تفاصيل الخبر

أكرم نعمة من جمعية "اشرفية 2020": لست بطلا... والمساعدات "نلملمها" من بعضنا البعض حتى "نسند" مَن يحتاجها!

26/03/2020
أكرم نعمة من جمعية "اشرفية 2020": لست بطلا... والمساعدات "نلملمها" من بعضنا البعض حتى "نسند" مَن يحتاجها!

أكرم نعمة من جمعية "اشرفية 2020": لست بطلا... والمساعدات "نلملمها" من بعضنا البعض حتى "نسند" مَن يحتاجها!

 

 

بقلم عبير انطون

[caption id="attachment_76325" align="aligncenter" width="660"] نويل ابي نادر، كوكوني بابيكيان، كريم منير، اكرم نعمة، ميشال رجي، كريستينا ابو حمد وجهاد بيطار[/caption]

 

  [caption id="attachment_76324" align="alignleft" width="163"] التوضيب بأعلى معايير النظافة..[/caption]

"لانها عائلتي" .. بهاتين الكلمتين اختصر أكرم نعمة وفريق من الاصدقاء معه في جمعية "اشرفية 2020" مساعداتهم لناس من حولهم "هم منهم ولهم". لم يكن هدفنا يوما ان نكون جمعية خيرية، ولا نعرف أصلا كيف تكون هذه، ولا دراسات لدينا ولا احصاءات ولا مكاتب. جل ما لدينا يقول أكرم نعمة، هو همُّ من غدرت بهم الايام السوداء ويئنون بصمت، مترفعين عن اي طلب، ساترين جوعهم بكلمة "الحمد لله ". نحن رصدناهم بـ"نعومة فائقة" ومن دون اي تجريح، ومع تفتيح عيوننا صباحا نقول: "شوف يا ربي كيف بدك تدبرنا اليوم" وننطلق . نحن جماعة اصدقاء، تجمعنا الثقة بعضنا ببعض والـ"مَونة " على بعضنا البعض، فهذا يساعد ذاك، وهذه تساعد تلك في تأمين المواد الغذائية والطعام والدواء والعلاجات الطبية وغيرها..

انطلاقا من هذه المبادرة التي تعمل من دون ضجيج، كان حديث "الأفكار" مع الناشط "الأشرفي - اللبناني" اكرم، الذي يملك رؤية عصرية وانما حميمة لـ"الأشرفية" التي يحب، والتي ولد ونشأ فيها، يعرفها ويعرف سكانها "بيت وبيت"، وينصبّ اهتمامه اليوم على مساعدة اهلها دون اية غاية... يكرر: اية غاية.

 وسألناه اولا:

*كيف يمكن وصف الوضع في الأشرفية اليوم؟

 - الدكاكين الصغيرة مفتوحة (الحديث في يوم عيد الام)، محلات الزهور سمح لها المخفر استثنائيا بأن تفتح ابوابها بمناسبة عيد الام ذلك ان هذه الزهور تنتج في لبنان في مثل هذا الموسم. السوبرماركت تستقبل الزبائن الواحد تلو الآخر وهي من تلبّيهم بحاجياتهم الى المدخل، ومثلها تفعل الصيدليات، والناس محترمة للتحذيرات بشكل كبير. حزينة هي الأشرفية كما كل العاصمة وكل العالم.

*في هذا الزمن الصعب، كنتم مع مبادرة "الأشرفية 2020" بلسما لكثيرين "عالسكت".. اخبرنا عن مساعداتكم، ومَن تساعدون؟

- منذ سنة ونصف السنة أسسنا ما سميناه بالفرنسية

“Trait D’union”

او "همزة وصل" داخل جمعية "اشرفية 2020" التي تأسست في العام 2012 لشد الاواصر بين اهل الاشرفية وكل من هو من خارجها ايضا. فمع بداية شعورنا بان الاقتصاد يتدهور والاعمال الى تقلص والشركات تقفل أبوابها او تصرف من موظفيها، فيما الناس باتت في ضيق من دفع الايجارات والاقساط ومتطلبات العيش، اردنا التحرك سريعا حتى نواجه الفترة العصيبة.

 وما لاحظناه ، وهو فائق الأهمية، بأن أكثر من تضرر كانت الطبقة الوسطى فيما هي عماد مجتمعنا. لطالما ارتسمت في اذهاننا صورة نمطية بأن الفقير هو المعدوم، حافي القدمين والذي يعيش في بيت سقفه من "التنك". ولكن الازمة الاخيرة اظهرت صورة مغايرة تماما، اذ دخل الفقر الى عقر البيوت التي كان دخلها متوسطا وعيشها كريما. اعطيكم مثلا بسيطا عن عائلة صديقة: الزوج يملك متجرا لبيع الملبوسات الرجالية، وزوجته معلمة في احدى المدارس. هو ما باع قميصا واحدا منذ أشهر، وهي تتقاضى نصف راتبها بسبب الأزمة، والمطلوب ان يعيشوا في عائلتهم بمبلغ 650 الف ليرة لبنانية لثلاثة أشخاص. هل مثلهم يلامون؟ على الاطلاق... او هل تلام مثلا مَن افتتحت معهدا للتجميل ووظفت فيه شخصين او ثلاثة  فاضطرت الى اقفاله او اقله الاستغناء عمن وظفتهم؟ وانتبهوا، مثل هؤلاء الاشخاص لا يطلبون اي مساعدة! فكرامتهم وقيمهم تبعد عنهم اي تفكير بها. وعلى غرار هذا المثل يمكنني ذكر العشرات.

