تفاصيل الخبر

العفو العام.. بين مصالح الأحزاب والحق العام

15/07/2020
العفو العام.. بين مصالح الأحزاب والحق العام

العفو العام.. بين مصالح الأحزاب والحق العام

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_79518" align="alignleft" width="444"] أھالي الموقوفین الاسلامیین یطالبون بإقرار قانون العفو[/caption]

حركة مُكثفة  من وراء الكواليس يُجريها افرقاء سياسيون هدفها إنهاء ملفين أساسيين ما زالا عالقين في أروقة المحاكم العسكرية والقضاء اللبناني. الملف الأول يتعلق بالمطلوبين في منطقة البقاع والسعي الى انهاء ملفاتهم من خلال أحكام تنظر بوضع المنطقة بشكل عام والقائم منذ قيام الدولة تقريباً. أما الثاني، فيتعلق بما يُعرف بالموقوفين الاسلاميين في السجون بحيث ان بعضهم لم تصدر بحقهم حتى اليوم، احكام على الرغم من وجودهم في السجون منذ اكثر من خمسة اعوام. ولا بد من الإشارة الى ان الحديث عن عفو ما او تخفيض مدة حكم، ينطبق على البعض وليس على الجميع،  إذ إن لكل مطلوب أو موقوف جرماً أو ارتكاباً محدداً.

الهم البقاعي بين "حزب الله" و"أمل"

 بالتزامن مع الوضع الصعب القائم المعطوف على جملة أوجاع يعيشها الشعب اللبناني اقتصادياً واجتماعياً، تزاحمت خلال الاسابيع القليلة الماضية، حركة مُكثفة على الارض قام بها اهالي موقوفين ومحكومين بجرائم مختلفة في لبنان، لمطالبة السلطة اللبنانية بعفو يُخرج المسجونين من زنزاناتهم ويوقف المُلاحقات القضائية عن المطلوبين، وقد كان لافتاً الاصوات التي رفعها اهالي البقاع للكف عن ملاحقة ابنائهم المطلوبين بقضايا قالوا ان الدولة هي من دفعتهم لارتكابها بسبب تخليها عن منطقة البقاع منذ سنوات طويلة وحرمانها من الانماء المتوازن الذي يصب في مناطق محددة.

وفي موازاة الصرخة هذه، دخلت كل من قيادتا حركة "أمل" وحزب الله المرحلة الثانية الجدية والعملية من محاولة ايجاد حلول ومعالجات قانونية للقضايا والمسائل التي يمكن إدراجها تحت عنوان عريض هو قضايا الامن الاجتماعي والامني في البقاع، وتحديداً في المنطقة المعروفة بالبقاع الشمالي، والذي تندرج تحته عناوين فرعية أخرى بدءاً من مسألة الثأر، مروراً بقضية الخروج على الانتظام  العام والقوانين والانظمة المرعية، وصولاً الى معضلة الصراع والتنابذ التاريخي مع السلطة وأجهزتها ومؤسساتها ولاسيما منها الامنية والقضائية.

هم القوانين بين البقاع والشمال

 

[caption id="attachment_79519" align="alignleft" width="333"] وللبقاع حصة من قانون العفو[/caption]

كانت السلطات المعنية في لبنان اصدرت قوانين عفو من الفئتين العام والخاص أكثر من مرة منذ الاستقلال حتى الأمس القريب، أبرزها القانون رقم 84/91 والذي جاء بعد انتهاء الحرب اللبنانية وآخرها صدر في العام 2005 علماً أن قوانين العفو تنقسم إلى عفو عام وعفو خاص وبالتالي، فإن صدور قانون عفو اليوم لن يشكل سابقة في لبنان، لكن توجد العديد من العراقيل تتداخل فيها المخاوف الأمنية، والعراقيل السياسية والاعتبارات الطائفية والمذهبية، والأسباب المعنوية والإنسانية، وهنا من الضروري الإشارة الى أن الفئات التي تطالب بالعفو متعددة وأبرزها أولاً: الموقوفون في الشمال على خلفية الأحداث الأمنية ونحو 20 جولة من المواجهات المسلحة التي كانت شهدتها مدينة طرابلس بين عامي 2008 و2014، قبل أن تنتهي بخطة أمنية في نيسان (ابريل) 2014، إضافة إلى موقوفين ومطلوبين كانوا قد شاركوا بمعارك مخيم نهر البارد ضُد الجيش اللبناني بين أيار(مايو) وأيلول (سبتمبر) عام 2007.

