تفاصيل الخبر

العميل الفاخوري ينكء جراح زمن الإحتلال الإسرائيلي!

19/09/2019
العميل الفاخوري ينكء جراح  زمن الإحتلال الإسرائيلي!

العميل الفاخوري ينكء جراح زمن الإحتلال الإسرائيلي!

بقلم علي الحسيني

أثار دخول القائد السابق لمعتقل الخيام في زمن الإحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان عامر الياس الفاخوري إلى لبنان، موجة غضب كبيرة لم تنته ذيولها بعد على رغم إمساك القضاء العسكري اللبناني بالملف وإخضاع الموقوف لتحقيقات مُكثّفة ما زالت قائمة حتّى الآن. واللافت أن الفاخوري الذي خضع على الفور لتحقيق لدى الأمن العام اللبناني بعد توقيفه في مطار رفيق الحريري الدولي ومن ثم احالته الى القضاء المختص بناء لإشارة من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، قد فتح توقيفه الباب على مصراعيه أمام قضايا عديدة تتعلق باللبنانيين الذين كانوا فروا إلى اسرائيل بعد إنسحاب الاخيرة في العام 2000.

عودة الفاخوري تتفاعل في كل الاتجاهات!

تفاعلت قضية عودة العميل للعدو الإسرائيلي عامر إلياس فاخوري إلى بيروت منتصف الاسبوع الماضي واثارت استنكاراً وغضباً، ونفذت وقفة احتجاجية أمام قصر العدل، وطالب المشاركون والناشطون والاسرى السابقون بمحاكمته حيث انه كان مسؤولاً عسكرياً عن معتقل الخيام وعن تعذيب الاسرى. فالرواية تقول إنه أثناء وصول الفاخوري الى مطار بيروت، تبيّن لدى عنصر الأمن العام الذي يعمل كمكلف بتدقيق جوازات السفر للقادمين من الخارج، أن حامل الجواز السفر الأميركي عامر الياس الفاخوري، مطلوب للتوقيف في لبنان. وبعد مراجعة العنصر المكلف المسؤولين تبيّن أن قرار التوقيف بحق الفاخوري قد تمّ سحبه منذ فترة. وعلى اثرها سُمح للفاخوري بدخول الأراضي اللبناني حيث كان بانتظاره ضابط في الجيش برتبة عميد، رافقه إلى مقر الأمن العام من اجل تسوية أوضاعه.

من جهتها، أعلنت المديرية العامة للأمن العام أنها نتيجة التحقيق مع عامر الفاخوري اعترف بتعامله مع العدو الإسرائيلي والعمل لصالحه، كما اعترف انه استحصل بعد فراره عام 2000 إلى داخل فلسطين على هوية إسرائيلية وجواز سفر إسرائيلي غادر بموجبه الأراضي الفلسطينية، مشيرة إلى أنه بعد انتهاء التحقيق معه أحيل إلى النيابة العامة العسكرية استناداً إلى إشارة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس. وإذا كانت النصوص القضائية تُسقط جرم فعلة الفاخوري بعد عشرين عاماً من الزمن، فإن الأفعال الاجرامية في سجله لن تسقط من نفوس الأسرى وذوي الشهداء ما لم يلقَ جزاء ما اقترفت يداه الملطختان بالدماء. من هنا نظّم الأسرى المحررون من معتقل الخيام وقفة احتجاجية أمام قصر العدل في بيروت يوم الخميس الماضي رفضاً للتساهل مع عملاء الاحتلال الاسرائيلي والتغطية على جرائمهم بحق أهلنا وطالبوا بتوقيف ما أسموه <جزارالخيام> عامر الفاخوري ومحاكمته.

من يقف وراء اتهامات الجيش؟

لم يكد يمر وقت قصير على إعلان توقيف الفاخوري، حتّى نُشرت صورة على مواقع التواصل الإجتماعي تضم الفاخوري إلى جانب قائد الجيش العماد جوزف عون، وكأن من نشر الصورة كان يتقصد استهداف المؤسسة العسكرية أو التشكيك بنزاهتها، في هذا التوقيت أصدرت قيادة الجيش اللبناني - مديرية التوجيه بياناً ردّت فيه على الصورة المتداولة على مواقع التواصل الإجتماعي، وجاء في بيان الجيش: تداول بعض مواقع التواصل الإجتماعي صوراً لقائد الجيش العماد جوزيف عون تجمعه مع الموقوف العميل عامر الياس الفاخوري. يهم قيادة الجيش أن توضح بأن هذه الصور قد تمّ التقاطها خلال زيارة العماد عون إلى الولايات المتحدة الأميركية في تشرين الأوّل من العام 2017، خلال حفل استقبال عام أقامته السفارة اللبنانية على شرف العماد عون، حيث قام المدعوون بالتقاط صور إلى جانبه ومن ضمنهم العميل فاخوري، علماً أن لا معرفة شخصية تجمعه مع قائد الجيش.

