى آخر من هول ما فاجأهم، وهو ما جعلهم يبحثون عن حلول جذرية لتلك الأمراض الخطيرة، وبعد الفحص تبين عند تشخيص الزوجين اللذين كانا أقارب وأبناء عموم، بأنهما حاملان لناقل جيني تسبب في ظهور تلك الأمراض، وقد سمح ذلك الاكتشاف المهم في تطوير تدابير وقائية عدة ينبغي اتخاذها في تلك الحالة، وخضعت السيدة الى اختبار التشخيص الوراثي قبل الغرس، مما سمح بالاختبار الدقيق للأجنة السليمة لاجراء عملية الغرس داخل الرحم، وبالفعل حدث الحمل وتمت ولادة طفل ذكر يتمتع بصحة جيدة.

التشخيص الوراثي

ــ وماذا عن التشخيص الوراثي قبل الغرس؟

- يمثل التشخيص الوراثي قبل الغرس مفهوماً صحياً مبتكراً حيث يخضع الزوجان الى عملية أطفال الأنابيب والتلقيح الصناعي داخل المختبر، بالاضافة الى اختبارات جينية عدة للأجنة، ليس فقط للكشف عن جينات <التلاسيميا>، ولكن أيضاً للتأكد من نوع أنسجة مستضد الكريات البيضاء البشرية، ويضمن ذلك الاختبار ليس فقط ولادة طفل جديد سليم لا يعاني من الأمراض، بل يمكن أيضاً ان يساعد بمنح خلايا جذعية لعلاج طفل مريض، وأذكر هنا أنه بواسطة تقنية التشخيص الوراثي قبل الغرس خضعت أم لعملية ولادة قيصرية وأنجبت طفلاً معافى وبصحة جيدة، ثم تم جمع الحبل السري للطفل المولود من أجل المساهمة في علاج شقيقه المريض.

ويمثل الجمع بين اجراء التشخيص الوراثي قبل الغرس واختبار نوع أنسجة مستضد الكريات البيضاء البشرية أحدث التطورات العلمية المذهلة في مجال الطب التناسلي، وقد برزت هذه التقنية كوسيلة ممتازة للأزواج الذين يواجهون خطر نقل الأمراض الوراثية الى أطفالهم، وكما هو مذكور أعلاه فان التقنية الجديدة تسمح باختيار الأجنة السليمة وغير المتأثرة بالخلل الجيني الذي يحمله الوالدان، ليتم في ما بعد منح الخلايا الجذعية التي تساهم في شفاء الأطفال المصابين، فعند الولادة من الممكن استخراج خلايا من دم الحبل السري للمولود واعادة استخدامها في بناء نظام الدم للاخوة المصابين، حيث يعد الطفل المولود بذلك منقذاً لحياة هؤلاء الاخوة، وبحسب الدراسات تساهم تلك التقنية في رفع نسبة الشفاء الى أكثر من 90 بالمئة.

وتتابع:

- كذلك تم استخدام التشخيص الوراثي قبل الغرس في تحديد الجينات السرطانية النادرة <BRCA -2> و<BRCA- 1> التي تشكل خطراً بنسبة 70 إلى 80 بالمئة للاصابة بسرطان الثدي حيث تضطر النساء المصابات الى الخضوع لعمليات جراحية تشويهية لازالة الثدي في سن مبكرة من أجل منع الإصابة بالسرطان او انتشاره، أما اليوم فيمكن تجنب ذلك من خلال تحديد الجينات ذات المخاطر العالية في الأجنة، وزرع الأجنة السليمة منها فقط والتي تشكل خطراً أقل لناحية الاصابة بسرطان الثدي في المستقبل.

وختمت الدكتورة شاولا قائلة:

- تعد تقنية التشخيص الوراثي قبل الغرس تطوراً كبيراً في مجال التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب، وهي تساعد على الحد من الآثار السلبية لزواج الأقارب، مما يجعلها أداة فعالة وجوهرية في منطقة الشرق الأوسط حيث يكثر هذا النوع من الزواج، كذلك تعد هذه التقنية مفيدة أيضاً للحاملين اضطرابات وراثية متعلقة بالجنس او اضطرابات صبغية مثل <متلازمة داون>، وهي كذلك مفيدة جداً للنساء اللواتي يبلغن من العمر 38 عاماً او أكثر، والنساء اللواتي يعانين من سقوط الحمل المتكرر وفشل علاجات الخصوبة بشكل متكرر أيضاً، ذلك أن تقنية التشخيص الوراثي تعتبر بمنزلة ثورة في عالم الطب، ومن المتوقع أن تزدهر من أجل صحة الانسان.