تفاصيل الخبر

العدوان الجوي ”المسيّر“ على الضاحية الجنوبية من بيروت هل يسقط قواعد الاشتباك المعمول بها منذ 2006؟

29/08/2019
العدوان الجوي ”المسيّر“ على الضاحية الجنوبية من بيروت هل يسقط قواعد الاشتباك المعمول بها منذ 2006؟

العدوان الجوي ”المسيّر“ على الضاحية الجنوبية من بيروت هل يسقط قواعد الاشتباك المعمول بها منذ 2006؟

سواء رد حزب الله على الاعتداء <المسيّر> على الضاحية الجنوبية من بيروت فجر الأحد الماضي بواسطة طائرتين مسيرتين (درون)، أم لم يرد، فإن الواضح ان هذه العملية الاسرائيلية النوعية لا تشبه الاعتداءات اليومية التي تحصل في الأراضي اللبنانية، أو من خلالها الى الأراضي السورية. حتى ان الغارة الاسرائيلية على مواقع <الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة> في منطقة قوسايا على الحدود اللبنانية ــ السورية بدت <تقليدية> وتندرج في إطار الاعتداءات الاستباقية التي تمارسها اسرائيل كلما دعت الحاجة، وهذه المرة فإن الحاجة انتخابية بالنسبة الى رئيس حكومة العدو <بنيامين نتنياهو> الذي يستعد لخوض معركة انتخابية مع المعارضة لا يبدو انها ستكون سهلة.

وتبرز خطورة الاعتداء على الضاحية الجنوبية من زاويتين، الأولى الأسلوب الذي اعتمد في <الإغارة> على الضاحية، أي استعمال طائرات مسيّرة أطلقت من مكان غير بعيدة عن حي معوض بحيث رجحت التقارير الأمنية حصولها من سفينة حربية رست قبالة الضاحية وأطلقت طائرتي الاستطلاع من مسافة لا تزيد عن 40 كيلومتراً، وهي المسافة التي يقول الخبراء ان طائرات <الدرون> يمكن ان تبقى تحت السيطرة من غرفة العمليات الالكترونية التي توجه سيرها وتحركها. وما يعزز هذا الاعتقاد، ان الطائرة الأولى التي هوت على شرفة أحد المنازل في حي معوض لم يتم اسقاطها بنيران مضادات حزب الله، بل انها تجاوزت المسافة المقدرة لتحليقها، فسقطت بعد انقطاع القدرة التقنية على ادارتها وتوجيهها. أما الطائرة الثانية التي كانت محشوة بالمتفجرات الشديدة الانفجار، فبقيت تحت سيطرة التوجيه الالكتروني وتم تفجيرها في الجو قبل أن تسقط مشتعلة في بورة قريبة من مكان سقوط الطائرة الأولى. وفي تقدير المراقبين ان استعمال اسرائيل لطائرات <درون> في عملياتها العدائية شكل تطوراً جديداً في المواجهة مع حزب الله، لاسيما وان الطائرات المماثلة كانت تستعمل سابقاً في المراقبة الجوية والارسال المباشر بالصوت والصورة الى غرف العمليات المركزية من دون استخدامها في عمليات تفجير أو تفخيخ. والاستعانة بـ<الدرون> (أي الطائرات المسيّرة الكترونياً) سبق أن جُرب في العراق وسوريا وفي الضفة الغربية وقطاع غزة وأثبت فعالية معقولة جعلت الاسرائيليين يستعملونه في اعتداءات تتجاوز المراقبة والنقل المباشر.

 

تغيير في قواعد الاشتباك!

أما الزاوية الثانية فترتبط بلجوء اسرائيل الى إحداث تغيير في قواعد الاشتباك بينها وبين حزب الله والتي تم الاتفاق عليها بصورة غير مباشرة، منذ انتهاء حرب تموز (يوليو) في 14 آب (أغسطس) 2006، وأتى قرار مجلس الأمن الرقم 1701 ليكرس هذه المعادلة التي صمدت طويلاً ولم تخرق إلا مرة واحدة. من هنا بدت قيادة حزب الله مصممة على منع احداث هذا الخرق لئلا يتحول الوضع في لبنان على نحو ما يحصل في العراق مع قوات <الحشد الشعبي> خصوصاً ان قيادة الحزب بدأت تشعر في وقت من الأوقات ان اسرائيل ترتكب الاعتداءات وتراهن على عدم رد الحزب عليها، وهو ما لم يحصل في مواجهة <الغارة المسيّرة> على الضاحية، أو القصف الجوي البعيد المدى لمنطقة قوسايا والأراضي الواقعة ضمن الحدود اللبنانية. ويرى مراقبون ان تغيير قواعد الاشتباك سيف ذو حدين لأن المقاومة لن تسكت على مثل هذا التغيير وإن كانت أكدت انه في ما خص العدوان على الضاحية فإن لا خطوط حمراء، والرد سيكون بحجم الاعتداء النوعي الذي حصل على الضاحية. ويضيف هؤلاء المراقبون ان أي تغيير في قواعد الاشتباك في هذه المرحلة الدقيقة سيؤدي الى تفجير واسع في المنطقة التي تعيش واقع التطورات السلبية المتسارعة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً...

