تفاصيل الخبر

الاعلامية باميلا حنينة اول متخصصة في علم الجريمة في لبنان: السجون عندنا قنبلة موقوتة!

13/02/2020
الاعلامية باميلا حنينة اول متخصصة في علم الجريمة في لبنان: السجون عندنا قنبلة موقوتة!

الاعلامية باميلا حنينة اول متخصصة في علم الجريمة في لبنان: السجون عندنا قنبلة موقوتة!

بقلم عبير انطون

ما بين العلوم السياسية وعلم الجريمة جمعت باميلا حنينة، وبهما دخلت عالم الاعلام المرئي الذي ترى فيه رسالة قبل اي هدف آخر خاصة في الايام الصعبة التي نعيشها والمفتوحة على الكثير من الاحتمالات بينها زيادة العنف على أنواعه. تخصصها في علم الجريمة غّير نظرتها الى المجتمع والى المرتكب والقاتل والمسجون، وهي تصر على ضرورة وضع سياسات وقائية تحدّ من الجرائم قبل حصولها.

 فهل من سبيل لذلك، وهل معدل الجريمة في لبنان مرشح للارتفاع؟ من اقدر على التخطيط وتنفيذ الجرائم المرأة ام الرجل؟ هل من <قاتل بالفطرة> وهل من جريمة كاملة؟

الاسئلة كلها حملناها الى باميلا، وكانت منها الاجوبة الشافية بدءا من السؤال:

- كيف يمكن تعريف <علم الجريمة> بالخطوط العريضة؟

- <علم الجريمة> هو دراسة علمية لطبيعة وأسباب وإدارة السلوك الاجرامي على نطاق الفرد والمجتمع فضلا عن دراسة المجرمين والقضاء الجنائي علميا. تشمل معظم الابحاث فيه الميادين المتعلقة بعلم الاجتماع، الانتروبولوجيا، الطب النفسي، الطب الشرعي، الادلة الجنائية وغيرها، ويساهم علماء الجريمة بالتوصل للسبل الأمثل لعلاج المخالفين والمجرمين وارساء العدالة.

- ما الذي دفعك الى هذا التخصص وانت خريجة العلوم السياسية؟

- لا شك بأن العلوم السياسية هي ثقافة بحد ذاتها ويمكن من خلالها فهم ديناميكية المجتمع والتطور الحاصل على مدى العصور ما أدى الى نشوء الحضارات والمجتمعات الحديثة التي نعرفها. اما علم الجريمة فهو ايضا دراسة معمقة لديناميكية المجتمع وهناك اوجه شبه ما بين الاختصاصين، وبالتحديد ما يخص فئة معينة من الناس، اي المخالفين والخارجين على القانون والمجرمين. هذا المجال استهواني لفهم المجتمع بطريقة افضل من منظار علمي، وبت لا احكم على الاشخاص المخالفين او المجرمين من دون ان اعرف تاريخهم النفسي والاجتماعي والطبي، ولا اعيّرهم فأقول <هذا خريج سجون> مثلا. لقد تغيرت نظرتي تجاه هؤلاء الاشخاص، وهم مهمشون.

ــ هل كان صعبا عليك <اختراق> مجال ذكوري بامتياز؟

- الموضوع ليس موضوع <ذكورية> انما نمطية. في الاساس هذا الاختصاص لم يكن موجودا في لبنان وهو جديد نسبيا ونحن كإناث نشكل النسبة الاكبر في هذا الاختصاص وفي دفعتنا 5 صبايا. التحديات ليست جندرية انما تتأثر بسبل او فرص العمل المتاحة. فبموجب اختصاصنا نعمل مع جهات حكومية كوزارة العدل والشؤون الاجتماعية او الداخلية، كما وهناك أيضا جمعيات تعنى بالسجون كمثل <عدل ورحمة> لكن للاسف لا فرص عمل في الدولة اللبنانية لان هذا الاختصاص غير معمول به حتى الآن، وهذه مناشدة للسلطات المختصة حتى تتحرك باتجاه هذا الموضوع.

ــ تعتقدين بان المرأة تنجح بشكل خاص في <علم الجريمة> لماذا؟

- المرأة كفوءة وبامكانها ان تنجح في اي ميدان تختاره، فمن تحب مهنتها ستنجح بالتأكيد وتبرع لانه مجال يتطلب الهدوء والرصانة وطول البال وايضا القلب القوي، والمرأة تتمتع بهذه الصفات، وهي تملك الشغف والطموح والارادة، وبالتالي من الممكن ان تبرع، وتبقى كفاءة الانسان المعيار الاساس لان هذا المجال دقيق جدا.

 

فساد ومعلوماتية..!

