تفاصيل الخبر

الأحزاب المسيحية أمام «تحدّيي » الاستحقاق الرئاسي والقانون الانتخابي، فهل تبقى مواقفها موحّدة تعزيزاً للشراكة أم تتمايز... فتتفرّق؟!  

20/11/2015
الأحزاب المسيحية أمام «تحدّيي » الاستحقاق الرئاسي والقانون الانتخابي،  فهل تبقى مواقفها موحّدة تعزيزاً للشراكة أم تتمايز... فتتفرّق؟!   

الأحزاب المسيحية أمام «تحدّيي » الاستحقاق الرئاسي والقانون الانتخابي، فهل تبقى مواقفها موحّدة تعزيزاً للشراكة أم تتمايز... فتتفرّق؟!  

kanann-riachi أما وقد انتهت جلسات مجلس النواب التي التأمت نتيجة تسوية سياسية غير مسبوقة في التاريخ السياسي اللبناني الحديث، وفيما أصبح انعقاد أي جلسة تشريعية جديدة رهن الاتفاق على صيغة لقانون انتخابي جديد سيبقى موضع أخذ وردّ نتيجة الخلافات بين الكتل السياسية الممثلة في مجلس النواب والحكومة على حدٍ سواء، وفيما كثُرت التساؤلات عن مدى قدرة لبنان على إضافة كمية جديدة من مليارات الدولارات الأميركية على الدين العام... فإن <التجربة> التي خرج منها مجلس النواب سالماً مرة جديدة، ستفرض على الأحزاب المسيحية فيه إجراء تقييم موضوعي حول ما ربحته وما خسرته من <التسوية> التي شاركت فيها وأنضجت انعقاد الجلستين التشريعيتين، لأن الأحزاب الاسلامية متضامنة ومتفاهمة في ما بينها الى درجة أن الأوساط السياسية استعادت صيغة <التحالف الرباعي> الذي وُلد في الانتخابات النيابية العام 2005 وأطاح بـ>التيار الوطني الحر> حكومياً لكنه أكسبه نيابياً، ثم تكرّر في عام 2009 مع خروقات محدودة، وانتخب المجلس النيابي الحالي الذي مُدّدت ولايته مرتين حتى الآن، وثمّة من بدأ يتحدّث عن تمديدٍ ثالث!

وإذا كان تيار <المستقبل> المتخاصم سياسياً مع حزب الله وأقام معه <ربط نزاع>، التقى مع حركة <أمل> والحزب التقدمي الاشتراكي في <تحالف رباعي> في مواجهة الأحزاب المسيحية، ما عدا تيار <المردة> و<النواب المستقلين>، فإن التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب التقوا فقط على ضرورة إدراج قوانين الانتخابات واستعادة الجنسية وتوزيع الاعتمادات المالية الناتجة عن رسوم الهاتف على البلديات، وشاركوا - من دون الكتائب - في الجلستين النيابيتين بعدما نالوا وعداً من الرئيس سعد الحريري بعدم حضور أي جلسة تشريعية لا يكون الموضوع الأول فيها قانون الانتخابات، إلا انهم لم يحصلوا عملياً إلا على قانون استعادة الجنسية، فيما وُعدوا بمرسوم، لا بقانون، لتوزيع الرسوم على البلديات، ما جعل الأوساط السياسية تتساءل: هل حقّقت الأحزاب المسيحية ما كانت تتمنّاه من <استعراض القوة> الذي نفذته في وجه <التحالف الرباعي> بقيادة الرئيس نبيه بري؟ والى أي مدى ستبقى رحلة التوافق قائمة عندما تُطرح مواضيع أخرى على طاولة البحث ولاسيما الاستحقاق الرئاسي الذي يتوقع البعض أن يتحرّك خلال النصف الأول من السنة المقبلة؟

 

<التيار> و<القوات>: صمد <إعلان النوايا>

 

من الواضح أن <معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق> غير المكتوبة بين الأحزاب المسيحية، ستوضع في الآتي من الأيام على المجهر لمواكبة أي تطوّر يؤثرعليها سلباً أو إيجاباً، إلا أن ذلك لا يلغي وجود سلسلة معطيات لا بدّ من التوقف عندها حول مسار العلاقات بين الأحزاب المسيحية التي <أثبتت وجودها> في مرحلة التحضير للجلستين التشريعيتين، ثم خف بريقها خلال انعقاد الجلستين:

- أول هذه المعطيات ما يتصل بالعلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وقد جمعهما قبل أشهر <إعلان النوايا> اهتز في مناسبات عدة من بينها الخلاف في الانتخابات النقابية في كازينو لبنان، وتكرّر في انتخابات نقابة المحامين في بيروت الأحد الماضي، وقد جاء النقيب الجديد انطونيو الهاشم لصالح التيار الوطني الحر مقابل خسارة مرشح <القوات> بيار حنا، لكنه لم يقع بدليل أن موقف التيار والحزب ظل واحداً خلال النقاشات الحادة التي سبقت انعقاد الجلستين التشريعيتين وأفضت الى <التسوية> المعروفة التي حقّقت <تشريع الضرورة> بعدما كان هذا التشريع مستحيلاً ما لم يكن قانون الانتخابات البند الأبرز على جدول الأعمال. وقد شعر كل من العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع أنهما حققا إنجازاً يجب المحافظة عليه وتطبيقه على كل المواضيع الموجودة قيد البحث، فيما بدا معاونا <الجنرال> و<الحكيم> النائب ابراهيم كنعان والسيد ملحم رياشي في قمة السعادة لأن الرحلات المكوكية التي قاما بها بين معراب والرابية وبالعكس، لم تذهب سدى. إلا أن ثمة من يعتقد بأن وجود <القوات> و<التيار> في خندق واحد خلال التفاوض والذي أعاد الاعتبار الى الشارع المسيحي وحال دون استفراده أو جرّه الى جزر معزولة، يحمّل الطرفين مسؤولية كبيرة لجهة المحافظة على <إنجاز> استعادة الجنسية وجعل قانون الانتخابات النيابية الممر الإلزامي لأي جلسة تشريعية مقبلة، وعدم الاختلاف من جديد لدى البحث في القانون الانتخابي لاسيما وأن لـ<التيار> قانونه الأرثوذكسي، ولـ<القوات> قانونها المنسق مع <المستقبل> والحزب التقدمي الاشتراكي. وثمّة من يعمل على تطوير <إعلان النوايا> لجعله <ثنائية مسيحية> على غرار <الثنائية الشيعية> من دون أن يعني ذلك تفسخ التحالف الذي يجمع كلاً منهما مع فريق من المكوّن الإسلامي (<التيار> مع حزب الله، والقوات مع <المستقبل>)، بل تكون هذه الثنائية المتجددة الطريق الى تسهيل عملية تحصيل الحقوق المسيحية، ولاسيما ما اتصل منها بقانون الانتخاب الذي يبقى هو محك استمرار التحالف و<إعلان النوايا>. وفيما يتحدث الفريق المتحمّس لـ<الثنائية المسيحية> عن أن هذه ستكون <أمراً واقعاً> و<محصلة طبيعية> لما تحقق، يتحدّث <الفريق الهادئ> عن أن <التناغم القواتي والعوني> يبقى قيد الاختبار لاستحقاقات مقبلة، فإذا صمد في ما خص الاستحقاق النيابي ومن بعده الاستحقاق الرئاسي، يمكن الحديث آنذاك عن <ثنائية مسيحية> فاعلة وراسخة، وإن تعرّض للاختلال، فإن الأمور تبقى مجرّد تحالفات ظرفية على قواعد قوية وثابتة لها.

- ثاني هذه المعطيات هو أن التفاهم الذي قام بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية والذي أثّر سلباً - ولو نسبياً - على العلاقة بين عين التينة والرابية، لم يؤثر على العلاقة بين <التيار> وحزب الله من جهة، وبين <القوات> و<المستقبل> من جهة ثانية، بدليل أن العماد عون تحدّث عن ثبات العلاقة مع الحزب <كأعمدة قلعة بعلبك>، فيما جيّر الدكتور سمير جعجع <التسوية> للرئيس سعد الحريري الذي وصفه بـ<المنقذ>، وهذا يدل على أن ما حصل من تقارب هو <تكتيك> وليس <استراتيجية>. أما العلاقة مع الرئيس بري، فإن الرابية فهمت مما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول عدم فائدة <الحلول بالقطعة> لأنها منهكة ومستهلكة للجهد، بأن  التوجه في المرحلة المقبلة سيكون من منطلق شامل يحاكي المصلحة الوطنية العليا التي تعكس حقوق كل المكوّنات الوطنية والدستورية، والعماد عون يأمل في أن يدرك الرئيس بري هذا التطوّر في التعاطي الاستراتيجي لا المرحلي أو التكتيكي. وثمّة من اعتبر أن خلاصة المواقف بين حزب  الله والعماد عون التي برزت قبل وبعد <تسوية> التشريع، ان الحزب مع العماد عون في الاستحقاق الرئاسي حتى النهاية، ومعه في مقاربة العمل الحكومي حتى النهاية أيضاً، أما بالنسبة الى مجلس النواب فإن الحزب له قراءة أخرى تجعله يميل الى ضفة الرئيس بري في ضرورة إعادة الحياة الى مجلس النواب.

