تفاصيل الخبر

العقوبات على حزب الله تتزايد.. والآتي أعظم!

05/03/2020
العقوبات على حزب الله تتزايد.. والآتي أعظم!

العقوبات على حزب الله تتزايد.. والآتي أعظم!

 

بقلم علي الحسيني

تضيف العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على حزب الله الاسبوع الماضي، عنصراً مربكاً جديداً للمشهد السياسي في لبنان الغارق بمجموعة أزمات لا تقل الواحدة صعوبة عن الأخرى. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء الأميركي ليس جديداً حيث سبق وأدرجت واشنطن مؤسسات عديدة وقياديين في <الحزب> على لوائحها الخاصة بالإرهاب، إلا أن الحال هذه المرّة يؤكد أن ما هو مقبل قد يكون أصعب سواء على <الحزب> نفسه أو على الدولة اللبنانية التي قد تجد نفسها أمام أمرين احلاهما أمر من الآخر: إمّا التنصّل من <الحزب> أمام المجتمع الدولي، او الاستمرار في التأكيد أنه جزء أساسي في المعادلة السياسية القائمة وممثل لشريحة واسعة من اللبنانيين.

 

المراهنة على الشرخ الشيعي!

 

يدل واقع الحال على انه ليس في الأفق ما يؤشر إلى تخطي حزب الله أزمته المالية في المدى المنظور خصوصاً في ظل تصاعد العقوبات الاميركية ضده والتي كان آخرها استهداف مسؤولين في مؤسسة <الشهيد> وكيانات أخرى تابعة لـ<الحزب>، وذلك في محاولة منها لتجفيف مصادر الضخ المالي الذي ما زال يرفد حزب الله على الرغم من كل هذا التطويق والحصار الذي فرضته الولايات المتحدة الاميركية عليه وعلى ايران، وهي التي كانت تأمل بعزله محلياً أو أقله إحداث شرخ بينه وبين طائفته بعد التضييق الذي مارسته على العديد من الشخصيات ورجال الأعمال من خلال وضعهم على لوائح الإرهاب.

أزمة <جمّال ترست بنك> ما زالت في الأذهان وما زالت تبعاتها السلبية التي انعكست على اللبنانيين عموماً والطائفة الشيعية على وجه الخصوص تختصر حجم المعاناة التي نجمت عن اقفال هذا الصرح الاقتصادي سواء بالنسبة للمودعين أو الموظفين على حد سواء. واللافت أن أزمة هذا البنك والعقوبات عكست تنامي مخاوف العديد من أبناء الطائفة الشيعية من إقصائهم عن القطاع المصرفي خصوصاً في ظل تزايد العقوبات بحق العديد منهم، تحت حجّة <الإنتماء> إلى حزب الله هذا مع العلم انه لا يوجد منزل او مؤسسة كبيرة أو صغيرة لشخصيّات شيعية، لا توجد لديهم علاقات مع أفراد من <الحزب> سواء كان هؤلاء الأفراد أقرباء أو حتى جيران أو أبناء بلدة.

وكان المتمولون الشيعة، حتى العام 2010، يساهمون بالجزء الأكبر من 5 مصارف لبنانية، جرى تصفية أحدها، هو <البنك اللبناني الكندي> في العام 2011، بعد إدانته من قبل الحكومة الأميركية بتقديم خدمات مصرفية لـحزب الله، والثاني هو <جمال ترست بنك> أما المصارف الثلاثة الباقية، فلا تزال تعمل بشكل طبيعي، وتمتثل للإجراءات والقوانين الدولية، وهي بنك <فينيسيا> الذي يعتبر الأكبر بين المصارف الشيعية الأخرى، وبنك <الشرق الأوسط وأفريقيا> و<البنك اللبناني السويسري>، ويقول العارفون إن قسماً من ودائع تلك المصارف شيعية، وخصوصاً من المغتربين، ورغم ذلك ثمة تسريبات تشير إلى احتمال تعرض واحد من بين هذه المصارف على الأقل لعقوبات أميركية.

شخصيات وكيانات على قوائم العقوبات!