ثانياً: هناك أكثر من 4000 مطلوب في البقاع، بنحو 35000 مُذكرة توقيف بجرائم سلب وسطو مسلح وقتل وثأر عشائري وزراعة وترويج وبيع الممنوعات والإتجار بالمخدرات.

ثالثاً: الموقوفون والمطلوبون بأحداث عبرا الأمنية التي حصلت في حزيران (يونيو)  2013، وما سبقها وتبعها من اعتداءات إرهابية على مواقع وعناصر الجيش اللبناني في الجنوب.

 رابعاً: الموقوفون والمطلوبون بأحداث عرسال الأمنية التي حصلت في آب (اغسطس) 2014، وما تخللها من إعتداءات ارهابية على مواقع وعناصر الجيش اللبناني في البقاع.

 خامساً: الموقوفون والمطلوبون بتفجيري مسجدي "التقوى" و"السلام" في مدينة طرابلس في آب (اغسطس)  2013، والتي تبين أن الخليّة التنفيذية للهجومين الإرهابيين تضمّ خمسة أشخاص من جبل محسن.

 سادساً: الموقوفون والمطلوبون بجرائم عادية وغير سياسية، علماً أن هؤلاء كانوا قد استفادوا من قرار مجلس النواب في آذار(مارس) 2012 مشروع تخفيض السنة السجنية إلى تسعة أشهر بدلاً من اثني عشر شهراً عن كل سنة حكم.

"فيتوات" حزبيّة متبادلة

[caption id="attachment_79517" align="alignleft" width="446"] الشیخ الموقوف بتھمة الارھاب أحمد الأسیر..ھل یشمله العفو[/caption]

 يضع "التيار الوطني الحر" وأهالي العسكريّين الشُهداء وغيرهم من الأطراف، فيتو على إطلاق أي موقوف أو العفو عن أي متورط بقتال الجيش اللبناني، ويضع حزب الله من جهته فيتو على إطلاق او العفو عن الموقوفين الإسلاميين المتشددين مثل أحمد الأسير وخالد حبلص وسواهما من السلفيّين المتشددين وكل من قاتل إلى جانب تنظيمي "داعش" و"النصرة" أو تعاملوا معهما، بينما يضع تيّار المستقبل بدوره فيتو على اطلاق أو العفو عن الوزير السابق ميشال سماحة والمتورطين بتفجيري جامعي التقوى والسلام.

وفي المعلومات التي حصلت عليها "الأفكار" أن وفداً من حزب الله  كان التقى منذ فترة وزيرة العدل ماري كلود نجم وبحث معها في ملف المطلوبين ومسألة العفو عن بعضهم نظراً لعدم تورطهم بعمليات قتل. وفي هذا السياق يؤكد مصدر في الحزب أن هذا الموضوع شائك جداً خصوصاً وأنه لا يوجد احصاء دقيق حوله، ولكن يقال ان هناك اكثر من 35 او36 ألف مذكرة بين مذكرة توقيف ومذكرة إلقاء قبض وأحكام غيابية، وهناك تداول اليوم مع وزيرة العدل من أجل إيجاد حل لهذا الموضوع الذي سيكون من اهم أولويات معاليها للوصول الى حل لهذه المعضلة لأن اكثرية الأحكام ليست احكاماً بالمعنى الصحيح للكلمة.

ويوضح المصدر ان هناك ما يسمى في القانون اللبناني العطف الجرمي، وبالتالي الكثير من الأسماء التي ألقيت جزافاً وصدرت بحقها مذكرات او احكام توقيف والقاء قبض، ويؤكد أن الحزب لم يحمل معه الى الاجتماع مع الوزيرة نجم اي تصور كامل ونهائي لهذه المسألة، انما جرى التداول في كل الافكار والحلول القانونية التي يمكن الركون اليها لايجاد الحل انطلاقاً من امرين: رغبة حزب الله في ايجاد حلول عاجلة، وحماسة معاليها وهي المحيطة بالموضوع احاطة شاملة لوضع حلول قانونية تضع نهاية لهذه القضية الحساسة.

