تفاصيل الخبر

آلاف القتلـــى والجــــرحى والنازحيــــن الأبريـــــــاء والحصيلــــة... ”الريــــــل بوليتيــــــك“ )Realpolitik(

12/08/2016
آلاف القتلـــى والجــــرحى والنازحيــــن الأبريـــــــاء  والحصيلــــة... ”الريــــــل بوليتيــــــك“ )Realpolitik(

آلاف القتلـــى والجــــرحى والنازحيــــن الأبريـــــــاء والحصيلــــة... ”الريــــــل بوليتيــــــك“ )Realpolitik(

 

بقلم خالد عوض

sayedhassan-1-------11

راقب خارطة الغاز، تتبين لك خارطة المنطقة. تلخص هذه المعادلة أحداثاً كثيرة تدور حولنا هذه الأيام في سوريا خاصة، ولكن أيضاً في تركيا وروسيا وأوكرانيا وحتى أذربيجان.

لم تكن معركة حلب السبب الأول الذي من أجله زار الرئيس التركي <رجب طيب أردوغان> <موسكو>، بل هي مجرد تفصيل في سياق مسار جيو - اقتصادي يفوق حجمه مئات مليارات الدولارات سنوياً من دون أن يأبه أحد لآلاف القتلى والجرحى والمشردين والمحاصرين يومياً.

تركيا تريد أن تكون رئة أوروبا التي تضخ إليها الغاز الروسي وربما السوري والاسرائيلي وحتى القبرصي واللبناني، إذا نجحت شركة <غازبروم> الروسية في الحصول على حق الاستخراج والتسويق من كل هذه الدول.

وروسيا خائفة مما يمكن أن يفعله الغرب والولايات المتحدة في أوكرانيا وبولندا من خلال <الناتو> وتريد منفذا للغاز إلى العالم وليس فقط إلى أوروبا بعيداً عن البوابة الأوكرانية.

إيران لن تتمكن من تصدير الغاز إلى أوروبا إلا عبر تركيا نظراً للكلفة الكبيرة التي ستتطلبها البنية التحتية لذلك من أي مكان آخر، وهي تطمح إلى حصة كبيرة في صادرات الغاز إلى الصين من خلال خط باكستان.

اسرائيل خسرت السوق المصري بعد اكتشاف الغاز في منطقة <بلطيم> (شرقي الدلتا) وتريد حصة في السوق الأوروبي والتركي.

التقارب الروسي - التركي هو على طريقة <مجبر أخاك لا بطل> بالنسبة للرئيسين <فلاديمير بوتين> و<رجب طيب اردوغان>. فروسيا درست إمكانية التصدير عبر منافذ أخرى منها بيلاروس واذربيجان واكتشفت أنها مكلفة جداً. فيما تركيا درست جيداً الكمية المتاحة لها من اسرائيل وحتى سوريا في المستقبل واكتشفت أن لا بديل عن الغاز الروسي، ليس فقط لسد حاجاتها، بل لتمكينها من لعب دور محوري في أوروبا. كما أنه من دون اتفاق تركي - روسي لن يرى الغاز القبرصي النور بسهولة نظراً لنفوذ الدولتين في قبرص.

باختصار، الكل يبحث عن مصالحه الغازية للعشرين سنة المقبلة، روسيا تخشى طوق <الناتو> على غازها، وتركيا تخشى تخلّي الغرب عنها بسبب سياساتها الداخلية المتباعدة تدريجياً عن الديموقراطية، وبالعين الاقتصادية حتى إيران ترى اليوم تركيا أقرب إليها من روسيا، فهي أيضاً منفذ مهم لتجارتها ولا يمكن أن تعاديها.

إذاً ماذا يحصل في سوريا؟ وكيف يمكن تفسير كل الدمار والقتل بين أطراف يتصارعون وهم في الوقت نفسه مدعومون من شبه حلفاء اقتصاديين؟ مع الاسف لا يمكن التفاوض إلا بالمعارك على الأرض. الوجود التركي في سوريا استراتيجي لأسباب كثيرة أولها الغاز. ومعركة حلب هي معركة التفاوض مع تركيا وليست <معركة وجود> كما سماها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله. روسيا تريد التفاوض مع تركيا حول خارطة الغاز، وكذلك إيران تريد تثبيت موقعها الاقتصادي الإقليمي ZOUPKOV----2والأوروبي من خلال الممر التركي. وحلب هي مرحلة من هذه المفاوضات لا أكثر ولا أقل. لا يهم الدمار وحجم القتل. المهم أن يثبت كل طرف موقعه العسكري حتى تكون له كلمة في الحل السياسي، وبالتالي حصة في <الكعكة> الاقتصادية.

حتى لبنان تلقى إشارة مؤخرا عن الغاز. الأميركيون لا يمانعون في أن تدخل <غازبروم> السوق اللبناني بشرط أن لا تمس مصالحهم في اسرائيل. لم يكن اجتماع رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل نتيجة شعور بالمسؤولية الاقتصادية والمالية، بقـــــدر ما كان نتيجــــة <وحــــي> دولي بضرورة الشروع في استخراج الغـــــاز اللبناني والتوصل إلى اتفاق مع اسرائيل (مباشرة أو مداورة) على الترسيم البحري. حتى في الغاز، وليس فقط في اسم رئيس الجمهوريـــة، تأتي كلمة السر من الخارج فتسري الكيمياء السياسية فجأة.

لسنا على أبواب حل سياسي وعسكري قريب في سوريا، ولكن خارطة غاز بحر المتوسط بدأت تتوضح ملامحها ووجهات التصدير منها. وعندما ينتهي الكبار من رسمها ويتفقون على تفاصيلها تصبح المعارك على الأرض مجرد تموضعات عسكرية تسهل الحل السياسي المفترض أن يؤمن نجاح الخارطة الاقتصادية، والغازية بالتحديد، قبل أي شيء آخر أي حتى قبل مصير الشعوب.

هذا ما يسمى اليوم <البرغماتية السياسية> أو <الريل بوليتيك> (Realpolitik) إذ أن المصالح الاقتصادية الكبرى هي التي تحدد مصير عامة الناس.

ليت حزب الله وجمهوره يفيقون اليوم ويرفضون الموت من اجل مصالح <غازبروم> أو <شركت ملي كاز إيران> (شركة غاز إيران الوطنية). انها مسألة وقت حتى يكتشفوا أن الجبهة الجنوبية ضد العدو الحقيقي أصبحت مقفلة بالمصالح الغازية، وإذا فتحت فستكون فقط من اجل مفاوضات إقليمية على الغاز... لا أكثر ولا أقل.