تفاصيل الخبر

الاعتراض على دعوة بري لـ”تشريع الضرورة“ خلفياته دستورية لأن الحكومة مستقيلة... أم ميثاقية؟!

21/09/2018
الاعتراض على دعوة بري لـ”تشريع الضرورة“  خلفياته دستورية لأن الحكومة مستقيلة... أم ميثاقية؟!

الاعتراض على دعوة بري لـ”تشريع الضرورة“ خلفياته دستورية لأن الحكومة مستقيلة... أم ميثاقية؟!

 

لا يخفي نواب تيار <المستقبل> وأركان مكتبه السياسي، معارضتهم رغبة رئيس مجلس النواب نبيه بري بعقد جلساته التشريعية لإقرار عدد من مشاريع واقتراحات القوانين الملحة تحت عنوان <تشريع الضرورة>، معتبرين ان مثل هذه الجلسات لا يجوز عقدها في غياب حكومة كاملة الأوصاف، خصوصاً ان الحكومة الحالية هي حكومة تصريف للأعمال. في المقابل يبدو الرئيس بري واضحاً في اصراره على الجلسة التشريعية فور انتهاء اللجان النيابية المشتركة من درس مشاريع واقتراحات القوانين المعروضة عليها، ويؤيده في ذلك نواب حزب الله، و<تكتل لبنان القوي> و<المردة>، فيما يتأرجح موقف <القوات اللبنانية> بين تأييد الدعوة حيناً وطلب ايضاحات حيناً آخر حول جدول أعمال الجلسة التشريعية أحياناً قبل تحديد الموقف النهائي.

 

تباين في تفسير المادة 69

 

وكما في كل مسألة سياسية، تكثر الاجتهادات الدستورية والقانونية وتختلف الآراء حول تفسير مواد الدستور، فإن الأمر لم يختلف هذه المرة أيضاً في تفسير المادة 69 من الدستور التي تنص على الآتي: <عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة>.

هذا النص يترجمه الرئيس بري ومن يؤيده في موقفه، بإمكانية انعقاد جلسات نيابية كاملة، تشريعية وغير تشريعية، وان ثمة سوابق في هذا الاتجاه، كما في المقابل يرى معارضو الفكرة ان المشترع أراد من خلال هذه المادة الافساح في المجال أمام السلطة التنفيذية التي تجسدها الحكومة الجديدة، المثول أمام المجلس لنيل ثقته وعدم انتظار حلول موعد الدورة العادية الأولى أو الدورة العادية الثاني بدليل ان النص ربط مدة وجود المجلس في دورة استثنائية بأجل تأليف الحكومة ونيلها الثقة لاسيما عند استعماله عبارة <حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة>، أي ان مهام المجلس في هذه الدورة الاستثنائية محصورة في مناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة ومنح الثقة أو حجبها عنها، وليس هناك أي دور آخر للمجلس في تلك الفترة، لاسيما الدور التشريعي.

وبين النظريتين المتناقضتين لتفسير المادة 69 من الدستور، يستند البعض الى ان مجلس النواب سيد نفسه وهو الذي يفسّر مواد الدستور، واستطراداً فهو يستطيع أن ينعقد ويشرّع في ظل حكومة تصرّف الأعمال. وعندما يتحدث مؤيدو الرئيس بري في دعوته الى ان المجلس النيابي عقد أكثر من جلسة في زمن الفراغ الرئاسي وشرّع سلسلة اقتراحات ومشاريع قوانين كانت غالبيتها ذات طابع مالي ومعظمها على شكل قروض، يأتي الجواب بأن الحكومة التي كانت تقوم بمهام رئيس الجمهورية كانت مكتملة خلال الفراغ الرئاسي ولم تكن في مرحلة تصريف الأعمال واستطاعت أن تبدي رأيها في اقتراحات القوانين التي تعرض عادة على مجلس الوزراء قبل مناقشتها في مجلس النواب، فإذا رفضتها الحكومة لا يتم عرضها أو يصار الى تعديلها. وبالتالي فإن غياب جلسات مجلس الوزراء نتيجة اعتبار الحكومة مستقيلة، ما يجعل دور الحكومة معطلاً في إبداء رأيها خصوصاً إذا رتبت هذه القوانين التزامات مالية أو موجبات دولية.ويضيف المعترضون ان الدستور نص أيضاً على الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، فكيف يتحقق ذلك عندما تكون الحكومة مستقيلة وبالتالي غير قادرة على <التعاون> مع السلطة التشريعية كما ان <التوازن> مفقود بين مجلس نيابي شرعي منتخب وفقاً للأصول، ومجلس وزراء مستقيل غير قادر على الانعقاد واتخاذ قرارات وإقرار مراسيم الخ...

