بقلم حسين حمية
لا يزال الفراغ الرئاسي سيد الموقف منذ أكثر من مئتي يوم، ويبدو أن سنة 2014 سترحل بدون انتخاب رئيس جديد للجمهورية طالما أن مواقف الأطراف المعنية لا تزال على حالها. ومبادرة رئيس تكتل التغيير والإصلاح الأخيرة التي اقترح فيها التفاهم، حرصاً على الجمهورية ستكون كسابقاتها عندما اقترح حصر المنافسة بينه وبين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أو الأخرى عندما دعا لانتخاب الرئيس من الشعب لتفادي النصاب الدستوري وهو 86 نائباً.. فماذا يقول المعنيون في تكتله؟
<الأفكار> التقت عضو التكتل الدكتور فريد الياس الخازن داخل مكتبه في مجلس النواب وحاورته على هذا الخط، بالإضافة الى الشؤون والشجون الأمنية، لاسيما ملف خطف العسكريين على يد الجماعات الإرهابية بدءاً من السؤال:
ــ مضى أكثر من مئتي يوم والفراغ الرئاسي سيد الموقف. فهل بات هذا الاستحقاق رهينة التوافق الإقليمي الدولي بعدما تعذر تفاهم الأطراف الداخلية؟
- الاستحقاق الرئاسي الحالي يخضع لاعتبارات مختلفة عن الاستحقاق زمن التسعينات أو حتى عام 2008. وبدون شك لأطراف الداخل موقعها ودورها، والخارج لديه اهتمامات بقضايا أخرى أكثر إلحاحاً وأهمية من الوضع اللبناني. وهنا نصل الى الدائرة المسيحية تحديداً ونقول إن انتخاب الرئيس في المراحل السابقة كان يتم في لحظة، لأن القرار يأتي من الخارج، ففي التسعينات كان تنفيذ الأمر بقرار سوري، وفي عام 2008 كانت هناك معادلة الدوحة، واليوم نعود الى توازنات السياسة اللبنانية بتفاصيلها الداخلية، في وقت نجد فيه أن المكوّن المسيحي كان مهمّشاً في المرحلة السابقة ولا دور ولا موقع له، ولكن الأمر اليوم اختلف سواء بالنسبة للعماد ميشال عون أم بالنسبة للأطراف المسيحية الأخرى. وما جعل هذا الأمر من الثوابت هو دور العماد عون تحديداً، لأن الطامحين الآخرين أعطاهم موقف العماد عون قيمة مضافة لهذا الوضع، وأعطى شرعية الى حدٍ ما للموقع المسيحي عموماً، وبالتالي فالعودة الى الحركة السياسية اللبنانية وتوازناتها مكلفة سياسياً بدون شك وأدّت الى تأخير انتخاب الرئيس، لكن في الظروف العادية فكل استحقاق يستلزم وقتاً إضافياً سواء تشكيل الحكومة أو غير ذلك نظراً للتوازنات القائمة التي لا يمكن إلغاؤها وتهميشها. ونصل هنا الى موضوع العماد عون تحديداً، ويبدو واضحاً أنه بعد الحوار الذي جرى مع تيار <المستقبل> لم ينتج ذلك توافقاً على الرئيس لكنه أعطى إيجابيات.
<الفيتو> ضد عون
ــ هنا نسألك: هل صحيح ان هذا الحوار وصل الى نقطة تفاهم حول الرئاسة ومن ثم حصل <فيتو> على شخص العماد عون بتأثير خارجي وتحديداً سعودي؟
- هذا صحيح، فالأجواء بين الرئيس الحريري والعماد عون كانت إيجابية جداً وحصل كلام واضح بأن الرئيس الحريري لا يمانع في وصول العماد عون الى الرئاسة، حتى لو لم يؤيده بشكل واضح، وعندما وصلت الأمور الى نقطة محددة من التفاهم لكي يكون العماد عون رئيساً حصل استنفار شديد من قوى 14 آذار ومن ضمنها تيار <المستقبل> ومن السعودية أيضاً، لوضع حد لهذا التفاهم الذي قطع مسافة طويلة، وحصل أيضاً تجييش لموقف معارض لهذا التفاهم من قبل 3 دوائر بدءاً من تيار <المستقبل> في الداخل وموقف الرئيس فؤاد السنيورة واضح في هذا الموضوع والمناخ المحيط به، والقوات اللبنانية خصوصاً، والمملكة العربية السعودية. وكان الصوت المعارض هو الأعلى.
