تفاصيل الخبر

”الأفكار“ تحاور نجمة مسرح الأطفال ”شانتال غويا“:أدخـلـنــــي السفـيـــــر الفـــرنسي في سيـــارة مـصـفـحــــة لبلــوغ برمـانـــا بـسبـب ارتـــدادات الحـــرب اللـبـنـانـيــــة!

04/11/2016
”الأفكار“ تحاور نجمة مسرح الأطفال ”شانتال غويا“:أدخـلـنــــي السفـيـــــر الفـــرنسي في سيـــارة مـصـفـحــــة  لبلــوغ برمـانـــا بـسبـب ارتـــدادات الحـــرب اللـبـنـانـيــــة!

”الأفكار“ تحاور نجمة مسرح الأطفال ”شانتال غويا“:أدخـلـنــــي السفـيـــــر الفـــرنسي في سيـــارة مـصـفـحــــة لبلــوغ برمـانـــا بـسبـب ارتـــدادات الحـــرب اللـبـنـانـيــــة!

 

بقلم عبير انطون

SAM_2049-----1

هي الوجه الجميل والصوت الرائع الذي رسم ملامح طفولتنا فحملنا معه الى الحلم والسفر. على مدى ثلاثة أجيال تستمر نجمة مسرح الطفل والعائلة الفرنسية بإدهاشنا بشخصيات وعروض وأغنيات باتت رموزاً ليس في فرنسا وحدها بل من حول العالم. عرفت امجاداً كثيرة حتى ان دمية صنعت في العام 1978 من قبل شركة اميركية حملت شكلها وملامحها الدقيقة. جالت في مختلف العواصم هي التي جاءت الى فرنسا من مدينة <سيغون> الفييتنامية حيث ولدت في العام 1942 هاربة مع عائلتها على متن باخرة كبيرة. اسمها الاصلي <شانتال دي غير> اي (شانتال الحرب)، وقد غيره لها <جان - جاك دوبو> فأضحت <شانتال غويا> بعد أن رأى فيها ملامح طفل رسمه <فرنشيسكو دي غويا>، وقد اصبح <دوبو> في ما بعد زوجها وأساس النجاح في ما كتبه لمسرحها آخرها <الميوزيكال> الكوميدي التي تقدمه في لبنان تحت عنوان <مغامرات ماري روز الخيالية>.

 الدهشة عينها التي كانت تصاحبنا في كل مرة نتابع فيه <غويا> وفرقتها رافقتنا اثناء اللقاء الذي خصت به <الافكار> من احد فنادق جونيه القريب من <مسرح كازينو لبنان> ومعنا فتحت اوراقها القديمة والجديدة، فسألناها أولاً:

ــ هل تذكرين زيارتك الاولى للبنان، متى كانت وفي اية ظروف؟

- زرت بلدكم في شهر أيلول/ سبتمبر من العام 1991، في اول سفر لطيران <اير فرانس> الى لبنان في الصيف الاول بعد توقف الحرب اللبنانية. كان أمراً لا يصدق وقد حطت بنا الطائرة على مدرج متضرّر بشكل كبير. وعندما فُتح باب الطائرة اذكر ان السفير الفرنسي يومئذٍ <رينيه الا> ادخلني سريعاً في سيارة مصفحة وانطلقت بنا الى برمانا. وكان الوضع متوتراً حينذاك بالتزامن مع قضية الرهائن الفرنسيين.

ثم أضافت:

- غنيت يومذاك في عشرة عروض موسيقية حضرها مئة ألف مشاهد، بمعدل عشرة او 15 ألف مشاهد لكل حفلة وقد توزعت ما بين المون لاسال وبرمانا واهدن ومناطق أخرى. وكانت المرة الاولى بعد الحرب التي تتوجه فيها فنانة فرنسية للغناء في لبنان. وجودي عرف طعماً خاصاً ذلك ان اغنياتي كانت ترافق اللبنانيين الى الملاجئ تحت الارض يسمعونها من خلال <الراديو- كاسيت> لأولادهم فتشكل لهم حلماً ومتنفساً مع التلفزيون وسط ظروفهم القاهرة.

نجاة من الموت!

 

ــ من اين استمددت القوة للمجيء مراراً وتكراراً الى لبنان في حين يتخوف بعض الفنانين من ذلك؟

- في احدى المرات نجوت من الموت الحتمي، اذ كنت مدعوة للغناء في جونيه في قلب منشأة ضخمة أُعدت للحدث، فصودف ان التقيت قبل الحفلة بأسابيع في فرنسا بزوجة السفير الفرنسي فسألتني: هل فعلا ستغنين في لبنان؟ ونبهتني جيداً مؤكدة لي: <ان الامور هناك معقدة جداً>. وصودف ان منتج اعمالي حينئذٍ كان مولعاً بالاعمال الحربية فشجعني، وكان شديد الحماسة للحضور الا انني عملت بنصيحتها وفعلاً سقط صاروخ على المنشأة التي كنت سأغني فيها وقتل عدد من الأشخاص.

