على رغم ان مجلس الوزراء بدأ الأسبوع الماضي مناقشة مشروع موازنة ما تبقى من العام 2015، فإن مصادر وزارية ونيابية تستبعد التوصل الى اتفاق حول نص المشروع تمهيداً لإحالته الى مجلس النواب، لاسيما مع غياب أي تشاور مسبق بين وزير المالية علي حسن خليل والكتل السياسية المتمثلة في الحكومة، من شأنه أن يمهّد الطريق أمام إقرار <سلس> للموازنة. وتشير المصادر نفسها الى ان لا مؤشرات ملموسة تسمح بتوقع حصول تفاهم على إقرار المشروع بالسرعة المطلوبة ليتمكن مجلس النواب من درسها وإقرارها قبل الدخول في العطلة الصيفية! وعلى رغم ان الجلسة الأولى لمناقشة مشروع الموازنة اقتصرت على عرض الأبواب والأرقام من دون الدخول في التفاصيل أو ابداء الملاحظات الفعلية، فإن ثمة معطيات تدل على أن المشروع الجديد يواجه عقبتين أساسيتين، الأولى <مسار> سلسلة الرتب والرواتب المجمّد منذ مدة، والثانية <مصير> المخرج الذي يجري العمل من أجل اعتماده لتبرير طريقة صرف مبلغ 11 مليار دولار أميركي خلال حكومات الرئيس فؤاد السنيورة، وهو الخلاف الذي جمّد إصدار الموازنات منذ سنوات عدة. وعليه لا تتوقع المصادر نفسها أن يتم الوصول الى حلول عملية تعيد التوافق على سلسلة الرتب والرواتب، أو تجد الحل المناسب للمليارات الـ11 الأمر الذي يعني ان مناقشة مجلس الوزراء لمشروع الموازنة ستطول وقد لا تحمل نهاية سعيدة خصوصاً إذا ما ظلت الخلافات هي التي تتحكم بالنقاش حول الوضع المالي بين الأطراف المعنيين على الساحة اللبنانية.
انقسام الوزراء بين مؤيد ومتحفظ
وإذا كان تخوف وزير المال علي حسن خليل من <تسييس> موضوع الموازنة في محله، فإن الواضح ان ثمة ملاحظات أخرى تطل برأسها على مشروع الموازنة منها غياب الخطة الاقتصادية أو السياسة الاقتصادية للحكومة، وغياب الانفاق الاستثماري، وكذلك النظرة الشاملة لمشاريع النهوض الاقتصادي وعدم وجود نفقات للمشاريع الانتاجية في الصناعة والزراعة والسياحة واستخراج النفط والغاز. وهذه النقاط تشكل في حد ذاتها مادة للوزراء لإثارة ملاحظاتهم على المشروع <وتبرير> تأخير البت فيه وتأجيله من جلسة الى أخرى... ناهيك عن الاعتراضات المتوقعة لعدد من الوزراء على تدني موازنات وزاراتهم، وطلائع هذه الاعتراضات برزت في مواقف لوزراء الشؤون الاجتماعية رشيد درباس والصحة وائل أبو فاعور والزراعة أكرم شهيّب والصناعة حسين الحاج حسن والأشغال العامة علي زعيتر والتربية الياس بوصعب والشباب والرياضة عبد المطلب الحناوي. في المقابل يبدي عدد من الوزراء رغبتهم في إقناع زملائهم بعدم عرقلة إقرار الموازنة على رغم ما يمكن أن يرد فيها من ثغرات، لأن المهم في نظر هؤلاء إحالة المشروع على مجلس النواب وهناك يتم التعديل والإضافة والزيادة الخ... بحيث يُسجل لحكومة الرئيس سلام إقرار أول موازنة للدولة اللبنانية منذ العام 2005 لأن سنوات عهد الرئيس السابق ميشال سليمان مرت كلها من دون إقرار أي موازنة للدولة ما أفسح في المجال أمام الإنفاق غير المسؤول والهدر ورفع نسبة العجز مليارات من الليرات اللبنانية. ويرى هؤلاء الوزراء ان إقرار الموازنة ــ في حال تم التوافق عليها ــ يفسح في المجال أمام <حكومة المصلحة الوطنية> انجاز بعض المشاريع العالقة منذ سنوات ويوفّر <طمأنينة> للموظفين والعاملين فيها، خصوصاً ان نسبة الانفاق الجاري ــ على حد تعبير وزير الاقتصاد آلان حكيم ــ يبلغ 92 بالمئة من قيمتها للرواتب وخدمة الدين والكهرباء والعجز، أي انها ليست موازنة انتاجية أو استثمارية، ويُسجل الوزراء الذين يؤيدون إقرار الموازنة نقطة ايجابية خلاصتها ان المشروع <يقونن> الانفاق للمرة الأولى منذ سنوات ويزيل أسباب الشكوى من الفوضى التي رافقت الانفاق المالي منذ العام 2006 وحتى اليوم.
