تفاصيل الخبر

الاعلامي عادل مالك: جَلد الذات عملية لَوْم قاتلة فرضتها على عقلي!

12/08/2016
الاعلامي عادل مالك: جَلد الذات عملية لَوْم قاتلة فرضتها على عقلي!

الاعلامي عادل مالك: جَلد الذات عملية لَوْم قاتلة فرضتها على عقلي!

 

بقلم كوزيت كرم الاندري

 

4-(1) 

ماذا عساي أن أضيف إلى كل الأوصاف التي أُعطيت له؟ هو <تاريخ في رجل>، قدوة الأجيال، قامة إعلامية كادت أن تصبح خرافية، إذ شكلت حلما صعب المنال لكثيرين تمنّوا أن يذوقوا <المجد> الذي عرفه هو. سأختصر كل الأوصاف ببضع كلمات: <أعطونا نسخاً من عادل مالك وخذوا ما يدهش العالم!>. عملاقٌ هو بتهذيبه وتواضعه ولباقته، قبل مهنيته، وفي ذلك، بلا شك، سرّ من أسرار نجاحه.عاشقٌ لعمله وللحياة، فلا يزال ماضيه مفتوحا على المستقبل (أغار من شغفه وقد فقدته منذ زمن بعيد). <إنها المقابلة الأولى التي لا أتحدث فيها عن السياسة>، قال لي. دعكم من السياسة وكليشيهاتها واستمتعوا، كما استمتعت، بحديث رجل تتمنَّون لو لا ينتهي معه الحديث...

ــ أي من العبارات الآتية تختار لوصف المشهد الإعلامي اليوم: فلتان إعلامي، إنحطاط إعلامي أو فجور إعلامي؟

- لا نستطيع أن نختزل وضع الإعلام، اليوم، بكلمة أو بعبارة واحدة. هو مزيج من الأوصاف الثلاثة التي ذكرتها: هناك صحافة <فلتانة>، وهناك صحافة منحطة وهناك أيضاً مجالات إعلامية فيها نوع من الفجور. هذه الصفات موجودة وإن بدرجات متفاوتة.

ــ هل اعتدت هذا الواقع أم أنه لا يزال يؤلمك؟

- طبعاً يؤلمني، يؤلمني جداً! المشكلة، بالنسبة لي ولجيلي، هي أننا نقارن باستمرار <وين كنا ووين صرنا>، في حين أن أجيال الحرب لا تعرف لبنان الحقيقي وتعتقد أن حال الفوضى هذه كانت دائماً تعمّ البلاد. لا! نحن عرفنا لبنان الحقيقي والزمن الجميل. أما اليوم، فنمر بمرحلة هي من أسوأ المراحل.

ــ هل من نهضة برأيك بعد هذه السقطة؟

- الحياة دورات، ولا يمكننا أن نعرف، مسبقاً، إلى متى سيظل الوضع على ما هو عليه اليوم.

ــ فلننتقل إلى ميدان العمل، هل على الصحافي أو الإعلامي أن يتخصص في مجالٍ معين أم أن الشمولية ضرورية؟

- من الأفضل أن يمر الصحافي بأهم فصول الإعلام المكتوب، المرئي والمسموع، ثم يستقر في مكان معين. يجب أن يكون لديه إلمام بمختلف أوجه الإعلام، أن يعرف شيئاً من كل شيء، إنما لا بدّ من أن يصب الاختيار في مكان معين.

 

نقد الذات وجلد الذات

 

ــ مررت بكل فصول الإعلام، هل <ارتحت> في أحدها أكثر من سواه؟

- أنا بدأت ولا أزال في الفروع الثلاثة: المكتوب، المرئي والمسموع. الثلاثة تناغموا في الفترة عينها. يبقى الأهم، وهو معرفة خصائص كل مجال. في الصحافة المكتوبة، تفترضين أن هناك حدا أدنى من المثقفين يقرأون ما تكتبين، في حين أنك في التلفزيون تتوجهين إلى المجتمع بأكمله، لذا عليك أن تجدي لغة توحّد ما بين مختلف المستويات الثقافية...

ــ إنجازاتك والنجاحات كثيرة، لكن تذكّر معنا، لو سمحت، خطأً مهنياً وقعت فيه...

- نكون غير صادقين لو قلنا إن أحدنا لا يخطئ، إنما الأهم من الأخطاء استدراكها، أن نصوّب الخطأ ولا نكرره، أن نعيد النظر ونقوم بعملية تقويم للذات. لا أبالغ إن قلت إنني كنت ولا أزال أقوم بعملية رقابة ذاتية قاسية، لذا فالأخطاء قليلة نسبياً. كلما ازداد طموحك درجة إزدادت مسؤوليتك ومراقبتك ومحاربتك لنفسك.