 وتزيد <غويا> قائلة:

- آتي الى لبنان دورياً في كل عام او عامين لأقدم فيه عملي المسرحي منذ العام 1991 حتى انني اصبحت شاهدة حية على التحولات في وطنكم سنة بعد سنة.. وهذا أمر مدهش. لقد بنيت لي جمهوراً يوافيني في كل زيارة، وألتقي فيه مشاهديي الصغار الذين اصبحوا آباء وامهات. اراهم يصطحبون اولادهم الى مسرحي كما في فرنسا. أشعر انه الحدث الكبير، الجنون الجميل في كل مرة، وانا احترم محبتهم وأرفض إلا ان آتي بكل تفاصيل العرض الذي أقدمه في فرنسا من دون ان ينقص فيه اي شيء من الديكورات الى الازياء وغيرها.

ــ لوجستياً، كم هو صعب الانتقال بكل التفاصيل الى <مسرح كازينو لبنان>؟

- بالطبع الأمر صعب، خاصة وان كل شيء يجب ان يصل في الوقت المحدد. العام الماضي قدمت عرضاً شارك فيه ستون شخصا، والمنتج ريشار فرعون الذي أعرفه منذ عشرين عاماً رائع فعلاً. يجب ان احضر معي كل شيء وبتنظيم دقيق لأنه مع عودتي لتقديم عروضي في فرنسا لا بد لي ان أجد كل شيء وقد عاد معي.

خارج الزمن..

 

ــ من اين تستمدين هذه القوة، هذه الطاقة الكبيرة للوقوف على المسرح؟

- من الجمهور. من العروض الجميلة والقوية التي كتبها <جان جاك دوبو>. هي عروض مميزة بقصصها الجميلة التي تسافر بالأولاد الى الحلم والسفر. أعمل مع أشخاص رائعين. كل الديكورات تم تنفيذها في <اوبرا دو باريس>، والازياء والملابس للشخصيات المسرحية الجميلة جدا لم نغيرها يوماً منذ العام 1977. لقد اصبحت رموزاً، من <le chat botte> الى شخصية <بيكاسين>، وجميعها بقيت بنسخها الاصلية، حتى ان أغنيات الاعمال تبقى خالدة تتناقلها ثلاثة اجيال في الوقت عينه.

ــ نتساءل كيف لا تتغير هذه الشخصيات في عصر تغير فيه عالم الاولاد وأصبحت متطلباتهم والقدرة على ادهاشهم أصعب. هل تلجأون الى العصرنة والتغيير في الديكورات او التقنيات السمعية والبصرية فقط؟

 - لن اغير شخصياتي لأسعد العالم الجديد الرهيب والبشع الذي دخلناه. على العكس اريد ان أبقي عليها لمحاربته. فشخصياتي هذه دخلت في الذاكرة الجماعية لكل الجمهور، من الهر الى <الباندا> و<بيكاسين> وقد باتت تشكل في حياتنا اليوم نقاط ارتكاز. هل ألبس <بيكاسين> الـ<تو تو> مثلاً؟

ــ والطفل ألم يتغير برأيك؟

- لا. الطفل لا يزال هو عينه. دخلت الى عالمه الوسائل الجديدة، لكنّها عرفته بي هي ايضاً. فهو يشاهدني عبر الـ<يوتيوب>. انا اسأل الاولاد: <كيف تعرفون اعمالي، وكيف تحفظون اغنياتي؟>، فيكون الجواب ان والديهم عرفوهم اليها عبر الـ<يوتيوب> والوسائل الحديثة. الاهل حفظوها عبر <الكاسيت> والاسطوانات الكبيرة واولادهم عبر الـ<يوتيوب> الذي تبلغ نسبة المشاهدة لي من خلاله حوالى عشرة ملايين ما يعني انني اصل اليهم جيداً عبر هذه الطريقة.

وتضيف <غويا> بحماسة:

- في مسرحي تجتمع العائلة، فإذا شاهدني ولدان، فإن ذلك يعني ان ثمانية أشخاص على الاقل يشاهدونني معهما من اهلهما الى اجدادهما والعمة والخال. من هنا تعدى عملي الفني حدوداً مرسومة ليصبح اساسياً في تمتين الروابط الاسرية وتعزيز الصلات بعضها ببعض.

ــ انت جدة لأربعة أحفاد، هل بينهم من يشترك معك في العروض التي تقدمينها؟

- هناك حفيدي <نويه> الذي يؤدي اغنية <افعى البيتون> في هذا العمل وقد ادى ابني اغنية <دو مارابو> لأنه يغني جيداً.