يوم الخميس الماضي أدرجت وزارة الخزانة الأميركية ثلاث شخصيات لبنانية واثنتي عشر كياناً على قوائم العقوبات بسبب ارتباطهم بمؤسسة <الشهيد> التابعة لـ<الحزب>. وقد شملت قائمة العقوبات قاسم بزي المسؤول عن المؤسسة، جواد محمد شفيق نور الدين مسؤول عن تجنيد المقاتلين وإرسالهم إلى سوريا واليمن ويوسف عاصي مؤسس <أتلاس هولدن>. وأشار بيان الوزارة إلى أنه تم وضع مؤسسة الكوثر، شركة أمانة، كابيتل، سيتي فارم، غلوبال للسياحة، ميراث، وسانوفيرا فارما، على قائمة الإرهاب. كما شملت العقوبات محطات وقود مملوكة لأشخاص تابعين لـحزب الله، معتبراً أنّ الحزب يسيطر على الاقتصاد اللبناني كما يسيطر على السياحة، كاشفاً أن الوزارة تدرس إدراج مسؤولين لبنانيين متهمين بالفساد على قائمة العقوبات.

وأكد أن الوزارة مستمرة في إعطاء الأولوية لتعطيل كل ما يخص النشاط المالي لحزب الله بما في ذلك شبكة الدعم المالي مع الدعوة إلى الإبلاغ عن أيّ ممتلكات أو مصالح تخص المستهدفين من وراء هذا التعميم في داخل الأراضي الأميركية، أو ما يقع داخل حيازة أو سيطرة أميركيين. في السياق تؤكد مصادر مقربة من حزب الله لـ<الأفكار> أن هذا التصرف الأميركي جاء ليؤكد مجدداً على أن ما تصبو اليه أميركا وحلفاؤها في المنطقة هو فقط التضييق على محور المقاومة الذي يواجه الغطرسة الصهيونية ويقف في وجه المشاريع الأميركية وآخرها <صفقة القرن>. واليوم نلاحظ أن هذه العقوبات الأخيرة إنما أتت بعد الموقف المشرف الذي أعلن عنه <الحزب> من خلال رفضه الخضوع لصندوق النقد الدولي وما سينتج عنه من شروط قاسية بحق لبنان.

وتابعت المصادر: المؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية وبعد فشلها الذريع في تحجيم حزب الله ومحاولات منعها تطوير أدائه العسكري ومراهنتها على تهميشه سياسياً، لجأت من خلال عقوباتها الأخيرة إلى اتهام أشرف مؤسسة تعنى بالشهداء من أجل تقليب بيئته عليه ظنّاً منها أنها الخاصرة الرخوة التي يمكن أن تتيح لها خلق انقسام أو حالات اعتراض بين حزب الله وجمهوره. والمؤسف أن حالات كثيرة في لبنان تتعاطى مع هذه العقوبات وكأنها خشبة خلاص لها للتخلص من <الحزب>، في وقت نرى فيه كثير من الدول الأوروبية ترفض هذا النهج الأميركي وتصرّ على إقامة أفضل العلاقات مع <الحزب> ولو من باب فصلها بين ما تعتبره جناحي حزب الله السياسي والعسكري.

خصوم حزب الله: الخوف على لبنان!

بالنسبة إلى خصوم <الحزب> في لبنان فهم على يقين بأن العقوبات الأميركية التي تستهدف حزب الله، إنما تصب فقط في خانة استهداف أفراد ومؤسسات في <الحزب> وليس لكونهم مواطنين لبنانيين بل لكونهم أفراداً واعضاء بحزب تابع لإيران ويدافعون عن مصالحها في المنطقة. لكن في الوقت نفسه يخشى خصوم حزب الله من الأضرار التي قد تعكسها هذه العقوبات على الوضع الاقتصادي في البلاد وعلى قيمة العملة الوطنية وصمود ما تبقّى من الوضع المالي كله. في هذا السياق تعتبر مصادر سياسية بارزة أن العقوبات الأميركية الاخيرة جاءت لتؤكد أن <الحزب> لم يحقق شيئاً من الانتخابات النيابية الأخيرة، بل العكس فهو يشكّل ثقلاً وعالة على علاقات لبنان الدولية والعربية وعلى الوضع السياسي والاقتصادي اللبناني بشكل عام.