وكشفت مصادر عسكرية أن تسريب صورة تجمع قائد الجيش بالعميل الفاخوري، واستخدامها في هذا التوقيت بالتزامن مع تفاعل الرأي العام مع قضية <جزّار الخيام> إنما يأتي بشكل مفضوح لا لبس فيه في إطار مسلسل الاستهداف الممنهج الذي تشنه منذ فترة جهات سياسية على قائد المؤسسة العسكرية بهدف تقويض حظوظه في المعركة الرئاسية المقبلة. أما في ما خصّ موضوع العميد الذي تم إخضاعه للتحقيق لمرافقته الفاخوري إلى مركز الأمن العام في المطار، فقد أوضحت المصادر أن هذا العميد رافقه بحكم صلة القربى البعيدة. وبالتزامن أكد بيان قيادة الجيش أنها تعمل على معالجة هذا الموضوع بالأطر والطرق القانونية المناسبة.

السؤال هنا: إذا كانت قضية الفاخوري تعالج في الأطر القانونية البحت، فمن استخدم هذه القضية كمنصة لاطلاق النار السياسية على قائد الجيش وعلى مدير المخابرات؟ هل القضية عفوية غير مرتبطة بأي سياق؟ الموضوع بكل تأكيد أبعد من ذلك لكن التحقيقات الجارية من شأنها أن تظهر الحبة من القبة. وفي معرض دفاعه عن المؤسسة العسكرية وقائدها، أكد وزير الدفاع الوطني الياس بوصعب أن نشر صورة قائد الجيش مع العميل عامر الفاخوري لن يمسّ بوطنية الأول أو بمعنويات الجيش البطل، موضحاً أن كل شخصية عامة معرضة لالتقاط صور معها في المناسبات الرسمية ولا أحد يطلب سجلاً عدلياً قبل التقاط الصور مع المواطنين.

اتهام رئيس <الكتائب>.. ونشرة الفاخوري نظيفة؟

إلى جانب الصورة التي نُشرت والتي جمعت قائد الجيش مع الفاخوري، تم أيضاً نشر صورة على مواقع التواصل الإجتماعي، تضم رئيس حزب <الكتائب> النائب سامي الجميل والفاخوري، الأمر الذي اعتبره البعض أن الفاخوري نفسه كان يتحضر لهذه اللحظة أي دخول لبنان، فكان أن قام بكل هذه الأمور من أجل التغطية على عمالته ولإضفاء نوعاً من الشرعية على زيارته لبنان، مرة من البوابة العسكرية، ومرة من البوابة السياسية وتحديداً المارونية. وفي السياق أكدت مصادر <كتائبية> أن الفاخوري ومجموعة اخرى أرادوا إلتقاط صورة مع النائب الجميل أثناء لقاء له مع الجالية اللبنانيّة في أميركا العام 2014، وهو بالطبع لا يعرف هوية كل منهم، مؤكدة أن أي شخصية سياسية لبنانية، لا يُمكن أن تطلب من اللبنانيين في بلدان الإنتشار، ابراز هوياتهم لكي تتعرف عليهم قبل التقاط الصور معهم.

في السياق كشفت مصادر متابعة لملف الفاخوري، أن الأخير دخل إلى لبنان من خلال جواز سفره الأميركي الذي استحصل عليه بعد مغادرته الولايات المتحدة الاميركية منذ العام 1998، وقد قرر العودة إلى لبنان بعد تسوية محاميه لوضعه منذ أشهر أمام النيابة العامة العسكرية التي وافقت اسقاط الاحكام عنه بمرور الزمن وذلك بناء على المادة الـ2/168 التي تنص على أن مدة مرور الزمن هي ضعف العقوبة ولا يمكن أن تتخطى العشرين سنة، لكن عند وصوله إلى المطار تبين للامن العام أن نشرته القضائية نظيفة رغم ادراجه على قائمة العملاء وعلى هذا الاساس حجز جواز سفره وطلب منه مراجعة الامن العام لاسترداده وعند المراجعة تم توقيفه.