ويضيف اكرم:

- تعرفون ان الاطباء او المسعفين في الكوارث لا يبادرون الى انقاذ من يعلو صراخهم اولا، فهذا دليل على انهم أحياء، بل تجدونهم يتجهون اولا صوب الساكتين او من يئنون بصمت. دخلنا المنازل بطريقة لبقة فائقة النعومة، حتى لا نجرح احدا. دخلنا بيوتا لا تتدنى قيمتها عن نصف مليون دولار، لكننا وجدنا برادات خالية من الطعام.

واليوم من خلال "همزة وصل" نتمكن من جمع حوالى الاربعة عشر مليونا شهريا منا نحن الاصدقاء، ونعد صناديق يضم كل واحد منها 27 مادة غذائية او صحية او تنظيفية لمن يحتاجها، نوصلها وفق لائحة لدينا قبل انتهاء الشهر بيومين او ثلاثة..

* واليوم مع التحذيرات من "الكورونا" كيف تصل الى محتاجيها؟ وهل تراعون القواعد المتبعة لعدم العدوى؟

- في السابق كانت العائلات او الاشخاص يستلمونها من عندنا، الا بعض ممَن ليس لهم سبيل الى ذلك. اما اليوم فكل شيء يتم بـ"المَونة" فمَن معه سيارة ويمكنه ان يوصل الصندوق يقوم بالمهمة. كذلك، فان جديدنا حاليا خدمة نقدمها للتخفيف من وطأة الـ"كورونا " مع الحجر في البيوت، فيجند متطوعون انفسهم مع وسائل تنقل خاصة بهم لنوصل الى بيت مَن يطلب منا غرضا معينا ويكتفي بدفع ثمنه من دون خدمة توصيله. بهذا الشكل نساعد كبار السن في ان يحصلوا مثلا على جريدتهم، وربات البيوت على موادهن الغذائية الخ،

[caption id="attachment_76322" align="alignleft" width="423"] أكرم نعمة: لا نقوم سوى بواجبنا[/caption]

ويراعي مَن يوصلها كل الشروط الصحية.

كذلك، وفي وقت سابق لهذه المبادرة، كنا قد قمنا، وقبل اقفال المدارس لأبوابها، وبعد ان لمسنا بأم العين ان العديد من الطلاب يأتون الى المدرسة بالخبز الـ"حاف" او المرشوش بالسكر، بالطلب إلى العديد من السيدات وعبر "الفايسبوك" ايضا حيث نحن ناشطون، اعداد حلوى "الكيك الانكليزي" ووزعناها على طلاب في عدة مدارس وعلى عدد من المسنين. كذلك نفعل بالنسبة الى طبخات او حصص غذائية نطلبها من بعض السيدات ايضا، وهن يستجبن بكل رحابة صدر خاصة وانهن ماكثات في البيت حاليا، وبعضهن من خارج الاشرفية.

احرار من اي ارتباط...

*وهل تتلقون دعما من جهات معينة في مساعداتكم؟

- لا، وبل نرفض مَن يقدمها بشروط. الاسبوع الماضي اتصل بي احدهم عارضا مساعدتنا بالف صندوق، فيما قدرتنا نحن تصل الى 84 صندوقا في الشهر. فرحت للامر الا انه كان مشروطا بتزويده بصور عن هويات الناس التي تتم مساعدتها، وذلك طبعا "لغايات في نفس يعقوب".. من باب الـ"داتا كوليكشن". وهذا ما نرفضه تماما كجمعية واعتذرنا منه. ونحن في مساعداتنا لا نتلقى المساعدات المالية، ونطلب من كل مَن يريد المساهمة ان يشتري لنا فيها ما نحن بحاجة لان نساعد به. حتى ان طبيبا في مستشفى "اوتيل ديو" تقدم لمساعدتنا بالف وستمئة دولار اميركي، رفضنا اخذها عينيا وطلبنا منه ان يشتري لنا موادا بثمنها. وهو، مشكورا، دخل في حلقة اصدقاء مَن يساعدون، وان احتجنا له يوما في اية مساعدة طبية فانه لن يتأخر.

