تفاصيل الخبر

«الأفـــــكار» مـــع مــــراكب التسفيـــــر غـيـــــر الـشرعــــي مــــن مـيـنــــاء طـــرابلــــس!

13/11/2015
«الأفـــــكار» مـــع مــــراكب التسفيـــــر غـيـــــر  الـشرعــــي مــــن مـيـنــــاء طـــرابلــــس!

«الأفـــــكار» مـــع مــــراكب التسفيـــــر غـيـــــر الـشرعــــي مــــن مـيـنــــاء طـــرابلــــس!

 

بقلم طوني بشارة

hالعطار-وزملائه استقبل لبنان منذ بداية الأزمة السورية ما يقارب مليون ومئة ألف لاجئ سوري مسجلين قانونياً في لوائح اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، كما يأوي هذا البلد الصغير بمساحته (١٠٤٥٢ كلم مربع) أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني يعيشون في مخيمات مكتظة تنتشر على معظم الأراضي اللبنانية، مقابل ذلك يعيش الاقتصاد اللبناني وضعاً حرجاً حيث تراكمت الديون على الخزينة اللبنانية بسبب الخلافات والفساد والتدخلات الخارجية، واللافت انه منذ فترة ليست ببعيدة انتشرت ظاهرة الهجرة الى بلدان الاتحاد الأوروبي بشكل واسع بعد تسهيل ألمانيا وغيرها إجراءات الهجرة واللجوء، وهذه الحالة أوجدت الرغبة لدى الكثيرين بالفرار من الحالة الصعبة التي يعيشونها في لبنان، فكانت الهجرة غير الشرعية عبر البحر ونشطت سوق تهريب البشر بأشكال مأساوية أودت بحياة العشرات غرقا، ومنذ أسبوع صدر عن قيادة الجيش بيان يفيد بأن دورية تابعة للقوات البحرية اوقفت عند الواحدة فجراً، على مسافة ٣ أميال من جزيرة النخل قبالة طرابلس، مركباً لبنانياً قدرته التحميلية لا تتعدى ١٥ شخصاً، كان على متنه ٥٣ شخصاً، هم ٨ لبنانيين و٢٨ فلسطينياً و١٤ سورياً و٣ أشخاص مكتومي القيد، وذلك في اثناء محاولة تهريبهم الى خارج لبنان بطريقة غير شرعية.

روايات الهجرة غير الشرعية من لبنان تكشف عن أعداد كبيرة من المهاجرين تنطلق من طرابلس، حيث تحوّلت عاصمة الشمال اللبناني إلى وجهة رئيسية لمن ينوي التوجه إلى أوروبا طلباً للجوء. هذه الهجرة تأخذ شكلين: الأول يبدأ شرعياً بالسفر عبر مرفأ طرابلس نحو تركيا، والثاني غير شرعي عبر التهريب. ومن الناحية الرسمية تتحدث المعلومات عن أن عدد من غادروا مرفأ طرابلس بحراً إلى تركيا وأغلبهم من السوريين، فاق مئة ألف شخص وهؤلاء يغادرون لبنان ويدخلون تركيا بشكل شرعي، وقد زاد نشاط خط السير البحري بين طرابلس ومدينة مرسين التركية الذي افتتح عام ٢٠١٠ بمعدل أربع رحلات يومياً بعد أن كان يشهد رحلتين أسبوعياً، لكن الهجرة غير الشرعية عن طريق التهريب بحراً يشوبها الكثير من الغموض لأن أغلبها يجري على نحو غير معلن إلى حد أن أفراداً وعائلات لم يعرف أحد أنها هاجرت إلى تركيا إلا بعد أيام أو أسابيع، بعد وصول أخبار أنها غرقت في البحر مثل عائلة صفوان أو أنها محتجزة في أحد المعسكرات في دول أوروبية وسط شائعات يومية عن غرق طرابلسيين وشماليين في البحر، سرعان ما يجري نفيها .

 

اهرب بألفي دولار....

 

وتبدو الهجرة غير الشرعية موضوعاً نائماً لا يُسلّط الضوء عليه إلا عندما تحصل كارثة غرق ووفاة بعض المهاجرين، كما حصل منذ اسابيع بعد غرق معظم افراد عائلة صفوان، التي غادرت الى تركيا عبر مرفأ طرابلس، وغرق ٩ أشخاص فلسطينيين من مخيم اليرموك، كانوا على متن قارب يحمل قرابة ٤٠ منهم قبل نحو شهرين. حادثان أليمان كشفا عن وجود <مافيات> منظمة تعمل على تسهيل التهريب من لبنان باتجاه تركيا واليونان، مقابل مبالغ كبيرة من المال تتراوح بين ٢٠٠٠ دولار للوصول الى تركيا و٣٥٠٠ دولار إلى اليونان كون الأخيرة من دول الاتحاد الأوروبي.

