تفاصيل الخبر

الـعـهـــد الـجـديــــد والإرث الاقـتـصــــادي الـسلـبـــي والآمــــال الـمـتـوقـعـــــة عـــــام 2017!

30/12/2016
الـعـهـــد الـجـديــــد والإرث الاقـتـصــــادي  الـسلـبـــي والآمــــال الـمـتـوقـعـــــة عـــــام 2017!

الـعـهـــد الـجـديــــد والإرث الاقـتـصــــادي الـسلـبـــي والآمــــال الـمـتـوقـعـــــة عـــــام 2017!

 

بقلم طوني بشارة

ايلي-يشوعي----a

المتتبع للأوضاع الاقتصادية في لبنان، لاسيما خلال الأعوام الخمسة الأخيرة لا بد له من الملاحظة بأن العهد الجديد المنطلق حديثاً سيحمل إرثاً اقتصادياً ثقيلاً، على إعتبار ان لبنان سجل خلال السنوات الخمس الماضية أرقاماً سلبية قياسية في كل المجالات التي تؤكد أنه بلغ فعلاً شفير الهاوية، فهو إحتل المرتبة الثالثة عالمياً والأولى عربياً على صعيد نسبة الدين العام الى مجمل الناتج المحلّي بين 19 دولة، وفق تقرير نشرته صحيفة <الإندبندنت> البريطانيّة، كما يقدّر للعجز المتنامي في المالية العامة أن يتجاوز نسبة 9.5 بالمئة من الناتج المحلي في العام 2017، إضافة الى تنامي الدين المتوقّع أن يصل الى 79.5 مليارات دولار في العام المقبل وبنسبة 145 بالمئة من الناتج المحلي، ولا يمكننا أيضا ان نتناسى الاستحقاقات التي سيواجهها لبنان في العام 2017، وقد بلغت او حتى تجاوزت قيمة السبع مليارات دولار  والتي سوف تناهز الـ8 مليارات دولار في العام 2018.

 

العهد الجديد والصعوبات المالية

كل هذه المصاعب تعتبر تحدّياً كبيراً للعهد الجديد، إذ ليس من السهل مالياً اقتراض 20 بالمئة من الناتج المحلّي الإجمالي لعامين مُتتاليين من دون تداعيات على أسعار الفائدة أو على قيمة الليرة، تداعيات يزيد من تفاقمها مؤشر البنك الدولي لأداء الأعمال لـعام 2017، الذي صنف لبنان وللأسف في المرتبة 126 بين 190 بلداً، أي أن 66 بالمئة من بلدان العالم لديها بيئة أعمال أفضل من لبنان، بما يفسّر تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 14 بالمئة من الناتج المحلّي الإجمالي في الـ2008، إلى 4.6 بالمئة في الـ2015، فبعد فراغ رئاسي استمر أكثر من عامين ونصف العام تراكمت الاستحقاقات الاقتصادية والمالية، فاندفع هذا البند بقوة إلى واجهة استحقاقات العهد فارضاً وجوب اعتماد نمط مختلف في مقاربة هذه الملفات ومعالجتها.

فما سبب هذا الإرث؟ أهو الفراغ أم المشاكل الأمنية أم إرث من العهد السابق؟ ولماذا لم يواجه عهد الرئيس ميشال سليمان هذه المشاكل علما انه هو الآخر قد انطلق بعد فراغ طويل نوعا ما؟ وهل صحيح أن الإرث المُنتقل إليه لم يكن بهذه الوطأة؟ وهل فعلا مرد ذلك الى الأوضاع المحيطة بنا على اعتبار أن الأوضاع في المنطقة عموماً أيام الرئيس سليمان لم تكن بما هي عليه اليوم من أزمات، كما أن الأوضاع في الداخل لم تكن على هذا المستوى من التردي والتحلّل والفساد؟.

لذا استناداً الى ما سبق نرى ان تحديات العهد الجديد عديدة وكبيرة، والعمل المطلوب من الحكومة العتيدة كبير ومتعب، فما هي التحديات المرتقبة؟ وما الأولويات المفترض معالجتها؟ وكيف يحدد الاقتصاديون الحلول؟

غازي-وزني---a تساؤلات عن مدى جدية العهد الجديد

بات واضحاً للجميع أن هناك العديد من المشكلات تلوح في الأفق، مشكلات سياسية وأمنية تُلح على العهد الجديد ضرورة الإسراع لإيجاد حلول لها، مشكلات لا يمكن ابداً التغاضي عنها، والأوضح اقتصاديا من هذه المشاكل بأن البلد بلغ حافة الانهيار الاقتصادي وما عاد الوضع يحتمل الإنتظار أو التأخير، فبمجرد تتبع الاحداث نرى ان لبنان بلغ مرات عديدة أزمات صعبة، أهمها ازمة عدم القدرة على الحصول على قروض دولية، أو حرمانه من مساعدات بسبب الخلل الدستوري الناجم عن الفراغ الرئاسي، وكم من مرة حذر وزير المال السابق علي حسن خليل من احتمال عدم امكانية دفع رواتب القطاع العام لعلة عدم التئام المجلس النيابي لفترات اتسمت بلا موازنات تقر، ولا قوانين ولا قرارات، فيما ليس هناك ما يشجع على الاستثمار أو السياحة أو تأسيس الأعمال.