ــ كانت لك تجارب مع <الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية> وفترة تدريبية في مجلس النواب. ما الخلاصات التي خرجت بها؟

- كانت تجربة فريدة من نوعها اذ كانت المرة الاولى التي اقوم بـ<ستاج> واخوض مجال العمل ميدانيا. لقد تعرفت بشكل اكبر على الحوكمة ومكافحة الفساد والحق بالوص

ول الى المعلومات واشتغلنا كثيرا على هذا القانون وادركت ان عمل الجمعيات مهم جدا في لبنان لانه يدفع نحو التغيير في السياسات العامة. اما في المجلس النيابي فقد كانت تجربة جد مميزة خاصة وانني تتلمذت على المدير العام سيمون معوض الذي علمني الشفافية والاخلاص في العمل مهما واجهت من صعوبات خاصة اذا كنت في داخل المنظومة السياسية او الحكم.

ــ أين لبنان من علم الجريمة اختصاصا ووسائل وتقنيات؟

- بالنسبة لي علميا وعلى صعيد الأبحاث لا زلنا متأخرين جدا نظرا لعدم وجود مراكز أبحاث خاصة بالجريمة والمجرمين والضحايا. اما من ناحية التقنيات، فنحن نتمتع بتقنيات عالية جدا ومتطورة وتردنا الكثير من الهبات. حتى الاشخاص الذين يعملون في هذا المجال يتلقون التدريبات اللازمة والرفيعة المستوى لكننا بحاجة الى الابحاث لوضع سياسات وقائية وهي الانسب لمواجهة الظاهرة الاجرامية في بلدنا، اذ من الملح العمل على السياسات الوقائية ودراسة ديناميكية المجتمع في لبنان لانه من أسرع الدول التي تتغير فيها هذه السياسات ويمكن ان تتبدل من سنة الى اخرى وهذا ما لا يتم في كثير من دول العالم.

ــ اخبرينا عن حالة عملت عليها ميدانيا وما الذي كان لافتا فيها؟

- لا يمكن ان اتحدث عن حالات معينة بحكم المحافظة على سريتها وخصوصيتها، لكن يمكنني ان أذكر حالة صادفتها في سجن رومية، وذلك من خلال مشروع نلتقي في خلاله أشخاصا معينين. دخلت السجن ووجدت احدهم بلباس نظيف ومرتب، واعتقدت انه احد الموظفين لانه جالس خلف كومبيوتر ويتعاون معنا بشكل جيد، ويتمتع بلياقة كبيرة ويتكلم الى اللغة العربية اللغة الانكليزية. عرفت انه محكوم بالاعدام وهو يعمل في داخل السجن ويساعد الجمعيات ويسهل عملها من النواحي اللوجيستية. حالة مماثلة بنظري، يجب ان يعاد النظر فيها وتحديدا لانها دخلت السجن في سن يافعة. من الضروري اعادة النظر بشأن من يتمتع بحسن السلوك فيمنح فرصة، لكن للاسف السياسات العقابية في لبنان ليست جديرة بأن تؤهل المساجين.

ــ هل تدخل في مجال اختصاصكم الجرائم السيبيرية او جرائم الفساد؟

- جرائم الفساد وجرائم المال والسيبيرية تتطلب تقنيات مختلفة وخبراء مال وتكنولوجيا لمعرفة أسبابها والوقاية منها ومعالجتها. من الناحيتين التقنية والعلمية لا بد من ان يدخلها اختصاصيون، لكن لناحية وضع السياسات فيمكننا نحن ان نساعد كعلماء في علم الجريمة بشكل خاص بكل ما يتعلق بالاشخاص ودوافعهم وخلفياتهم الاجتماعية وغيرها. هذه الانواع من الجرائم أشد تعقيدا لانها عابرة للقارات وتتشابك الى حد بعيد بعوامل عدة وفيها الكثير من التقنيات والعلوم.