تتحدث الوقائع عن غض نظر رسمي تجاه تلك الممارسات. وترد مصادر مطلعة هذا التجاهل الى سببين رئيسيين، الاول: تراجع المساعدات التي تأتي إلى الدولة اللبنانية لمواجهة مشكلة النازحين السوريين، كما أن لحظة-الوصول-الى-تركيا-واعطائهم-جوازات-شرعية-في-عرض-البحرالهجرة تخفف من ضغوط الأزمة الاجتماعية والاقتصادية.

 والسبب الثاني: أن اتصالات أجريت مع أكثر من جهة أمنية طلبت منها التساهل في موضوع مغادرة أشخاص للبلد بهذه الطريقة، سواء كانوا لبنانيين أو سوريين او فلسطينين او من جنسيات أخرى بمن فيهم أولئك الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف أو المطلوبون قضائياً لأن مغادرتهم لبنان تخفف المخاطر الامنية عليه. وكشفت مصادر طرابلسية أن أفراداً وجهات لبنانية وسورية وفلسطينية تعمل في طرابلس ومخيم البداوي لتصدير الطالبين للهجرة وأن الأجهزة الأمنية تعرف كل ما يجري، ولكنها تغض الطرف عن تهريب الأشخاص، وتحديداً النازحين الفلسطينيين والسوريين، بعدما ضاقت بهم سبل العيش في أعقاب توقف المنظمات الدولية ووكالة <الأونروا> عن تقديم المساعدات لهم ولا سيما لجهة دفع بدلات الإيجار الشهرية لإيوائهم، مما جعل عائلات كثيرة تجد نفسها مرمية في الشارع بلا مأوى أو معيل.

واللافت ان التركيز على الشمال من قبل المهربين مرده الى وجود اشخاص يملكون خبرة في الابحار باتجاه تركيا او اليونان، فضلاً عن سهولة الحركة على الشاطئ الممتد من طرابلس الى الحدود الشمالية مع سوريا، ومن يسعى للهجرة على متن تلك المراكب هم إما نازحون من سوريا، ولا يملكون جوازات سفر للدخول الى تركيا بطريقة شرعية، او لبنانيون وفلسطينيون مطلوبون بمذكرات توقيف، حيث رصد قبل اسبوعين محاولة مجموعة من مخيم عين الحلوة الهرب الى تركيا من الشمال وجرت متابعتها وافشال تلك المحاولة في حينها من دون إلقاء القبض عليهم.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها <الأفكار> من مصادر لبنانية وفلسطينية، فإن الساعين للهجرة بطريقة غير شرعية يتجمّعون عادة فجراً عند نقطة تقع قرب مصب نهر أبو علي ملاصقة لمكب نفايات طرابلس بعيدا عن الأنظار، ومن هناك يجري تهريبهم على شكل مجموعات بواسطة قوارب صغيرة إلى عرض البحر خارج المياه الإقليمية حيث يكون بانتظارهم مركب كبير يصعدون إليه بقصد التوجّه نحو تركيا.

وللإطلاع على تفاصيل الهجرة غير الشرعية والطرق البحرية التي تسلكها زوارق الموت والأعداد التي تستوعبها قصدت <الافكار> طرابلس وأمضت ساعات طويلة مليئة بالاحداث والروايات، كما قابلت بعض الهاربين وتابعت التواصل معهم حتى بعد وصولهم الى تركيا وجاءت بالتحقيق الآتي:

عند الخامسة والنصف فجراً التقت <الافكار> الشاب احمد العطار 25 سنة وذلك عند مصب نهر ابو علي. وأحمد العطار سوري الجنسية، ويسكن في مجدليا التابعة لقضاء زغرتا منذ سنتين تقريباً. العطار فقد اوراقه الثبوتية منذ شهرين تقريباً مما جعله غير قادر على الانتقال بسبب الحواجز الامنية، ففقد عمله في ملحمة الكورة بسبب غيابه المستمر وحاول عن طريق شقيقه محمد المقيم في سوريا الاستحصال على بدل عن ضائع عن اوراقه ولكن دون جدوى، فالسلطات السورية رفضت اصدار بدل عن ضائع بحجج عديدة، فضاقت سبل الحياة بوجه العطار وحتى انه لم يعد قادراً على الهجرة بسبب عدم حيازته اوراقاً ثبوتية، فالتقى بشلة من طرابلس من عائلة حسون وأبلغوه ان ابو فهد يتولى مهمة تهريب السوريين واللبنانيين بحراً الى تركيا، وأعلموه انه قبل الوصول الى تركيا يتم اعطاؤهم جوازات سفر سورية شرعية والعملية بكاملها لا تكلفه اكثر من 3250 دولار. سفر من طرابلس الى تركيا 2000 دولار والحصول على جواز سفر 1250 دولار. العطار قابل ابو فهد واستفسر منه عن كافة تفاصيل الرحلة واعطاه مبلغ 1600 دولار على ان يسلمه بقية المبلغ عند استلامه جواز السفر، وبدأت رحلة الغوص في المجهول، فأطلعنا العطار انه وبتمام الساعة الثالثة فجراً تجمع هو و42 شخصاً عند مصب نهر ابو علي وتحديداً عند مكب النفايات، رافقناه كأسرة <الافكار> من الخامسة والنصف حتى السابعة صباحاً عندئذٍ تم تقسيمهم الى مجموعتين، كل مجموعة من 21 شخصاً وتم نقل العجزة والسيدات والاطفال بقارب مطاطي جديد نوعاً ما، اما الشبان والرجال فتم نقلهم بقارب مطاطي ذي حالة حرجة بعد تزويدهم بدواليب هواء منعاً للغرق، وتوجه القاربان غرباً وبقينا على اتصال مع العطار الذي اعلمنا فيما بعد ان القارب توجه الى ما بعد جزيرة النخل في طرابلس اي حوالى ساعتين في البحر، ومن بعدها انتقل الجميع الى قارب يتسع لحوالى 50 شخصاً وذلك للتوجه بحراً نحو تركيا.