ــ ماذا عن مبادرة العماد عون الحالية؟
- سبق للعماد عون أن طرح انتخاب الرئيس من الشعب، فلم يرحب أحد بذلك، رغم أن هذا اقصى عمل ديموقراطي، فالوسيلة الأفضل أن يتنافس ميشال عون وسمير جعجع لأنهما الأقوى مسيحياً وهذا الأمر أيضاً لم يتجاوب معه أحد الى أن وصلنا الى السؤال الكبير المطروح وهو: ما سبب <الفيتو> على العماد عون؟ قد نتفهم سبب <الفيتو> المسيحي حيث لا نتوقع قبول القوات أو الكتائب بالعماد عون، لكن <الفيتو> غير المعلن من الأطراف، ما هو سببه؟
ــ يقولون إن السبب هو رفض العماد عون لاتفاق الطائف، والسعودية كانت عرابة الطائف؟
- مهما كان رأي العماد عون باتفاق الطائف، فهذا الاتفاق أصبح دستور البلاد ولا يتغير بقرار يصدره رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو رئيس المجلس أو أي وزير، وإذا كانت الأسباب الأخرى هي تحالف العماد عون مع حزب الله، فالعماد عون ذاته كان متخاصماً مع حزب الله عام 2005، وكان <الفيتو> موجوداً ضده، وبالتالي فالعماد عون مرفوض من هذا <الفيتو> سواء تحالف أم لم يتحالف مع حزب الله، ولذلك نسأل: أليس موقع الرئاسة الأولى يشبه موقعي الرئاستين الثانية والثالثة مع وجود الأقوى في الطوائف الأخرى؟.. فحماية لبنان مع الوضع الملتهب في المنطقة لا تأتي إلا عبر الأقوياء.
تحالف الأقوياء
ــ يعني السيبة التي تحدث البعض عنها أي العماد عون، الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري؟
ــ صحيح، فأنا مقتنع بأن حماية لبنان تتأمن من خلال الأقوياء بتمثيلهم النيابي والشعبي، خاصة وأننا نواجه مخاطر جمة وكبيرة، لاسيما وان الدول المحيطة بنا تنهار خاصة سوريا والعراق والصراع المذهبي بلغ مداه وهو يتفاقم، بالإضافة الى بروز المجانين الجدد وهم الجماعات الإرهابية حيث لا حدود لعنفهم ولا ضوابط ولا روادع معنوية ولا أخلاقية ولا دينية، وبالتالي فالمخاطر كبيرة ونحن دولة صغيرة وسط هذا المحيط المتفجر.
ــ البعض يقول إن الكرة في الملعب المسيحي، وحزب الله يقول: إسألوا العماد عون، و<المستقبل> يقول: ليتفق المسيحيون على مرشح واحد. فهل لا تزال حرب الإلغاء قائمة اليوم سياسياً في الوسط المسيحي؟
- سواء اتفق المسيحيون أم لا، فالأمر هو نفسه.. فهل إذا لم يتفق كل السنّة مثلاً لا يصبح الحريري رئيساً للحكومة؟ فهناك تعددية في الوسط المسيحي، ولو كان المسيحيون فريقاً واحداً لكان هناك خطر أكبر على البلد لأن من يحفظ الاستقرار اليوم بين السني والشيعي هو الوجود المسيحي، ولو كان لبنان مثل سوريا والعراق، لكانت الحرب واقعة حتماً.
ــ ألا يفترض أن يتفق المسيحيون ويكونوا الجسر والمصلح بين السنّة والشيعة؟
- كل واحد من خلال موقعه يكون الجسر والمصلح، وإذا كان هذا الأمر شرطاً مسبقاً فهذه طريقة للهروب الى الأمام لأن المسيحيين قرروا أن العماد عون لديه أكثر من 50 بالمئة من التمثيل المسيحي، أي الأكثرية، وكل المسيحيين الآخرين لديهم الباقي، لماذا لا تطبق هذه الطريقة إلا على الطوائف الأخرى؟ ففي مرحلة الوصاية السورية كان المسيحيون غير موجودين في موقع القرار، لا بل كانوا مهمشين سواء في مرسوم التجنيس أم في قوانين الانتخاب، وكانت الجماعات الأخرى تقيم حساباتها على أساس أن سوريا موجودة وهم أيضاً، واليوم خرجت سوريا وبقوا هم، وفجأة حصل <التسونامي> العوني سواء بالحصول على التمثيل المسيحي أو بالتحالف مع حزب الله، فقامت القيامة، وتصدوا له في الحكومة عام 2005 ولم يمثلوه رغم أنه حصل على 70 بالمئة من أصوات المسيحيين وحصل التحالف الرباعي آنذاك، ومن ثم كانت الهجمة على تحالفه مع حزب الله، لكن ما نراه انهم يتحالفون ويتحاورون مع حزب الله، وساعة يريدون يصبح حزب الله جيداً ويمثل شريحة من المواطنين، وساعة يريدون يتحول الى حزب السلاح، لكن مع العماد عون <الفيتو> شغّال على طول، وبالتالي، فقد تعودوا على تقاسم <قالب الكاتو> وخرجت سوريا من المعادلة على أن يكملوا مع بعضهم البعض، وأرادوا أن يضعوا الزعيم المسيحي الأول خارج المعادلة، لكن لا تستقيم الأمور بهذا الشكل..
