تفاصيل الخبر

الأضرار الجسيمة تحاصر القصور والأبنية التراثية بعد إنفجار مرفأ بيروت... ومطلوب الترميم وليس الهدم

02/09/2020
الأضرار الجسيمة تحاصر القصور والأبنية التراثية بعد إنفجار مرفأ بيروت... ومطلوب الترميم وليس الهدم

الأضرار الجسيمة تحاصر القصور والأبنية التراثية بعد إنفجار مرفأ بيروت... ومطلوب الترميم وليس الهدم

بقلم وردية بطرس

[caption id="attachment_80780" align="alignleft" width="188"] الترميم في آرت هاوس.[/caption]

 أدى إنفجار مرفأ بيروت الى تضرر الكثير من البيوت التراثية في المنطقة المحاذية لمكان الانفجار. فالانفجار الذي عصف بمدينة بيروت طال معظم البيوت التراثية والقصور وإن بدرجات متفاوتة... هذه البيوت ليست مجرد بناء بل لكل منها حكاياتها وذكرياتها، فالكثير من تلك البيوت التراثية تحفظ بين جدرانها تاريخ المدينة وتحمل بصمات أهم المهندسين المعماريين العالميين. لقد دمر الانفجار مباني أثرية في بيروت عمرها مئات الأعوام، والتي استغرق ترميمها أصلاً بعد الحرب الأهلية عشرات السنوات. وتداول الكثير من النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لقصر سرسق الذي تدمر بشكل كبير جداً جراء الانفجار الهائل. فهذا القصر الذي صمد في وجه حربين عالميتين، والحرب الأهلية تدمر بلحظة. يُعتبر قصر سرسق من القصور التراثية بناه نقولا سرسق في العام 1912، ويقع على هضبة حي الأشرفية في مدينة بيروت. وهبه صاحبه بعد وفاته في العام 1952 الى بلدية مدينة بيروت على ان يتحول متحفاً للفنون الحديثة والمعاصرة كما ذكر في وصيته. وبين سنة 1953 و 1960 استخدم القصر لاستضافة ملوك ورؤوساء زاروا لبنان رسمياً، وبما ان الراحل نقولا سرسق أراده متحفاً، فقد تحوّل القصر الى متحف يضم قطعاً من الأثريات والمقتنيات الثمينة التي وُجدت في القبو منذ فترة. يُذكر أن أصحاب قصر سرسق احتاجوا الى 20 عاماً من الترميم الدقيق لاعادته الى سابق مجده بعد الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً.

المهندس المعماري كميل طرزي والحفاظ على ما تبقى من التراث في مدينة بيروت

[caption id="attachment_80784" align="alignleft" width="250"] اودري ازولاي داخل قصر سرسق[/caption]

 المهندس المعماري كميل طرزي مدير (ميزون طرزي) في مار مخايل الذي يعد من الجيل الخامس لعائلة طرزي التي تهتم بالفن الشرقي والديكور الشرقي، حيث جمع 300 بطاقة بريدية من كل أنحاء العالم ووثقها في كتاب (واجهة الشرق) الصادرة باللغة الفرنسية عام 2015. وفي العام 1997 انضم الى (ميزون طرزي) المتخصصة في صنع الحرف الخشبية الشرقية والتحف الشرقية وتنفيذها. وهو يهتم بكل ما يتعلق بالتراث والثقافة اذ قام بأخذ صور للعديد من البيوت التراثية والقصور في بيروت بعد انفجار مرفأ بيروت ونشرها على صفحته في الفايسبوك.