ويضيف أكرم:

- البارحة مثلا تلقيت اتصالا من صديقة تقول بأن سيدة وقعت وكسرت يدها وليس لديها المال لتصورها او تجري لها عملية ان هي احتاجت لها. اتصلت باحد الاصدقاء وتأمن المبلغ على الفور. وقبلها، سيدة لها ابن مصاب بالسرطان كان بحاجة لدواء يبلغ ثمنه 750 الف ليرة، تم تأمين المبلغ له بعد جولة اتصالات بيننا نحن جماعة الاصدقاء في ظرف 6 دقائق، حتى ان المبلغ الذي جمعناه فاق المطلوب، فاشترينا له فرشة من الماء كان بحاجة لها أيضا.

[caption id="attachment_76323" align="alignleft" width="382"] الأعضاء في جمعية اشرفية 2020[/caption]

*هل تختارون المساعدة بحسب الحالات؟ وما اكثر ما تحتاجوه اليوم؟

- طبعا، بحسب الاولويات، ولنا اصدقاء في مختلف المجالات. فالى المواد الغذائية هناك الادوية التي تطلب منا، كذلك قمنا مؤخرا باعداد قسائم لعبوات الغاز لمَن يحتاجها، والان معي 800 الف ليرة في الصندوق لاي طارئ. الأصعب اليوم انه مَن كنا نتكل على مساعدتهم باتوا هم ايضا على "القد"، وهنا لا اتحدث عن الاثرياء فهؤلاء قليلا ما يساعدون الا اذا ذُكر اسمهم على التلفزيون ولدينا دراسة تؤكد ذلك، انما اعني الطبقة الوسطى التي حدثتك عنها والتي تهب الى مد يد العون.

*هل لديكم مستودع لتوضيب المواد قبل ارسالها؟

- لدي واحد يمتد لثلاثمئة متر في الاشرفية.

- انه "ايستوار – جيو" المتجر الذي تملكه لبيع الـ"انتيكا"، اليس كذلك؟

بضحكة يجيب اكرم:

- انه كذلك، وقد حولته اليوم مستودعا للحمص والأرزّ والفاصوليا.. هذا المحل يمر به اكثر من ثلاثين شخصا يوميا، يشربون القهوة ويسلمون على بعضهم البعض ويتحادثون.

*هذه الالفة والتعاضد بتّ "ملِكه" في الاشرفية، وكنت بدأته ايضا مع مسيرات لـ"المشي سوا" لثلاث مرات اسبوعيا لمَن يرغب من السكان واصبحتم مجموعة كبيرة. الى اي مدى تهمك العلاقات الانسانية الدافئة؟

- "الاشرفية" بلدة، عائلة واحدة، هي "الرئة" وهي القلب. آباؤنا واجدادنا يعرفون بعضهم البعض. انا اعرف كل بناية، وفي كل طابق مَن يسكن. اذا كنتم انتم في عائلتكم خمسة افراد مثلا، فنحن تتكون عائلتنا من 263 فردا.

*في الاشرفية تحديدا، اكثر من جمعية تساعد. هل تعتقد انه من الافضل ان توحد جهودها فتكون فعاليتها أكبر؟

 - لا، لان كل جمعية تعرف اصحابها وعائلاتهم وحاجاتهم. كل يعرف محيطه... ثم لم تكن نية "أشرفية  "2020" يوما ان تكون جمعية خيرية، ولا هو الهدف الذي وضعناه لها. عملنا الآن كله عفوي، "اهلية بمحلية" ومن دون كثير تخطيط او دراسات.

*هل من جهات تلام بعدم المساعدة؟ شخصيات، احزاب، مرجعيات دينية؟

- لا نلوم احدا، ونحن بعيدون كل البعد عن التعاطي السياسي او العقائدي او المذهبي، واحرار من اي ارتباط. اما المرجعيات الدينية ومن مختلف الطوائف فلا اعتقد انها مقصرة وهي تقوم بما تستطيعه، لكن عملياتها معقدة اذ ليست بهذه السهولة ولا بتلك الامكانيات.

*مع تمنياتنا لكم بالبقاء بهذه الهمة. اي وجه مشرق تحدثنا عنه من خلال "اشرفية 2020" بعد انجلاء هذه الغيمة السوداء عنا؟

- المشروع الأكبر طبعا كان اعادة ترميم "ساحة ساسين" حتى تكون الساحة الاحلى في الشرق الاوسط وبكلفة 16 مليون دولار تمت الموافقة عليها، كما نعد بالعودة الى نشاطاتنا الثقافية والفنية والى محاضراتنا التوعوية ودعم مَن يحتاج، ولقد سبق وقمنا بحملة دعم لصغار التجار والحرفيين عرفت نجاحا كبيرا... كذلك سنعود لاحياء "اليوم الخالي من السيارات" في الأشرفية فيتعرف السائرون فيها على كل معالمها. نأمل ان نستعيد انشطتنا على مختلف المستويات... وبالانتظار يبقى شعارنا فعلا وليس قولا "في اتحادنا قوة"، فلا يشعر اي فرد بأنه متروك حتى نعبر الى شاطئ الامان لنا ولمجتمعنا وبلدنا من جديد.