في المقابل أوضحت مصادر عسكرية أنه في العام 2014 صدر القرار رقم 10 عن مجلس الوزراء بإبطال كل وثائق الاتصال والاخضاع والبرقيات 303 بسبب ما رافقها من موجات اعتراض لاسيما في الشارع السني، لذلك في العام نفسه أسقطت النيابة العامة التمييزية برئاسة القاضي سمير حمود كافة وثائق الاتصال والاخضاع ولكن الجيش اللبناني ظل يعتمدها في حالات معينة لضرورات أمنية فطلب منه المجلس الاعلى للدفاع في 1/10/2017 تخفيف الملاحقات بموجب الوثائق قدر الامكان وطلب تشكيل لجنة من وزارات الدفاع والداخلية والعدل لتنظيم الاجراءات. ولكن بسبب عدم تفعيل عمل هذه اللجنة وضع الجيش معايير معينة تسمح بشطب البرقية متى اقتضت مصلحة لبنان، أي إذا كان الشخص قد ترك جيش لحد قبل الـ2000 وإذا كان عائداً من بلد آخر وليس من فلسطين المحتلة مباشرة وألا يكون قد شارك بقتل المقاومين أو المدنيين وذلك من باب تشجيعهم على العودة للتأكد من كل المعطيات الامنية المحيطة بملفاتهم على ان يأخذ القضاء مجراه.

 

البرقية 303.. وموقف القضاء!

ينفض الجيش اللبناني تماماً، يده من الاتهام بالتورط في تنظيف البرقية 303 التي تضم أسماء مطلوبين خطيرين في مجالي العمالة لاسرائيل والتعامل مع الإرهاب. هذا مع العلم أن المؤسسة العسكرية، ترفض رفضاً قاطعاً أن يتم وضعها في إطار الشبهة في مثل أمور كهذه، وهي المؤسسة المعروفة بأنها دفعت الغالي والنفيس على طريق مكافحة العمالة للعدو الإسرائيلي في زمن الحرب والسلم. لكن الحديث الدائر في الصالونات السياسية، يدل على حصول تعديل طاول البرقية 303 مثل سعي بعض المتنفذين السياسيين إلى سحب 60 عميلاً تم إدارج أسمائهم ضمن البرقية وبالتالي تنظيف سجلاتهم.

وفي السياق أكدت مصادر قضائية أن المسار القانوني والقضائي لقضية الفاخوري قد سلك طريقه السليم، لكنه لا يزال بحاجة إلى المزيد من الضغط والمتابعة الدؤوبة، مشيرة إلى أن ما يبقى عالقاً هو قضية شطب اسم الفاخوري من البرقية 303. وتحدثت معلومات عن وجود برنامج عمل يقضي بإسقاط أسماء العملاء من البرقية المذكورة والتذرع بقرار أصدرته الحكومة عام 2014 والمجلس الأعلى للدفاع عام 2017، لافتة إلى أن إسقاط الأسماء يكاد يكون مقتصراً على العملاء ولا يشمل آخرين كالمطلوبين والمشتبه فيهم بجرائم الإرهاب. ورأت عودة الفاخوري إلى لبنان من دون توقيفه أمر قانوني مئة في المئة، موضحة أن الجرم الذي ارتكبه سقط بمرور الزمن، فالحكم صدر عن المحكمة العسكرية في عام 1998، وأدانه بجرم التواصل مع إسرائيل، لكن مع مرور 20 عاماً عليه يسقط الجرم حكماً.

وذكرت معلومات صحافية أن بعض الذين ارتكبوا مخالفات أو جنحاً بسيطة منذ ثلاثة عقود، لم تُحذف أسماؤهم عن النشرة الجرمية، رغم شمولهم بقانون العفو العام الصادر في عام 1991، ولم تنظّف سجلاتهم إلا بعد مثولهم أمام القضاء وتسوية أوضاعهم، لافتة الى أن عودة شخص بهذه الخطورة الجرمية، وسحب المذكرات القضائية الصادرة بحقه يعني أنه جرى ترتيب وضعه قبل عودته لتجنيبه قرار التوقيف والملاحقة.

 

<جزّار الخيام> يُشعل موجة غضب واستنكار!

تصدر هاشتاغ <جزّار الخيام> قائمة أكثر الهاشتاغات انتشاراً في لبنان حاصداً أكثر من 11 ألف تغريدة عبر من خلالها المستخدمون عن استيائهم من عودة الفاخوري الذي وصفوه بـ<أشهر العملاء> مع الجيش الإسرائيلي أثناء وجودهم في لبنان. البعض رأى أن التوقيت المريب والدخول المعيب لجزار الخيام والعميل كفيلان بتبيان حقيقة البلد الذي نعيش فيه. وسأل هذا البعض: معقول كانت أعماله حرية رأي ووجهة نظر سيادية؟ معقول نحن في دولة تحافظ على ما يجب أن يكون وطناً للشرفاء والأحرار أمثال جزارالخيام؟ إلى القضاء والعقاب الذي يرضي الشعب. وقال آخرون: <ما في بيت بالجنوب إلا وعانى من إجرام عملاء إسرائيل بحقنا فنحن أولياء الدم وأي حدا بيتهاون بقضية جزارالخيام عامر الفاخوري بكون شريك معو وما حنسكت لأية جهة سياسية بدها تغطّي>.

