تفاصيل الخبر

الـــى اللـقــــاء يـا عـرفــــــــات!

27/02/2015
الـــى اللـقــــاء يـا عـرفــــــــات!

الـــى اللـقــــاء يـا عـرفــــــــات!

بقلم ابراهيم عوض

تواعدنا على السفر الى القاهرة في إجازة قصيرة برفقة زوجتينا، على ان يكون ذلك في شهر آذار/ مارس المقبل، نبتعد فيها عن هموم العمل ومتاعب الدنيا وهذا الجو <المقرف> الذي نعيشه، بعد ان باتت اللغة الطائفية والمذهبية تحتل الصدارة في مجتمعاتنا ومنتدياتنا، وأكثر ما يؤلم فيها ان من يُعتبرون في عداد العقلاء والمثقفين والمرشدين باتوا يأخذون بها ويدافعون عنها ويتعاملون معها على أنها أمر واقع.

بهذه الكلمات خاطبني أخي وزميلي ورفيق الدرب عرفات حجازي وهو يحدثني قبل ساعات من رحيله عن هذه الدنيا الفانية، وبعد عودته من رحلة عمل أتعبته جداً الأسبوع الماضي قادته الى طنجة في المغرب ممثلاً نقيب محرري الصحافة اللبنانية الصديق الياس عون في الاجتماع الدوري للجنة الحريات في اتحاد الصحافيين العرب.

<إنها أسوأ رحلة قمتُ بها في حياتي> قال لي بعد ان بلغ به مرض <الديسك> أشدّه، لكن المفاجأة كانت في تلك الإضافة التي سمعتُها منه للمرة الأولى، حيث أشار الى صدره مشيراً الى أنه يعاني من ضيق في التنفس. هذا الضيق الذي بلغ الذروة مساء الأحد الماضي وأوقف قلبه عن الخفقان رغم وجوده في المستشفى، فأسلم الروح سريعاً، وأوقعنا في الصدمة والحسرة والحزن، حتى أضحى الخبر، وهو الذي عمل طوال حياته صانعاً للخبر يعلمنا به بأسلوبه الخاص الجامع بين إجادة اللفظ وحسن التعبير والإطلالة الأنيقة التي جعلته <النجم الأول> في <تلفزيون لبنان> يوم لم يكن هناك تلفزيون غيره بالأبيض والأسود، ولا مذيع أخبار أفضل من عرفات حجازي.

كان عرفات رحمه الله جزءاً من حياتنا في تلك الأيام الغابرة ننتظره بلهفة لا لنعلم منه آخر الأخبار فحسب بل لنسعد بإطلالته وننوّه بأناقته وسرعة بديهته، ولنا في ذلك روايات كثيرة أذكر واحدة منها إبان احتدام الحرب الأهلية السيئة الذكر، حين همّ بتلاوة نشرة الأخبار بالتزامن مع سقوط قذائف بالقرب من مبنى التلفزيون في <تلة الخياط> وسماع المشاهدين لدويِّها وقد بادرهم قائلاً: <لا داعي للحديث عن الوضع الأمني، فقد سبقني الى التعريف عن نفسه».

عرفات الذي يحبّ مناداته بـ<أبو ياسر> وهو اسمُ نجله الذي سماه كذلك حبّاً بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي أهداه مسدساً ذهبياً إثر ذلك، بات مدرسة في الصحافة والإعلام بوسائلهما المرئية والمسموعة والمقروءة، وإن كان حبُّه للشاشة الصغيرة أكبر من أن يوصف. وأظن ان أولى النكسات التي أصابته كانت بفعل إبعاده عن عشقه حتى الولع، وإن وجد في دخوله <عين التينة> مستشاراً إعلامياً لرئيس مجلس النواب نبيه بري عزاء له.

أما الحديث عن مسيرته المهنية الحافلة، فيلزمه مجلدات تؤرشف المحطات التي مرّ بها، وفيها غنى في المقابلات واللقاءات التي أجراها مع رؤساء وزعماء دول، ناهيك عن شغفه بالنزول الى الأرض وبإجراء التحقيقات الساخنة، وإن تطلّب الأمر تعريض حياته للخطر، كما حصل مرات ومرات خلال حرب السبعة عشر عاماً.

ولا أبالغ إذا ذكرت بأنه أبدع في كل عمل قام به، منطلقاً من رفضه <الخفة> متمسكاً بالرصانة والموضوعية، وهذا نهج بات نادراً في عالمنا الصحافي، خصوصاً في هذه المرحلة التي انقلبت معها القيم وتدهورت الأخلاق، حتى بات هناك من يجعل الأبيض أسود وبالعكس.

مع عرفات حجازي لا مكان للف والدوران، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بقضايا وطنية كالصراع مع إسرائيل على سبيل المثال. هنا نرى الإنتفاضة على وجهه. وقلبه ينتفض ويحتضن المقاومة التي هي بالنسبة له خط أحمر لا يجب المساس به، ولطالما سمعته يطالب بأعلى صوته بأن تُحفظ برموش العيون لقناعته بأن في دعمها وحمايتها صوناً للحرية والسيادة والاستقلال، وهذا ما كتبه في موقف سياسي أخير عبر موقعنا الإخباري الإلكتروني <الإنتشار>.

ولهذا الموقع حكاية مشتركة بيني وبينه. فقد عقدنا العزم على ان نخوض غمار الصحافة الإلكترونية، وكلانا يجهل ألف بائها. وقد استعنّا لهذه الغاية بزملاء يملكون الخبرة في هذا المضمار. أما نحن الإثنين فبقينا متمسكّيْن بالقلم نحاول جاهديْن تعلم ما أمكن من هذا العالم الغريب عن تجربتنا التي بلغ عمرها أكثر من خمسة وأربعين عاماً، فيما عمر فقيدنا الذي نبكيه اليوم 69 سنة تماماً كعمر كاتب هذه السطور. وهذا قاسم آخر مشترك بيننا كولعنا بـ«الفيسبوك> الذي سُعدنا بسبر أغواره بعد جهد جهيد. ويكفي لمعرفة مدى الحب الذي يكنّه الكثيرون لعرفات حجازي الدخول الى صفحته التي يسارع الآلاف الى التفاعل معها بعد لحظات على كتابته خاطرة أو موقفاً من حدث ما لا يتجاوز الأسطر الخمسة.

 بالأمس، ويوم أعلن الخبر المفجع بفقداننا <أبو ياسر>، تحولت مواقع التواصل الإجتماعي، أو معظمها توخياً للدقة، صفحاتٍ للعزاء ولوداع سيّد من اتقن الكلمة وصاغها بأحرف جعل حقوقها محفوظة له، فكانت صورته حاضرة من هنا وهناك وهنالك. ولا أبالغ إذا قلت انني أحصيت أكثر من ستة آلاف حديث في رثاء من رحل عنا باكراً ومن دون مقدمات.

جيل اليوم كما جيل الأمس هزّه ألا يكون عرفات حجازي حاضراً بعد الآن لمتابعة مهمته في إصلاح ما أفسده الدهر في السياسة والصحافة.

أما أنا فخسرتُ من كان يُسعد صباحي في <الإنتشار> وينعش مسائي بالأفكار والمقترحات، ولا أدري كيف لي أن أدخل المكتب ولا أجد <أبو ياسر> في الإنتظار.

لقــــد كان الرفيــــق والزميل والأخ الذي شاركتُه وشاركني الكلمة واللقمة، وأضحيتُ وحيـــداً ولا عـــــزاء لي إلا بإبلاغـــــــه الــــرسالة: <الى اللقاء>.