وعن اهتمامه بالتراث اللبناني يقول المهندس كميل طرزي:

 -هذا ما تبقى من التراث اللبناني الذي حاول ان يصمد طوال الحروب من جهة، ومن جهة أخرى صمد أمام الذين أرادوا هدم البيوت التراثية وبناء المباني الشاهقة مكانها. أولاً تأثرت بما حصل في البيوت التي عملت فيها شخصياً كوني انتمي لعائلة طرزي التي تهتم بالفن الشرقي منذ 150 سنة. على سبيل المثال عملنا في قصر سرسق وغيره، وفجأة خلال ثوان تدمر كله بشكل مرعب، وحصل ذلك لأن ليس هناك ضمير سياسي ولا اجتماعي والشعب يدفع دائماً الثمن. وبعد سنوات الحروب لا يزال الزعماء أنفسهم يحكمون البلد ولا أحد منهم اعتذر او قدم يد المساعدة للناس المتضررين في انفجار مرفأ بيروت. لقد تدمرت بيوت الناس ومحلاتهم بلحظة. بالنسبة الي الحمد لله لم يصب أحد بمكروه في (ميزون طرزي) في مار مخايل يوم الانفجار. بقيت المدينة صامدة طوال سنوات الحروب والعائلات التي تسكن في تلك البيوت التراثية في حي سرسق والجميزة ومار مخايل وجدت فيها منذ 400 سنة ولم تغادرها.

التقاط صور للبيوت التراثية في حي سرسق

* تهتم كثيراً بالتقاط صور لتلك البيوت التراثية ونشرها على صفحتك فالى اي مدى أثر بك الدمار الذي لحق بها يوم الانفجار؟

- ما حصل في 4 آب (أغسطس) مرعب جداً، لقد عشت الحرب وكانت أيام صعبة ولكننا أقله كنا نختبئ في مكان آمن عند بدء المعارك وما شابه، ولكن الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت كان مدمراً قضى على المباني والبيوت التراثية خلال ثوان وتحطمت الأبواب التي يعود تاريخ بنائها لمئتي سنة وأكثر وغيرها من القطع التراثية التي تحطمت. قمت بتصوير البيوت التراثية في حي سرسق، اذ إنني أعرف أصحاب تلك البيوت التراثية وأذكر منهم منزل تانيا الريس إنجا في حي سرسق، كما عملنا في متحف سرسق وقصر سرسق لأنني قمت بترميم الخشب في الصالون الشرقي اي لكل واحد منهما قصة تأثرت بها بالنسبة لمحل (ميزون طرزي) تضرر ولكن ليس كثيرا مقارنة بالبيوت التي تدمرت، ولم يسقط ضحايا داخل المحل، لذا أردت أن أقف الى جانب الأشخاص الذين تضررت منازلهم ومن هنا نشرت الصور قبل وبعد الانفجار لأظهر أولاً جمال تلك البيوت، وماذا حصل بها جراء الانفجار. قد يقول الناس إنه مجرد بناء ولكن لتلك البيوت حكايات وذكريات مرّت فيها أجيال تركت بصماتها. للأسف ليس هناك أمل بأن تسعى الدولة الى تقديم المساعدة، أكثر الناس من دول العالم يرسلون المساعدات وهنا المسؤولون لا يساعدون الناس المتضررين.

إعادة بناء البيوت التراثية

[caption id="attachment_80781" align="alignleft" width="143"] الركام في فيلا السيدة تانيا الريس إنجا[/caption]

* هل يمكن استعادة جمال تلك البيوت التراثية؟ وان يُحافظ عليها؟

- أول مرحلة بالمبدأ هناك بيوت فيها أضرار كبيرة اي يجب ان يُوضع فيها دعامات ولو بشكل مؤقت لكي لا يسقط البناء، ثانياً تغليف البناء لكي يحافظ على البيت ولا يتأثر بالمطر ومن ثم سيتم الترميم بشكل هندسي واستمراري اي ترميم الجدران. وأطلب من الأشخاص الذين أعرفهم بأن يتركوا الأشياء المحطمة على جنب، مثلاً قد تكون بينها قطعة من القناطر أو قطع من الموبيليا والبورسيلين المحطم قد يحتاجون اليها لإعادة بنائها كما كانت من خلال الاستعانة بالصور القديمة لتلك البيوت. وبهذه الحالة يمكن ان نحافظ على 90 في المئة اذا كانت هناك مساعدات مادية.