ــ وهل من زلّة قلم تُذكر؟

- <لأ ما صارت> لأنني أراقب نفسي جيداً كما ذكرت. هناك أمران مختلفان: نقد الذات وجلد الذات. النقد هو عملية البحث عن الخطأ وتصحيحه، أما جلد الذات فعملية لَوْم قاتلة ومتعبة!

نزار-قباني-وبلقيســ وهل اختبرت جلد الذات؟

- نعم، فرضته على عقلي منذ البداية. لم أكن، يوماً، متساهلاً أو متسامحاً مع نفسي. العقليّة الطموحة مكلفة جداً، خاصة لمن لا يؤمن بالنجاح السهل. لا أرضى بعمل سهل، يجب أن يكون قاسياً وصلباً كي أعتبر أنني أنجزت شيئاً.

ــ لا شك في أنك حققت الكثير من الأحلام خلال مسيرتك المهنية الطويلة والغنية. حدثنا عن الأحلام التي تبخّرت...

- هناك حلم كبير لن أقول إنه تبخّر لكن تنفيذه تأخر قليلاً نظرا للظروف، وهو التركيز على البرامج الوثائقية. الوثائقي <شغلة مهمة جدا جدا>، ومن فوائد مغادرتي البلاد إلى لندن خلال فترة الحرب، بشكل إضطراري لا إختياري، تحقيق هذا الحلم أثناء إقامتي هناك. المملكة المتحدة أهم بلد من حيث إنتاج الأفلام الوثائقية. الحلم وُلد في لبنان لكن لم يكن مُتاحاً تنفيذه هنا، الاغتراب القسري أعطاني فرصة تحقيقه.

 

فيروز وصباح

ــ بالانتقال إلى محور آخر، حاورت السيدة فيروز أكثر من مرة. صِف لنا هذه المرأة كما عرفتها عن قرب...

- هي سيّدة مُقلّة جداً في الكلام، وهناك مجموعة عوامل جعلت منها ما هي عليه. عندما كان يُطلب منها أن تتكلم، كانت تجيب <أنا ما بعرف إحكي أنا بعرف غَنّي خَلّوني غَنّي>. ثم إنها كانت ولا تزال تخشى إساءة فهم كلامها...

ــ برأيك، هل ساهم صمت فيروز في صناعة مجدها وهالتها؟

- هذا صحيح. الإعلام إما يدمّر أو يعمّر. عندما يختار الفنان نمطاً إعلامياً معيناً، يكون هذا القرار قريباً من شخصيته. الصمت، أو الغموض البنّاء، يضفي على الشخصية هالة كبيرة من الاهتمام. عندما يحيط الفنان نفسه بهالة معينة، يقلّ إقتحام الإعلاميين لأسراره. هذا الغموض هو في تركيبة فيروز، هو نمط حياة وليس دوراً تؤدّيه، أقولها عن معرفة شخصية بها.

ــ عرفت الشحرورة صباح أيضاً، وجميعنا يعلم أنها، بالإضافة إلى قيمتها الفنية الكبيرة، إتُهمت بالمِزواج. برأيك، من المزواج: هي أم أزواجها؟

- لن أتحدث عن شخصية صباح لأنها واضحة كعين الشمس، لكن تعدّد الأزواج قد يأتي نتيجة منطلقات شخصية، منها البحث عن السعادة. من المفارقات اللافتة أن هذه السيدة، التي أسعدت الناس، لم يتمكن أي شخص من إسعادها.

ــ من تختار في الأدب والشعر؟ وفي الموسيقى؟

- انطلاقاً من عملي الإعلامي، كنت ولا أزال أؤمن بتعدد وشمولية المعلومات. أنا عاشق لهذه المهنة تماماً كما يعشق أحدنا إمرأة. <نحن ما جينا بس تناكل تلات مرات بالنهار>، هذه مهنة تتطلّب جهداً وتعباً لتسلّق السلّم درجة درجة، لذلك لَومي على من يريد أن يصل بسرعة. لا يمكن اختصار المراحل في مهنتنا. من هنا، وبالعودة إلى سؤالك، أقرأ الكثير، ثم إنني عاصرت الكثيرين من الأدباء والشعراء والفنانين وربطتني صداقات بعدد منهم، أذكر على سبيل المثال لا الحصر: سعيد عقل، عمر أبو ريشة، أمين نخلة، نزار قباني... علاقتي بنزار، مثلاً، كانت <غير شكل>.

عادل-مالكــ هل كان نزار<جميلاً> بالمقدار الذي نراه نحن؟ هل كان جميلاً كقصائده؟

- <معلوم!>، كان كلما كتب قصيدة جديدة يتصل بي، قبل نشرها، فأستضيفه في برنامجي <سجلّ مفتوح>. نزار قباني تطربين لسماعه يتلو الشعر، وهذه ميزة ليست موجودة لدى جميع الشعراء.

