بقلم خالد عوض في خطابه الأخير منذ أيام، حدد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عدوين خارجيين للبنان: الإرهاب وإسرائيل. ودعا الى استراتيجية تصدٍ للأول طالما أن مختلف الأطراف السياسية في البلد متفقة على محاربته بينما ليس هناك إجماع على استراتيجية التصدي للثاني، حسب توصيفه. وكان السيد نصر الله قد حدد في أحد خطبه السابقة عدوين داخليين للبلد: الأول، هو النظام الطائفي الذي يمنع قيام الدولة. والثاني، هو الفساد الذي يأكلها. ومن خلاصة كل خطب أمين عام حزب الله يتبين أن الحزب غير معني بالتصدي للعدوين الداخليين رغم إقراره بخطرهما الكبير لا بل أنه مستعد للتحالف مع أي قوى سياسية حتى لو كانت ممعنة في الطائفية والفساد من أجل محاربة العدوين الخارجيين. هذا ما يفعله الحزب أيضاً في سوريا حيث يتحالف مع نظام بشار الأسد، مع كل ما يمثله من بطش وفساد، من أجل محاربة إسرائيل و«التكفيريين>. المنطق مكيافيلي مهما كانت التبريرات. وبما أن الحزب مستعد لأن يتحالف مع شياطين الفساد لمواجهة الشيطان الأكبر إسرائيل (ورثت هذا اللقب من الولايات المتحدة اثر التقدم الذي حصل في المحادثات النووية) فمن الصعب التصديق أن أجندة قيام الدولة موجودة عند حزب الله في المدى المنظور. وطالما أن الحزب وأجندة المقاومة هما اللغة السائدة في لبنان، فلن يجد وزير الصحة وائل أبو فاعور آذاناً صاغية له عندما يقول اننا نعيش على جبل من فساد. ولن يتوفر مناصرون لوزير الإقتصاد آلان حكيم عندما يقول صراحة أن مافيا الفساد تتحكم بالأسعار وأن وزارته مشلولة الصلاحيات. ولن يتمكن وزير المال علي حسن خليل من فضح المستور في الدوائر العقارية أو الجمارك سوى محاولات إدخال بعض المواد المشعة. حتى وزير الداخلية نهاد المشنوق فقد بعض المصداقية من خلال الخطة الأمنية في البقاع التي تبين أنها شكلية وتعقيمية أكثر منها حقيقية واستئصالية. الفساد أكبر من الدولة ويفرض على حزب الله أن يتحالف معه إن أراد محاربة إسرائيل. بعد الطائف كانت هناك معادلة تقضي بأن تكون مسؤولية البلد الإقتصادية بيد رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري والمسؤولية الأمنية والعسكرية والخطوط السياسية الكبرى بيد سوريا. ولا يزال يؤخذ على الشهيد الكبير أنه تحالف مع <الشيطان> السوري من أجل المضي في إعمار لبنان ودفع شخصياً والبلد معه ولا يزال ثمناً باهظاً لذلك. منذ اغتيال الحريري وخروج سوريا، تطورت هذه المعادلة حتى وصلنا اليوم إلى واحدة شبيهة بالشكل ولكنها أكثر أذى على كيان لبنان من إسرائيل والإرهاب مجتمعين، لا بل انها تشكل أفضل حليف لإسرائيل والإرهاب لأنها تسرع في قضم لبنان من الداخل بعدما عجز العدوان عن اقتطاعه من الأطراف. المعادلة تقضي بأن يكون الأمر العسكري والأمني والسياسي هو لحزب الله. حتى انتخاب رئيس الجمهورية يمر من <حارة حريك> وليس من ساحة النجمة مهما تلونت الحوارات الجارية هنا أو هناك بالحرص الدستوري. أما وارث الرئيس الشهيد رفيق الحريري في المسؤولية الإقتصادية والطرف الثاني في المعادلة فهو الفساد بشخصيته المعنوية التي تمثلها مراكز القوى في النفط والمولدات والأدوية والصحة والغذاء والمقاولات ومشتقاتها والتهريب المنظم وصولاً إلى المخدرات وتبييض الأموال. هو الذي يدير الإدارات والمؤسسات الحكومية والوزارات وهو الذي يربط القطاع الخاص بالدولة من خلال كل هذه التجمعات الاحتكارية وهو الذي يعطل الكثير من الإجراءات والمشاريع التي تخدم المواطن. من واجب حزب الله اليوم طالما أنه يمسك بالقرار في لبنان أن يعلن الحرب على الفساد ويعتبر أن هذه معركة ملحة ولا يمكن تأجيلها. فالبلد يتهاوى في كل المجالات. هذا ما نسمعه كل يوم من الوزراء أنفسهم، وهذا يأكل من رصيد حزب الله مهما كانت الغاية <نبيلة>. وكان من الضروري مثلاً أن يلتفت السيد حسن نصر الله الى كلام الوزير أبو فاعور طالما أن الأمين العام لحزب الله هو أول من وصف الإرهاب بعدو لبنان. لقد دفع الشهيد رفيق الحريري أغلى الأثمان لأنه تغاضى بل تحالف مع <الشياطين> لإعمار لبنان. ولا شك أن حزب الله متجه الى الهاوية نفسها إذا كان يصر على أن يسلك الطريق نفسها من أجل تحرير لبنان و...الجولان.