العفو إمتحان أمام دياب

[caption id="attachment_79516" align="alignleft" width="225"] الرئيس حسان دياب أمام امتحان سني جدید.[/caption]

مصادر مُلمة بملف العفو العام والأحكام التي يُعمل على تخفيفها في سبيل إنهاء هذه القضية العالقة في أدراج القضاء منذ سنوات عديدة، تعتبر أن رئيس الحكومة حسّان دياب الذي دخل السراي الحكومي مرفوع عنه العباءة السنّية على وقع رفض الشارع السنّي له لاسباب شتى، يسعى الى خرق هذا الجدار السنّي المرفوع امامه بقانون العفو العام الذي تستفيد منه عائلات سنّية كثيرة وتحديداً من يُطلق عليهم "الموقوفين الاسلاميين"، خصوصاً ان حكومة دياب كانت اتخذت في الآونة الاخيرة قراراً بإقرار قانون العفو العام، على الرغم من ان البيان الوزاري للحكومة الحالية، لحظ فقط ملف السجون ولم يشر إلى قانون العفو العام مع العلم أن وزير الداخلية محمد فهمي أوكل في الفترة الأخيرة إلى العميد فارس فارس مهمة متابعة الملف بالإضافة إلى التواصل مع المعنيين كافة من أجل طرحه مجدداً أمام الهيئة العامة لمجلس النواب، وذلك في ظل معطيات تتحدث عن دخول تعديلات عليه في الهيئة العامة.

ومقابل كل هذا الضجيج، يعود مصدر مقرب من بيت الوسط بالذاكرة إلى أحداث الشمال فيقول: خلال احداث طرابلس اوقف العديد من الشباب لاشتراكهم في القتال وبمنتهى الصراحة وبكل جرأة نقول ان معظمهم تعرض لتحقيق ظالم، وأحكام ظالمة.

وأشار إلى أنه في ظل فصل السلطات ليس هناك من حكومة ولا مجلس نواب قادرين على التدخل بعمل القضاء، ونحن لو اننا لسنا مقتنعين بالعفو لما سرنا به، ولقد وعد الرئيس سعد الحريري به، لكن جاء من يقول انه سلعة انتخابية، وعندما تأخر العفو قالوا لماذا لم ينجز؟ فما هذا الناقض والمنقوض؟.

وتابع المصدر: نحن مقتنعون بالعفو، ونعمل عليه، ولكن كتلة المستقبل وحدها لن تتمكن من اصدار قانون العفو، فلا بد من تصويت الاخرين عليه. وبدورنا نشدد على ان هذا العفو، هو للذين ظلموا بأحكام جائرة أو للذين حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم وليس لمن مارسوا الإرهاب وقتلوا أبناء المؤسسات الأمنية.

ضجّة الشارع.. من المستفيد؟

 يُذكر أن ثمة ضجّة كبيرة أثيرت مع إدراج قانون العفو على إحدى الجلسات التشريعية السابقة حيث جرى التسويق من جانب الشارع بأن ذلك سيشكّل مدخلاً لحماية ناهبي المال العام، لكن الصيغة الحالية التي يُعمل عليها تستثني بشكل واضح من العفو كل الجرام المالية ومنها تبييض الاموال وتمويل الارهاب، والجرائم المتعلقة بالاثار، وجرائم الاعتداء على الاموال والاملاك العمومية والخصوصية العائدة للدولة والبلديات، وأموال وأملاك المؤسسات العامة والمشاعات، واملاك الافراد العقارية، الجنايات المخلّة بواجبات الوظيفة (الرشوة)، والجرائم المنصوص عليها في قوانين الجمارك وقوانين البناء واكتساب غير اللبنانيين للحقوق العينية والعقارية، قانون النقد والتسليف، وسائر القوانين المتعلقة بالنقد والمصارف، قانون الضمان الاجتماعي، الاثراء عير المشروع، الاختلاسات.

وفي السياق يوضح أحد النواب ان قانون العفو العام اعدته اللجنة الوزارية للعفو العام، وحين اجتمعت هيئة مكتب مجلس النواب وبحثت في القوانين التي اعدتها اللجان الوزارية، لفتت الى ضرورة تبنيها من النواب للاسراع في اصدارها. وأكد أن قانون العفو لا علاقة له بالجرائم المالية، ولا يعفي أحداً من اي تهمة مالية مستقبلية، بل سيتم تعزيزه برفض العفو عن مرتكبي الجرائم البيئية، ونحن منفتحون على التعاون والبحث بأي فكرة، والهدف من الجلسات التشريعية تلبية مطالب المتظاهرين.