تفاصيل الخبر

العالم يبكي بيروت.. قومي كزهرة لوز في نيسان

05/08/2020
العالم يبكي بيروت.. قومي كزهرة لوز في نيسان

العالم يبكي بيروت.. قومي كزهرة لوز في نيسان

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_80010" align="alignleft" width="416"] أعمدة الدخان تشق عباب السماء بفعل الانفجار ..الزلزال.[/caption]

بيروت الألم والوجع، بيروت التي كُتب عليها ان تدفع ثمن ما يقترفه البعض حتّى من الذين يتنطحون للدفاع عنها عندما تستدعي حاجاتهم. بيروت وليدة الشطآن والخلجان والتي قامت من تحت الركام سبع مرّات وانتصرت على الموت على مدى العصور، ها هي تتعرّض اليوم لواحد من أكبر وأضخم الإنفجارات في التاريخ، بفعل تقاعص الدولة عن القيام بواجبها والإستهتار الفاضح لحكومة تبحث في زوايا الصفقات عن مردود مادي وسياسي علّه يمدها بأيام إضافية تُضاف إلى ما تبقّى من عمرها. لكن في جميع الأحوال، فإن بيروت تأبى إلا أن تتشبّه بطائر الفينيق، فسرعان ما سوف تُجدّد نفسها لتنهض من الركام ولتنظر في عين الشمس، لتومي بأصبعها باتجاه كل من تخاذل وتقاعص عن حمايتها.

صدى الإنفجار يتردد في قبرص

 في وطن الداخل اليه مفقود والخارج منه مولود، ضاعت حقيقة إنفجار سوّى مدينة بيروت بالأرض بعدما خلّف وراءه مئات الشهداء والجرحى ضاقت بهم المستشفيات بعدما تخطّى عددهم الألف. هو إنفجار غير مسبوق حوّل بلمح البصر عاصمة العلم والثقافة والحضارة إلى مُجرّد ركام قد يصلح فقط لتعبئته داخل أكياس لصناعة المتاريس من اجل مواجهة سلطة لم تعد تستحي لا من السرقات ولا من الفساد، ولا حتّى من إدارة ظهرها لشعبها وتلهيّها بتقاسم الأموال المنهوبة.

  [caption id="attachment_80011" align="alignleft" width="391"] الصليب الأحمر يستنفر بأقصى طاقته لنقل الشهداء والجرحى.[/caption]

ظهر الثلاثاء الماضي، ضاعت التحليلات والتكهنّات في ما يتعلّق بطبيعة الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت. الإستنتاجات الأولية تمحورت حول حريق كبير في العنبر رقم 12 بالقرب من إهراءات القمح في مرفأ بيروت، في مستودع للمفرقعات، إلا أن الفيديوهات التي رصدت لحظة الانفجار الأول والانفجار الضخم الذي أعقبه، أظهرت انفجارات ضخمة مع قوة عصف هائلة وسحب من الدخان سرعان ما تحوّلت المناطق المُحيطة إلى ما يُشبه ساحة حرب بسبب الدمار. واللافت أن دوي الانفجار سمع في مناطق بعيدة جداً عن الحادث، حيث قالت وكالة "فرانس برس" إن الدوي سمع في كل أنحاء العاصمة، وصولاً إلى مناطق بعيدة عنها، كما افاد أشخاص في جزيرة قبرص عن سماع صوت الانفجار.

أمّا أبرز الكلام فقد كان للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي أوضح من موقع الإنفجار أنه لا يمكننا استباق التحقيقات، مشيراً إلى أننا لا نقول ان انفجاراً ناجماً عن اشتعال مفرقعات وهذا كلام مثير للسخريّة بل هي مواد شديدة الانفجار.​ بدوره اعتبر مدير عام الجمارك بدري ضاهر أن الانفجار ناجم عن حاوية تحتوي على "نترات الأمونيوم"، وهذه مادة قابلة للانفجار، تم احتجازها وتفريغها بمستودع خاص بالكيماويات في مرفأ بيروت. وأوضح أن الحاوية كانت محتجزة قضائياً، بسبب خلاف قضائي بين المستورد والشركة الناقلة، وتم احتجازها لصالح دعوى خاصة، وليست عامة.

