تفاصيل الخبر

اختصاصي الأمراض الصدرية الدكتور هاني شاهين: تراجعت أمراض القلب وتقدمت أمراض الحساسية والربو!

18/09/2015
اختصاصي الأمراض الصدرية الدكتور هاني شاهين:  تراجعت أمراض القلب وتقدمت أمراض الحساسية والربو!

اختصاصي الأمراض الصدرية الدكتور هاني شاهين: تراجعت أمراض القلب وتقدمت أمراض الحساسية والربو!

 

بقلم وردية بطرس

Hani-Shahin هل أصبح لبنان على شفير كارثة صحية بسبب تفاقم أزمة النفايات منذ شهر تموز (يوليو) الماضي؟ والى أي مدى تهدد النفايات صحة اللبنانيين خصوصاً مع بدء موسم الأمطار حيث ستترسب النفايات في مجاري المياه وهنا ستقع الكارثة اذا اختلطت مياه المجاري بمياه الشرب، وما ينتج عنه من أمراض وتحديداً <الكوليرا> والطاعون وغيرهما من الأمراض... فكما هو معروف ان للنفايات آثاراً بيئية خطرة ومدمرة، حيث انها سامة وتستنفذ الأوكسجين من الهواء ومن المياه السطحية ولا سيما انها تدمر الحياة النباتية والحيوانية، اذ تنبعث من النفايات روائح وغازات سامة، وبالتالي فإن حاوياتها تحولت من وسيلة لتجميع النفايات الى خطر يهدد سلامة المواطنين خصوصاً وان هذه الحاويات فقدت وظيفتها الأساسية حيث أصبحت تشكل أحد العوامل المؤثرة على البيئة وعلى صحة المواطنين.

ووفقاً لدائرة مكافحة الأمراض الانتقالية في وزارة الصحة فإن خطر تساقط الأمطار على النفايات يكمن في احتمال تسرّب رواسب النفايات الى التربة، وبالتالي الى المياه الجوفية، وهو ما يرتب تداعيات خطيرة ليست بالضرورة ان تكون على المدى القريب، بل على المدى البعيد كأن يرتفع عدد الإصابات بمرض السرطان وغيره... ويعتبر اختصاصيو الأمراض الوبائية ان الخطر لا يتوقف على <الكوليرا>، إذ قد تتأتى الآف الجراثيم عن عمليات التفاعل بين المياه وهذه النفايات، فضلاً عن خطر تراكم الجرذان، وبالتالي خطر انتشار مرض الطاعون، والوضع يصبح كارثياً أكثر اذا تساقطت الأمطار.

ولقد أعلن المجلس الوطني للبحوث العلمية (أمينه العام الدكتور معين حمزة) في بيان أنه خلال العاصفة الرملية التي هبت على لبنان والمنطقة ابتداء من 7 أيلول (سبتمبر) وبلغت ذروتها في 9 و10 أيلول (سبتمبر)، استطاعت الوحدة البحثية المشاركة المدعومة من المجلس الوطني للبحوث العلمية والتي تجري أبحاثها في مجال تلوث الهواء قياس مدى ارتفاع درجة تلوث الهواء بالغبار في مدينة بيروت مقارنة بالمعدل العام. وأفاد المجلس الوطني للبحوث العلمية بأنه تبين ان هذا التلوث قد ارتفع بنسبة كبيرة ليتعدى المعدل العام ويبلغ ما يقارب 120 ضعف هذا الأخير للجسيمات التي لا يتعدى قطرها 10 ميكروميتر ( 3000 ميكروغرام في المتر المكعب من الهواء بدلاً من 25 ميكروغراماً). اما الجسيمات التي لا يتعدى قطرها 2,5 ميكروميتر فقد تعدى تلوث الهواء المعدل العام بنسبة أقل ارتفاعاً ليبلغ ما يقارب 6 أضعاف هذا الأخير (180 ميكروغراماً في المتر المكعب من الهواء بدلاً من 30 ميكروغراماً ) وتعتبر هذه الأخيرة الأكثر خطراً على الصحة.