 

الدفء اللبناني ومفهوم العائلة

ــ هل يختلف جمهور الصغار ما بين العروض في الغرب وتلك في البلاد الشرقية؟

- نعم. المس ان الجمهور هنا محب ويلاقيك بحرارة. انتم تتمتعون بالروابط الاسرية وتركزون جداً على مفهوم العائلة الامر الذي يجذبني جدا في مجتمعكم. كذلك فإن مسرحي يتخطى الـ<شو بيزنس> الى الحب والتلاقي والأوقات الفنية الجميلة. لا زالوا يحبون صوتي فأنا لا اشرب ولا أدخن ولا زلت <ماري روز> بالصوت عينه الذي عرفوها به سابقاً.

ــ تحدثت عن الروابط العائلية، هل بدأ شكل العائلة يتغير نوعاً ما في الغرب؟ هل تستغربين مثلاً ان يأتي اطفال لمشاهدة عروضك مع أبوين من الجنس عينه؟

- في الغرب تجدون ايضاً عودة الى مفهوم العائلة، حتى ولو ان الوالدين منفصلان فإنهما يأتيان لحضور العرض سوياً ويرافقان اولادهما. المثليون او الاهل من الجنس عينه يجب قبولهم وتفهم وضعهم، وهؤلاء غالباً ما يكونون مبتكرين وخلاقين. الكل لديه الحق في العيش بحرية. هم فنانون وخياطون ونراهم اليوم بين الشخصيات السياسية الكبيرة والجميع يعلن عن نفسه. ما الضير اذا ما حضروا العروض اذا كان ذلك يسعدهم ويسعد الطفل الذي معهم؟ انا لا يمكنني ان ادخل في مسرحي في هذه التفاصيل والتصنيفات. لا يجب ان نقسم الناس وعندنا ما يكفينا في عالمنا اليوم من انقسامات. الخوف يجمع الناس بعضها مع بعض. وهو الوقت الافضل لتلاقي الجميع مع بعضهم فلا يرفض احد الآخر. في مسرحي يشعر الناس بالامان وسط عالم يتعاظم فيه الخوف، ففي فرنسا تزداد الانانية الناتجة عن الهلع ربما، فإذا ما رأوا احدهم ممدداً على الارض فإن احداً لن يغيثه، هم خائفون فعلاً.

SAM_2078-----2ــ وانت شخصياً ما الذي يشعرك بالخوف؟ التقدم بالعمر، خيانة جسدك لك على المسرح؟

 - لا شيء. انا لا أخاف شيئاً. لقد ولدت في فييتنام. كانت قوات <الفيتكونغ> امامنا يريدون قتلنا. واجهتهم صارخة: <لن تقووا علينا. لن تقتلونا>. عندما نكون بعمر الاربع سنوات ونتحدث بهذا الشكل فاننا لن نشعر بالخوف يوماً. اقول لك من هو الذي يشعر بالخوف. انه ذاك الذي ينوي القيام بالشر فيشعر به. الأمر الوحيد الذي اخاف منه هو ضعف عظامي احياناً اذ اخاف من ان تكسر او تشعر. حصل ذلك معي في تونس، وفي منطقة جربا تحديداً. عانيت من شعر في معصمي، وتعالجت هناك على يد طبيب فيها. الجميع لامني على عدم عودتي الى فرنسا للاستشفاء، فسألتهم: لمَ اعود خاصة واننا كنا في شهر آب ( اغسطس) وجميع الفرنسيين في عطلة؟ ثم كيف يمكنني ان اخاف على يد طبيب في بلد عاين فيه مئات الجرحى القادمين من ليبيا ويملك كل الخبرة في الحروب والكوارث وغيرها؟ ولما عدت الى فرنسا وأخضعتها لمعاينة طبيب من أشهر الاختصاصيين، أعجب جداً بمهارة الطبيب التونسي حتى انه قال لي، وهو بروفيسور معروف جداً في مجال الطب: <انا حاضر لأن اوظف حالاً الطبيب الذي عالجك عندي هنا في فرنسا>.

 

 فييتنام!

 

ــ لمَ استهواك عالم الاطفال على الرغم من انك غنيت للكبار أيضاً؟

- انا موهوبة منذ صغري. احب الاطفال جداً حتى انني كنت لما اعود من عملي وأرى اطفالي يرفضون الطعام والنوم كنت اقوم بذلك بنفسي وفي خلال دقيقتين كالسحر. ربما تمرست باكراً على الاعتناء بالأولاد اذ ضمت عائلتنا خمسة اطفال، وتوليت مهمة والدتي في الاعتناء بإخوتي بعمر الثانية عشرة بعد ان مرضت.