* من خلال تواصلك مع العائلات التي فقدت بيوتها التراثية وقصورها فهل تفكر باعادة بنائها من جديد؟

- غالبية الأشخاص الذين أعرفهم قالوا إنهم مستعدون لاعادة بناء بيوتهم ولديهم الطموح بترميمها ولكن بشرط ان يكون وضع البلد مستقراً، اذ يخافون ان يبدأوا بتدعيم البيوت ومن ثم يتهدم مرة أخرى بسبب انفجار وما شابه. لكن طبعاً يريدون ان يحافظوا على التراث على أن تأخذ الدول كل الاجراءات اللازمة لمعالجة مشاكل البلد دون مماطلة. وشخصياً كمهندس وشركتنا العائلية تعمل بمجال الترميم والتجديد فنحن جاهزون لمساعدتهم ونساعد أصحاب البيوت. المهم ان يكون هناك دعم من قبل الإعلام والمجتمع وأن يهتموا بالتراث لأنه اذا لم يكن هناك تراث فليس هناك ماض، واذا لم يكن هناك ماض فليس هناك تراث. لا أعرف عما اذا كان هذا الانفجار أدى الى ان يكون هناك وعي أكبر بأهمية التراث، وأن يُطبق  القانون الذي كان المفروض ان يُطبق منذ 10 أو 15 سنة للحفاظ على البيوت التراثية.

السيدة تانيا الريس إنجا: كل زاوية في المنزل لها ذكريات وحكايات

[caption id="attachment_80786" align="alignleft" width="250"] جورج بستاني من اليمين وغريغوري بوشكاجيان من اليسار واودري ازولاي بينهما [/caption]

لحظة وقوع الانفجار لم تكن السيدة تانيا الريس إنجا في منزلها وكانت الصدمة عند رؤية منزلها مدمراً، وعن تلك اللحظات المرعبة تقول السيدة تانيا:

- لحظة وقوع الانفجار لم أكن في المنزل فقد غادرته قبل نصف ساعة من وقوع الانفجار، اذ كنت في المجمع التجاري (أ. ب. ث) الأشرفية. وعندما وقع الانفجار، خفنا كثيراً لأننا أعتقدنا ان قنبلة انفجرت في المجمع ولم أعرف كيف أخرج من المبنى، فهرعت الى المنزل والمشهد كان مرعباً أمر لا يُصدق حجم الدمار على الطريق والزجاج المحطم والدماء على الأرض وكنا خائفين من ان تقع على رؤوسنا أشياء وعندما وصلت الى المنزل صُدمت لهول الخراب والدمار اذ لم يبق من المنزل شيئاً. عشنا حروباً عديدة في البلد وطوال الحروب عاش أهلي في هذا المنزل، ففي كل تلك الحروب لم يتعرض للخراب والدمار كما حصل في الرابع من آب (أغسطس).

وتتابع:

- هذا المنزل له ذكريات عديدة، وطوال سنوات الحرب لم يتدمر كما حصل في 4 آب، فالأبواب مثلاً صُنعت في العام 1890، وكل الزجاج الملّون في المنزل الذي لم يتحطم طوال الحرب تحطّم بلحظة. مع العلم أنني قمت بترميم الزجاج الملّون منذ سنة وقلت لنفسي آنذاك أخاف من انه ربما قد يتحطم زجاج النافذة بعد سنوات من الحروب، لهذا أردت ترميم الزجاج الملون وبعد الانتهاء من عملية الترميم قالوا لي الآن لا شيء سيكسره، ولكن الانفجار الكبير في مرفأ بيروت قضى على كل شيء، وأدى الى دمار البيوت التراثية والمباني وغيرها.