 

<المردة> تتمايز... والكتائب

فرنجية-الجميلتغرّد وحيدة

- ثالث هذه المعطيات يتصل مباشرة بمستقبل العلاقة بين التيار الوطني الحر وتيار <المردة> في ضوء <التمايز> المستمر بين التيارين في مواضيع عدة. صحيح أن زعيم <المردة> النائب سليمان فرنجية لا يزال يعلن تمسكه بترشيح العماد عون للرئاسة الأولى طالما هو مستمر في الترشح غير المُعلن، لكن الصحيح أيضاً أن فرنجية لم يقاطع جلسة <تشريع الضرورة> ولا جلسات التمديد لمجلس النواب وتمايز عن حليفه البرتقالي في مقاربة العديد من الملفات السياسية المطروحة. وثمة من يقرأ في زيارة فرنجية لرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل <رسالة> متعددة الاتجاه، فهي موجهة الى الرابية أولاً التي تقاربت مع معراب كثيراً على نحو يقلق بنشعي، وموجهة الى معراب ثانياً للتدليل على أن التقارب بين <القوات> و<العونيين> لا يكفي لـ<ثنائية مسيحية> خصوصاً إذا ما حصل تقارب حقيقي بين <المردة> وحزب الكتائب. وأتى حرص النائب فرنجية على القول، ومن بيت الكتائب بالذات، ان وجود نواب <كتلة لبنان الحر والموحد> في مجلس النواب يوفّر جزءاً من الميثاقية التي يتحدّث عنها الرئيس بري حيناً ويتجاهلها أحياناً، لاسيما وان فرنجية حرص أيضاً على القول إنه يغرد دائماً داخل سرب قناعاته وفي سرب جوهر مسيحيته <وأنا اعرف مصالح المسيحيين ويمكن محاسبتي على النتيجة>، من دون أن يؤكد انه يتفهم موقف الكتائب <المبدئي>.

- رابع هذه المعطيات يتعلق ببروز حزب الكتائب وحيداً في الحراك الذي تقوم به الأحزاب المسيحية الأخرى، لاسيما في ما خص مقاربة مسألة الجلسات التشريعية. ذلك أن رئيس الحزب النائب سامي الجميل قاد وحده من الزعماء المسيحيين حراكاً طالبياً ضد الجلسة التشريعية على أساس أن الأولوية هي لانتخاب رئيس الجمهورية وظل بعيداً عن التيار الوطني الحر في مقاربة المواضيع المطروحة فيما هو أصلاً بعيد كل البعد عن القوات اللبنانية بحيث يزداد الشرخ بين الصيفي ومعراب، وكان آخر <إسفين> دُق في نعش هذه العلاقة الكتائبية - القواتية المضطربة أصلاً، قول النائب الجميل ان لا حظ للدكتور جعجع في أن يكون رئيساً للجمهورية، إضافة الى <معارك> متعددة الوجوه تُخاض عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين الأنصار والمحازبين من قبل الطرفين. وباستثناء اللقاء مع النائب سليمان فرنجية، بدا النائب الجميل <معزولاً> عن كل الحراك الذي يستهدف الأحزاب المسيحية بعد سابقة إبعاده عن جلسة <الحوار  السداسي> التي تلت جلسة <الحوار الموسع> في ساحة النجمة قبل أسابيع، ما استوجب مقاطعة النائب الجميل لجلسات الحوار متصرفاً على نحو مماثل لما فعله أصلاً الدكتور جعجع من دون أن يكون هناك أي تنسيق بين الرجلين اللذين خرجا من رحم <المقاومة اللبنانية>. وثمّة من يتحدّث في <الصيفي> عن <حرب إلغاء> تمارس ضد حزب الكتائب من <أهل البيت>، إلا أن ذلك لا يقابله أي تحرّك كتائبي لتعطيل هذه <الحرب> أو الحدّ من خسائرها... وهكذا يُبقي  النائب الجميل حزب الكتائب بعيداً عن فريقين مسيحيين قويين هما: التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، من دون أن يجد في المقابل من يتحالف معه جدياً في أحزاب قوى 14 آذار الأخرى التي ابتعد عنها الجميل الابن خلافاً لرأي والده الرئيس امين الجميل، لكن القرار الحزبي بات في يد الابن ولا وصاية من الأب عليه...

هذا المشهد الذي يختصر واقع الأحزاب المسيحية الأربعة يجعل من الصعب الاعتقاد بأنها يمكن أن تتفق على موضوع واحد له أهميته ودقته ومصيريته، فكيف يمكن أن يتفق المسيحيون على مرشح رئاسي واحد يجعلون شركاءهم في الوطن يقبلون به رئيساً للجمهورية؟ ثمة من يقول إن <تحالفات المناسبات> تنتهي مع انتهاء كل <مناسبة>!...