تفاصيل الخبر

العالم العربي خارج الثورة الصناعية الرابعة!

16/03/2018
العالم العربي خارج الثورة الصناعية الرابعة!

العالم العربي خارج الثورة الصناعية الرابعة!

 

بقلم خالد عوض

riad-salameh 

من الصعب النظر إلى موازنة لبنان لعام ٢٠١٨ أو إلى أي موازنة عربية هذه الأيام، من دون الحسرة الكبيرة والحزن بل الغضب، ليس بسبب عجز الموازنة أو مهزلة خفض النفقات عشرين بالمئة كما حصل مع الحكومة اللبنانية منذ أيام وكأننا في سوق خرضوات، بل بسبب الجهل المطبق عند أولياء أمرنا من المسؤولين السياسيين، الذين يتحضرون للعودة إلى السلطة على أحصنتهم البيضاء بعد أقل من شهرين عبر انتخابات نيابية تفوح منها، منذ الآن، رائحة الخيبة.

خفض الإنفاق الاستثماري... خطيئة

 

في كل دول الغرب وحتى في الكثير من دول آسيا تجهد الحكومات ألا تمس ببند الإنفاق الاستثماري وخاصة المتعلق بالأبحاث والتطوير ودعم التعليم العالي حتى في احلك الظروف الاقتصادية وحتى لو تراجع النمو وبالرغم من ضرورات التقشف في الظروف المالية الصعبة. بالنسبة إلى تلك الدول تخفيض الإنفاق على الأبحاث هو الانتحار الاقتصادي بعينه.

ليس عيباً تخفيض النفقات الأخرى وليس خطأ ترشيد الموازنة لتعكس قدرة المالية العامة، ولكن الخطيئة هي التعامي عما يحصل في العالم من تغيرات والاستقالة من واجب البحث عن دور، مهما صغر حجمه، في هذه الورشة العالمية الكبيرة التي أصبحت تسمى الثورة الصناعية الرابعة. بدل ذلك أعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري ومعه وزير المال علي حسن خليل موازنة ٢٠١٨ وكأنها سجل أخرس لمداخيل ونفقات من دون التأسيس لأي مساحة اقتصادية للبلد في العالم الجديد الذي تستعد الإنسانية لولوجه... ربما فات القطار لبنان والدول العربية وأصبح من الصعب اللحاق بكل هذا التغيير العتيد.

ماذا تعني الثورة الصناعية الرابعة وهل نحن فعلاً قريبون منها؟

تاريخياً الثورة الصناعية الأولى بدأت في نهاية القرن الثامن عشر (سنة ١٧٨٥) مع استخدام ضغط البخار والماء لمكننة الصناعة، ثم أتت الكهرباء في الربع الأخير من القرن التاسع عشر (عام ١٨٧٥) لتؤسس للثورة الصناعية الثانية التي سمحت بالإنتاج المتسلسل والكمي. وبعد تسعين سنة، أي مع ستينات القرن الماضي، بدأت الثورة الصناعية الثالثة التي شهدت دخول الكمبيوتر والإلكترونيات والأتمتة إلى الصناعة وظهرت التكنولوجيا الصناعية بأشكالها المختلفة. ثورة المعلومات التي أتى بها الإنترنت عام ١٩٩٠ أنضجت الثورة الصناعية الثالثة ولكنها كانت أيضا بداية لتغيير كبير آت ولكن عناصره مجهولة. اليوم تتبلور معالم الثورة الصناعية الرابعة بوسائل الذكاء الإصطناعي (Artificial Intelligence) وإنترنت الأشياء (Internet of Things) والإنسان الآلي وإنترنت الجيل الخامس (G5) والتطور العلمي في علم الجينات الذي يسمح بتصميم الحمض النووي للمخلوقات. هذا التطور غير المسبوق والمتوازي في علم الأحياء والفيزياء والتكنولوجيا الرقمية سيغير في المنظومة الصناعية العالمية ويسمح لأمور كثيرة نقرر فيها اليوم أن تحصل لوحدها. هناك بعض أشكال هذا العالم الجديد بدأت فعلاً بالظهور، فهناك مثلا اعتماد متزايد عند شركات الشحن في الولايات المتحدة على الطائرات من دون طيار لتوزيع البضائع الخفيفة والبريد، كما أن عدة مدن أميركية تجرب الباصات وسيارات النقل من دون سائق، كما أن هناك مهندسين معماريين عديدين في العالم يلجأون للطباعة بتقنية الأبعاد الثلاثية (D Printing3) لتصميم وتشييد مبان جديدة. لا haririشكل نهائياً بعد لكل ذلك الخليط بين الفيزياء والتكنولوجيا وعلم محاكاة الإنسان ولكن الأكيد أن هناك ثورة ما على الأبواب عنوانها الكبير الإنتاجية المضاعفة عدة أضعاف وفي كل شيء.

العرب من جديد خارج المنظومة الجديدة؟

 

هناك دول من العالم الثالث شعرت بأنها ستكون مستثناة من الانقلاب الصناعي الآتي وأكثر ما يمكن أن تطمح إليه هو أن تحاول الانضمام إليه. الرئيس الكازاخستاني <نور سلطان نزاربايف> أعلن عن خطة وطنية استراتيجية تتبنى دخول كازاخستان في الثورة الصناعية الرابعة ووعد بتخصيص ميزانية لذلك بدءاً برقمنة إدارة الدولة. دول آسيوية كثيرة تحاول أن تتمركز لأن تصبح محطة تجارب في مسار الثورة الصناعية الرابعة. دبي أعلنت عن مركز متخصص في وسائل الثورة الصناعية الرابعة بعد أن تبنت حكومة الإمارات العام الماضي خطة استراتيجية لذلك. ولكن من الواضح أن القطار التكنولوجي السريع لن ينطلق من العالم العربي وأقصى ما يمكن أن نطمح إليه هو اللحاق به واستقطابه لأن يقوم ببعض التجارب عندنا. الحروب سبب مهم ولكن غياب الرؤية الاقتصادية السديدة منذ زمن طويل هو أيضا أحد الأسباب الرئيسة في اننا سنكون مستهلكين فقط لنتاج الثورة الآتية.

من هنا يجب قراءة الموازنة الجديدة لحكومة لبنان وكيف أننا نؤسس بها لمجتمع استهلاكي لا اقتصاد مستداماً له. الدين العام مشكلة كبيرة ويجب التصدي للإنفاق المتعاظم، ولكن هناك نوع من الاستدانة التي يجب أن لا نخجل منها بل أن نتحضر لتحمل تبعاتها المالية على المدى القصير حتى نخرج من النفق الاقتصادي المظلم. إنها الاستدانة الاستثمارية التي يمكن أن تجعل من لبنان وشبابه واحة تكنولوجية واعدة في عالم سيتغير بشكل كبير، وخلال فترة قصيرة جداً.