تفاصيل الخبر

«الافكار» تكشف عن اتصالات أمنية أوروبية - سورية لإعادة رفات الجاسوس «كوهين» الى عائلته!  

05/02/2016
«الافكار» تكشف عن اتصالات أمنية أوروبية - سورية لإعادة رفات الجاسوس «كوهين» الى عائلته!   

«الافكار» تكشف عن اتصالات أمنية أوروبية - سورية لإعادة رفات الجاسوس «كوهين» الى عائلته!  

بقلم صبحي منذر ياغي

اعدام--كوهين-في-دمشق  

    عاد اسم <إيلي كوهين> الجاسوس الاسرائيلي الذي أُعدم في دمشق عام 1965 للتداول في الاروقة الديبلوماسية وسط الحديث عن مفاوضات سرية تقوم بها جهات أمنية دولية مع النظام السوري لإعادة رفات هذا الجاسوس الذي شنقته السلطات السورية علناً عام 1965 في ميدان المرجة في دمشق، بعدما انتحل لسنوات صفة مواطن سوري مغترب يحمل اسم <كامل أمين ثابت> ونجح في اختراق أعلى مستويات في الحكومة السورية قبل اكتشاف أمره.

وفق معلومات خاصة لـ<الأفكار>، ان وفداً امنياً تابعاً لدولة اوروبية زار سوريا منذ شهر، والتقى في مقر المخابرات العامة في كفرسوسة مع كبار ضباط الفرع 279، وجرى البحث في موضوع رفات <إيلي كوهين> وإمكانية تسليمها لعائلته في اسرائيل. وان الوفد غادر سوريا على أمل العودة اليها خلال شهر مارس/ آذار المقبل املاً بالحصول على أجوبة حاسمة في هذا الملف الذي سسيحصل من خلاله النظام السوري دون شك على مكاسب سياسية كبيرة قد تكشفها الايام.

مجموعات للبحث عن <كوهين>

عنوانه-في-سوريا  

وأكدت المعلومات ذاتها، ان جهاز الاستخبارات الاسرائيلية شكل منذ بداية الاحداث السورية مجموعات سرية داخل سوريا وفي مناطق قريبة من الجولان للبحث والتنقيب عن مكان دفن رفات <كوهين> لمعلومات لدى <الموساد> حول دفنه في مكان قريب من منطقة الجولان المحتل، وان بعض هذه المعلومات اكدها في السابق الرئيس السوري الراحل امين الحافظ (الذي أُعدم كوهين في عهده) لسفير عربي في دولة اوروبية عام 1992 الذي نقلها بدوره لجهات اسرائيلية، ولم تستبعد المصادر أن يكون <الموساد> خطط ذات يوم لخطف الرئيس الحافظ بطريقة سرية بغية الحصول منه على معلومات حول مكان دفن <إيلي كوهين>.

واشارت المعلومات الى انها ليست المرة الاولى التي يجري البحث فيها بموضوع رفات <كوهين>، اذ سبق للروس ان بحثوا هذا الامر خلال شهر ايار/ مايو 2015 مع جهات سورية مختصة.

ويذكر الزميل عبد الوهاب بدرخان في هذا الاطار رواية عن ديبلوماسي عربي، الذي التقى مسؤولاً روسياً رفيع المستوى، أن الروس نقلوا كلاماً من الأسد إلى وزير الخارجية الإسرائيلي السابق <افيغدور ليبرمان> يدعو فيها إلى تأييد «دولة الساحل» كونها «لن تكون معادية لإسرائيل»، وردّ <ليبرمان> مطالباً بتسليم رفات نحو ثلاثين جندياً إسرائيلياً قُتلوا خلال اجتياح لبنان في العاشر من حزيران/ يونيو 1982 في معركة السلطان يعقوب (البقاع الغربي)، وعندما عاد الديبلوماسي الروسي برد إيجابي من الأسد طرح <ليبرمان> مطلباً آخر وهو رفات جاسوس <الموساد الياهو كوهين> الذي أُعدم شنقاً في ساحة المرجة في دمشق عام 1965. وفيما كان جوهر «الرسالة» (دولة الساحل) واضحاً لم يؤكد المصدر ما إذا كان الأسد لبّى المطالب، لكن الواقعة تظهر أن موضوع «دولة الساحل» متداول بين الأسد والروس، وبطبيعة الحال مع الإيرانيين. وكان رئـيس جهـاز <الموساد> الاسرائـيلي <مئيـر داغـان> قد أكـد في السابق خلال المفاوضات مع حزب الله بشأن تبادل الاسرى، ان الوسـيـط الالماني المكلف الاشراف على محادثات تـبادل الاسـرى بين حـزب كوهينالــله والحـكـومـة الاسـرائيـلـية وعـد بإثـارة هـذه المسألة في المرحلة الثانية من اتفاق التبادل.