ــ قد يكون أكثر من كتب عن الحب فلُقِّب بـ<شاعر الحب>. من منطلق معرفتك به <حَبّ كتير أو حَبّ قليل>؟

- هناك حلقة من <سجل مفتوح> تمحورت حول محاكمة نزار قباني، وكانت التهمة الأساسية أنه أعطى المرأة الكثير. هو لم يجد أي تردد في تبنّي هذه <التهمة>...

ــ لكن لدي انطباع أنه أحب أقلّ مما يُخيّل لنا...

- في الشعر الكثير من الخيال. قد لا يتسنى للشاعر أن يقول، في الواقع، ما يريد قوله أو أن يعيش الحالة، فتغدو القصيدة هي المتنفس.

 

 نزار وبلقيس

ــ ألهذا الحدّ اختصرت بلقيس كل النساء في عينيه؟

- جداً! لم أشهد علاقة حب كعلاقتهما. كانت، بالنسبة له، دوحة من نخيل العراق.

ــ من هي هذه المرأة؟!

- هي سيدة عادية جداً، لكنها أنثى، فيها الغموض <الحلو> والجمال العراقي. قوّتها كانت في بساطتها.

ــ تماهيت في الحديث عن نزار ولم أعرف منك من تختار في الموسيقى؟

- أنا فيروزيّ الهوى <على عينك يا تاجر>، لكن هذا لا يعني أن باستطاعتي أن أقفز فوق وديع الصافي أو ألا أتذكر نصري شمس الدين.

ــ أي أغنية لفيروز تدغدغك؟

- <مِن عزّ النوم>.

ــ أستاذ عادل، <عندي بيت وأرضٌ صغيرة فأنا الآن يسكنني الأمان>. هل يكفي؟

- كلا، هذه رومنسية مبالغ فيها.

ــ لكن كثيرين عملوا وأنجزوا واشتهروا وجالوا العالم، وفي نهاية المطاف تمنّوا لو يتركون الدنيا ويتنسكون في جبل ناءٍ...

- أنا لم أملّ من الحياة. المواجهة، بالنسبة لي، كانت ولا تزال مستمرة. لا أزال أستمتع، كل يوم، بما أقوم به، وهو أصبح نمط حياة كما أردد دائماً، لذا لا أستطيع أن أستقيل من الحياة.

فيروزــ وطنُ المرء حيثما يجد الطمأنينة؟

- صحيح، لكن لبنان يترك فينا أثراً أينما ذهبنا، <هالبلد بضلّ ساكن فيكِ>. أنا <برمت العالم كلو، بس في شي بلبنان ولا مطرح بالدّني بيعطيكي ياه>. الأماكن التي قصدتها أو مكثت فيها منحتني، بلا شك، الاستقرار والأمان، لكن يبقى لبنان هو الوطن، وهنا أتذكّر حواراً في إحدى مسرحيات الرحابنة، حيث تقول فيروز <إذا راح الملك منجيب ملك غيرو، بس إذا راح الوطن ما في وطن غيرو>. هذا الكلام يختصر <القصة كلها>. وطنكِ يلاحقكِ أينما ذهبتِ...

 ــ مكثت في لندن ثلاثين سنة، أي حُكم تؤيّد: الجمهوري أم الملكي؟

- ليس كل حكم جمهوري جيداً وليس كل حكم ملكي جيداً، يتوقف الأمر على تركيبة كل بلد. لكن بالنسبة لبريطانيا أختار من دون تردد الحكم الملكي، لأن هناك تجربة رائدة إسمها ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، البعيدة كل البعد عن زجّ نفسها في المتاهات السياسية. هي تملك عرشاً لكنها لا تحكم، وهذه قمة الديمقراطية: رأس البلد ممنوع عليه أن يتكلم في السياسة، بل هو رمز لوحدة البلاد فقط.

ــ إختَر مرادفاً لها في لبنان...

- <صعب>، لأن الأمور عندنا ممزوجة أكثر وتركيبة لبـــــنان مختلفة عن تركيبة بريطانيا. <مـــــا بقــــا تلاقــــي ملكــــــــة بريطانيــــا تانيـــــة بِوَلا مطرح تاني بالعالم>.

ــ أستاذ عادل، <وطني دائماً على حق>؟

- من حيث المبدأ نعم، إنما هذا الكلام لا يعني التغاضي عن ممارسات خاطئة يشهدها هذا الوطن. الشرط هو ألا نحجب الرؤية، أن نرى الأخطاء. نحبه، طبعاً، لكن الوطن ليس معصوماً عن الخطأ وهناك أخطاء قاتلة تُرتكب فيه في أكثر من مجال.