وتشير المصادر إلى أن ذلك لا يعني عرقلة عمل الحكومة أو قطع علاقات الخليج معها في ظل وجود تمثيل للحزب فيها إلا إذا قرّر حزب الله نفسه التصعيد، معتبرة أن الهدف هو تقليم أظافر الحزب وردعه عن المزيد من الانغماس في لعبة الاستقواء. من هنا لا بد من إطلاق يد رئيس الحكومة حسّان دياب السنّي للعمل وفق ما هو ضرورة لمصلحة لبنان، وهنا المقصود طبعاً استعادة الثقة العربية وتطوير علاقات لبنان مع الدول العربية الشقيقة لا سيّما المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية. وتعود المصادر لتؤكد على فعالية كلام مساعد وزير الخزانة الأميركية، <مارشال بلينغسلي>، بأن العقوبات هذه لن تؤثر على أسعار النفط والأدوية في لبنان، ولكنها ستوفر البيئة للأعمال المشروعة من أجل المنافسة العادلة من دون الترهيب الذي

يمارسه حزب الله.

هل تؤثر العقوبات على حزب الله>؟

تصبّ معظم التحليلات والمواقف السياسية في إطار واحد هو ان العقوبات على حزب الله تعكس استراتيجية أميركية تهدف إلى مزيد من التصعيد ضد الحزب في لبنان من خلال دفع الحكومة اللبنانية إلى قطع اتصالاتها به أو أقله جعله مجرد شريك على الهامش، لكن في بلد مثل لبنان تبنى فيه المشاركات في القرارات المصيرية تبعاً للأحجام والتحالفات داخل مجلسي النواب والحكومة لا يمكن أن يحقّق هذه الأمنية الأميركية خصوصاً وأن العديد من اللبنانيين لا يرون في العقوبات هذه، إلا امتداداً للعقوبات المتزايدة ضد إيران. وفي السياق يرى متابعون أن ما كان شهده لبنان من موجات احتجاجية واسعة شملت كل الطوائف والمذاهب من دون استثناء ستعود وستتسع مع الوقت ككرة ثلج للتحول إلى حراك شعبي له امتداداته على الساحة اللبنانية، تحت مطالب معيشية اقتصادية موحدة.

ولعلّ الولايات المتحدة قد تنجح في مكان ما من زيادة النقمة الشيعية على <الحزب> من خلال العقوبات التي تفرضها على كيانات وأشخاص ومؤسسات محسوبة على حزب الله وذلك في محاولة منها لإعادة رسم مشهد التظاهرات الأخيرة التي كانت خرجت من بيئة <الحزب> في البقاع والجنوب وبيروت بعد شعورها بمدى الضائقة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها والتي جيّرتها أميركا لمصلحتها بعد نجاحها بإظهار حالة شيعية مناوئة للحزب داخل بيئته، وهذا ما كانت أظهرته شاشات التلفزة مع بداية الحراك. لكن ثمة مخاوف كبيرة لدى بعض الأجهزة الامنية اللبنانية من تحول تردي الأوضاع الاقتصادية إلى محفّز لإشعال ثورة شعبية في مواجهة السلطة الحاكمة التي يعتبرها جزء كبير من الشعب اللبناني السبب المباشر للانهيار المالي والاقتصادي الحاصل.

في الخلاصة يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية مكملة في معركتها الاقتصادية ضد ايران وحزب الله وهي لن تتوانى عن اتخاذ أي قرار تراه مناسباً للحد من قدرات هذا الثنائي سواء اقتصادياً او عسكرياً. وفي ظل وجود شبه اجماع لبناني على عدم مواجهة الدولة للحزب، باعتباره مكوناً أساسياً في التركيبة اللبنانية، وجزءاً أساسياً من المجتمع اللبناني وهذا ما يدعو أميركا الى عدم التعويل كثيراً على الداخل اللبناني بأن يقوم بأي تحرك سياسي معارض تجاه حزب الله، يبقى القول إن المرحلة المقبلة ستكون اشد حزماً وتضييقاً على كل ما يمثله حزب الله، وستضعه امام واقع اقتصادي أكثر صعوبة مما يمر به اليوم، وقد تكون العقوبات الأخيرة ليست سوى محطة من سلسلة عقوبات مقبلة، قد تكون أقصى وأصعب وأشد.