ومع اندلاع الثورة السورية اعلنت ارملة <كوهين>، ان المخابرات الاسرائيلية جندت فرقاً من «الجيش السوري الحر» الذي يقاتل النظام، للبحث عن مكان دفن زوجها والعمل على اعادة رفاته، وقالت: <في السنوات الماضية، لم ينجح عملاء اسرائيل في سوريا في العثور على اي اشارة تدل على مكان دفن <إيلي كوهين>، ونأمل الحصول على رفات <كوهين> بعد انتهاء الأزمة في سوريا>.

وكانت صحيفة <معاريف> الصهيونية ذكرت ان ناديا زوجة <كوهين> حصلت على كلماته الأخيرة التي كتبها على جدران الزنزانة، والتي مفادها أنه غير نادم على ما فعل. وأضافت الصحيفة ان هذه الرسالة وصلت من ناشط كردي عراقي يُدعى <داوود بغستني>، يعيش حالياً في شمال العراق ومطلوب من قبل تركيا وسوريا، ويدّعي أنه كان سجيناً في الزنزانة التي احتُجز <كوهين> الجاسوس فيها قبل إعدامه.

الزميلة أمال شحادة اكدت: <ان عائلة الجاسوس الإسرائيلي <إيلي كوهين> اعادت ملفه إلى النقاش في الذكرى الخمسين لإعدامه في سوريا، مشيرة إلى أنها لم توقف التحقيقات وإمكانية الوصول إلى مكان دفنه في الأراضي السورية>. وأعلن شقيقه <ابراهام كوهين> أن الأوضاع المتدهورة في سوريا والتطورات التي تشهدها تفقد العائلة الأمل في معرفة مكان دفنه أو استعادة جثته. غير انه قال في مقابلة مع القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي، <إن العائلة لن توقف جهودها رغم الأوضاع>. وأشار إلى «معلومات دقيقة» حصل عليها من مسؤول في جهاز الاستخبارات <الموساد> تفيد أن الشخص الذي عمل مع <إيلي كوهين> «اسمه مجد الشيخ رضا وكان عميلاً لإسرائيل على مدار 14 عاماً من دون أن يكشفه أحد». وبحسب ابراهام، فانه لدى إعدام شقيقه في سوريا عام 1965 «اجمع الإسرائيليون أن البيان الذي صدر هو مجرد حرب نفسية وكذّبه رجال <الموساد> الذين قالوا للعائلة انه لا يمكن حدوث ذلك لأننا اتفقنا مع سوريا على عدم إعدامه».

ومع تطور الأحداث في سوريا، سعت عائلة <كوهين>، عبر جهات خارجية إلى فتح الملف من جديد على أمل أن تتمكن من تحديد مكان دفن الجاسوس، بعد أن يسود الهدوء سوريا.

 

حكاية جاسوس!

ناديا-كوهين-مع-داوود-بغستني 

<إيلي كوهين> يهودي من أصول حلبية. ولد ونشأ في الاسكندرية. عمل في شبكة تجسس إسرائيلية على مصر تحت قيادة <ابراهام دار>، المعروف بـ<جون دارلينغ>. نفذت الشبكة سلسلة من التفجيرات ضد مصالح أميركية في الاسكندرية، بهدف إفساد العلاقة بين القاهرة وواشنطن، وقد عُرفت لاحقاً بفضيحة <لافون>. أُلقي القبض على <كوهين> في مصر أكثر من مرة، قبل أن يهاجر إلى إسرائيل عام 1957.

هناك، رتبت له المخابرات الإسرائيلية <الموساد> قصة ملفقة يبدو فيها سورياً مسلماً يحمل اسم <كامل أمين ثابت>. هاجر مع عائلته إلى الإسكندرية، ثم سافر عمه إلى الأرجنتين عام 1946 ليلحق به كامل وعائلته عام 1947. حرص <الموساد> على اتقان <كوهين> اللهجة السورية، وفرض عليه متابعة أدق أخبار سوريا، وحفظ أسماء رجالات السياسة، والاقتصاد، والتجارة. إضافة إلى تدريبه على استخدام اللاسلكي، والكتابة بالحبر السري. بنى <كوهين>، على مدار عامين تقريباً، وجوده كرجل أعمال سوري ناجح، وكوّن لشخصيته الجديدة، هوية لا يرقى إليها الشك، واكتسب وضعاً متميزاً لدى الجالية العربية في الأرجنتين، باعتباره رجلاً وطنياً شديد الحماس لبلده، وأصبح شخصية مرموقة في <بوينس آيريس>. دخل دمشق عام 1961. وأعلن منها تصفية نشاطه الاقتصادي في الأرجنتين والاستقرار النهائي في سوريا <لدواعٍ وطنية>. وتعمقت صداقة <كوهين> مع جورج سيف الذي كان مسؤولاً عن جمع الوثائق الحكومية لاغراض الدعاية. وكان سيف يقدّم مكتبه الى صديقه <كامل امين تابت> لاستخدامه في اعماله التجارية، واستغل <كوهين> هذه الصداقة ليصوّر وثائق ومستندات خفية عن سيف الذي كان يتركها بين يديه لثقته العمياء به. وتوصل <كوهين> الى زيارة مرتفعات الجولان برفقة صديقه الملازم معز (ابن شقيق رئيس الاركان السوري عبد الكريم زهر الدين)، وزيارة احدى المناطق العسكرية القريبة من القنيطرة، وتمكن من مشاهدة مخططات مشروع تحصينات دفاعية، كما زار صديقه امين الحافظ الذي صار رئيساً للجمهورية، وكان برفقته وزير الاعلام سامي الجندي. في آب/ أغسطس 1963، صار <كامل امين تابت> حديث الساعة في سوريا، وبدا مرشحاً طبيعياً لاحد المناصب الحكومية، وتكونت لدى الرئيس امين الحافظ فكرة ثابتة تتجلى في اعداد <كامل تابت> لتولي منصب وزير دفاع.