وبالسؤال عما إذا بقيت قطعة سليمة تقول:

 - كلما نظرت الى قطعة من قطع المنزل وأقول إنها لم تتحطم فما ان اقترب منها حتى أجد أنها قد تضررت. كان في المنزل طاولة تتطلب أربعة أشخاص لحملها لأنها ثقيلة مصنوعة من الرخام، تصوري لم أجدها عندما دخلت الى المنزل اذ كانت محطمّة. فالأبواب المصنوعة من الخشب ويصل ارتفاعها الى أربعة أمتار تحطمت كلها. لكل منزل ذكريات فكم يؤلمني ان لهذا البيت قيمة كبيرة تدمر بلحظة وكأنني فقدت جزءاً من حياتي. لقد تم تصميم البيت بالمزج ما بين التصميم العربي والأوروبي، فلكل قطعة حكاية. مثلاً أخبرتني جدتي أن الأبواب كانت قد صُنعت في ايطاليا، لقد خسرت لوحات تعود لأجدادي.

[caption id="attachment_80785" align="alignleft" width="250"] متحف سرسق(فوق) وقصر سرسق (تحت)[/caption]

* برأيك هل يمكن استرجاع جمال البيوت التراثية كما كانت قبل وقوع الانفجار؟

- الأمر صعب ولكننا سنبذل جهدنا لعودة الحياة الى هذه المدينة. طبعاً هناك أمور لا يمكن استرجاعها ولكننا نأمل بذلك، فعلى الصعيد الشخصي آمل ان أعيد بناء هذا البيت العريق. حافظت على هذا البيت اذ قمت بترميمه منذ سنة عندما كان والداي رحمهما الله يقيمان فيه. وعندما قررت ان اقوم بترميمه حصل هذا الانفجار. عشت طفولتي في هذه الفيلا وعندما تزوجت انتقلت للاقامة في بعبدا، وطبعاً حافظت على البيت ولم أبعه. ولكن للأسف الدمار كبير، اذ لم أتمكن من الدخول اليه نظراً الى الركام والزجاج المحطم. في الوقت الحالي نزيل الخشب ونقوم بتعريبه لنرى ماذا يمكن ان يُستعمل منه.

* الكل يردد انه سيعيد بناء ما تدمر فهل ارادة اللبناني ستكون أقوى كما في كل مرة مع العلم ان هذا الانفجار لا يشبه اي انفجار وقع في لبنان نظراً للدمار الكبير الذي سببه في المدينة؟

- الحمد لله هناك جيل جديد والذي لا يزال لديه القوة والاندفاع لينظفوا الشوارع ويساعدوا الناس، لأن جيلنا لم يعد يقوى على القيام بشيء، ولكن ما نراه اليوم من اندفاع الشباب واولادي من بينهم يساعدون الناس وينظفون الشوارع يجعلنا نأمل خيراً، ولكن في الوقت نفسه نشعر بأن كل شيء يُلقى على عاتقهم ويتحملون المسؤولية، صحيح انهم يشاركون في التنظيف ولكن على الدولة ان تساعد الناس. نأمل بأن نتخلص من هذه الطبقة السياسية وبأن يقدر جيل الشباب ان يبني الوطن. ألا يشعر المسؤولون بالخجل، فانظري الى الكم الهائل من الشتائم التي توجه اليهم لقد فقدوا احترام الناس كلياً، ولم يحصل من قبل ان وجهت الشتائم بهذا الشكل للرؤساء والمسوؤلين.

وتتابع:

 - اليوم نحن كلبنانيين نريد الحياد لأننا لم نعد نقدر ان نعيش هكذا. والناس الذين خسروا منازلهم وبيوتهم التراثية اذا لم يشعروا بأن هناك ضمانة فلن يتحمسوا للبناء من جديد. فهل يعقل ان نبني ونرمم ونتفاجأ بانفجار آخر لا سمح الله. كنا نخبر أولادنا عما عشناه خلال الحرب ولكن لم ندرك ان أولادنا سيرون الأسوء، فما رأيناه في الرابع من آب (أغسطس) كان أشبه بيوم القيامة ولم أعرف كيف خرجت أنا وابني من المجمع التجاري لنصل الى بيتنا المهدم. 