من جهته قال النائب هاني قبيسي: لو كان للعميل أن ينتسب، لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وابنتي البطالة، ووطني الخراب، وعشيرتي الجهالة، إن مصير خائن الوطن يجب أن يكون الإعدام فهو من باع ضميره ووجدانه وأدار ظهره لوطنه ولأبناء جلدته. وقالت الإعلامية ديما صادق: <عامر الفاخوري .. يا أحقر المخلوقات، ما زال الرعب الذي كان يبثه لفظ اسمك يرن في أذني، يا حارس الجرائم ضد الإنسانية في معتقل الخيام، تبت يداك>.

وأيضاً انضم موقع <العهد> الاخباري الذي يعرف عن نفسه بأنه منصة اعلام رسمية تابعة لحزب الله الى مهاجمي عودة فاخوري، رغم أن نواب الحزب كانوا من النواب الذين وقّعوا على قانون لإعادة الفارين الى اسرائيل في العام 2012، والذي يشترط محاكمتهم بعد عودتهم. وقال موقع <العهد> عبر حسابه على موقع <تويتر>: <الى عملاء اسرائيل رسالة لبنانية واضحة ومدوية: انتم تافهون ولا تنتمون الى هذه الأرض>. وأرفقت التغريدة بصورة كتب فيها: <مطرحكن مش عنا، برّا يا عميل>.

 

توقيف الفاخوري يفتح باب الفارين!

أعاد توقيف الفاخوري التذكير بالعملاء الذين كانوا فرّوا باتجاه الأراضي الإسرائيلية إبّان اندحار العدو الإسرائيلي من الجنوب في العام 2000. ومن نافل القول إن جزءاً كبيراً من الذين فروا يومها، كانوا صغاراً اضطرتهم الظروف العائلية بأن يكونوا في عداد الفارين. وضمن هذا الخط، يسعى اليوم <التيّار الوطني الحر> لإصدار عفو عام عنهم وإعادتهم إلى لبنان. فقد أعلن رئيس <التيار> الوزير جبران باسيل خلال زيارته الأخيرة إلى جنوب لبنان، وهي زيارة تمت برعاية كاملة من حزب الله، أن قضية <المبعدين اللبنانيين> يجب أن تنتهي.

الصحافي حازم الأمين ينقل عن صحافيين عرباً يعملون في إسرائيل أن جزءاً كبيراً من الجالية اللبنانية في إسرائيل، وهي التسمية التي يرغبون بها، لا يريد العودة إلى لبنان، لاسيما وأن جيلاً جديداً تشكل بينهم في الفترة التي أمضوها في إسرائيل، وكثيرون منهم حصلوا على الجنسية الإسرائيلية وبعضهم يخدم في الجيش، وهم على احتكاك بالفلسطينيين. يبلغ عددهم اليوم نحو ٣ آلاف، بعد أن كان عددهم حين غادروا لبنان نحو ٨ آلاف. وغالبيتهم لا تعتبر أن لبنان جهة العودة المفضلة، اذ يفضلون عليه بلداً كاستراليا التي غادر إليها مئات منهم، وذلك لأسباب أمنية واقتصادية بحسب ما نقل عنهم أحد الكهنة الذين كلفتهم الكنيسة المارونية رعايتهم. وفي المعلومات أيضاً أن بين ٢٠ و٣٠ شخصاً منهم يخدم في الجيش الإسرائيلي.

ويرى أن هذه المعطيات تدفع إلى التدقيق بحقيقة مبادرة العونيين في لبنان إلى فتح هذا الملف، ذاك أننا حيال مجموعة لا تمثل ثقلاً عددياً، وأوضاع أفرادها ملتبس بين أجيال المغادرين الأولى ممن لم يرغبوا بالعودة في مراحلها الأولى، وبين أجيال نشأت في إسرائيل ومن المرجح أنها لا ترغب اليوم بالعودة، هذا إلى الراغبين منهم بمغادرة إسرائيل ولكن ليس إلى لبنان، وهم الأكثرية.