إنطلاقاً من هذه الازمات، لا بد من أن يولي العهد الجديد الأولوية لمسألة تحسين الاقتصاد وتحصينه، وهذا الأمر شدد عليه فخامة الرئيس في خطاب القسم ثم في الخطاب التالي أمام المناصرين الذين احتشدوا في بعبدا، فما هي هذه الأولويات بحسب الاقتصاديين؟ وما هي الحلول المقترحة لإخراج البلد من النفق الذي دخله بسبب الفراغ الرئاسي والشلل الحكومي والتشريعي، مضافاً إليها ما لا يحصى من العوامل الضاغطة جميعها باتجاه كبح النمو وطرد الاستثمارات وزيادة الدين العام؟

 

لويس حبيقة واستعادة

الثقة بلبنان

الخبير الاقتصادي لويس حبيقة رأى انه مع انتهاء الشغور الرئاسي بوصول رئيس قوي الى بعبدا وتمكن الرئيس سعد الحريري من تشكيل الحكومة، سيستعيد لبنان ثقة العالم به تدريجيا، خصوصاً ان الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري يكملان بعضهما في مشروع النهوض بلبنان وعودة الحياة السياسية والدورة الاقتصادية الى طبيعتهما بعد غيبوبة قسرية دامت ثلاثين شهراً، معتبراً بالتالي ان لبنان على موعد حتمي مع استثمارات عربية وغربية جديدة، لأن العالمين السياسي والاقتصادي سيتعاطيان مع العهد الجديد انطلاقاً من ان برنامج الرئيس عون يقوم على استئصال الفساد ومحاربة المفسدين، ومن ان الرئيس الحريري محط ثقة الدول العربية والغربية على حد سواء.

حبيقة وعودة الاستثمارات

 

ولفت حبيقة، الى ان زيارة الوفد الاقتصادي الايراني للبنان واتصال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بعون لتهنئته، اضافة الى تهنئته من قبل كل القادة العرب، كلها مؤشرات تطمئن بأن الاستثمارات ستبدأ تدريجياً بالعودة الى لبنان، معربا بالتالي عن اعتقاده بان يكون اول الغيث استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار مع بداية العام المقبل، وهي قيمة مضمونة لأن الودائع في المصارف اللبنانية التي تبلغ 150 مليار دولار لن تكون بمنأى عن حركة الاستثمارات المرتقبة.

وأكد حبيقة ان الحوار الدائم بين المستقبل وحزب الله، والمصالحة التاريخية بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، واستعداد كل القوى السياسية للتعاون مع الرئيس عون، ودخولهم في حكومة وحدة وطنية ساهمت الى حد بعيد في انتشار الاجواء الايجابية وإراحة المستثمرين العرب والاجانب الذين ينتظرون اولى خطوات الحكومة العتيدة لانطلاقهم نحو لبنان، مشيرا من جهة ثانية - وعلى عكس ما يتوقعه البعض - الى ان وصول <دونالد ترامب> الى رئاسة الولايات المتحدة الاميركية قد يساهم في انعاش الاقتصاد اللبناني من خلال استمرار المساعدات العينية المباشرة للجيش اللبناني وغير المباشرة ايضاً.

كذلك اكد حبيقة ان الاشهر القليلة المقبلة ستشهد انخفاضاً في مستوى البطالة، نتيجة عودة المستثمرين الى لبنان وبالتالي عودة الدورة الاقتصادية والمالية الى طبيعتها، مشيرا من جهة ثانية الى ان الحكومة العتيدة لويس-حبيقة---aمطالبة بوضع خطة جدية لادارة عملية توظيف النازحين السوريين وحماية العامل اللبناني.

وختم حبيقة مؤكداً ان لا خيار امام الحكومة الحالية سوى العمل لأجل لبنان، خصوصاً ان البلاد لم تعد تحتمل وجود <غنج> سياسي سخيف على طاولة مجلس الوزراء، معتبراً ان الرئيس عون لن يسمح باستمرار هذا <الغنج> المعطل للحياة السياسية وللدورة الاقتصادية، وهو مصرّ على ان تكون الحكومة الحالية منتجة لصالح اللبنانيين ولصالح الاقتصاد.

 

إيلي يشوعي والمخاطر الملحة للمعالجة

بدوره الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي وصّف لـنا حجم المخاطر، والأولويات الملحة للمعالجة، والحلول المفترضة لذلك، وأشار إلى خطاب القسم الذي ذكر 4 نقاط اعتبرها أنها في حد ذاتها تحل مسائل كثيرة، مشدداً على <ضرورة تطبيق اللامركزية الإدارية عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجالس الأقضية، كمدخل لحل العديد من المسائل الأخرى، كما ركز يشوعي على ضرورة أن تُعطى لهذه المجالس صلاحية جباية الضرائب ومن ثم إنفاقها على التنمية في نطاقاتها اللامركزية، مثلا بناء معمل توليد كهرباء بتوتر متوسط في كل قضاء، والاستغناء عن التوتر العالي ومخاطره الصحية وتأثيره السلبي على قيمة العقارات، كذلك بالنسبة لأزمة النفايات التي يمكن أن توكل أيضا إلى مجالس الأقضية، ومثلها إنشاء نقل مشترك ومحطات تكرير وغيرها من القضايا التي يتخطى البت بها صلاحيات البلديات المحدودة على هذا الصعيد.