فما هي الأمراض التي ستظهر بسبب النفايات المنتشرة في شوارع لبنان؟ وهل سيظهر مرض <الكوليرا> اذا هطلت الأمطار خصوصاً بعد العاصفة الرملية كما يّحذر الخبراء؟ وهل الكمامات الواقية تحمي الناس؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على الدكتور هاني شاهين الاختصاصي في الأمراض الصدرية والأمراض الداخلية، وسألناه بداية:

ــ ما هي الأمراض التي ظهرت او تزايدت منذ تفاقم أزمة النفايات في لبنان؟

- ان الأمراض مثل الحساسية والربو هي من أكثر الأمراض التي تصيب اللبنانيين في الآونة الأخيرة، فحتى لو لم يكن الشخص مصاباً بالربو فيُصاب به ايضاً نتيجة التلوث الحاصل في البلد لا سيما مع تفاقم أزمة النفايات... وهناك عوامل عديدة تتحكم بها، وأهم هذه العوامل على الاطلاق هي عوامل التلوث والبيئة. ان عوامل التلوث والبيئة تزيد من معدلات الإصابة بأمراض الحساسية والربو بدرجات عالية جداً. ونسبة الإصابة بالحساسية والربو في لبنان هي من أعلى النسب على المستوى العالمي، حيث تصل النسبة الى 19 في المئة وتُعتبر هذه النسبة عالية. للأسف ان أمراض الحساسية والربو عالمياً في ازدياد وخصوصاً في لبنان، نظراً لنسبة التلوث والتراكم علماً ان معظم الأمراض الأخرى بحسب الاحصاءات الحديثة هي في تراجع مثل أمراض القلب. أيضاً هناك آثار جانبية للحساسية تظهر بعد سنين عديدة وطويلة مثل التأثير على الجنين في بطن الأم، والتأثير على صحة الانسان النفسية، والتأثير على حالات الشيخوخة المبكرة والعجز المبكر. وطبعاً ازدياد نسبة الأمراض الخبيثة والسرطان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتلوث.

ويتابع قائلاً:

- تجدر الإشارة الى ان لبنان من حيث الاحصاءات الطبية يعد من أكثر بلاد العالم من حيث نسبة الإصابة بالسرطان على الاطلاق. ويمكننا القول ان الشعب اللبناني يكاد يُباد لسببين أساسيين أحدهما السرطان، والثاني الهجرة الكثيفة. من ناحية الحالة النفسية فالملاحظ ان هناك ازدياداً في حالات الاكتئاب بصورة شديدة لدى الشعب اللبناني، وأخطر ما في الموضوع هو إصابة شريحة كبيرة من الناس بحالة من اليأس الشديد... صحيح اننا نقول ان لا يأس مع الحياة، ولكن الملاحظ ان اليأس الشديد والاكتئاب بدأ بالظهور الكثيف مع مشكلة النفايات بشكل خاص، وستكون لها تداعيات خطيرة على نسبة الهجرة الى الخارج نظراً للاحباط واليأس في لبنان اذ ستزيد من معدلات الهجرة الكثيفة.

وعن الأمراض الوبائية والجرثومية يشرح الدكتور شاهين:

- هناك تأثير مباشر للتلوث وهو ازدياد الأمراض الوبائية والجرثومية، حيث لوحظ ازدياد نسبة الأمراض المعوية والاستفراغ والاسهال. ولكن لحسن الحظ فإن هذه الملوثات لم تقترب من مياه الشرب، ولكن في حال تسربها، وهو متوقع مع هطول الأمطار، فستتسرب النفايات الى باطن الأرض، وسيكون تأثير التسرب كبيراً، وسيؤدي الى تلوث المياه الجوفية التي يعتمد عليها الكثير من الناس.