  

المصممة الداخلية السيدة مي الداعوق وحبها للتراث

 لقد أرادت المصممة الداخلية السيدة مي الداعوق أن يترعرع أولادها في لبنان اذ انتقلت من نيويورك مع أولادها منذ سنوات عدة. ولأنها تحب البيوت التراثية وجدت فيلا قديمة في منطقة الأشرفية بُنيت في القرن التاسع عشر والتي كانت ملكاً لاحدى العائلات البيروتية القديمة تطل على البحر وتظللها أشجار تمتد على امتداد التراس. لقد قامت السيدة مي الداعوق بدمج ما بين القديم والجديد مضيفة الألوان ومقدّمة نفحة معاصرة للشرق أوسطي. عندما اشترت السيدة مي الفيلا صممتها على ذوقها الخاص لتجسد خير تجسيد ذوقها في التصميم ورؤيتها لا في الدمج بين الألوان والأشكال فحسب، بل في منح كل ركن من أركان المنزل قصة وحكاية ترويها كل

[caption id="attachment_80779" align="alignleft" width="165"] الأستاذ نبيل دبس وزوجته امام الاوتيل التراثي آرت هاوس.[/caption]

قطعة وُضعت في مكان وزينت جداراً.

وتروي السيدة مي الداعوق لـ (الأفكار) عن ذلك اليوم الحزين الذي عاشته مدينة بيروت وتقول:

- عندما وقع الانفجار كنت قد خرجت من المنزل لبعض الوقت، وكان ابني (20 عاماً) في المنزل مع أصدقائه، اذ كانوا في الحديقة وعندما سمعوا الانفجار الأول صعدوا الى أدراج الفيلا ووقعت الواجهة كلها الى الداخل ووقع الحجر على قدم احد أصدقائه وقمنا برفعه من تحت الأحجار بصعوبة. ابني أصيب بجروح وأيضاً أصيبت العاملات في المنزل بجروح. الحمد لله أننا لا نزال أحياء، طبعاً تدمر كل شيء في المنزل لأنه يطل على مرفأ بيروت مباشرة. هذا المنزل له ذكريات كثيرة. عندما عدت من أميركا الى البلد أقمت في هذا المنزل الذي يقع في شارع سرسق اذ استأجرته من الليدي (كوكرن) التي حافظت على هذا التراث طوال السنوات الماضية. لقد اهتممت بهذا المنزل كثيراً الذي أثار اعجاب الناس كثيراً وقامت الكثير من المجلات بتصويره لأنني بعثت فيه روحاً جديدة عند عودتي من اميركا منذ عشرين سنة. ذكريات طفولة أولادي في هذا المنزل.

وتتابع:

- عندما وصلت الى المنزل صدمت لهول المشهد لأن هذه الفيلا تحتوي على قطع تراثية مميزة. لقد عشت في هذا المنزل بطريقة مودرن. صحيح هذا البيت كان تراثياً ولكن طابعه كان عصرياً وبهذا تميز عن بقية البيوت التراثية. اذ تجدين المنزل ملوناً بشكل جميل والذي استقطب اعجاب الناس والصحف العالمية لتصويره مرات عديدة. ربما الناس يخافون العيش في هذه البيوت لأنها تحتاج للصيانة كثيراً ولكن بحكم عملي في مجال التصميم الداخلي فلم تكن هناك مشكلة، فالقطعة التي يتوجب تغيرها او ترميمها كنت أهتم بالأمر اذ دمجت ما بين القديم والعصري. كمصصمة داخلية لا أهتم ببيتي فقط بل سأعمل مع مؤسسة (أبساد) التي أسستها الليدي (كوكرن) للتشجيع على حماية المواقع التراثية.

