لم يشأ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أن يكشف <سرّ> الحراك الذي قام به في الأسابيع الماضية قبل أن يقرر الانكفاء ووقف <محركاته> كما فعل صديقه وحليفه الدائم الرئيس نبيه بري، وذلك لكونه كان يأمل في أن يلقى الاقتراح الذي راهن عليه من خلال تحركه تجاوباً، وهو القاضي بانتخاب رئيس انتقالي للجمهورية لمدة سنة أو سنتين تجري خلالها الانتخابات النيابية والفريق الذي ينال الأكثرية فيها، يكون الرئيس الجديد من حصته. لكن رياح الاقتراح لم تجرِ وفق ما كانت سفن جنبلاط تشتهي، فطواه على أمل أن يعيد طرحه عندما تكون أكثر ملائمة.. هذا إذا قرر طرحه من جديد!
فما هي قصة الاقتراح الجنبلاطي ولماذا طُوي حتى إشعارٍ آخر؟
تشير المعلومات المتوافرة لـ<الأفكار> الى أن الفكرة راودت زعيم <جبهة النضال الوطني> بعدما تيقن باستحالة تنازل الطرفين الأساسيين في لبنان، أي 14 و8 آذار، عن المواقف التي التزموها حيال الاستحقاق الرئاسي، وأن هذا الأمر يعني أن لا إمكانية لانتخاب رئيس يتفق عليه القادة اللبنانيون ولا يعارضه أي فريق عربي أو دولي، وبالتالي فإن الدعوات التي يوجهها الرئيس نبيه بري لانعقاد جلسات انتخابية ستتكرر والنتيجة واحدة: لا نصاب للثلثين لانعقاد الجلسة الانتخابية. وبدا جنبلاط مقتنعاً من حقيقة واحدة وهي قدرته مع نواب <جبهة النضال> على أن يكون <الرقم الصعب> في المعادلة الرئاسية، وأن من دونه مع نوابه لا مجال لانتخاب رئيس جديد، وهوعندما رشح عضو الجبهة النائب هنري حلو وأصرّ فيما بعد على المضي في ترشيحه، إنما أراد أن يتفادى الاقتراع لأحد المرشحين البارزين، الرئيس العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، على الرغم من ان الأول لم يعلن ترشيحه رسمياً بعد.
أسس الاقتراح وأسبابه الموجبة
وتضيف المعلومات أنه انطلاقاً من الشرخ القائم على المستويين السياسي والوطني، تشاور جنبلاط مع المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد في فكرة <الرئيس الانتقالي>، ثم مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وأطلع <حليفه> الرئيس نبيه بري على ما يدور في رأسه، وصولاً الى الرابية حيث كان العماد ميشال عون واضحاً في رفض الفكرة... وتضمن الاقتراح الذي تداول فيه جنبلاط مع الشخصيات اللبنانية أن يصار الى التفاهم بين جميع مكونات الحياة السياسية والبرلمانية في لبنان على النقاط الآتية:
1 - الاتفاق على انتخاب رئيس انتقالي للجمهورية لمدة سنتين على الأكثر يوافق عليه جميع الفاعلين ولاسيما العماد عون.
2 - يقرّ مجلس النواب، بعد التمديد له خلال الفترة الرئاسية الانتقالية، قانوناً جديداً تجري الانتخابات النيابية المقبلة على أساسه بضمانة جميع الأطراف.
3 - تُشكل حكومة جديدة فور انتخاب الرئيس العتيد (الانتقالي) تتولى متابعة إصدار قانون جديد للانتخابات، وإذا تعذر الاتفاق على الصيغة المقترحة، تجري الانتخابات على أساس القانون المعمول به حالياً، أي المعروف باسم <قانون الستين>.
4 - بعد إنجاز العملية الانتخابية النيابية، تشكل حكومة جديدة تراعي تركيبتها الأكثرية النيابية الجديدة ونسبة تمثيل هذه الاكثرية، وقوى المعارضة، تعمل على تهيئة الأجواء لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد <تنحي> الرئيس الانتقالي طوعاً وفقاً للاتفاق الذي يتم التوصل إليه، على أن يكون الرئيس الجديد منبثقاً من الأكثرية النيابية الجديدة عموماً، والأكثرية المسيحية خصوصاً.