ــ لقد نشرت سيرتك الذاتية في ثلاث نسخ وفي اعوام مختلفة. هل تأملين ان تريها يوماً مجسدة عبر الشاشة، ومن ترشحين للقيام بذلك؟

- اتمنى ان اصور وثائقياً تلفزيونياً جميلاً حول فييتنام حيث ولدت، كما اتمنى لو انني اقوم بمقابلة طويلة امام احد <الاوتيلات> المعروفة جداً في مدينة <سايغون> حيث كنت ارافق والدي الى هناك وانا صغيرة جداً في ايام السبت، فتأخذني الى حضنها <مارغريت دوراس> الشاعرة والكاتبة المسرحية والمخرجة الفرنسية التي تعتبر من أهم الأدباء الفرنسيين في النصف الثاني من القرن العشرين والتي ولدت ايضاً في مدينة <سايغون>.

وفي استحضار اكبر لذكرياتها تضيف لنا <غويا>:

- لقد كانت <دوراس> قريبة منا، وكنت اقضي معها وقتاً طويلاً. املك الكثير من القصص التي يمكنني سردها حول طفولتي في فييتنام، ولو انني تركتها بعمر الاربع سنوات. اتذكرعودتنا على متن الباخرة الكبيرة عبر الهند وقناة السويس، واذكر انني في وسط القناة فتحت نافذة الباخرة ورميت بفساتين امي كلها الواحد تلو الآخر في البحر قائلة لها: <يحق للسمكات ايضاً ان تلبس أجمل الفساتين>، فوصلت الى مرسيليا من دون ان يكون معها غير الثوب الذي ترتديه. كنت اخترع حينذاك!(تضحك طويلاً) ثم تزيد:

 - تمثل امامي الآن صحراء قناة السويس حيث الجو كله باللون الاحمر والماء زمردية اللون. في مدينة <نانت> الفرنسية اعادوا تشكيل سفينة مشابهة لتلك التي عدنا بها تحت اسم <لو باستور> وقد ذكرتني برحلتي كلها. حتى زياراتي للبنان كنت اتمنى لو انني صورتها حتى ادخلها في فيلم وثائقي ايضاً. للأسف انا في لبنان اشبه بالمذنب، النجمة التي تضيء المكان بمرورها الا انها تذهب سريعاً.

ــ لم تعودي يوماً الى مسقط رأسك في فييتنام لزيارة أو لتقديم عرض فيها؟

- ابداً. اخاف جداً من السفر اليها وان ألقى حتفي من احد <الموتوسيكلات> هناك. في تلك البلاد كم هائل من الدراجات النارية التي تأتي من كل حدب وصوب ومن دون اي احترام لإشارات السير. تعتقدين انني امزح في هذا الشأن علماً انني جدية تماماً بما اخبرك اياه. فأنا أقطع البحار والمحيطات لأقدم عروضي وأخشى ان ارحل بغمضة سائق دراجة طائش.

ــ هل صحيح اننا مع تقدم العمر نعود اطفالاً بشكل او بآخر؟

- لا، مع تقدم العمر لا نعود اطفالاً. لا علاقة لهذا بذاك والامر يختلف بين شخص وآخر. انا اصلاً لا اعترف بالعمر ذلك انني لا انتمي الى زمن واحد. انا أعيش خارج الزمن وذلك يعود لجدتي وعائلتي، نحن نعبر الزمن، لا نهرم، لا اعرف كيف أفسر لك ذلك.

ــ نلاحظ انك تركت وجهك بملامحه الدقيقة على طبيعته تماماً. هل تناهضين فكرة التجميل وعمليات الشد وغيرها؟

 - لن افعلها! هل تتأملين ان يكون لي فم منفوخ وشفاه سمكة مثلاً (تقوم بمد شفتيها)، او ان اشبه فئران <الهامستر>؟ لا أفضل ان ترافقني هذه في عروضي. اتفهم غيري ان قام بها لكن الأمر محسوم بالنسبة لي!

ــ ما هي كلمتك الاخيرة لنا؟

- ما أود قوله ان اللبنانيين يشكلون الجمهور الاول لعرضي الجديد هذا وبعد <كازينو لبنان> اتوجه الى فرنسا منطقة <روان> تحديداً يوم 17 تشرين الثاني/ نوفمبر لاعود الى <تياتر دو باري> في الميلاد المجيد. اما الاسطوانة والـ<دي في دي> فسوف يصدران قريباً.

ــ هل تعتقدين ان شكل المسرح سيتغير بعد عشرين عاماً مثلاً؟

 - أبداً، المسرح سيبقى مسرحاً وبشكله المعروف منذ آلاف السنين. لن يأخذ مكان المسرح الحي اي شيء. انا امتداد لمن سبقوني وسيأتي من يكمل المسرح من بعدي.