بقلم خالد عوض
ماذا لو أصبحت <داعش> دولة حقيقية تماماً مثلما كانت دولة <طالبان>؟ بالطبع ستكون دولة ارهابية مارقة خرجت عن الشرعية الدولية ومنبوذة من كل العالم، ولكن الوقت كفيل ربما بأن يجعل بعض الدول <البراغماتية> تعترف بوجودها لتجنب شرها أو تطبيق السياسة الدولية الأكثر شعبية اليوم في أروقة الغرب وحتى في الصين: الاحتواء. تُحتوى <داعش> من دون أن تحارب. تصبح ملاذاً لعشرات آلاف الشباب المغرر بعقولهم فينفكون بإرهابهم عن الدول الأخرى. هذا على أمل أن تنفجر من الداخل عندما يكتشف <سكان> هذه الدولة أن أسلمة الإرهاب لا يمكن أن تنجح اقتصادياً أو أن تبني مستقبلاً يعد بالرخاء والازدهار للإنسان.
ليس المطلوب الاعتراف بالدولة الإرهابية في العراق والشام ولكن الخيط الذي يجمعها بتركيا، الرئة الشرعية الوحيدة لها، يمكن أن يصبح حبلاً ويتمدد إن قرر المجتمع الدولي أن إنهاء <داعش> أسرع وأقل كلفة عبر الاعتراف بها.
لماذا الكلام عن سيناريو الإعتراف بـ<داعش> في وقت يمعن التنظيم الإرهابي في جرائمه وارتكاباته في الشرق والغرب؟
هناك حقيقة أولى لا بد من الإقرار بها: مئات الآلاف من الناس في مناطق <داعش> يفضلون سكين التنظيم على مقصلة نظام <بشار> أو عصابات نوري المالكي التي ارتدى بعضها ثوب الحشد الشعبي أو على نفوذ مذهبي لإيران يأخذ شكلاً سياسياً معيناً. يعطف إلى ذلك أن <داعش> أسقطت الحدود الجغرافية السابقة للعراق وسوريا وأن وجودها وتمددها يساهمان في ترسيم حدود جديدة تعبر بشكل أفضل عن الفروقات الدينية والعرقية في هذه المنطقة.
الحقيقة الثانية أن هناك <جاذبية> غريبة يتمتع بها التنظيم تستقطب آلاف الشباب المسلمين والعرب من كل حدب أو صوب. ليس فقط بسبب المال أو البطالة أو اليأس الإجتماعي بل أيضاً بسبب فكرة السلطة المطلقة وقهر الظلم والإنتقام مما يسمى <النظام> (System) الذي جلب لهم القهر على أشكاله كافة سياسياً أو إجتماعياً أو اقتصادياً. هناك شباب غاضبون من كل أنحاء العالم يتغذون بالمفاهيم الدينية الخاطئة ويجدون في <داعش> الملاذ المفضل ليفجروا سخطهم.
الحقيقة الثالثة أن الدولة الإرهابية لم تنهزم بعد سنة من الحرب الدولية عليها. هي تخسر في مكان وتتمدد في أمكنة. وطالما هناك ظلم ومذهبية في المجتمعات المجاورة لها فمن الصعب أن تنحسر <داعش>. حتى في غزة تعاني <حماس> من خطر تنامي شعبية <داعش> بسبب فرضية قبولها بهدنة العشر سنوات مع إسرائيل.
استناداً إلى هذه الحقائق، يمكن الاستنتاج أن <داعش> لن تزول قريباً مهما اشتدت الحرب عليها ليس بسبب قوتها العسكرية أو لحمة سكانها بل بسبب هشاشة الأنظمة المحيطة بها ونقاط الجاذبية في فكرها المريض. والاستنتاج الموازي هو أن الحرب عليها ستستمر لأسباب كثيرة أهمها أن العالم ليس جاهزاً بعد لأن يعترف بها. كما أن إعادة إعمار بعض المناطق المتضررة في سوريا والعراق يجب أن تبدأ حتى لو استمرت الحرب.
لذلك فإن العالم بحاجة لما يسمى مساحة الإدارة الخلفية (back office) لهذه الحرب الطويلة وللتغيير المتوقع في الأنظمة العربية والإقليمية وبعض مبادرات إعادة الإعمار التي ستنطلق هنا أو هناك.
لبنان هو أحد المواقع الفضلى لهكذا إدارة، شرط أن يستمر الاستقرار الداخلي النسبي الذي نتمتع به. هذا ما يفسر وصول السلاح الأميركي النوعي للجيش وإصرار المجتمع الدولي بكل أطيافه على المحافظة على القدر الأكبر من الثبات الأمني والسياسي رغم كل الخلافات الداخلية المستفحلة. وإذا نجح البلد في المحافظة على هذا الوضع فسيكون في حالة اقتصادية ومالية مثلى. برئيس أو بدونه، بتشريع نيابي أو بغيره، بحكومة تجتمع صورياً أو لا تجتمع، بمؤسسات فعالة أو مشلولة، المهم أن لا ينساق البلد في تيار <الدعوشة> ويفقد ما يحسده عليه معظم شعوب المنطقة اليوم: السلم الداخلي.
وكل ما يمكن أن يحسنه البلد فوق ذلك هو إضافة إيجابية للمناعة ضد ما يحصل حولنا. انتخاب رئيس وحكومة اقتصادية ومجلس نيابي نشيط وجيش يحظى بإجماع داخلي ودولي هو وصفة فضلى. القرار في كل ذلك هو داخلي أكثر وأكثر لأن العالم والمنطقة مشغولان بحرب بل حروب طويلة. لعل سياسيي البلد يلتقطون هذه اللحظة الفريدة فيعود لبنان إلى ما كان عليه قبل ١٩٧٥ أي سويسرا الشرق ولكن بحلة سياسية عادلة تناسب القرن الواحد والعشرين