 

نهاية العميل السوداء

 

وفي احــــدى ليالي كانون الثاني/ يناير من العام 1965، وبينما كان مستلقياً على فراشه الى جانب جهاز الارسال اللاسلكي، تحطم باب غرفته على ايدي ثمانية رجال مسلحين شاهرين مسدساتهم الحربية، على كوهين-في-الوسط-في-زيارة-للجولانرأسهم العقيد احمد سويداني رئيس شعبة الاستخبارات المضادة، لتنتهي لعبة هذا الجاسوس الخطر.

وأهم عامل ادى الى افتضاح أمر <كوهين>، تلك الشكوى التي دأب عاملو الراديو في السفارة الهندية في دمشق، والمجاورة لشقة <كوهين>، على رفعها الى السلطات السورية، وتؤكد وجود تشويش على ما يبثونه من رسائل الى العاصمة <نيودلهي> بالراديو اللاسلكي، الامر الذي دفع بالسلطات السورية الى البحث عن مصدر هذا التشويش. وقامت الاستخبارات السورية بقطع التيار الكهربائي عن المنطقة لحصر مصدر هذا التشويش، الامر الذي دفع إيلي <كوهين> الى مواصلة بثه مستخدماً البطاريات، فكان تحديد موقع التشويش سهلاً وصائباً. كما ان الاستخبارات المصرية ساهمت في كشف حقيقة <كوهين> بعد عثورها على صورة له في أرشيفها ايام اقامته في مصر.

 انا <إيلي شاؤول كوهين>...

 

 وفي مقر القيادة العسكرية للواء السبعين المدرع خارج دمشق، كان <كامل امين تابت> خضع لتحقيقات مكثفة ليعترف أخيراً: <انا <إيلي شاؤول كوهين>... من تل ابيب... جندي في الجيش الاسرائيلي>.

وفي 8 ايار/ مايو 1965، وفي تمام الساعة الثالثة والنصف صباحاً، أُعدم <إيلي كوهين> شنقاً وله من العمر 41 عاماً، وسط حشد ضم الآلاف من الناس.

 

الرئيس-امين-الحافظ-مع-الملك-الحسينأين جثة <كوهين>؟

  

يقول الأمين العام المساعد لشؤون البعث الأسبق الدكتور محمد الزعبي في مقابلة معه في هذا المجال انه بالفعل كانت دمشق محطة <كوهين> الأخيرة، والتي دُفن فيها إثر كشف سره بعد أربع سنوات من العمل التجسسي. المفارقة أن مكان دفن الجثة أصبح مجهولاً، بعد تحريكها من مكانها ثلاث مرات، تفادياً لإمكانية سرقتها من قبل <الموساد>. وكان الراحل منذر موصلي (مدير مكتب الفريق الحافظ)، أول من كشف حقيقة ضياع قبر <كوهين> في تصريحات لقناة <العربية>، أعلن فيها أن <كوهين> دُفن في منطقة المزة في دمشق، داخل بئر خُصص للغرض، لكن مكان دفنه تحول حالياً إلى مبانٍِ وشوارع وحدائق، ولا يستطيع أحد تحديد مكانه أو الوصول إليه.

واضاف الزعبي: <المصيبة أن لاستعادة جثة <كوهين> قيمة لـــــدى إسرائيـــــل، يمكن حينئـــــذٍ إما مبادلتــــــه بأسرى أحيـــــاء، أو جثث لشهداء يحتفظ بهم العدو، بل إن إسرائيل وضعت استعادة جثته كشرط لإجراء محادثات مع سوريا في التسعينات، ويبدو أن الرفض السوري للشرط، فرضته حقيقة جهل سلطاتها بمكان الجثة وهذا ليس مستغرباً في <نظام كل مين ايدو الو>.