ــ تحدثت عن ضرورة اقرار قانون لادارة مسرح الجريمة في لبنان، ما اهمية ذلك؟

- ان ادارة وتوثيق مسرح الجريمة والحفاظ على الادلة الموجودة فيه جوهرية حتى نستطيع الوصول الى حد كبير لما نسميه <مسرح جريمة نظيف>، فهو نقطة الإنطلاق الرئيسية لفهم كيفية وقوع الجريمة، ومن هنا ضرورة وجود قانون او نظام لادارة مسرح الجريمة. في لبنان عادة، وعند وقوع اي جريمة كانفجار ما مثلا، تتجمع الناس في المكان ومن الممكن ان يعبثوا بالادلة الموجودة او يلوثوا مسرح الجريمة، كما ان الاعلام يسارع، وهنا اود ان اشير الى المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق الاعلام وضرورة الا يصوروا مسرح الجريمة وتحديدا اذا كانت هناك ضحايا او مشاهد قاسية حتى ولو نقطة دم على الارض، فهذه من المفروض الا تصور. ادارة مسرح الجريمة تتطلب مستوى رفيعا جدا من الكفاءة لمساعدة القيمين على اتخاذ القرارات الصحيحة، ويجب ان يتم اختيار العاملين والمساندين لمسرح الجريمة بمؤهلات عالية جدا، واشدد هنا على وعي الناس الذي يلعب دورا أساسيا فالجيران كلهم ينزلون للتفرج، ويدخل المدعي العام قبل وصول الادلة الجنائية حتى، وهذا بالنسبة لي غير مسموح على الاطلاق.

ــ بحكم دراستك هل من مجرمين <ذوي جينات لها قابلية على الاجرام>؟

- العالم <سيزار لامبروزو> وهو عالم ايطالي هو صاحب نظرية <المجرم بالفطرة> وله مؤلف بعنوان <لو كريمينيل نيه> (Le criminal ne) قام بتشريح العديد من الجماجم لمجرمين لانه كان طبيبا فوجد خاصية مشتركة بينها وتتمثّل في ثقب في الجمجمة، ولكن هذه النظرية قوبلت بالرفض ونسفت بمكان ما من قبل العديد من العلماء، ومن رجال الدين ايضا لان الديانات السماوية تقول بان الانسان مخلوق على صورة الله ومثاله فكيف يمكن لله ان يكون مجرما اذا كان الانسان على صورته؟ هنا اشكالية على صعيد الدين. ولكن تبقى هذه النظرية قيد الدرس والتحليل وأنا شخصيا أجد ان هناك شيئاً ما فيها من الحقيقة، ولكن الحقيقة الناقصة لانه ليست الجينات وحدها المسؤولة عن السلوك الاجرامي انما هناك عوامل عدة ايضا، بينها العامل الاجتماعي مثلا، والخطورة تتمثل عندما يجتمع <المجرم بالفطرة> من حيث استعداداته الجينية بجملة عوامل اخرى نفسية واجتماعية وغيرها ما يحدو به الى ارتكاب الجريمة.

 

الجريمة في لبنان..!

 

ــ هل تتخوفين من ارتفاع معدل الجريمة في لبنان جراء الاوضاع التي نمر بها؟

 - لقد ارتفعت نسبة الجرائم في الفترة الاخيرة، خاصة أن العوز والجوع والخوف والفقر والقمع تولد الاجرام، والجريمة ليست فقط القتل او السرقة، فنحن عندما نقول <جريمة> يخطر في بالنا فقط القتل او السرقة لكن الجريمة هي ايضا ان تمنعي عائلة من ان تطعم اولادها او ان تمنعي ولدا من ان يدخل الى المدرسة. هذه ايضا جرائم لكن اوجهها تختلف. الجريمة هي خنق الحريات والقمع واسكات الافواه وكمها، وهنا ايضا يولد هذا النوع من الجرائم العنف داخل المجتمع. ولا شك بان مجتمعنا اللبناني اذا ما استمررنا على هذا النحو فانه سيشهد زيادة في نسبة الجرائم بأنواعها المختلفة.

ــ هل فعلا السجون لدينا تشكل <مدارس> لتخريج مجرمين جدد؟

- علينا ان ننتقل من مصطلح او مفهوم السجن والسياسة العقابية الى مفهوم مراكز التأهيل واعادة دمج السجناء داخل المجتمع مع خروجهم منه. السجون في لبنان وضعها مزر، وهذا يتطلب العمل الجدي بدءاً من الادارة في داخل السجن الى اعادة تأهيل المباني والبنى التحتية والزنزانات، فضلا عن انشاء برامج تدريب على المهارات وغيرها. السجون في لبنان قنبلة موقوتة، فانا شخصيا كنت أدخل السجون وارى بأم العين الى اي مدى فعلا اوضاعها مأساوية.

ــ هل من يدرس علم الجريمة يمكنه ان يقوم بالـ<جريمة الكاملة> ام ان هذه ليست موجودة؟

- بالنسبة لي ما من جريمة كاملة، وعلميا ما من جريمة كاملة لكن هناك مجرم ذكي، ولكن مهما بلغت قدراته وتفوق في ذكائه فهناك محققون وفرق عمل ماهرة وذكية، ومن النادر جدا ان يتمكن الجناة من اخفاء كل آثارهم في مسرح الجريمة. حتى علماء الجريمة، نحن مثلا الذين يدرسون كل ما يختص بالجريمة، من الصعب جدا ان نقوم بـ<جريمة كاملة> لاننا بشر والبشر لهم مشاعر وغريزة، وفي حالة قيامنا بجرم او بمخالفة معينة لا نكون في حالتنا الطبيعية، وتكون هناك مشاعر اضطراب، مشاعر غريزية وغير طبيعية عند الانسان فتتحكم هذه المشاعر بنا، ومهما حاول احدنا استخدام عقله فانه لا يستطيع ان يصل الى اتقان او بلوغ <الجريمة الكاملة>.