وتابع يقول:
- أما عن حرب الإلغاء المسيحية، فهي تنافس ديموقراطي وهذا هو الوضع الطبيعي خاصة وان نظامنا ديموقراطي وكان قائماً قبل الحرب على التنافس داخل الطوائف، وبالتالي عندما يتعطل هذا التنافس يتعطل النظام، واليوم هذا التنافس مستمر عند المسيحيين وهذه علامة جيدة، لكن عند الآخرين تعطل وحصل احتكار للتمثيل، ولذلك نجد أن النظام أصبح برؤوس قليلة ولم يعد ديموقراطياً نتيجة عدم التنافس داخل الطوائف الأخرى.
مبادرة عون
ــ كيف تفسر الطرح الاخير للعماد عون عندما قال انه مستعد للتفاهم شرط الحفاظ على الجمهورية. فهل يصوب على تعديل الطائف مقابل التخلي عن الترشيح؟
- لا أبداً، ليس هذا المطروح، فالعماد عون لا يزال مرشحاً ولم يتراجع عن ذلك، وكل الأطراف متفقون أن هناك أزمة على مستوى النظام السياسي ونراها عند تشكيل الحكومات وفي موضوع المهل وفي أوجه عديدة، وهذا أمر مطروح وسبق للرئيس السابق ميشال سليمان أن طرح قبل انتهاء ولايته جردة كاملة بالإصلاحات على هذا الصعيد وهي في محلها، ولذلك فهذا الموضوع مطروح ولا يخلقه العماد عون ولا يريد الانقلاب على اتفاق الطائف الذي أصبح دستور البلاد، والمسألة الخلافية في اتفاق الطائف كانت حول موضوع السيادة والقرار الذي كان مصادراً بالكامل، وبالتالي فالعماد عون لا يضع تعديل النظام على الطاولة ويريد تغييره، إنما يقول إن المسائل مطروحة لاسيما بالممارسة في موضوع الفساد، خاصة واننا نكتشف كل يوم مغارة علي بابا في قطاع معيّن، وإذا كانت كل القطاعات والوزارات قد تم تسليط الضوء عليها، فلا أستبعد أن الفضائح ستطال الكل.
ــ ما حدود مبادرته إذاً؟
- يقول العماد عون: طالما لم يقبلوا بانتخاب الرئيس من الشعب والاحتكام إليه، وإذا أردنا تصديق الكلام الصادر عن البعض بخصوص الميثاقية واحترامها والحفاظ عليها فهناك مرشحان قويان مسيحياً هما: العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، ولذلك لا بد من اعتماد وسيلة لو لم تكن ديموقراطية بالكامل للاختيار بينهما، وإلا يمكن الذهاب الى مجلس النواب وانتخاب شخص ثالث لا يملك أي حيثية أو أي تمثيل، وآنذاك لا نصدق الذين تحدثوا عن الميثاقية لأنهم لا يتكلمون بصدق.. فهذه هي الوسيلة المتاحة لإيصال مرشح رئاسي لديه تمثيله، وهو المعيار الذي ينطبق على الطوائف الأخرى ولا نخترع معياراً جديداً، لذلك فهذه هي الوسيلة المتاحة وحدها، رغم أنها ليست الفضلى ديموقراطياً وإلا فكل الكلام الذي يصدر حول الميثاقية هو مجرد مواربة والتفاف حول الموضوع. ومع احترامنا للمرشح هنري حلو، هل لديه تمثيل يوازي العماد ميشال عون وهو تابع لفريق آخر بالكامل؟
- ماذا عن ترحيب الدكتور سمير جعجع بكلام العماد عون واستعداد الاثنين للحوار واللقاء. فهل ينسجان اتفاقاً؟
- أعتقد أن هذا الكلام لا يزال في إطار التمني ويتداول في الإعلام فقط، وليس جدياً تماماً كما بالغ الإعلام بالحوار بين حزب الله و<المستقبل> الذي سيقتصر إذا حصل على تنفيس الاحتقان السني - الشيعي لا أكثر.