[caption id="attachment_80013" align="alignleft" width="431"] ركام الأبنية في المرفأ[/caption]

هل هذا فعلاً ما حصل؟

حتى الآن، فإنّ كل الروايات تشيرُ إلى أن الإنفجار الكبير انطلق من العنبر رقم 12 داخل مرفأ بيروت، وسببه إشتعال مواد كيماوية، وتقول المصادر إن حريقاً أولياً نشب داخل المرفأ، وقد هرعت عناصر من فوج إطفاء بيروت لإخماده، وربّما تكون النيران قد وصلت إلى المواد شديدة الإنفجار، الأمر الذي أسفر عمّا حصل.

 وكشفت المعلومات أن تلك المواد هي نيترات الأمونيا وهي موجودة بآلاف الأطنان منذ 4 سنوات داخل أحد المستودعات، وكان واجب أن تتلف أو تنقل إلى غير مكان بعدما ضُبطت في وقت سابق. ووفقاً للمصادر، فإن نحو 2700 طن من الأمونيا المصادرة في المرفأ ساهمت في ما حصل، في حين تحدث المعلومات أن هذه المواد انفجرت أثناء عملية تلحيم لفتحة صغيرة لمنع السرقة.

ماذا قال المحللون والخبراء وما علاقة إسرائيل؟

في الليلة ذاتها لوقوع الإنفجار الذي ما زالت تداعياته مستمرة حتّى الساعة نتيجة هول الكارثة التي خلفها على جميع الصعد، تحدث الكثير من المحللين الاستراتيجيين حول طبيعة الإنفجار وما إذا كان عملاً امنياً متعمّداً، أو كما يُقال ناجماً عن مواد شديدة الانفجار كانت موجودة في العنبر 12، لكن الأغلبية أجمعوا على رأي يقول إن ما جرى هو استهداف مباشر نفذته طائرات اسرائيلية سُمع هديرها في الأجواء اللبنانية قبل لحظات من وقوع الانفجار.

الخبير العسكري والاستراتيجي، إلياس فرحات، رأى أن ضخامة الانفجار وشكل الغيمة التي تشكلت عنه، التي تشبه الفطر، بالإضافة إلى اللون الوردي الذي ملأ الموقع، تشير إلى أن الانفجار جاء نتيجة عبوة كبيرة جداً تحتوي على مواد كيماوية، أو بقصف صاروخي بعيد المدى. وفيما يتعلق بالتقارير التي تحدثت عن وجود متفجرات "تي إن تي" في موقع الانفجار، قال: إن استيراد المتفجرات في لبنان

[caption id="attachment_80012" align="alignleft" width="375"] ركام الأبنية في المرفأ[/caption]

يخضع لموافقة وزارة الدفاع، لافتاً إلى أن مصانع البارود والديناميت التي تستورد مثل هذه المادة موجودة بالفعل في لبنان، لكن بإشراف وزارة الدفاع.

أما اللون الوردي، بحسب فرحات، فهو "الغريب" في هذا الانفجار. وأضاف: كل الانفجارات السابقة في لبنان نجم عنها دخان أسود أو أبيض، أما اللون الوردي فيعني حتما أن هناك مواد كيماوية انفجرت، كأن يكون هناك 10 أطنان من مادة الـ"تي إن تي"، على سبيل المثال. أما مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية، سامي نادر، فقال إن الانفجار الذي رأيناه "لا مثيل له" على الإطلاق. وأضاف: عاصرت انفجارات كثيرة ، ولم أر مثل هذا الانفجار في حياتي.. هذا شيء جديد على لبنان كلياً. وشكك نادر في التصريحات الأولية للمسؤولين التي أشارت إلى أن الانفجار نجم عن حاوية تحوي على مواد كيماوية.

أين دور اسرائيل؟

أمّا الذين المحوا الى فرضية ان يكون الإنفجار ناجماً عن اعتداء اسرائيلي، فالمستغرب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، أوعز لرئيس هيئة الأمن القومي "مائير بن شبات" بالتحدث مع مبعوث الأمم المتحدة "ملادينوف" لمعرفة ما الذي يمكن لإسرائيل فعله من أجل مساعدة لبنان. ومن جهته، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي "بيني غانتس"، في وقت سابق، أن إسرائيل عرضت إرسال مساعدات إنسانية وأدوية إلى لبنان بعد الانفجار في مرفأ بيروت. وجاء في بيان بهذا الصدد، أن إسرائيل توجهت إلى لبنان عبر القنوات الأمنية والدبلوماسية الدولية، وعرضت على الحكومة اللبنانية مساعدات إنسانية وطبية.