احمد-العطار-وتوديع-اهله-قبل-ركوبه-سفينة-الموترحلة... المأزق

اتفقنا مع العطار على طمأنتنا فور وصوله الى تركيا وبالتالي تزويدنا بكافة تفاصيل الرحلة، ولم تمضِ 29 ساعة على تركنا للعطار حتى تلقينا رسائل خطية على الهاتف منه، فهو وبعد وصوله الى تركيا، زودنا بصور واطلعنا على تفاصيل الرحلة وأفادنا أن الرحلة في الحالات العادية من مرفأ طرابلس الى مرفأ مرسين تستغرق كحد أقصى 18 ساعة سفر بحراً، ولكن رحلتهم دامت 30 ساعة تقريباً، فقائد المركب وبعد قيادة متواصلة لمدة ثلاث ساعات أطفأ المحرك وزوّد المركب بـ<الفيول> وقام بأخذ قسط من الراحة لمدة ساعة تقريباً ومن ثم عاود الرحلة.

عن حالة الخوف والقلق اثناء الرحلة افادنا العطار انه شعر بالقلق والخوف لحظة انتقاله من مصب ابوعلي حتى المركب، فقد تخوّف من الوقوع في يد الجهات الامنية اللبنانية، ولكن بعد اجتياز القارب للمياه الاقليمية اللبنانية بدأت مخاوفنا تتبدّد، والرحلة بالقارب محفوفة بالمخاطر لا سيما ان الطقس نوعاً ما كان سيئاً والبحر لا سيما عند المياه الاقليمية مائج قليلاً مما جعل المركب يموج بنــــا يمينــــاً ويساراً فعــــلا الصراخ ولكن سرعــــان ما طمأننا قائــــد المركب بأن ما يجـــري امر طبيعي جداً ولا خوف علينا من الغرق طالما ان الحمولة ما زالت ضمن حدودها الدنيا.

ويتابع العطار: بعد رحلة دامت 22 ساعة تقريباً، دخلنا المياه الاقليمية التركية عندئذٍ اعلمنا قائد المركب بأن مركباً تركياً سيقترب منا فلا داعي للخوف لأنه سيتم اعطاؤنا من قبل راكبي المركب جوازات سفر على اساسها سندخل الى تركيا، وطلب من الجميع تسليمه المبالغ المتبقية، وبالفعل لم يمر نصف ساعة حتى اقترب منا قارب تركي على متنه اربعة اشخاص وبحوزتهم جوازات سفر سورية مختومة وشرعية تم تسلمينا اياها اسمياً، ولكن بأسماء اخرى حيث اصبح اسمي احمد نواف بدلاً من احمد العطار، اخذت جوازي ومن ثم تركنا المركب اللبناني بعد ان قام سائق المركب بتدميره واغراقه، وانتقلنا بقارب مطاطي الى المركب التركي واجتزنا مسافة ساعة ونصف الساعة بحراً ووصلنا بعدها الى مرفأ مرسين ودخلنا بجوازات السفر الجديدة من دون اية عراقيل، فهنا في تركيا بدأت كما كافة ركاب المركب فعلاً حياة جديدة باسم جديد.

عن عدد ركاب القارب وجنسياتهم اشار العطار: القارب ضم 43 شخصاً: 20 شاباً سورياً، 3 نساء سوريات، 9 أطفال، و8 شباب من التابعية الفلسطينية، و3 شبان من طرابلس، جميعنا لا نملك اوراقاً ثبوتية، تم اعطاؤنا جوازات سفر سورية وها نحن اليوم نبدأ حياة جديدة في تركيا.

عن مكان وجوده في الوقت الحالي يقول العطار: حالياً امكث داخل اوتيل تركي في مدينة مرسين لن اطلعك على اسمه ولكن هنا أود إعلامك ان المسؤول عن الاوتيل سوري الجنسية وهو يقوم بتسهيل انتقال السوريين واللبنانيين بطريقة غير شرعية من طرابلس الى تركيا، واتفقت مع المسؤول عن الاوتيل بالعمل لديه في مجال التنظيف ريثما اتمكن من إيجاد عمل لي في تركيا.