تفاصيل الخبر

العالم شهد الحدث التاريخي المميز يوم الأحد الماضي إعلان قداسة بابوين قديسين من بابوين على قيد الحياة!

02/05/2014
العالم شهد الحدث التاريخي المميز يوم الأحد الماضي إعلان قداسة بابوين قديسين من بابوين على قيد الحياة!

العالم شهد الحدث التاريخي المميز يوم الأحد الماضي إعلان قداسة بابوين قديسين من بابوين على قيد الحياة!

مشاركة لبنان واللبنانيين في الحدث التاريخي وفاء  لدور البابا في إعلان ”لبنان الرسالة الأكبر من وطن 

1 احتفالات روما يوم الأحد الماضي 27 نيسان/ أبريل المنصرم بإعلان قداسة البابوين التاريخيين <يوحنا الثالث والعشرين> و<يوحنا بولس الثاني>، لم تكن احتفالات عادية أو روتينية كتلك التي تقام في مثل هذه المناسبات في حاضرة الفاتيكان وبرئاسة البابا، إنما وباعتراف جميع المراقبين كانت احتفالات تاريخية، إذ ان الإعلان البابوي عن ترفيع البابوين الى رتبة قديسين، وهما بابوان دخلا التاريخ من الباب الواسع، كان في حضور ومشاركة بابوين آخرين تعتبرهما الكنيسة والعالم الكاثوليكي بابوين تاريخيين هما البابا الحالي <فرنشيسكو> الذي يحتل مرتبة عالية ومميزة من التقدير والمحبة في العالم، خصوصاً في صفوف الشباب والفقراء وذوي الدخل المحدود أولئك الذين يؤلفون الأكثرية الساحقة من العالم المسيحي والكاثوليكي بالتحديد. فالبابا <يوحنا الثالث والعشرون> دعا الى أول مجمع في الكنيسة بهدف التطوير والتحديث في عصر العولمة، ورفع شعار <الله محبة وأن العائلة هي الأساس في الإيمان بالله واحترام حقوق الإنسان، وأن الناس إخوة في الله>.

والبابا الثاني القديس <يوحنا بولس الثاني> كرّس هذا التقليد في عقد المجامع المسكونية ومواصلة تحديث الكنيسة وبث روح الشباب والحراك الدائم في صفوف أعضائها على أساس أن هؤلاء الأعضاء يؤلفون جسماً واحداً متّحداً بالله ومتجدداً بفعل تعاليم السيد المسيح. وقد أطلق على هذه الروح المتجددة لقب ربيع الكنيسة، مما يرفع من معنويات وحراك الشباب داخل باحة الكنيسة العالمية، بحيث ان <يوحنا بولس الثاني>، البابا القديس، رفع من معنوياتهم بزياراته المتعددة والمتواصلة لبلدانهم حتى البعيدة منها،وترأس المؤتمرات الشبابية المسكونية في معظم القارات فاتحاً الآفاق الواسعة أمام مختلف المنضوين الى الديانات السماوية في العالم، للحوار وللعمل من أجل السلام والعدالة بين البشر، ومن أجل رفع الظلم عن الشعوب المصابة بالفقر والمرض وأنظمة القهر والاحتلال وتحرير الإنسان من العبودية والاستغلال والفقر وحفظ حقوق المرأة والطفل.

هذا هو ربيع الكنيسة الذي بدأ مع انفتاح الكنيسة الكاثوليكية على الديانات السماوية الأخرى واتباعها، وظل يطرق (يوحنا بولس الثاني) أبواب العالم الشيوعي بقوة لتحريره من الظلم والقهر ودفعه الى الحرية منذ ثورة العمال وانطلاق حركة التضامن في بلاده (بولندا) على هذا الشكل بدعم مباشر لحركة قائدها <ليش فاليسا> الى أن انهارت الأنظمة الشيوعية وتفكك معها عالم الحزب الواحد وانفتحت على شعوب ما كان يسمى في الماضي العالم الشيوعي أبواب الحرية والديموقراطية والقرار الحر والاحترام المقدس لحقوق الإنسان، وزال ما كان يسمى الاتحاد السوفييتي وأصبح مع النظام الشيوعي من الماضي.

