تفاصيل الخبر

العقوبات على باسيل: نأي مسيحي و"احتضان" شيعي و"شماتة" سنية!

18/11/2020
العقوبات على باسيل: نأي مسيحي و"احتضان" شيعي و"شماتة" سنية!

العقوبات على باسيل: نأي مسيحي و"احتضان" شيعي و"شماتة" سنية!

 

[caption id="attachment_83058" align="alignleft" width="418"] السيد حسن نصرالله والنائب جبران باسيل .. دعوة لإجراء مراجعة لتفاهم مار مخايل.[/caption]

 العقوبات الأميركية على رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل تفاعلت الأسبوع الماضي ضمن الدائرة الحزبية لـــ "التيار البرتقالي" أولاً، وضمن حليفه حزب الله من خلال الموقف الذي اطلقه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله والذي اكد فيه على التضامن مع باسيل راوياً كيف انه على علم بفرض هذه العقوبات وفقاً لما اطلعه عليه باسيل نفسه في زيارة ظلت بعيدة عن الأضواء. واذا كانت العقوبات لم تثر لدى "تيار المستقبل" أي ردود فعل رسمية باستثناء بعض التعليقات "الشامتة" على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنها كانت سبباً مباشراً لاعادة الحرارة الى العلاقة بين "التيار" ورئيسه من جهة، وحزب الله من جهة ثانية بعدما كانت هذه العلاقة قد مرت في مرحلة فتور توقع كثيرون ان تطيح بـ"اتفاق مار مخايل" الشهير بين الطرفين، لاسيما خلال تكليف الدكتور مصطفى اديب تشكيل الحكومة الجديدة حيث برز تمسك الحزب مع شريكه في "الثنائي" حركة "امل" بحقيبة المالية، إضافة الى التوتر الذي ساد العلاقة بين الحزب ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مرحلة تشكيل الوفد المفاوض لترسيم الحدود البحرية برعاية أميركية واستضافة دولية. لقد قيل في تلك الفترة ان اتفاق مار مخايل دخل العناية الفائقة بعدما وصلت التباينات بين "التيار" و"الحزب" الى نقاط خلافية عدة كان أشار اليها باسيل في كلمته بعد فرض العقوبات يوم الاحد الماضي.

وتعتبر مصادر مطلعة ان باسيل عندما وضع العقوبات في اطار مطلب إسرائيلي من الجانب الأميركي، اظهر نفسه وكأنه مستهدف من تل ابيب وليس من واشنطن، الامر الذي يمكن استثماره على نحو اكبر على الساحة المحلية خصوصاً على مستوى العلاقة مع الحزب، وفي تقدير المتابعين ان "رئيس التيار" نجح الى حد بعيد في تحقيق هذا الامر بدليل ان الحرارة عادت الى العلاقة بين الحزبين، خصوصاً بعد موقف السيد نصر الله، في توقيت ساعد باسيل في ان يزيل البرودة عن العلاقة مع الحزب وتعود المياه الى مجاريها بين الطرفين. وفي هذا السياق، تقول مصادر حزب الله ان الحزب هو اكثـــر الافــرقاء المعنيين بالتضامــن مع رئيس "التيار الوطني الحر"، بالرغم من الملاحظات التي كانت لدى الحزب في الفترة الماضية على بعض مواقفه، لاسيما تلك المتعلقة بتأليف الوفد اللبناني المفاوض في ترسيم الحدود البحرية.

فالحزب كان يتحدث عن ان باسيل يسعى الى التمايز خوفاً من العقوبات الاميركية، لكن اليوم يجد نفسه معنياً بتقديم الدعم السياسي والمعنوي له، لاسيما بعد ان اعلن انه يدفع ثمن رفضه طعن الحزب بظهره. ومن هنا جاء كلام حزب الله المتضامن مع باسيل، الى جانب حملة على مواقع التواصل الاجتماعي داعمة له، والتشديد على انه اثبت انه رجل وطني وشريف، وتؤكد المصادر ان حزب الله سيقف الى جانب باسيل في مختلف

[caption id="attachment_83059" align="alignleft" width="350"] باسيل والسفيرة الأميركية "دوروثي شيّا".. انقطاع جسور التواصل.[/caption]

المطالب التي يطرحها على المستوى الداخلي، الامر الذي من المفترض ان يظهر سريعاً خصوصاً بالنسبة الى تأليف الحكومة.