[caption id="attachment_80782" align="alignleft" width="333"] السيدة تانيا الريس إنجا.[/caption]

وبالسؤال عن امكانية استعادة البيوت التراثية جمالها ورونقها تقول:

- أمل أن ننجح بذلك، وأعتقد أنه اتخذ القرار بألا تُبنى طوابق أعلى مما كانت قبل الانفجار، وعدم منح رخص لبناء مبان عالية. لا شك أنه سيتطلب الوقت والمال لاعادة بناء منزلي ولكن البيت ليس ذكريات فقط بل طريق حياتنا اليومية، فهذا البيت كان مفتوحاً أمام الناس اذ كان يقصده الزوار والأجانب واللبنانيين باستمرار، وعندما ترشحت للانتخابات البلدية كان المرشحون على لائحة "بيروت مدينتي" يزورونني، وأصدقائي الذين يحبون التراث كانوا يقصدون هذا المنزل. وعندما زار كارلوس غصن لبنان أمضى أول ليلة فيه. وأولادي أمضوا طفولتهم في هذا المنزل. نحافظ على الردم لأن الكثير من الواجهة مصنوعة من الرخام وبالتالي نحافظ عليها لنستخدمها لاحقاً. لا شك ان تكاليف بناء المنزل كبيرة ولكن في هذه المرحلة سيتم تدعيم الجدران والسقوف.

وأضافت:

- خلال الحروب كانت تتضرر أبواب المنازل او النوافذ ولكن لم يحصل ان تدمرت كلها. هذه منطقة سكنية لم تتعرض لدمار كما حصل في 4 آب (أغسطس)، أولادي يقيمون في أميركا وهم يشعرون بحزن كبير لأن لهم ذكريات كثيرة في هذا المنزل، ويقولون لي البلد لا يساعدنا بأن نرجع ونبقى هنا. طبعاً لأن الناس متعلقون بالتراث. أولادي لا يقيمون في لبنان ولكن عمري 54 سنة ومتعلقة بتراثي وبلدي ولن أتركها لأحد. اليوم بهذه الكارثة حياة كل انسان أهم من الأشياء المادية ولكن عندما أتحدث عن بيتي لا أتحدث عن الأشياء المادية لأنني خسرت ولكنني أتحدث عن نمط عيش فقدته لأنني عشت في هذا المنزل كما عاشوا زماناً اي كان بيتاً مفتوحاً للناس.

صاحب الأوتيل التراثي ARTHAUS نبيل دبس وأهمية الحفاظ على البيوت التراثية في بيروت

[caption id="attachment_80783" align="alignleft" width="250"] اودري ازولاي خلال جولة في قصر سرسق المدمر ويظهر معها كميل طرزي و رودريك سرسق كوشران وغريغوري بوشكاجيان[/caption]

أما شغف صاحب أوتيل ARTHAUS الأستاذ نبيل دبس بالتراث كبير، اذ عاد الى الوطن منذ 2009 لأنه أراد ان يتربى أولاده في لبنان. وعن اهتمامه بالتراث قال:

- نسعى في اوتيل (أرت هاوس) على اقامة معرض ولكن ليس بدافع الربح بل يهمنا الجانب الثقافي والتراثي، فالبيت الذي اشتريته حافظت عليه ورممته بطريقة لا يفقد شكله التراثي، ولحظة وقوع الانفجار كنت في الاوتيل ولكن الحمد لله لم يصب أحدنا بأي شيء. صحيح كان الانفجار كبيراً ولكننا سنصلح ما تدمر وسيعود أحسن من قبل وسنعود أقوى ولن نقبل بما يفرضونه علينا.

وعن حجم الدمار قال:

- كنا تقريباً نحضر لافتتاحية وكنا حاضرين وقدم الناس، وكنا جالسين وأحدهم أراد ان يدخن فخرجنا من الباب الخلفي للأوتيل الى الحديقة وما أن خرجنا حتى وقع الانفجار، فلو كنا بالداخل لما خرجنا أحياء لأن الواجهة الأمامية سقطت كلها مع البلكون والحجار في كل مكان تقريباً. صحيح أنني كنت صغيراً عندما بدأت الحرب اللبنانية ولكن منذ ذلك الوقت نقوم بردة فعل، وعندما تحصل انفجارات وما شابه كنا نركض الى الداخل لنختبئ في مكان آمن، فهربنا للاختباء في زاوية آمنة وكنا نرى النوافذ والزجاج يتطاير في الهواء وكأننا نشاهد فيلماً. الواجهة تضررت وهي مصنوعة من الحجار والرخام وقطعة من السقف تدمرت. وبالصدفة نجونا فالموظفون لم يكونوا في الاوتيل، والمدير نزل الى موقف السيارات وقتها لجلب بعض الأغراض وبالتالي نجا أيضاً لأن مكتبه تضرر بالكامل. وكما حصل معنا حصل مع الكثير من اللبنانيين اذ كلما تواصلت مع شخص يخبرني كيف نجا من الانفجار بالصدفة. البناء لا يزال صامداً لأنه بيت قديم، وقد تأثرت بنيته قليلاً، ومعنى ذلك ان البناء جيد وسنعيده للحياة. وفي اليوم التالي خرجنا الى الشارع ووجدنا الشباب يكنسون وينظفون الشوارع والأحياء ويساعدون الناس وهذا شجعنا ان لا نيأس لأن الشباب هم أمان وأمل البلد. وهذا جعلنا نقول إنه يجب ان نعطي الأمل ونعيد بناء المدينة مهما كان الوضع صعباً.

* هل تندم لأنك عدت الى لبنان وستبدأ من جديد ام لديك إصرار أكثر؟

- صحيح عشت تقريباً 30 سنة في الخارج ولكنني رجعت الى لبنان لأنني أردت ذلك اذ كان عملي جيداً في الخارج ولكن قررت العودة عن قناعة وسنبقى هنا، وما حصل الآن جعلنا نفكر اذا لم نتمسك بالوطن سنخسره. وفي اليوم نفسه ساعدنا الناس والجرحى على الطرقات وفي اليوم الثاني قمنا بالترميم ويحتاج تقريباً الأوتيل الى شهر وسنسرع باعادة بنائه ، ونحن بانتظار القرميد لبناء السقوف، والواجهة أصلحناها طبعاً وكانت التكاليف باهظة، ولكن الحمد لله لا يزال هناك أناس أوادم. مثلاً اشترينا القرميد بسعر مقبول جداً.

* هذه البيوت التراثية لها ذكريات وحكايات فكم هو مؤلم الا تعود هذه المناطق ذات الطابع التراثي؟

- علينا ان نحافظ على البيوت التراثية، وهناك أناس حاولوا استغلال ما حصل في  البيوت التراثية من تكسير وتحطيم جراء الانفجار وقالوا يجب تهديمها، ولكن نحن نعرف من الدراسات عن هذه البيوت أن أساسها متين ولا يجب ان تدمر بل يجب اعادة بنائها، فإذا خسرنا هذا التراث ليس لدينا تاريخ ولا شيء ومن يحاول ان يمحو تاريخنا سنشنقه. اقول هذا الكلام القاسي لأنه بداخلي غضب حتى في أيام الحرب لم أشعر بهذا الغضب كما اليوم. اليوم نريد ان نبني ونعيد إحياء مدينة بيروت ولكن بعدها سنحاسب المسؤولين وهذا الشرط لبقائنا في لبنان، وما حصل لا يجب ان يحصل مرة أخرى في البلد. وما يحزننا أكثر أننا لم نر مسؤولاً نزل الى الشارع وقال كلمة للناس الموجوعين والمتضررين من هذا الانفجار الذي هز لبنان كله. هم ليسوا فقط مجرمين بل ليس لديهم اي مسؤولية. انني انسان متوازن ولكنني أشعر بالقهر ولا أحد سيسامح على ما ارتكبوه بحق البلد. الغضب كبير لأن ما أصاب الناس مؤلم جداً. بيروت ستُبنى، فالبناء ليس صعباً ولكن قلة احترام الناس وتجاهل مآسيهم وأوجاعهم هو أصعب بكثير، فحتى في أسوء بلدان العالم لا نجد قلة احترام المواطنين كما يحصل عندنا في لبنان.