بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_81136" align="alignleft" width="444"] الخزانة الأميركية تنتقل الى خنق حلفاء "حزب الله"[/caption]في وقت تُحاصر فيه المحاصصة والتسويات حكومة الرئيس المكُلف مصطفى أديب، وتمنعه من تشكيل حكومته على الطريقة التي يرى فيها الأفضل للذهاب نحو الإصلاحات وتنفيذ الوعود الداخلية والخارجية، فاجأت الولايات المتحدة الأميركية اللبنانيين بحصار مالي جديد من خلال عقوبات جديدة على مسؤولين سياسيين وليس على أفراد من "حزب الله"، هما الوزيران السابقان علي حسن خليل المحسوب على رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويوسف فنيانوس المحسوب على رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية.
ضرب الاعتدال الشيعي والماروني
[caption id="attachment_81138" align="alignleft" width="311"] الرئيس نبيه بري والوزير السابق سليمان فرنجية..ضرب الاعتدال[/caption]
هي ضربة قاسية تلقاها محور المقاومة في لبنان عشية تأليف الحكومة العتيدة من خلال العقوبات التي فرضتها أميركا على طرفين أساسييّن في المحور هما: حركة "أمل" و"المردة"، مع ما يُشكل هذان الفريقان من اعتدال قياساً مع نظرة بلاد العم سام إلى كل من "حزب الله" الشيعي و"التيّار الوطني الحر" الماروني. وهو الأمر الذي فسّره البعض على أنه ضربة تستهدف الاعتدال في لبنان خصوصاً أن لا حرب سياسية على الأقل بين الأميركي وبين الحزبين اللذين ينتمي اليهما خليل وفنيانيوس والمعروفين بمواقفهما الاعتدالية والبعيدة كل البعد عن المواقف الهجومية والتصعيدية تجاه الغرب وتحديداً أميركا. ووفق مصادر سياسية فمن غير المستبعد إزاء هذه "الطعنة" الأميركية، أن يعيد فريق 8 آذار خلط الأوراق وترتيب صفوفه لمواجهة المخطط الأميركي الذي يستهدفه. فتعود أطرافه مثلاً لتتمسّك بحكومة من الصنف السياسي الواضح، فيها تمثيل وازن لـ"حزب الله" وحلفائه، مع إصرار على إبقاء المالية مع فريق "أمل" والأشغال مع المردة، و"الطاقة" مع التيار الوطني الحر، والصحة مع" حزب الله"، في تحدّ للموقف الأميركي، تعلن فيه ايضاً أنها في حلّ من التفاهم الذي أبرمته مع باريس التي لم تكن على قدر رهاناتهم ولم تقِهم "السيف" الأميركي. كما أنه في المقابل، يمكن لهذه العقوبات، أن تقلّم أظافر الجميع وتعيدهم الى "بيت الطاعة" وأن تسهّل أكثر عملية التشكيل. فالعقوبات التي طالت الوزيرين السابقين، مفتاحيّ العلاقة بين الحزب وحركة "أمل" والحزب والمردة، تشكّل تحذيراً واضحاً وصريحاً لا بد ان يكون فهمه الجميع وعلى رأسهم التيار الوطني الحر، والعهد ككل، أن "دورهم آتٍ" اذا لم يحسنوا السلوك، وقد أتت هذه العقوبات على قاعدة "عم بحكيك يا كنّة لتسمعي يا جارة"، اذا جاز القول.
منحى أميركي جديد في العلاقات
[caption id="attachment_81139" align="alignleft" width="390"] الرئيسان الأميركي والفرنسي "دونالد ترامب" و"إيمانويل ماكرون"..سياسة العصا والجزرة[/caption]
بات واضحاً ومحسوماً منذ الاسبوع المنصرم، ان التعاطي الاميركي "لبنانياً" أخذ منحى جديداً تصاعدياً ودخل مرحلة الجدّ. العقوبات لن تقتصر بعد اليوم على متمولين وعلى شركات او نواب يدعمون "حزب الله" او يموّلونه، بل ستطاول رؤوساً كبيرة بالمباشر تدعم الحزب في مشاريعه السياسية وفي فرض سيطرته على لبنان ومرافقه ومؤسساته، وثمة دفعات جديدة ستبصر النور قريباً. وهذا ما جرى تأكيده الاسبوع الماضي بأن الأسابيع المُقبلة ستشهد وضع أسماء جديدة على لائحة العقوبات وستكون صادمة للشارع اللبناني وستكون على دفعات بحيث ستشمل سياسيين من الصف الأول ومستشارين لرئيس الجمهورية ميشال عون ومقربين من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وعليه، تقول المصادر إن امتحان التشكيل الحكومي سيكون الفيصل والحكم. إما تسهّله قوى 8 آذار فتأتي حكومة مستقلين حياديين تعمل على الانقاذ وعلى استعادة الثقة الدولية بلبنان، أو تضع العصي في دواليب الرئيس المكلف وتتمسك بالحقائب والحصص وترفض المداورة، فتطلق النار على رأسها، وتضعه تحت مقصلة العقوبات، معوّلة على انتصار محتمل لمحور الممانعة في المنطقة اذا خسر "دونالد ترامب" الانتخابات الرئاسية. والأبرز أن المسؤولين الأميركيين وضعوا هذه العقوبات في صالح الشعب اللبناني من بوابة أن سياستهم مع لبنان من الآن وصاعداً، ستقوم على محاسبة السياسيين اللبنانيين على فسادهم من أجل تحقيق مطالب الشعب اللبناني وقيام حكومة شفافة ونزيهة.