ــ متى نُضطر إلى أن نضحّي بالحقيقة؟

- الحقيقة مكرّسة، لكن خلال مسيرتي الإعلامية لم أتمكن من قول كل الحقيقة. نضحّي بالحقيقة عندما تستهدف استقرار وطن. لم أكذب على الجمهور، لكن لم أستطع، أحياناً، أن أقول كل ما أعرف، وفي ذلك معاناة.

ــ لقبٌ بإمكانك أن تلغيه، ما هو؟

- وزارة الإعلام. <ما في إلها داعي أبدا>.

ــ لكن ألسنا بحاجة إلى إطار ما، إلى ضبط الأمور بعض الشيء؟

- هي غير مضبوطة رغم وجود وزارة للإعلام <فإذاً ما إلها معنى>! ثم إن الاتجاه في العالم، في الـ15 سنة الأخيرة، هو لإلغاء ما نسميه وزارة إعلام. لا بد من أن يكون هناك رقابة ذاتية تمارسها المؤسسات، وهذا يوفر على الوزارة عملها.

ــ ننتقل إلى مدارٍ آخر. برأيك، أيمكننا أن نعرف، مسبقاً، كم يعيش الحب؟

- قد يتبدل الحب، نعم، وقد لا يكون حالة دائمة، إنما العشق لا ينتهي. قد ينتهي الحب، أما العشق فلا...

ــ هل يمكن للحبيبة أن تعود صديقة؟

- <صعبة>، لكن الأمر ممكن في حالات محددة جداً.

ــ هل يمكن للمرأة أن تُدرك، بشعورها، ما لا يدركه الرجل بعقله؟

- <إي>!

ــ تقولها بثقة مطلقة!

- ومقتنع بها.

ــ متى تشعر أن المرأة مُستباحة؟

-  تكمن أهمية المرأة في ولائها لشخص واحد، إن تعذّرت هذه الصفة تفقد الأنثى كل شي برأيي. أما أسباب عدم ولائها فمختلفة. قد لا تحب هي القيود، وقد يكون الشريك فشل في احتوائها...

ــ <قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر>؟

- مع الأسف... نعم.

ــ القناعة كنز أم مقبرة الحماس؟

- مقولة <القناعة كنز لا يفنى> بمعنى محدودية الطموح أنا ضدها، المطلوب هو الاقتناع بحالة معينة شرط ألا يُقتَل الطموح.

ــ وهل عرفت، يا أستاذ، القناعة في حياتك؟

- كلا، فالشعور بالطموح يتعارض مع الرتابة والروتين.

ــ عندما تزول المساواة بين صديقين تزول الصداقة؟

- نعم.

ــ إذاً الغيرة موجودة حتى بين الرجال!

SAM_2921---MALEK- <أكيد>، هذا هو الواقع...

ــ نعيش اليوم زمن التحرر الفكري أم التحرر من الفكر؟

- أميل للثانية، زمن التحرر من الفكر.

ــ ما هو العيب؟

- العيب قضية نسبية، ليس من إجماع عليها ولا من تعريف لها.

ــ هل تبدّلت نظرتك إلى ما هو <عيب> على مرّ السنين أو نتيجة تبدّل البيئة؟

- طبعاً، لأن الحياة تغيّر من قناعات معينة لديك، والتجارب التي تمرّين بها تجبرك على إعادة النظر.

فكرة الموت

ــ عيب ثابت بالنسبة لك، ما هو؟

- <لمّا نفقد الأخلاق>. الخُلُق أساس كل شي، إن سقطت الأخلاق لا يعود للصفات الأخرى من قيمة.

ــ هل تخشى فقدان الذاكرة؟

- لا أتمنى أن أبلغ هذه المرحلة على الإطلاق. الذاكرة هي الماضي والحاضر. <بْحِب إتذكر اللي عشتو لأن كان كتير حلو، ما بحب إفقدو أبداً>.

ــ متى تنكسر وتستسلم للبكاء؟

- <مش دايماً فيي إبكي>، أتمنى لو أبكي أحياناً. البكاء هو أقصى حالات الصدق، وقد مررت بمآسٍ عائلية أبكتني...

ــ أستاذ عادل، هل <تصالحت> مع فكرة الموت؟ وهل يمكن لأحدنا أن <يتحضّر> لموته؟

- يصعب التصالح مع الموت. الموت نهاية وهو بذلك نقيض الحياة. <منكون متأكدين رح نوصلّو لكن بس نوصلّو>، لا يمكننا أن ندعي عدم الإعتراف بالعجز تجاهه.

ــ أخيراً، صِف لنا الحياة ببضع كلمات...

- (بعد تفكير) الحياة رائعة، وأجمل ما فيها صعوباتها وعقباتها وتحدياتها، والإنتصار على الأوقات الصعبة فيها.