ــ ايهما اقدر على تخطيط الجرائم وتنفيذها؟ الرجال ام النساء؟

- يختلف من الاقدر على التخطيط للجريمة بحسب نوع الجرم، فمعروف مثلا ان النساء مشهورات بالتخطيط للجرائم المتعلقة بدسّ السم للفريسة مثلا، بينما جرائم القتل والقتل العمد عن سابق تصور وتصميم فيقوم بها الذكور أكثر. ليس من قاعدة عامة، لكن المرأة علميا هي محتالة وماكرة اكثر وتستطيع حبك الجريمة اكثر من الرجل اذا ما قررت وصممت، ويثبت ذلك احصائيا عبر التاريخ، وهي تتوقف عند التفاصيل الصغيرة التي قد لا يتوقف عندها الرجل.

ــ تقولين ان دراسة علم الجريمة تغير نظرة الفرد الى المجتمع. كيف ذلك؟

- المجرم هو ضحية في الوقت عينه، واذا ما نظرنا الى المجتمع بشكل عام نجد ان لكل انسان قصته مع الأحزان والأفراح والظروف، وانا شخصيا ما عدت احكم على الاشخاص اذا ما تعرفت بهم قبل ان اعرف ظروفهم . كما انه لا يمكن مثلا ان نعتمد العقوبة عينها لمجرمَين ارتكبا الجرم عينه اذ من الضروري الوقوف عند الخلفية والدوافع والاسباب لكل شخص. من هنا ضرورة تغيير النظرة في ما خص السياسات العقابية وضرورة تطويرها.

ــ بالنهاية نعود الى عملك في الاعلام، وانت مقدمة في برنامج <عالموعد> من <قناة مريم تي في>. كيف دخلت المجال، وما رأيك ببرنامج الزميل سمير يوسف <عاطل عن الحرية> الذي يتناول موضوع الجرائم في حلقاته؟

- دخلت الاعلام من باب الصدفة. كنت بدوري ضيفة في برنامج <عالموعد> الذي اقدمه حاليا وتمحور الحديث حول علم الجريمة. حينها كانت هناك فرصة متاحة ودخلت المجال. لا شك بانني احب الاعلام ومن دواعي اهتمامي ان اكون في موقع استطيع من خلاله اسداء بعض الارشادات، وقد ساعدتني العلوم السياسية على ان اطور نفسي، وكذلك دراستي لـ<علم الجريمة>، وانني لاطمح ان يكون لي برنامج تثقيفي عن علم الجريمة وعلم الضحية والسياسات العقابية.

 اما بالنسبة لبرنامج <عاطل عن الحرية> فهو برنامج راق جدا يعالج القضايا والجرائم من نواحيها كافة بصورة علمية وواضحة مع سرد التفاصيل بطريقة شيقة، وهناك حبكة جيدة جدا والاعداد مميز. اما مقدم البرنامج سمير يوسف فهو متخصص في المسرح، والمسرح قريب في اكثر من ناحية من علم الجريمة لانه يستند الى المشاعر والاحاسيس والتحليل. والجميل في <عاطل عن الحرية> انه يأخذ بالاعتبار الضحية والمجرم فلا يركز على احد الطرفين فقط.

ــ وما جديد <عالموعد>؟

- برنامجنا صباحي من الاثنين حتى الجمعة اقدمه في أيام الاربعاء مع الزميلة ايليت زعرور، وما نحاوله هو نقلة نوعية بانواع المواضيع اذ نحاول ان نختار مواضيع تتعلق بالطب والاجتماع والامن والجريمة، ولدينا نسبة متابعة عالية على <يوتيوب> و<فايسبوك> وهذا جيد لان أنواعا مماثلة من البرامج لا تستقطب بالعادة الكثيرين من المشاهدين، كما وان <مريم تي في> لا يهدف الى <الرايتنغ> (نسبة المشاهدين) انما الى التوعية والارشاد. وبالنسبة لي الاعلام رسالة انسانية قبل ان يكون شهرة ومن خلاله نحافظ على رقينا وفكرنا ونثقف المشاهد المتعطش للثقافة من خلال اعلام توعوي يتكل عليه في اي ظرف صعب يمر به كمثل وضعنا الحالك اليوم أكان في الاقتصاد او السياسة والاجتماع.