البابا والقضايا العربية

تميّزت مواقف البابوين <يوحنا الثاني والعشرين> و<يوحنا بولس الثاني> في ظل ولايتهما، وأيضاً في ظل ولاية البابا <بنيديكتوس السادس عشر> الذي ضرب باستقالته من سدة البابوية وتنحيه عن الخدمة لأنه شعر بالعجز مع تقدمه بالسن عن مواصلة أداء مهماته ورسالته، أرفع مثال في التواضع واحترام البشر، وأعطى نظراءه في سدة المسؤولية من رؤساء دول وزعماء ومسؤولين المثل بالتواضع والشفافية، وهو الذي كان طفلاً مدبراً الى جانب البابا القديس <يوحنا بولس الثاني> بالتحديد، فأحدثت استقالته وتنحّيه عن مهماته بكبَر ثورة عالمية في القصور ومراكز الحكم في مختلف أنحاء العالم، خصوصاً في البلدان التي تعتمد أنظمة غير ديموقراطية، أو أن الحاكم فيها يتوارث الحكم أباً عن جد، واستحق أخيراً لا آخراً أن يشارك البابا <فرنسيس> في الاحتفالات التي شهدتها حاضرة الفاتيكان في روما بإعلان قداسة بابوين عظيمين، فكانت هذه المشاركة بالذات حدثاً مميزاً من أحداث الكنيسة التاريخية، إذ انها المرة الأولى في التاريخ التي يشارك بابوان على قيد الحياة في إعلان قداسة بابوين سبقاهما في سدة المسؤولية الروحية والاجتماعية والإنسانية في العالم، ودخلا التاريخ من هذه الزاوية.

طبعاً، لقد استحق البابوان القديسان إعلان قداستهما بفعل العجائب التي أظهراها في أوساط الكثيرين من سكان الأرض الذين أدلوا بشهاداتهم المدفوعة بالوقائع أمام رؤسائهم، الى جانب ما تركه البابوان القديسان من صفحات بيضاء في تاريخ الكنيسة والحياة البشرية ونظامها الاجتماعي والروحي وعلى صعيد الإيمان بالله وبخيار التعاون المفروض على قادة العالم الذين هم في سدة المسؤولية السياسية وقصور الحكم، أو أولئك الذين في سدة مسؤولية القيادة الروحية في جميع الأديان، خصوصاً تلك التي تؤمن بالله.

لقد اقترنت مواقف وأعمال وقرارات البابوات المتعاقبين على رئاسة الكنيسة الكاثوليكية ببصمات واضحة وشرائع مهمة وتاريخية على صعيد تشجيع إقامة الحوار والتعاون بين البشر، وكذلك على صعيد الشرق الأوسط والقضايا والمشاكل التي واجهتها شعوب دوله، وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية واقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وتشتيته في مختلف أنحاء العالم وتحويله الى شعب مقهور بعيداً عن أرضه ووطنه، لاجئاً لدى دول مجاورة لفلسطين أو لغيرها. ووقفت الكنيسة ولا تزال ضد احتلال فلسطين وطرد شعبها وإلحاق الأذى والقهر والظلم بالشعب الفلسطيني وتحويل الأرض المقدسة التي انطلقت منها الديانة المسيحية وشهدت ولادة معظم الديانات السماوية الى مستوطنات للاحتلال والمحتلين.

هذه المواقف الكنسية الكاثوليكية كانت ولا تزال مع المواقف التاريخية للبابوين القديسين موضع صدام وخصام، وهدفاً لإسرائيل وكل المتعاملين معها وداعمي مشاريعها الاستيطانية في العالم الى اليوم. والحرب التي تشنها اسرائيل على الكنيسة وقيادتها ورجالها في العالم، سببها الرئيسي هذه المواقف المبدئية التي التزمت بها الكنيسة والبابا، وعلى وجه الخصوص البابوين القديسين بالنسبة للقضية الفلسطينية، أم لحصار قطاع غزة أم بالنسبة للحرب التي شنّها الأميركيون على العراق. ومواقف الفاتيكان والبابا من العمليات الإسرائيلية المتواصلة لتغيير معالم مدينتي القدس وبيت لحم وسائر الأراضي المقدسة، ما تزال صامدة في وجه الضغوط الأميركية والاسرائيلية، وبعض الأوروبية، وهي مواقف لن تتغير أو تتبدّل لأنها مواقف مبدئية منطلقة من مبادئ نصرة الحق، وإيمان البابا وأهل الكنيسة الجامعة بالعدل ونبذ الظلم والاحتلال. والعتب الأميركي والاسرائيلي على الفاتيكان وعلى البابا القديس <يوحنا بولس الثاني> كان ولا يزال كبيراً لأنهما التزما بموقفهما المناهض لشن الحرب على العراق، ولا يزالان في موقف مناهض لاستخدام العنف وحرب التدمير والإبادة الجارية في سوريا، بحجة تغيير النظام وتطويره لأن الكنيسة تؤمن بالحوار سبيلاً لتغيير وتطوير نظم الحكم في العالم.