بكركي وحدود دورها
ــ ماذا عن دور بكركي لجهة جمع الأقطاب الأربعة الكبار.. فهل من الممكن أن يصلوا الى تفاهم رغم أنه سبق وتفاهموا ونقضوا تفاهمهم؟
- أعتقد أن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ليس في هذا الوارد، إلا إذا كانت هناك نتيجة للقاء، إذ لا يمكن أن يُقدم على خطوة لا توصل الى نتيجة، إلا إذا كانت هادفة وتؤدي الى حلول وألا يكون رفع السقف وأعطى الأمل للناس بدون طائل، وإذا حصل الاجتماع ولم يصل الى نتيجة يتراكم الفشل أيضاً..
ــ ماذا عن دور الخارج لاسيما وأن هناك موفدين روسياً وفرنسياً ومعاودة للمفاوضات الإيرانية - الغربية. فهل من حلول أم ان الاستحقاق مؤجل الى السنة المقبلة؟
- هناك ملفات في المنطقة أهميتها أكبر بكثير من الملف اللبناني، فالخارج العربي والأجبني مهتم بهذه الملفات وبعض التفاهمات تمر في لبنان كطريق فرعية، لكنها ليست أوتوستراداً، والمفاوضات النووية ملف كبير، وهناك رغبة عند الطرفين الأميركي والإيراني بالوصول الى نتيجة ما، وإذا حصل ذلك فهذا الأمر يخلق مناخات إيجابية بالنسبة للعلاقة السعودية - الإيرانية أو بالنسبة للأزمة في سوريا، لكن المناخات الإيجابية قد لا تترجم بالضرورة في اتفاق لبناني حول الاستحقاق الرئاسي. ومن هنا أرى أن أطراف الداخل لديهم موقع ودور أكثر من أطراف الخارج بالنسبة للاستحقاق الرئاسي، وسقف الخارج هو عدم تحويل لبنان الى ساحة حرب وتأمين الاستقرار فيه، وبالتالي فالرئاسة تنتظر التوافق الداخلي واحترام التوازنات القائمة، إذ لا يمكن اليوم تجاوزها، وبالتالي فالعماد عون هو معبر إلزامي للتفاهم.
ــ كيف تنظر الى ملف العسكريين المخطوفين ومبدأ المقايضة التي يقول البعض إن وزراء التكتل يقفون ضدها؟
- للأسف، هناك حالة فوضى عارمة تعم في هذا الملف رغم أن أرواح الناس معرضة للخطر، والخطأ الأساس حصل في مرحلة التفاوض الأولى عندما تم الاتفاق عبر هيئة العلماء المسلمين على انسحاب المسلحين وتحرير الأسرى، وخرج المسلحون أمام أعين الجيش والسلطة وأخذوا معهم الرهائن واحتفظوا بهم، ولو حصل الأمر في دولة أخرى، لكانت المؤسسات سقطت واستقال كثيرون، والفضيحة الثانية هي الفوضى في متابعة الملف ووجود أكثر من مفاوض وقنوات متعددة، وكل جهة تفاوض وحدها، ناهيك عن خطأ آخر هو الحديث عن نقاط القوة لدى الدولة التي إذا تحدثت بها وكشفتها ترتد سلباً عليها، وبالتالي فالسرية كانت ضرورية وكان يجب استعمال نقاط القوة بدون التلويح بها في الإعلام، ناهيك عن أن الوساطة القطرية أظهرت أنها وهْم لنعود اليوم الى طرح تكليف هيئة العلماء المسلمين من جديد، وهي المسؤولة أصلاً عن الأزمة.
وأضاف:
- لذلك فالقضية مأساوية وعلى الدولة أن تحسم أمرها وأن تحدد ما إذا كانت قد كلفت اللواء عباس إبراهيم بمتابعة الملف أم لا علماً ان أكثر الناس الذين تعاطوا باحتراف وجدية ومعرفة عميقة بالموضوع حتى انه يلتزم الصمت والسرية، ولديه الخبرة والرصانة، في وقت نسمع أن وزيراً يفاوض ونائباً آخر، والأهالي يقومون بالتفاوض أيضاً ولا نلومهم، لكن الفوضى لا تجوز في إدارة هذا الملف، كما لا بد من استعمال نقاط القوة، وإذا بقيت خلية الأزمة على فشلها، لا بد من اعتماد أسلوب آخر والتوقف عن المزايدات الإعلامية والبازار السياسي القائم.