ويبدو ان البعض في لبنان قد ذهب أبعد من استهداف اسرائيلي لحزب الله، هذا في حال اعتبرنا فعلاً أن المُستهدف هو سلاح تابع للحزب، وذلك من خلال ربطه الإنفجار بتلك التي كانت وقعت منذ فترة قصيرة في ايران. في هذا السياق يعتبر مصدر سياسي أن ما جرى في بيروت له بصمات اسرائيلية واضحة، وهناك استهداف فعلي لاحد البواخر أو العنابر التي يحتفظ الحزب فيها بأنواع من الأسلحة التي يتم ينقلها على فترات من المرفأ إما الى الجنوب أو إلى البقاع.

ماذا قررت السلطة؟

[caption id="attachment_80009" align="alignleft" width="473"] أضرار فادحة في مبنى جريدة النهار.[/caption]

بقرار من رئيس الجمهورية ميشال عون تمّ تشكيل خلية أزمة في القصر الجمهوري مهمتها مواكبة تداعيات الكارثة التي وقعت في مرفأ بيروت والتنسيق الحثيث مع خلية الازمة التي شكلت لهذه الغاية والجهات المعنية وذلك بعد دعوته الى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء في اليوم الثاني لوقوع الإنفجار في قصر بعبدا للبحث في توصيات المجلس الاعلى للدفاع ومتابعة تداعيات الكارثة التي وقعت في بيروت. ومن جهته، أكد رئيس الحكومة حسّان دياب: أنني لن ارتاح حتى أجد المسؤول عمّا حصل لمحاسبته وإنزال اشد العقوبات به لأنه من غير المقبول ان تكون شحنة من "نيترات الأمونيوم" تقدّر بـ 2750 طناً موجودة منذ 6 سنوات في مستودع من دون اتخاذ أي اجراءات وقائية.

وبقرار من رئيس الجمهورية، تمّ تشكيل خلية أزمة في القصر الجمهوري برئاسة مدير عام رئاسة الجمهورية انطوان شقير، مهمتها مواكبة تداعيات الكارثة التي وقعت، والتنسيق الحثيث مع خلية الازمة التي شكلت لهذه الغاية والجهات المعنية.

حزب الله: فاجعة على مختلف المستويات

من جهته أصدر "حزب الله" بياناً جاء فيه، نتقدم من الشعب اللبناني الشريف ومن عائلات الشهداء والجرحى بأعمق آيات المواساة والشعور بالحزن العميق لهذه المأساة الوطنية الكبرى التي أصابت لبنان واللبنانيين في الظروف الصعبة التي يمر بها بلدنا العزيز. ورأى أن  هذه الفاجعة الأليمة وما خلّفته من دمار غير مسبوق وعواقب خطيرة على مختلف المستويات الإنسانية والصحية والاجتماعية والاقتصادية تستدعي من جميع اللبنانيين وجميع القوى السياسية والفاعليات الوطنية التضامن والوحدة والعمل المشترك لتجاوز آثار هذه المحنة القاسية والوقوف مجدداً بعزم وإرادة لمواجهة الصعاب والتحديات المستجدة. 

أضاف: اننا في هذه المناسبة الحزينة نوجه التحية الى جميع الطواقم الطبية والتمريضية وهيئات الإغاثة الإنسانية ورجال الدفاع المدني والأطباء الشجعان على جهودهم الكبيرة في الانقاذ والاسعاف والمساعدة ونضع كل امكانياتنا في خدمة أهلنا الشرفاء ومواطنينا الأعزاء حيث تدعو الحاجة. وختم: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمُن على الشهداء بالرحمة والمغفرة وعلى أهاليهم بالصبر والسلوان ونسأله تعالى ان يمن على الجرحى بالشفاء العاجل وأن يمن على شعبنا العزيز بالصبر والصمود وأن ينجح بلدنا في تجاوز الصعاب والمحن.