ويشدد الدكتور يشوعي كما سواه من خبراء الاقتصاد على أهمية وأولوية معالجة الفساد كمدخل طبيعي لاستقامة الأمور مركزاً على الفساد القائم في الخدمات العامة، كما أكد يشوعي على ضرورة اعداد موازنات ليس فيها ارتفاع في الدين العام.

وأكد يشوعي بأن حكومات الوفاق الوطني لا تنجح وهي حكومات تعطيل، والحكومة يجب أن تكون متجانسة لتكون منتجة، وأوصى يشوعي بأن يتم <العزوف عن الضرائب غير المباشرة، فإذا أردنا تحقيق حد أدنى من العدالة الاجتماعية في العهد الجديد، فعلينا أن نلجأ إلى ضرائب مباشرة وتصاعدية لأنها الأفضل>.

واعتبر يشوعي أن الحلول تبدأ بالعمل على هذه النقاط، لكن تحقيق ذلك يتطلّب وجود أشخاص نظيفي الكف، وإلا فهل نحارب الفساد بالأشخاص أنفسهم؟ والبقاء في دوامة ما يسمّونه أن <السلطة هي دائرة <دوري دورك دورو>، <حصّتي حصّتك حصّتو...> كما يجب ألا نكتفي برفع الشعارات الجميلة من دون تطبيق، لأن الناس عندئذٍ سيحبطون>.

وزني وتحسن حجم التداول

في البورصة

اما الخبير المالي الدكتور غازي وزني فأعلمنا بأن اقتصاد عام 2017 سيكون أفضل من اقتصاد عام 2016، إن على صعيد النمو الاقتصادي الذي سيتجاوز الـ2,50 بالمئة مقارنة بأقل من 1 بالمئة حالياً، أو على صعيد نشاطات القطاعات الاقتصادية الأخرى كالسياحة والاستثمار العقاري والاستهلاك، وقال وزني تعليقاً على الإنفراج السياسي المرتبط بالنجاح بتشكيل الحكومة مع نهاية العام 2016: <سيشهد اقتصاد العام 2017 عاملاً أساسياً يكمن في المؤشرات الاقتصادية الأكثر إيجابية وسيكون اقتصاد 2017 أفضل من 2016، وشدد وزني على الإيجابية الأولى للانفراج السياسي على خط ملء الفراغ الرئاسي، والتي ظهرت في ارتفاع حجم التداول في بورصة بيروت وتحسّن سعر سهم <سوليدير> بما يفوق الـ30 بالمئة، كذلك في ارتياح سوق القطع، وأجواء المستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب المؤسسات الاقتصادية، الذين علقوا الآمال الكبيرة على ما بعد الاستحقاق الرئاسي والنجاح في تشكيل الحكومة، الامر الذي يلحظ عودة الثقة بلبنان ومستقبله.

وعن الأولويات الاقتصادية التي يجب أن يلحظها الرئيس، يقول وزني:

- يحتاج رئيس الجمهورية إلى حكومة فاعلة ليتمكّن من العمل، وحالياً ومن بعد النجاح بتشكيلها سيتحسّن الوضع الاقتصادي، علماً أن حكومة العهد الجديد ستكون فترة عملها قصيرة زمنياً تمتد لخمسة أو ستة أشهر، تستطيع خلالها فقط وضع الخطوط الأولية أو الرؤية لمواجهة التحديات القائمة، وذلك قبل تأليف حكومة أخرى فور إجراء الإنتخابات النيابية نهاية أيار/ مايو 2017.

اما الملفات الاقتصادية الملحّة المطلوب معالجتها من قبل الحكومة لمواجهة التحديات على المدى المنظور، فحدّدها وزني بإقرار مشروع الموازنة العامة 2017 للتخفيف من عجز المالية العامة المتفاقم والحدّ من تنامي الدين العام، إقرار مرسومي النفط والغاز، تحفيز النمو الاقتصادي البطيء، تحسين العلاقات بين لبنان والدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً، بما يؤدي إلى تحسّن الحركة السياحية والاستثمارية، إضافة إلى تعزيز الإتصالات مع الخارج من أجل تحصيل المساعدات لتحمّل عبء النزوح السوري، وصولاً إلى إطلاق ملف معالجة أزمة الكهرباء المزمنة.

وشدد وزني على ان الأهم في برنامج الحكومة الحالية هو أن تتمكّن من خلق مناخ إيجابي في البلد، لأن الطمأنة عامل مساعد للمستثمر من شأنه خلق ثقة بالأفق الإيجابية للبنان التي تحرّك الأمور في المدى المتوسط.