إتصالاً بين بري ونصرالله عشية العقوبات
وفي المعلومات الخاصة، أن اتصالاً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله حصل بعد منتصف ليل صدور العقوبات بحق خليل وفنيانوس. وقد جاء التقييم انها تأتي بهدف الضغط على بري في موضوع ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل كونه الذي يُدير هذا الملف بتوكيل من "الحزب" وكونه يضع شروطاً أمام عملية الترسيم الحدودي براً وبحراً، بالإضافة إلى الضغط على حزب الله من اجل كف يده عن السلطة وإدارتها. وأكدت المعلومات أنه جرى الاتفاق بين بري ونصرالله على اعتماد الطرق الدبلوماسية في الوقت الراهن للوقوف عند القرار الأميركي ومعرفة الأسباب الحقيقية الكامنة ورائه، والاتفاق على وضع متابعة الملف في عهدة الرئيس عون والمدير العام للأمن اللواء عباس ابراهيم. أمّا في العقوبات على فنيانوس فقد اعتبر الأمر من باب الضغط على حلفاء "حزب الله" وتحديداً المسيحيين الموارنة منهم، وهذه المرة عبر الوزير سليمان فرنجية، وسط توقعات منهما أن تتزايد لائحة العقوبات لتصل إلى أسماء غير متوقعة. وفي السياق كان الرئيس عون قد طلب من وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال شربل وهبة اجراء الاتصالات بالسفارة الاميركية في بيروت والسفارة اللبنانية في واشنطن للاطلاع على الظروف التي أملت قرار وزارة الخزانة الاميركية فرض عقوبات على الوزيرين خليل وفنيانوس ليبنى على الشيء مقتضاه.
خنق "حزب الله" وحلفائه
[caption id="attachment_81135" align="alignleft" width="444"] "حزب الله"...الحرب الاقتصادية مستمرة ضده[/caption]
المعروف بأن الحديث عن عقوبات بحق مسؤولين لبنانيين، لا يعود الى الاسبوع الماضي ولا الى الذي قبله أو بعده، بل هو سياق مُستمر منذ سنوات، هي اليوم تأتي في سياق واضح وهو خنق كُل من يدور في فلك "حزب الله" وليس من هم مرتبطون به عضوياً وتنظيمياً. لكن اللافت أن العقوبات بحق خليل جاءت لتؤكد على المسار الأميركي الجديد القائم على عدم التمييز بين الدور الذي يقوم به الرئيس بري، والدور الذي يلعبه "حزب الله" في لبنان والمنطقة، وربما هذا الأمر سيُشكّل نقطة تحوّل بين عهد "ترامب" والشيعة في لبنان عموماً، خصوصاً وأن استهداف بري من خلال أقرب شخصيّة له (خليل)، يعني أن اكثر من تسعين في المئة من أبناء الطائفة الشيعية، أصبحوا أيضاً في مرمى الاستهداف الأميركي، ويأتي ذلك في ظل كلام يقول إن الأميركي قرر خوض حرب اقتصادية ضد "الحركة" و"الحزب" في أفريقيا وأميركا الجنوبية، على اعتبارهما القارتين الأكثر ترويجاً لعمليات تبييض أموال لصالح محور "المقاومة". وتشير مصادر صحافية إلى أن العقوبات هذه، يُمكن وضعها في خانة التأكيد على أن "حزب الله" بالنسبة للأميركيين هو منظمة إرهابية، ولا فصل بين جناحه العسكري وجناحه السياسي وهذا ما يتحدث عنه الأوروبيون، أي الفصل، في الحديث عن الحزب والتعاطي معه. وطالما أن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" حمل في زيارته الأخيرة لبيروت مبادرة قرأها البعض أنها تعويم للحزب بطريقة ما، فإن العقوبات رسالة واضحة أن لا فصل بين الجناحين وأن التعامل مع الحزب هو تعاون مع الإرهاب وهي رسالة إلى كل الأطراف السياسية المحلية مفادها أنه إذا كنتم لا تريدون التعامل مع مشكلة حزب الله، فتفضلوا العقوبات. وترى المصادر أن العقوبات هذه المرة تحمل أبعاداً أخرى وهي تحميل كُل من هو مُتعاون مع الحزب مسؤولية هذا التعاون وجعلهم عرضة للعقوبات كما حصل مع حسن خليل وفنيانوس، وتشير إلى أنه في وقت سابق كانت الحكومة محمية ولكن الآن الوضع تغيّر والحديث عن فساد هو فقط لتزيين القرار إلا أن الأساس واضح، وهو التعاون مع الحزب.
