تفاصيل الخبر

إلى متى يمكن لإيران أن تحتمل عقوبات ”ترامب“؟

26/07/2019
إلى متى يمكن لإيران أن تحتمل عقوبات ”ترامب“؟

إلى متى يمكن لإيران أن تحتمل عقوبات ”ترامب“؟

 

بقلم خالد عوض

الرسائل الآن بين الولايات المتحدة وإيران هي محض عسكرية. كل طرف يريد الإثبات للآخر أن بحوزته أسلحة وأساليب عسكرية غير تقليدية ستجعل من أي مواجهة مفاجأة بكل المقاييس. الايرانيون استعرضوا بعض ما عندهم، في البداية عبر تعرضهم <الخفي> لأربع ناقلات بالقرب من الفجيرة ثم بإسقاط طائرة تجسس أميركية من دون طيار تعتبر في منتهى التطور التكنولوجي ومؤخرا عبر إحتجاز الناقلة البريطانية <ستينا امبيرو> التي كانت متوجهة إلى المملكة العربية السعودية. كما أعلنت إيران منذ أيام أنها اعتقلت ١٧ جاسوسا يعملون لدى وكالة الإستخبارات الأميركية الـ<سي.آي.إي> في أول إعلان لها من هذا النوع.

في المقابل بدأت السفينة الحربية <يو.أس. أس. بوكسر> بإستعراض أحدث وسائل التشويش الإلكتروني لإسقاط أو تعطيل الطائرات الإيرانية من دون طيار رغم التعتيم الكبير على ذلك ونفي إيران. من المرجح أن تستمر الرسائل الملغومة بين الطرفين إلى أن يقتنعا أن إنهاء الحرب لن يكون بيد أحد منهما إذا بدأها الآخر... ولكن اثبتت إيران للعالم عدة أمور من خلال عملياتها الأخيرة.

 

الهوية: قرصان!

لن تكفي هذه المرة ابتسامات وزير الخارجية الإيراني <محمد جواد ظريف> وأسلوبه الدبلوماسي النمق في تغيير صورة إيران التي وصلت إلى كل العالم من خلال خطفها الناقلة البريطانية وتهديدها لناقلات أخرى في <مضيق هرمز>. إنه عمل قرصنة بكل معنى الكلمة ومن الصعب تبريره بردة فعل. إذا كان العالم تغاضى نسبيا عن الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> الذي قام بأعمال مشابهة مع البواخر الأوكرانية في مضيق <كيرتش> في البحر الأسود في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وإكتفى ببعض العقوبات فهذا لأن روسيا ليست إيران. حجم إقتصاد روسيا هو أكثر من أربعة أضعاف الإقتصاد الإيراني أي أن للعالم مصالح أكبر معها. كما أن روسيا هي المغذي الرئيس لأوروبا بالغاز أي أنها تملك مفاتيح الطاقة الأوروبية وهذا يغير في الكثير من الحسابات. العالم يتعاطى مع أي دولة حسب تأثر المصالح وليس فقط حسب مدى احترامها للقانون الدولي. رغم ذلك لا زالت روسيا تحت مجموعة من العقوبات المرتبطة بموقفها في أوكرانيا ومن احتجازها للسفينة الحربية الأوكرانية. أما بالنسبة لإيران فهي لم تتعرض لبارجة عسكرية بل لناقلات تجارية غير عسكرية أولا بالتلغيم ثم بالإحتجاز. الكلام الإيراني أن ذلك جاء ردا على إحتجاز بريطانيا لسفينة نفطية إيرانية متوجهة إلى سوريا لدى عبورها <مضيق جبل طارق> لا إطار قانونيا له لأن البريطانيين متذرعون بالقانون الدولي والعقوبات على سوريا. بإختصار ينطبق على عملية إحتجاز إيران <ستينا امبيرو> تعريف القرصنة.

 

الهدف: السيطرة على الإقليم وأبعد!

 

من اليمن إلى سوريا مرورا بالعراق ولبنان لم يعد يخفى أن مشروع إيران في المنطقة ليس قضية تخصيب اليورانيوم إلى حد يسمح لها بتوليد الطاقة النووية أو تحرير فلسطين كما تدعي. الرؤية الإيرانية لدورها الإقليمي تتعدى فلسطين والطاقة النووية وتشمل كل الخليج. لنفترض مثلا أن إسرائيل اختفت من الوجود أو ان إيران تمكنت من إنتاج أكبر قدر من الطاقة النووية لتأمين الطلب الداخلي على الطاقة والإستمرار بتصدير أكبر كمية من النفط والغاز. هل ستنسحب إيران ساعتئذٍ من سوريا أو تحل <الحشد الشعبي> في العراق وحزب الله في لبنان؟ وبسؤال أبسط وأقل افتراضية: ما هي أسباب دعم إيران اللامتناهي للحوثيين في اليمن وصولا إلى تدخل الحرس الثوري الإيراني مباشرة في الدفاع عن ميناء الحديدة؟ لا شك أن إيران وضعت إستراتيجية بعيدة المدى ودرست جيدا كل الإحتمالات في كل خطوة تقوم بها وبشكل يفضح إلى حد كبير قصر النظر وسوء الإدارة والتخطيط عند الدول العربية، كما بنت كل خطتها على الإكتفاء الذاتي وعدم الحاجة إلى أحد ليدافع عنها حتى لا يفرض عليها شروطه. حتى في مواجهة العقوبات الإقتصادية تثبت إيران أنها قادرة على المقاومة الإقتصادية رغم الضرر الكبير الذي يلحق بشعبها. ولكن رغم كل ذلك كانت إيران تقنع العالم أنها ضحية، أما اليوم وبعد تحركاتها الأخيرة في <مضيق هرمز> فقدت صدقية كبيرة وانضمت إلى سرب الدول المارقة.

 

هل تنفع عقوبات <ترامب>؟

هذا هو السؤال الذي تنقسم الآراء حوله. تاريخيا لم تغير العقوبات الإقتصادية في سياسة أي دولة ولم تنفع في قلب أي موازنة. ما يمكن أن تقوم به العقوبات على المدى الطويل هو إنهاك دولة ما لتسهيل الحرب عليها. بمعنى آخر لن تغير العقوبات في سلوك طهران، فيما لا أحد يتوقع أن يذهب الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> إلى سلطنة عمان لمقابلة الرئيس الإيراني <حسن روحاني> كما فعل في فيتنام وسنغافورة مع الرئيس الكوري الشمالي <كيم جونج أونج>، فالطرفان حبسا نفسهما في لائحة شروط من الصعب تبديلها من دون الظهور في موقع الخاسر... المشكلة أن المنطقة معرضة أن تبقى في حالة اللاحرب واللاسلم هذه لمدة غير قصيرة أقلها يمتد إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية.

هذا يعني مزيداً من التدهور الإقتصادي والجمود الذي لن يستثني أياً من دول المنطقة. الشطارة في شد الأحزمة والالتفات إلى الداخل كما نصحت رئيسة صندوق النقد الدولي <كريستين لاغارد> كل الدول العربية.