بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_83741" align="alignleft" width="281"] "الموساد الاسرائيلي"... المستفيد الأول.[/caption]منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط العام 2005، دخل لبنان في متاهة حرب الاغتيالات والتصفيات الجسدية حصدت خيرة من أصحاب الفكر ورجال السياسة والأمن والإعلام. وكان آخر ضحايا هذه الاغتيالات الوزير محمد شطح الذي سقط في وسط بيروت في مثل هذا الشهر. واللافت اليوم، تحذيرات من عودة شبح الاغتيال في ظل معلومات داخلية وخارجية، تؤكد فرضيات هذه العودة وسط دعوة لمسؤولين لاتخاذ الاحتياطات اللازمة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد، خشية من انفلات الأمور من الجوانب كافة.
الاغتيالات الى الواجهة الأمنية
يتصدّر الحديث عن عودة الإغتيالات في لبنان الى واجهة الأحداث السياسية والأمنية خلال الفترة الحالية وسط تخوّفات جديّة جعلت عدداً من السياسيين في البلد يقفون على تماس مع التسريبات التي خرجت عن بعض المراجع الأمنية. والأبرز ربّما في عودة هذا الخطر الذي كان آخر ضحاياه الوزير الشهيد محمد شطح الذي أُغتيل في مثل هذا الشهر من العام 2013، وجود لائحة تجمع بين سطورها أسماء شخصيّات سياسية ودينية من طوائف وانتماءات ليست مُختلفة فحسب، بل متناقضة في التوجهات والأولويات.
في مثل هذا التوقيت من كل عام، يعود الحدث الأمني ليفرض نفسه على ما عداه من أمور سياسية واقتصادية واجتماعية ويعود معه ملف عودة الاغتيالات. وما جرى من نقاش خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع حول الوضع الأمني وسرد المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم معلومات تتعلّق بهذا الملف والإعلان عنها بهدف "تحويل الأهداف السهلة صعبة"، بالإضافة إلى دعوة النائب جميل السيد إلى "التنسيق بين الأجهزة الأمنية بدل التسابق الإعلامي وتخويف الناس"، يؤكد مرّة جديدة أن الأمن في لبنان على المحكّ وأن الاستقرار السياسي الذي يُهيمن على الأجهزة الأمنية يبقى الطريقة الأفضل والأهم لتثبيت الاستقرار الأمني.
..والسفارات تُحذر
[caption id="attachment_83746" align="alignleft" width="476"] الرئيس رفيق الحريري .. الاغتيال الإعصار[/caption]في معلومات حصلت عليها "الأفكار" أن عدداً من السفارات الأوروبية والعربية كانت حذّرت منذ أيّام مواطنيها وموظفيها في لبنان من التردد الى بعض الأماكن التي يُمكن أن تتعرّض لاعتداءات، وقد بنت معطياتها هذه على التقارير أو التسريبات التي خرجت عن بعض الأجهزة الأمنية سواء بشكل مباشر أو من خلال تسريبات. والسؤال هنا: هل من مصلحة لبنان تسريب معلومات كهذه خصوصاً أننا على أبواب أعياد، أم أن التسريبات تأتي في سياق طبيعي كخطوة استباقية تلجأ اليها عادة الأجهزة الأمنية بهدف تعطيل المخططات الإرهابية؟
في السياق، تكشف مصادر أمنية أن ما نُقل عن اللواء ابراهيم خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، لم يكن هو وراءه، بل نُقل عن لسان جهة كانت حاضرة في الإجتماع. وعندما سُئل اللواء ابراهيم حول حقيقة الأمر، شرح بشكل مُختصر المجريات هذا مع العلم أنه في بعض الأحيان ثمّة أمور من الضروري كشفها كونها تؤدي إلى تعطيل المخطط وبالتالي إرباك الجهة التي تنوي ضرب الاستقرار. وهذا نضعه في دائرة الأمن الإستباقي أي تعطيل الهجوم أو الحد من مفاعيله قبل وقوعه.
تعاون وتنسيق بين الأجهزة
وتوضح المصادر أن الأجهزة الامنية تتعامل مع كل موضوع بحسب أهميته والتي تخدم العملية بحد ذاتها والمصلحة العامة. ونحن في لبنان مثلنا مثل أي دولة أخرى سواء أوروبية أو عربية يُمكن أن يُخرق فيها الأمن، لكن على الرغم من هذا الواقع فإننا حتّى اليوم نُعتبر الدولة الأقل تعرضاً لهكذا عمليات، وهذا كله يعود إلى التعاون الوثيق بين الأجهزة المعنية بالأمن أوّلاً وإصرارها على متابعة مهامها على الرغم من الصعوبات التي يمر بها لبنان، أبرزها السياسية والاقتصادية.
[caption id="attachment_83748" align="alignleft" width="413"] مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم .. لواء الأمن والأمان[/caption]هل الوضع في هذه الخطورة اليوم؟ تُجيب المصادر: نعم يوجد خطر فعلي من عودة الاغتيالات، فهناك من يتحرك ويسعى على الدوام لإحداث خضة أمنية في البلد، سواء من العدو الإسرائيلي وهذا أمر برز بشدة خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى الجماعات الإرهابية التي لم تتوقف حتّى اليوم عن محاولات التسلل لضرب الاستقرار الداخلي، وهنا تبرز خشية من تعرض بعض الشخصيات سياسية أو غير سياسية، لعمليات اغتيال.
