بقلم ابراهيم عوض
كنت قد أنهيت مقالتي السابقة بعنوان <رفيق الحريري والإعلام>، بالإعلان عن عزمي تناول الأداء الإعلامي وكيفية تعاطيه مع <الثورة> وأبنائها، خصوصاً أن العديد من الانتقادات والملاحظات كانت قد انهالت على هذا القطاع محملة إياه مسؤولية المساهمة في اهتزاز كيان الدولة، وضرب مؤسساتها، والنيل من حكامها والمسؤولين فيها.
الا أن ما اعترض حياتنا في الآونة الأخيرة، وتحديداً في الأسابيع الثلاثة الماضية، هو اقتحام مرض جديد يحمل اسم <كورونا> العديد من الدول كانت الصين في مقدمتها قبل أن يتوسع ويمتد ويصطاد مرضاه في كوريا وإيران وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها وصولاً الى عالمنا العربي حيث حط رحاله بداية عندنا في لبنان وبعده في العراق والكويت والبحرين.
وكما يلاحظ، الحديث الطاغي هذه الأيام هو عن <الكورونا>... أينما حللت لا تسمع الا باسمه، في البيت، في المكتب، على الطريق، داخل سيارة الأجرة، وأنت تبتاع حاجياتك، واذا ما التقيت بأصحابك.. تراه يعكر مزاجك ويزرع القلق داخلك وتكاد تحتار كيف يجب التعامل معه ودرء خطره، خصوصاً أنك تسمع على مدار الساعة ومن على شاشات التلفزة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي آراء أطباء اختصاصيين يشرحون ويفندون أصل وفصل هذا الداء أو <الفيروس> الذي قد يتحول الى وباء لا قدر الله، إذ أن منظمة الصحة العالمية لم تصل الى هذا الاستنتاج بعد لكن ثمة من لا يستبعد بلوغه هذه المرحلة.
في كلام الأطباء ما يطمئن بأن <كورونا> لا يُلتقط الا عبر الاحتكاك المباشر بين مصاب به وآخر سليم، فيما هو من الصنف المعدي جداً حيث يكفي رذاذ مريض من <عطسة> اذا ما تطاير وغط القليل منه على وجه آخر لكي يُبليه بهذا الوافد المزعج من الصين.
ليس هذا بيت القصيد، فإذ سبق وافصحت في مستهل المقالة عن رغبتي في تناول موضوع الاعلام بما له وما عليه وتبيان كيف تعاطى مع <الثورة>، ها هو <الكورونا> يجعلني أحيد عن <الثورة> هذه المرة على أن اتناول موضوع الاعلام وتفاعله مع هذا المرض اللعين الذي أضحى كابوساً بكل ما تعنيه الكلمة من قلق وذعر واكتئاب.
ولنكن واقعيين... فالاعلام لم يعد مقتصراً على المقروء والمرئي والمسموع بعد أن تعرض لـ <غزو> تمثل بالمواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي على أنواعها من <فيسبوك> و<تويتر> و<واتساب> . وهذا الغزو الذي تجاوب معه الناس وسروا به، لا بل أدمنوا عليه، من شأنه أن يُسعد المتلقين ويُستخدم في ما هو مفيد وبناء وايصال المعلومة الصحيحة، كما بامكانه أن يُشكل أداة تخريب لا حدود لها قد تبلغ حد تهديد الاستقرار والسلم الأهلي.
لا أود الغوص كثيراً في استعراض ما عنيته في الوجهة الثانية السلبية بالتأكيد، بل أكتفي بعرض بعض ما جرى تداوله إثر شيوع خبر إصابة لبنانية بـ<كورونا> كانت على متن الطائرة الايرانية الآتية من مدينة <قم> التي صودف أيضا وجود مدير محطة <الميادين> الزميل غسان بن جدو ومستشار وزير الصحة اللبناني رياض فضل الله في عداد ركابها.
ولقد شاءت الصدف أن تكون لطرابلس، مدينتي الحبيبة، حصة في <التشويش> و<البلبلة> اللذين أحدثتهما أخبار ملفقة أو لنقل متسرعة، اذا ما وددت ألا أقسو على مروجيها وناشريها... فها هو أحدهم يعمم على صفحته بأن في <مستشفى النيني> مصاباً بـ <كورونا> ليسارع موقع اخباري الكتروني بتبني الخبر ونشره مع الاضافة بأن حالة من الذعر تسود أروقة المستشفى، في وقت كان مديرها الصديق الدكتور نبيل كبارة في مكتبه يزاول عمله الإداري والطبي كالمعتاد، وقد بادر فور تبلغه الخبر الى اصدار تكذيب قاطع... ولا يخفى على أحد بأن الوقت ما بين ذيوع الخبر وتكذيبه يربض ثقيلاً على الأنفس، ولا داعي لمزيد من الشرح.
خبر ثان مشابه، وفي طرابلس أيضاً، يفيد بأن هناك اصابة بـ<فيروس كورونا> في مستشفى آخر، <دار الشفاء> ان لم أكن مخطئاً... واللافت أن دقائق قليلة تفصل بين الخبرين المذكورين الخاصين بكلا المستشفيين المعنيين، الأمر الذي رفع وتيرة الهلع عند الناس.
مثال آخر ولن يكون الأخير بالتأكيد، إذ طالعنا موقع الكتروني بخبر اصابة موظفين اثنين في قصر العدل، وقد تعاملت احدى المحطات الاذاعية مع هذا الخبر بمنتهى الجدية قبل أن يتبين لها وللجميع عدم صحته، والرواية لم تنته عند هذا الحد فهناك من أضاف اليها <بهارات> مدعياً بأن عملية تعقيم شاملة جرت في القصر المذكور إثر ما تردد عن الاصابتين اللتين أوصلتهما <الفبركة> الى <مستشفى رفيق الحريري الجامعي> في بيروت واخضعتهما للحجر الفوري، فيما لا أثر لهما هناك ولا حجر ولا من يحزنون..
أما بعد.. ماذا نقول عن الاعلام في يومنا هذا؟ وأي حكم نطلق عليه، وهو المنوط به اظهار الحقائق واعتماد الصدقية والموضوعية.. فهل يفعل؟
أترك الجواب لكم حضرات القراء الأعزاء.