.. وأما لبنان

علاقة الفاتيكان كدولة بلبنان واهتمامها به منذ ما قبل الانتداب وما قبل الاستقلال، هي من الأمور المعروفة والمسلم بها، خصوصاً ابان الحكم العثماني وبعده الانتداب الفرنسي، وقد وصل هذا الاهتمام الى حدّ أن يكون الفاتيكان من الأوائل الذين اعترفوا بلبنان  الدولة المستقلة، عبر حث الدول الغربية على الاعتراف بالاستقلال اللبناني الناجز، لاسيما بعدما اتفق اللبنانيون في ظل الميثاق الوطني الذي عقدوه فيما بينهم على أن يكون لبنان جسر تواصل حضارياً بين الشرق والغرب وعلى مسافة واحدة من الدول الكبيرة في صراعاتها الى درجة تقارب الحياد الذي لا يجب أن يتعارض مع تمسك لبنان الدولة بالحرية واحترام حقوق الإنسان وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستعادة حقه، خصوصاً حق العودة، كون حق العودة أمراً يهم لبنان بقدر ما يهم الفلسطينيين، لأنه يضم على أرضه خمسمئة ألف لاجئ فلسطيني منذ النكبة.

اهتمام الفاتيكان والبابا بالتحديد بلبنان الكيان والدولة والشعب، أكده البابوات المتعاقبون، خاصة البابوين القديسين <يوحنا الثالث والعشرين> الذي زار لبنان منتصف الخمسينات ليترأس من بيروت المؤتمر المريمي، وكان اسمه يومئذ الكاردينال <رونكالي>. وبعده زار بيروت البابا <بولس السادس> وكان في طريقه لزيارة القدس وبيت لحم والأراضي المقدسة، وبعده قام البابا <يوحنا بولس الثاني> البابا القديس ليوقع في بيروت الإرشاد الرسولي حصيلة ونتيجة المجمع المسكوني الخاص بلبنان الذي عقد في الفاتيكان وعنوانه الكبير <إن لبنان أكبر من دولة، إنه رسالة>...

وبقي البابا <يوحنا بولس الثاني> طوال ولايته على التزامه دعم وحدة اللبنانيين في وطنهم ودعوة الدول الشقيقة للبنان والدول الكبرى، للعمل على إبعاد الصراعات الإقليمية والدولية عن لبنان وتحصين وحدة شعبه ليبقى الرسالة الأكبر من وطن التي تطلّع إليها البابا القديس.

2

أما وضع المسيحيين الشرقيين سواء أكانوا في لبنان أم في غيره من الدول الشرقية، فقد كان ولا يزال شغل الفاتيكان الشاغل مع البابا. ومن هذه الزاوية كانت مناشدات البابا حتى عهد البابا الحالي <فرنسيس> للدول المتصارعة والمغذية للحرب والصراع في سوريا، دوماً بوقف حمام الدم ومسلسل الدمار والتهجير واعتماد الحوار بين السوريين، بعيداً عن تصدير المقاتلين والسلاح والمال لتأجيج الحرب، لأن نتيجة ذلك المزيد من الضرر بالوجود المسيحي في سوريا والمزيد من النزوح والدمار والحرب.

 

أجل إعلان قداسة البابوين <يوحنا الثالث والعشرين> و<يوحنا بولس الثاني> قديسين، كان حدثاً تاريخياً قلّ نظيره في التاريخ، تقدم المشاركين فيه بابوان (<فرنسيس> و<بنيديكتوس السادس عشر>)، فضلاً عن 120 رئيس دولة وحكومة ووزراء مثلوا دولهم وشعوبهم من القارات الخمس وألف مطران وأربعة آلاف كاهن وراهب.

ولبنان كان حاضراً في هذه المناسبة التاريخية المقدسة عبر تدفق الآلاف من اللبنانيين من لبنان ومن معظم دول الانتشار، تقدمهم المطران الماروني الكاردينال الراعي ورئيس الجمهورية ميشال سليمان ووزير الخارجية جبران باسيل وممثلو الطائفة المارونية في دول الانتشار.

وصحيح أن اللبنانيين لم يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد، تطلعوا الى الظهور من نافذة هذه المناسبة المقدسة، سواء من خلال مآدب الشرف أو الظهور الأعلامي، لكن الأغلبية الساحقة من اللبنانيين الذين ذهبوا الى روما للمشاركة بالحضور في هذه المناسبة المقدسة والتاريخية، أرادوا أن يعبروا من خلال مشاركتهم عن الوفاء للبابا الذي أحبّهم وأحبوه وصرخوا له وهو في لبنان بصدى <Jean Paul lI we Love You>  أي <يا بابا يوحنا بولس الثاني نحن نحبك>، وأن يقولوا شكراً من الأعماق لدولة الفاتيكان لدعمها المستمر لاستقلال وسيادة لبنان ووحدته ودوره الرسولي في الشرق، وصيغة العيش المشترك التي يتمسك بها اللبنانيون في كل المحن والمراحل، خاصة وأنه اليوم في محنة البحث عن رئيس جديد له لا تبدو معالمها واضحة حتى الساعة خصوصاً، وأن المناسبة تقاربت مع مئوية الحضور الماروني واللبناني في روما من خلال المدرسة المارونية.