طلب <المستقبل>... مشروع <مشكل>!
وفي المعلومات المتوافرة لـ<الأفكار> ان رئيس كتلة <المستقبل> النيابية الرئيس فؤاد السنيورة أوعز الى وزراء الكتلة الطلب الى وزير المال تقديم دراسة تتضمن مقارنة بين أرقام الموازنات من العام 2006 الى العام 2014 والتي لم تقر بعد، وبين أرقام الموازنة الجديدة لإعطاء صورة دقيقة عن تطور الأوضاع المالية لاسيما حول المبالغ المحجوزة والمصروفة والمتأخرات والمبالغ الاضافية وكلفة سلسلة الرتب والرواتب المقدرة والمبالغ التي أدرجت تحت بند سلف غلاء المعيشة والنفقات الاضافية، كذلك الأمر بالنسبة الى الايرادات، فضلاً عن تقديرات تأثير زيادة أو انخفاض أسعار النفط والغاز وتقدير النمو والعجز في حال إقرار سلسلة الرتب والرواتب ووضع الخزينة وصولاً الى تقدير حجم الدين العام نسبة الى الناتج المحلي. وفيما أبدت مصادر وزير المال <استغرابها> لمطلب كتلة <المستقبل>، رأت مصادر قريبة من حزب الله ان في الأمر مقاربة <تعجيزية> لإرباك وزير المال وأخذ النقاش في مجلس الوزراء الى مكان آخر... وتخوفت المصادر من أن يحمل طلب كتلة <المستقبل> بذور <مشكل> جديد بين وزراء <8 و14 آذار> داخل الحكومة ما سيحوّل ملف الموازنة الى مادة خلافية تضاف الى المواد الخلافية الأخرى...
أرقام...
يذكر ان في مشروع موازنة 2015 تبلغ كلفة النفقات العامة 23362 مليار ليرة، فيما تقدر قيمة الايرادات بحوالى 12108 مليارات ليرة. واستناداً الى الأرقام التي عرضها الوزير خليل فإن العجز يبلغ 7427 مليار ليرة، وقيمة الدين العام ستصل الى 71 ملياراً و700 مليون دولار أميركي. وقد اعترض عدد من الوزراء على تضمين مشروع الموازنة واردات سلسلة الرتب والرواتب قبل اقرارها في مجلس النواب في ظل الالتباس المحتمل حول مصير وارداتها. تجدر الإشارة الى ان ارتفاعاً حصل في الرواتب والأجور نسبته 10 بالمئة أي أكثر من 355 مليار ليرة نتيجة زيادة عدد الموظفين في القطاع العام بنسبة 7 بالمئة أي حوالى 11,7 ألف شخص لأسباب أمنية وسياسية واجتماعية بينهم 10500 عنصر أمني وعسكري (تبلغ رواتبهم 152 مليار ليرة) وتثبيت 2500 عنصر في الدفاع المدني (رواتبهم نحو 42 مليار ليرة). أما تحويلات مؤسسة كهرباء لبنان فتبلغ 3056 مليار ليرة أي حوالى 68,4 بالمئة من اجمالي الانفاق العام.