وتُنبّه المصادر من أن يد الإرهاب تُحاول دائماً استهداف شخصيّات لها بُعدها السياسي أو الطائفي أو التمثيلي، بهدف خلق فتنة في البلد وخلق مناخ حرب تستفيد منه الجهة المُرتكبة. وبالإضافة إلى خلق هذا المناخ سعيّ العدو إلى استغلال الوضع الاقتصادي والتسلّل عبره لضرب الاستقرار الأمني من خلال استغلال حاجات الناس خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة.
أقصى درجات الحيطة والحذر
في ظل هذا التخوّف البارز ووسط غياب أي مؤشرات تدل على قرب تشكيل أي حكومة في لبنان، فقد عمّمت المراجع المسؤولة والقيادات الامنية بوجوب اتّخاذ الحيطة والحذر على الصعيد الامني خوفاً من دخول المصطادين في الماء العكر على خط الأزمة القائمة ومنعاً لوقوع ايّ احداث يُراد منها ايقاع الفتنة بين اللبنانيين في هذه المرحلة. والجميع من اعلى قمة هرم السلطة الى قاعدته مروراً بالقوى السياسية وعلى رأسها يتصرّفون وكأنّ القاتل وراء الباب فالجميع مُستنفر بحسب قدراته وبحسب ما تُتيح له حركته أو قدرته.
واللافت أن هذا التخوّف من عودة مسلسل الاغتيالات قد أدّى إلى اضطرار القيادات السياسية لإقامة جبرية وعدم مغادرة المنازل إلا للضرورة القصوى، رغم أن منسوب التأزّم السياسي يتصاعد بسبب تعذُّر تشكيل الحكومة الجديدة بانتظار الخطوة المرتقبة لرئيس الوزراء المكلف سعد الحريري الذي سيسعى قريباً إلى فتح ثغرة في جدار عراقيل ولادة الحكومة. من هنا تشير مصادر صحافية الى أن الحريري بات على قناعة راسخة بأن لا مصلحة له في الإبقاء على الوضع المتأزّم، وأن البلد في حاجة إلى قيام حكومة مهمة لأنه لم يعد يحتمل المزيد من الانهيار المتعدد.
هاشم: جميعنا في مركب واحد
[caption id="attachment_83747" align="alignleft" width="375"] النائب قاسم هاشم : الاستقرار السياسي أولاً .[/caption]عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم يُشير في حديث لـ"الافكار" إلى أنه منذ نشأة لبنان فإن هذا البلد لم يخرج مرّة من دائرة الاستهداف وخصوصاً في كل مرة يكون فيها استحقاق مثل الاستحقاق الحكومي الذي نمر به اليوم. لذلك المطلوب تحصين الساحة السياسية من خلال الذهاب إلى تأليف حكومة وطنية جامعة لا غلبة فيها لفريق على آخر، ثم العمل بشكل جدي لإخراج البلد من وضعه الاقتصادي وبهذا نكون قد تجاوزنا مرحلة كبيرة من الخطر، ويبقى الوضع الأمني رهناً بالتطورات والعمل الميداني الذي تقوم به كل الأجهزة الأمنية.
ويرى هاشم أننا في ظل الأزمة المتعددة الجوانب التي نعيشها هذه المرحلة في لبنان، يوجد بالطبع نيات لدى البعض لاستغلال هذه الأزمات والبحث عن ثغرات للنفاد عبرها من اجل تأزيم الساحة الداخلية، ويبدو اليوم أن ثمة معلومات تحذر من استغلال وضعنا من خلال تنفيذ اعمال تخريبية أو اللجوء الى عمليات اغتيال بحق بعض الشخصيات. لكن من جهتي شخصّياً، لم أتلقّ أي تحذير وأمارس حياتي بشكل شبه طبيعي، بالتأكيد مع اتخاذ بعض الاحتياطات التي تتطلبها طبيعة العمل السياسي، مع العلم أن كل الإجراءات الأمنية التي اتخذت عبر التاريخ وعلم الاستخبارات، لم نر أنها منعت أي استهداف، فخطر التصفيات يبقى قائماً ومُحتملاً في أي الوقت.
وختم: علينا ألا نزرع الذعر والرعب في قلوب اللبنانيين بالدرجة الأولى، إذ إن هناك إرادة وطنية من كل القوى السياسية، بضرورة الحفاظ على الاستقرار، ولا مصلحة لأحد بزعزعة الاستقرار، لأننا نسير في مركب واحد، إذا ما حصل أي خلل أو خطر فسيطال الجميع. لكن في إطار ما يجري من حولنا اليوم، وفي ظل المناخ المتوتر في المنطقة، فلبنان ومن خلال مساره لا يعيش في جزيرة منعزلة، وهو يتأثر بكل ما يجري حوله سلباً أو إيجاباً، ولهذا لا بد من أن تترك هذه الأحداث والتطورات والصراعات الدولية والإقليمية دورها على لبنان، وعلينا ألا نهرب من الواقع وألا نقع في المحظور، وإذا ما عرفنا كيف نتعاطى مع الواقع، نستطيع أن نجنِّب وطننا أي انزلاقات أو أخطار قد تحدثها التطورات والأحداث في المنطقة.