البعد الميثاقي للاعتراض السني

إلا ان الوجه الآخر للتباين في وجهات النظر يبقى ميثاقياً بامتياز، ذلك ان نواب تيار <المستقبل> يقاربون هذا الملف من زاوية عدم جواز التشريع، مهما كان ضرورياً، في غياب حكومة يرأسها ممثل الطائفة السنية في التركيبة السياسية اللبنانية، وبالتالي فإن ذلك قد يُفسر انتقاصاً من صلاحيات <الرئيس السني> في مقابل صلاحيات رئيس مجلس النواب <الشيعي> ورئيس الجمهورية <الماروني> ما يحدث خللاً في التوازن القائم بين السلطات من جهة، والمكونات الطائفية في لبنان من جهة أخرى. ويستذكر نواب في <التيار الأزرق> ما حصل في العام 2013 عندما استقالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وبعد فترة دعا الرئيس بري الى جلسة تشريعية قاطعها النواب السنة فلم تنعقد الجلسة. وكرر الرئيس بري الدعوة مرة بعد مرة وكان الموقف نفسه، واعتبر الرئيس ميقاتي يومذاك ان الحكومة مستقيلة وهي بالتالي غير مسؤولة أمام مجلس النواب، فتضامن معه النواب السنّة لتفتقد الجلسة الميثاقية وتتأجل.وفيما يسجل نواب <المستقبل> ــ ومعهم ضمناً الرئيس الحريري ــ حرص الرئيس بري على <حماية> نتائج مؤتمر <سيدر> وضرورة تشريع قوانين مرتبطة بالمؤتمر، يرون ان هذه <الحماية> التي يريدها الجميع، لا تكفي في ظل غياب السلطة التنفيذية عن القيام بدورها كاملاً. إضافة الى ذلك فإن معارضي فكرة عقد جلسات تشريعية يعتبرون انعقاد هذه الجلسات في ظل حكومة تصريف للأعمال سيعطي انطباعاً سلبياً عن مسار تشكيل الحكومة الجديدة بحيث يبدو وكأن امكانية التشكيل متعذرة في أمد قصير فاضطر النواب الى التشريع في غياب حكومة قد لا تُشكل في وقت قريب...

في المقابل، ترى مصادر كتلة التنمية والتحرير التي يرئسها الرئيس بري بأن الهدف من الدعوة الى جلسة تشريعية هو فصل التعطيل الحكومي عن مجلس النواب وتجنيب الساحة الداخلية المزيد من التأخير في إقرار تشريعات باتت ملحة وضرورية، وبالتالي فإن المجلس ليس في وارد الدخول طرفاً في السجالات الدائرة حول التشكيلة الحكومية، بل يقوم بدوره من خلال اللجان المشتركة ثم الهيئة العامة لاخراج البلاد من حالة الجمود التي أصيبت بها ولئلا يبقى مجلس النواب معطلاً بعد أكثر من خمسة أشهر على انتخاب أعضائه. وترى مصادر الكتلة ان لا نية لتجاوز السلطة التنفيذية التي تبقى قادرة من خلال دور رئيس الجمهورية على ردّ أي قانون يقره مجلس النواب لا توافق عليه، كما ان في استطاعة النواب المعارضين للتشريع اللجوء الى المجلس الدستوري للطعن بأي قانون يرى فيه هؤلاء ان لا مصلحة وطنية بإقراره.

إلا ان مراجع قانونية رأت استحالة في قدرة رئيس الجمهورية على رد القوانين التي يقرها مجلس النواب في غياب مجلس الوزراء لأن المادة 57 من الدستور تفرض على الرئيس <اطلاع مجلس الوزراء> على رغبته في الطلب من المجلس النيابي إعادة النظر في أي قانون يقره مجلس النواب وذلك ضمن المهلة المحددة لاصداره (أي شهر) وفي غياب مجلس الوزراء لأن الحكومة مستقيلة، لا يمكنه ممارسة هذا الحق، علماً ان المادة نفسها تنص على انه في حال انقضاء المهلة من دون إصدار القانون أو إعادته الى مجلس النواب لدرسه من جديد، يعتبرالقانون نافذاً حكماً ووجب نشره. أي ان رئيس الجمهورية لن يستطيع أن يبدي رأيه في القوانين التي سيقرها مجلس النواب ضمن إطار <تشريع الضرورة> وإذا كانت لديه اعتراضات على أي قانون فهو غير قادر على التعبير عنها دستورياً لغياب مجلس الوزراء الذي أوجبه الدستور على الرئيس ان يطلعه على رغبته برد القانون!

وانطلاقاً من هنا، فإن ثمة من يعتبر ان <تشريع الضرورة> في ظل حكومة مستقيلة لا يعطل دور الحكومة ورئيسها فحسب، بل أيضاً يعطل دور رئيس الجمهورية ويحد من صلاحياته.