بيانات "شيعية" مُضادة للعقوبات
[caption id="attachment_81137" align="alignleft" width="476"] الرئيس ميشال عون .. الحائر والباحث عن حلول[/caption]
المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى استنكر القرار الأميركي بحيث وصفه بأنه قرار سياسي جائر يمس السيادة اللبنانية ويتحدى إرادة الشعب اللبناني وقواه السياسية، وينافي القيم الديموقراطية في استهداف عضو في المجلس النيابي والمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، وسياسي ينتمي الى تيار سياسي ممثل في كتلة نيابية. واعتبر أن هذا القرار الصهيوني وسام يعتز به كل وطني يقاوم الاحتلال وينتصر لكرامته الوطنية، وهو اعتداء على كل اللبنانيين المطالبين بالوقوف خلف مقاومتهم وعدم السماح بالتعرض لرموزها وحلفائها. من جهته اعتبر "حزب الله" أن هذا القرار الجائر هو وسام شرف للصديقين العزيزين ولكل من تتهمه الإدارة الأميركية بأنه مقاوم أو داعم للمقاومة، وأن الإدارة الأميركية هي سلطة إرهابية تنشر الخراب والدمار في كل العالم وهي الراعي الأكبر للإرهاب الصهيوني والتكفيري في منطقتنا ولا يحق لها أساساً أن تصنف الشرفاء والمقاومين وتصفهم بالإرهاب وكل ما يصدر عن هذه الإدارة مدانٌ ومرفوض. وأكد أن سياسة العقوبات الأميركية هذه لن تتمكن من تحقيق أهدافها في لبنان ولن تؤدي إلى إخضاع اللبنانيين وإجبارهم على التنازل عن حقوقهم الوطنية السيادية، بل ستزيدهم تمسكاً بقرارهم الحر وكرامتهم الوطنية وسيادتهم الكاملة، وأن المواقف الصادرة عن هيئة الرئاسة في حركة أمل وعن رئيس تيار المردة تؤكد هذه الحقيقة. بدورها أكدت حركة "أمل" أن إدراج خليل على قائمة سوداء لن يغير من قناعاتنا ومن ثوابتنا الوطنية والقومية على الاطلاق. كما أن هذه العقوبات هي في حقيقتها استهداف للبنان وسيادته.
أميركا: سنعاقب كل سياسي يُساعد "حزب الله"
[caption id="attachment_81140" align="alignleft" width="401"] الوزيران السابقان علي حسن خليل ويوسف فنيانوس..عنوان العقوبات المقبلة[/caption]
على الضفّة الاميركية، فقد أعلنت الخزانة الأميركية انها ستعاقب كل سياسي لبناني يساعد "حزب الله" وتحديداً بعض السياسيين اللبنانيين الذين استخدموا أبواباً خلفية لعقد صفقات مع "الحزب" لمنافع شخصية على حساب الشعب اللبناني. وأشارت إلى أن الوزيرين حسن خليل وفنيانوس قدما مساعدات عينية ومالية لـ"حزب الله "في لبنان والذي استغل النظام السياسي لنشر نفوذه الخبيث. واشارت الخزانة الاميركية الى ان حسن خليل استغل منصبه لمساعدة الحزب على تجنب العقوبات، كذلك عمل على نقل أموال من الوزارات الحكومية إلى المؤسسات المرتبطة بـ"حزب الله" بطريقة يتجنب من خلالها فرض عقوبات أميركية، وقالت ان حسن خليل رفض عام 2019 التوقيع على شيكات لحساب متعاقدين مع الدولة وطالب بدفع جزء منها اليه شخصياً. بالإضافة إلى ذلك، اشارت الخزانة ان خليل استخدم منصبه كوزير للمالية لمحاولة تخفيف القيود المالية الأميركية على "حزب الله" حتى يواجه التنظيم صعوبة أقل في نقل الأموال. وحول استهداف فنيانوس، فقد لفتت الخزانة أنه تم استخدامه من "حزب الله" لسحب الأموال من الميزانيات الحكومية لضمان فوز الشركات المملوكة للحزب بعطاءات لعقود حكومية لبنانية بقيمة ملايين الدولارات. وفي عام 2015 ، منح "حزب الله" فينيانوس مئات الآلاف من الدولارات مقابل خدمات سياسية. كما ساعد فينيانوس الحزب في الوصول إلى الوثائق القانونية الحساسة المتعلقة بالمحكمة الخاصة بلبنان وعمل كوسيط لحزب الله والحلفاء السياسيين.