أولويات حزب الله

وتفسر مصادر مطلعة الموقف الذي اعلنه السيد نصر الله ومن بعده "كتلة الوفاء للمقاومة" النيابية، ووسائل الاعلام التابعة لحزب الله و"جيشه الالكتروني" بأن العقوبات الأميركية التي اعادت خلط الأوراق الداخلية، أظهرت كم ان الحزب يحرص على ترتيب الأولويات بدقة انطلاقاً من ان الأهم قبل المهم، - أي الحزب- يعرف ان الاعتبارات الاستراتيجية تتطلب في هذه المرحلة "احتضان" باسيل وإعادة تفعيل التحالف بعد الضمور الذي حصل مؤخراً. لكن الأكيد، وفق المصادر نفسها ان الجانبين يتجهان الى اجراء مراجعة شاملة لمضمون وثيقة التفاهم، بهدف تحديثها وتكييفها مع المستجدات، كما فهم من الكلمة الأخيرة التي القاها باسيل. ولا يعني ذلك ان التمايزات ستختفي، وان الفروقات ستذوب، لكن الحزب سيسعى على الأرجح الى تقليص مساحتها والتخفيف من تأثيراتها قدر الإمكان، آخذاً في الحسبان دلالات التطور المستجد بعد العقوبات على باسيل.

 ولعل انقطاع جسور رئيس "التيار" مع الاميركيين، اقله حتى اشعار آخر، سيسمح بــ "اراحة " علاقة الحزب به. وليس خافياً ان بعض القريبين من "حزب الله" شعروا في الآونة الأخيرة بأن باسيل كان يساير أحياناً واشنطن، عبر بعض المواقف والقرارات سعياً الى تجنب الغضب الأميركي عليه، وهذا ما تحرر منه عقب استهدافه بالعقوبات، الامر الذي من شأنه ان يزيل او يخفف الهواجس التي تسربت الى بيئة المقاومة حيال باسيل. وكذلك فإن رئيس التيار لن يعود مضطراً بعد الآن الى تحمل عناء نسج خيوط التوازن الصعب بين التحالف مع الحزب والعلاقة مع واشنطن. وحزب الله المعروف بوفائه لحلفائه سيكون حريصاً قدر المستطاع على مراعاة باسيل عقب معاقبته نتيجة رفضه فك التحالف الذي ربط الطرفين منذ العام 2006 ولو ان الإدارة الأميركية حاولت تمويه هذا الاعتبار بتهم الفساد، والترجمة المتوقعة لهذا الوفاء ستكون عبر تفهم اكبر لطروحاته وخياراته في الشأن الداخلي من المشاركة في الحكومة المقبلة الى التحديات المتصلة بطريقة مقاربة واقع الدولة.

نأي مسيحي

في المقابل، كان لافتاً ان ردود الفعل في الأوساط المسيحية على معاقبة باسيل غابت سواء لدعم مواقفه او لانتقاده و"الشماتة" به. ذلك انه باستثناء التعليق البارد لزعيم "المردة" سليمان فرنجية والكلام المكرر للدكتور فارس سعيد، لم تصدر مواقف مؤيدة او رافضة. وفي هذا السياق اتى صمت البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ليدلل على ان بكركي نأت بنفسها حيال هذا الملف المستجد على رغم ان "المعاقب" هو رئيس اكبر حزب مسيحي واكبر كتلة نيابية مسيحية، وهو صهر رئيس الجمهورية المسيحي الماروني. وبالتالي فإن التعليق على هذا الحدث يمكن ان يكون طبيعياً، ومع ذلك آثر البطريرك الصمت ومعه قيادات مسيحية أخرى، علماً ان هذا الصمت، فضلاً عن كونه تمكيناً لنائب البترون في خطته ومواقفه السياسية، فهو يؤكد على عدم وجود طرح سياسي مسيحي على مستوى القوى الرئيسية، مستقل او مناوىء في العمق لطرح رئيس "التيار"، وهذا ما يحاول باسيل الإفادة منه لخلق رأي عام مسيحي متعاطف معه، اقله في البيئة العميقة لــ "التيار".

وتسأل مصادر متابعة عن حظوظ باسيل في النجاح، لتجيب بأنه لا بد من اخذ معطيين في الاعتبار، الأول: هو انشداد المسيحيين التاريخي صوب الغرب في وقت العقوبات على باسيل تذهب في اتجاه معاكس رمزياً وسياسياً، والثاني: ان البرجوازية المسيحية التي تحلقت حول باسيل طوال الفترة الماضية ستحاذر في الفترة المقبلة من المخاطرة بتهديد مصالحها من خلال البقاء في دوائر نائب البترون.

في المحصلة، فإن باسيل بات مرغماً على السير في الطريق الصعب نحو رفع العقوبات عنه، وهو طريق شجعته السفيرة الأميركية على السير به.

من الواضح، في الموازاة ان رئيس "التيار" كلما اشتد ضيقه لجأ الى التصعيد حيثما استطاع. والحال هذه، فما هي خطة الأحزاب المسيحية الاخرى؟ هل ستحاول الإفادة من ارباك وتراجع باسيل بعد تلقيه الضربة الأميركية الموجعة جداً، ام هي الأخرى تنتظر الإدارة الأميركية الجديدة؟ وكيف ستتعامل بكركي مع الأمر؟