المصادر المتابعة أكدت لـ<الأفكار> ان اسرائيل تلقت رسالة غير مباشرة من حزب الله يحذرها من مغبة تغيير قواعد الاشتباك مع ما يعني ذلك من تبدل في الأهداف المحدودة ويفتح الباب أمام احتمالات كثيرة وتداعيات خطيرة. وسعى ناقلو الرسالة الى أن يكونوا أمناء في نقل الرسالة وخلاصتها انه إذا استمرت الاستفزازات الاسرائيلية فإن حزب الله سوف يرد عليها بصرف النظر عما ستكون عليه ردود فعل اسرائيل، وهو ما أشار إليه بوضوح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله غداة الاعتداء المزدوج على الضاحية الجنوبية، وقبل الغارة الجوية على قوسايا والتي وصف البعض انها أتت كرد اسرائيلي غير مباشر لما أعلنه السيد نصر الله في خطبته يوم الأحد الماضي. وبدا من خلال رسالة حزب الله أن قيادة المقاومة مستعدة للانتقال من مرحلة الى أخرى تشكل إعادة رسم لقواعد الاشتباك التي صمدت طوال 13 عاماً بعد <حرب تموز>، وبالتالي على اسرائيل أن تعيد تقييم الموقف، لأن أي تبدل في القواعد يطلق العنان للأعمال العسكرية في وقت يؤكد فيه حزب الله انه ضد الحرب شرط عدم جره إليها من خلال الاستفزازات اليومية والاعتداءات المبرمجة على سوريا سواء تمت من داخل الأراضي السورية أو من الأراضي اللبنانية إذ لطالما استعمل الطيران الاسرائيلي الأجواء اللبنانية لضرب مواقع محددة في سوريا في إطار الحرب المستمرة التي أضاءت شمعتها التاسعة.

 

سياسة عدم الرد لم تعد مناسبة!

في أي حال يرى مطلعون ان مرحلة ما بعد <الغارات المسيّرة> على الضاحية لن تكون كما كانت قبلها لأن حزب الله مصمم على عدم ترك <العربدة> الاسرائيلية مستمرة، وهو الذي تجاهل الاعتداءات الاسرائيلية المتقطعة والانتهاكات اليومية من البر والبحر والجو، إضافة الى <تمسك> اسرائيل بخرق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 الذي يلزم كلاً من اسرائيل وحزب الله ولبنان بتطبيق مندرجاته، وهو ما يفعله لبنان وحزب الله، وتتجاهله اسرائيل في يومياتها. لذلك فإن الحزب يرى ان سياسة عدم الرد لم تعد مناسبة بعد امعان العدو في خروقاته للقرار 1701 وعدم تجاوبه مع الدعوات المتكررة التي وجهت إليه من دول عدة لا تريد أن ترى لبنان مجدداً تحت تأثير النار الاسرائيلية التي يمكن أن تلتهم المرافق الحيوية والمؤسسات المنتجة وغيرها. لذلك قررت قادة المقاومة إعطاء فرصة أخيرة، وهذا ما بدا واضحاً في كلام السيد الذي، على رغم التصعيد الذي لازمه وهو يتحدث عن الاعتداء على الضاحية، ترك باباً صغيراً مفتوحاً، حين دعا الى التواصل مع الأميركيين كي يتصلوا باسرائيل واقناعها بأن <تتضبضب> وتوقف اعتداءاتها.

وتقول مصادر ديبلوماسية ان الرسالة التي وجهها السيد نصر الله والتي أبقت الأبواب مفتوحة مدة صلاحيتها محدودة خصوصاً إذا ما عاود الاسرائيليون انتهاكاتهم واعتداءاتهم لأن الفرصة الأخيرة التي أعطاها قائد المقاومة لن تتكرر، وهذا ما يقلق المسؤولون في الأمم المتحدة من جهة، وفي عدد من الدول الصديقة للبنان مثل فرنسا التي وإن كانت <منزعجة> من الارتكابات الاسرائيلية المتتالية، إلا انها تسعى الى أن يضبط الطرفان النفس ولا ينجرا الى مخالفة القواعد المعمول بها قبل اعتداء الضاحية. ولعل الموقف الذي أبلغه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان السيد <يان كوبتش> الذي استدعاه الى قصر بيت الدين يوم الاثنين الماضي، بأن استمرار الاعتداءات يعطي للبنان حق الدفاع عن النفس على نحو يحفظ سيادته وسلامة أراضيه، عَكَسَ توجهاً جديداً لدى الدولة اللبنانية التي كانت تطلب دائماً من حزب الله <ضبط النفس>، في حين تمعن اسرائيل في اعتداءاتها التي وصلت الى الضاحية الجنوبية وما ترمز إليه هذه المنطقة على صعيد الصراع بين حزب الله واسرائيل، علماً ان الاعتداء <المسيّر> كاد أن يهدد سلامة الطيران المدني اللبناني في ما لو اصطدمت إحدى الطائرتين المسيرتين، بطائرة ركاب تستعد للهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي الذي يقع على مسافة قريبة من حي معوض حيث سقطت الطائرتان.

في أي حال، فإن المواجهة اللبنانية مع اسرائيل لن يكون مسرحها هذه المرة أروقة الأمم المتحدة في نيويورك وقاعة مجلس الأمن، لأن المؤشرات تدل الى انتقالها الى أمكنة أخرى داخل لبنان وخارجه مع ما يعني ذلك من تبدلات جديدة في مسيرة الصراع اللبناني ــ الاسرائيلي قبل أيام من التمديد للقوات الدولية (اليونيفيل) الذي بات وجودها في الجنوب، حاجة ضرورية للمحافظة على الاستقرار الهش القائم منذ حرب تموز 2006 وحتى اليوم. وما يرفع منسوب القلق إعلان حزب الله ان الطائرة الأولى التي سقطت كانت مجهزة بمتفجرات من نوع <سيفور> الشديدة الانفجار بحيث انها كانت معدة إما لاغتيال شخصية من حزب الله، أو لتفجير موقع للحزب!