5 - تشهد المرحلة الانتقالية إعادة رسم لملامح الإدارة الداخلية، لاسيما على مستوى المؤسسات حيث تحصل تعيينات في بعض المراكز الحساسة ومنها قيادة الجيش والمؤسسات الأمنية التي تشغر خلال تلك المرحلة، على أن تناط بهذه المؤسسات صلاحيات واسعة في إعادة ضبط الوضع الأمني، للحؤول دون حصول أي <تعكير> على مسار الحل المتفق عليه.
نصر الله لجنبلاط: اسأل عون
وخلال تداول جنبلاط مع اللواء جميل السيد، ومن ثم مع السيد حسن نصر الله في الاقتراح لم تطرح أسماء لـ<الرئيس الانتقالي>، بل مواصفات أهمها أن يحظى بموافقة الجميع ويلقى الدعم المطلق خلال فترة رئاسته الانتقالية، لاسيما وان واقع المؤسسات الدستورية الأخرى يغلب عليه <الطابع الانتقالي> بشكل أو بآخر، فالمجلس النيابي بات <انتقالياً> بحكم تمديد ولايته في أيار/ مايو 2013، ما جعل انتاجيته تتأثر بحكم الخلاف السياسي المستحكم، وحكومة الرئيس تمام سلام تقارب صفة <الانتقالية> قياساً الى تركيبتها والآلية التوافقية التي اعتمدت فيها لإصدار المراسيم والاتفاق على القرارات وجداول الأعمال، فليس هناك ما يمنع أن يستكمل الطابع الانتقالي رئاسياً، فتتساوى المؤسسات الدستورية كلها، ويكون الحل شاملاً.
ويقول مصدر تابع الاقتراح الجنبلاطي عن كثب ان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اقترح على جنبلاط عرض الموضوع على العماد عون لأن الكلمة الأساسية له في الملف الرئاسي في المرحلة الراهنة، لاسيما وأن الحزب غير راغب في تكرار ما حصل العام 2008 عندما <أقنع> عون بالانسحاب من المعركة الرئاسية وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وهذا دين تحمله السيد نصر الله منذ ذلك الحين ولا يزال الى اليوم يسدده، وهو بالتالي من غير الوارد أن يكرر ذلك، ما لم يقل <الجنرال> رأيه وخياره. ويضيف المصدر أن جنبلاط <فسّر> كلام نصر الله بأنه موافقة مبدئية على الاقتراح، لكنها مشروطة بموقف عون، علماً أن <السيد> أوضح لجنبلاط أن التفاهم مع الرئيس نبيه بري حول هذه المسألة لن يكون صعباً، لاسيما إذا كان جواب عون إيجابياً.
<الجنرال> لم يحسم موقفه
وعليه، توجه جنبلاط الى الرابية حيث التقى العماد عون وفاتحه بالاقتراح، فأصغى <الجنرال> الى التفاصيل لكنه لم يعطِ جواباً حاسماً، في حين كان قاطعاً في استبعاد بعض الأسماء التي تنطبق عليها صفة <الرئيس الانتقالي>. لكن جنبلاط توقف عند عبارة وردت في حواره مع عون، إذ قال سيد الرابية انه لم يعد يحب صفة <صانع الرؤساء>، بل يفضل أن يكون هو الرئيس للاعتبارات التي أعلنها في أكثر من مناسبة، كما لم يبدِ حماسة لفكرة اختصار الولاية الرئاسية بسنتين.
وسط هذه المعطيات، وصلت الى مسامع النائب جنبلاط عبارات تجاوزت حد <الملاحظات>، من مسيحيي 14 آذار خلاصتها ان المسيحيين لا يرضون بأن يكون الرئيس نتيجة توافق درزي - شيعي - عوني، سرعان ما لقيت صدى لدى نواب في تيار <المستقبل> وبعض <المستقلين>، بحيث ترجمت <الاعتراضات> علناً على لسان الرئيس فؤاد السنيورة والنائب <القواتي> جورج عدوان، والنائب الكتائبي ايلي ماروني... وآخرين. ويقول المصدر نفسه ان جنبلاط أدرك أن اقتراح <الرئيس الانتقالي> لم ينضج كفاية، ومن الأفضل أن يُطوى في انتظار توافر معطيات جديدة... فأطفأ محركاته وسافر الى القاهرة ومنها الى الخارج في زيارة خاصة، فيما تبعه بعد أيام الرئيس نبيه بري الذي قال بوضوح: <قامت القيامة عليّ وعلى جنبلاط... رح نوقف كل التحركات وخلينا ننتظر حتى نشوف شو رح يعملوا>!