 

جرثومة <أي كولاي>

واستطرد قائلاً:

- بالنسبة للأمراض الوبائية الأساسية التي نراها الآن هي الأمراض التي تصيب الجهاز الهضمي، التي ينتج عن تفشي الجراثيم وانتقالها الى البشر. ونرى ان مشكلة النفايات لها تأثير مضاعف جداً بسبب انقطاع الكهرباء الذي يؤدي لسوء حفظ الأطعمة. ان تأثير النفايات من الناحية الصحية هو ايضاً تأثير ضار وتراكمي، بالتأكيد ستكون هناك خسائر بيئية كبيرة جداً.

وتابع قائلاً:

- أما الأمراض الجرثومية فهي: جرثومة <ايشيريشيا كولاي>، ويختصر اسمها بـ<أي كولاي>، وأيضاً جرثومة <كامبيلوباكر> وغيرها من الجراثيم. وتأثير هذه الجراثيم يتضح بصورة أكثر عند الكبار في السن والصغار، وأيضاً عند أي شخص مصاب بمرض مزمن مثل السكري والقلب.

وأضاف:

- بالنسبة لأمراض الرئة فلقد سجلت ثلاث حالات وفاة في لبنان حتى الآن بحسب تقارير وزارة الصحة منذ بدء العاصفة الرملية التي وصلت الى لبنان الثلاثاء الماضي، وحوالي ألف حالة زارت المستشفيات بسببها. وطبعاً هذه التقارير الأولية ويتوقع ان يكون الرقم أكثر بكثير لأنه رقم مصرح عنه الآن ولكنه يختلف عن الرقم الحقيقي.

ــ وما هي الأمراض التي ستتفشى مع هطول الأمطار لاسيما ان النفايات تغمر الشوارع؟

- ستحدث كارثة حقيقية مع هطول الأمطار، حيث ستقوم الأمطار بترطيب هذه النفايات، وبالتالي سيصبح لبنان مرتعاً خصباً لجميع انواع الجراثيم والقوارض، وعندها سنواجه كارثة بيئية وصحية. ان انتقال الجراثيم يتم عبر مختلف الأساليب وتحديداً عبر القوارض والبعوض. وطبعاً لا ننسى ان تسرب هذه الملوثات الى المياه الجوفية والأنهار والبحر، سيؤدي الى مشكلة كبيرة لا بل ستتضاعف المشكلة، وستستمر لزمن طويل حتى لو حلت الأزمة الآن.

ــ وهل يصبح الضرر أقل اذا أزيلت النفايات قبل هطول الأمطار؟

- اذا أزيلت النفايات من الشوارع وهطلت الأمطار فلا شك ان هناك تأثيراً إنما أقل مما هو لو كانت لا تزال في الشوارع والطرقات. وتجدر الاشارة في حال أزيلت هذه النفايات فإن الأمطار تحمل نواحي إيجابية وهي غسل الأماكن الملوثة، وطبعاً نقصد نقل هذه الأوساخ والملوثات من ظاهر الأرض وستنتقل الى الأنهار والبحر، وطبعاً ستلوث كل شيء في البحر ونعني هنا الأسماك. ان الشواطىء اللبنانية هي من أكثر شواطىء العالم تلوثاً، وكذلك الأمر بالنسبة للأنهار، اذ يشكو الصيادون في لبنان من انخفاض عدد الأسماك على الشواطىء اللبنانية بصورة هائلة. والمرعب ان الانخفاض لا يشمل البشر والحيوان والأسماك بل يشمل أيضاً الطيور اذ تتناقص أعدادها في لبنان بشكل كبير.

 

<الكوليرا> والطاعون

 

ــ وماذا عن المخاوف من انتشار الكوليرا والطاعون مع هطول الأمطار اذا لم يتم ازالة النفايات من الشوارع؟

- عادة من المستبعد ان يُصاب الشعب اللبناني بـ<الكوليرا>، لأن مرض <الكوليرا> يحدث نتيجة اختلاط مياه المجارير ومياه الشرب، وهذا لحسن الحظ غير موجود في لبنان، ولكن أمراضاً أخرى ستظهر مثل التيفوئيد او حمى التيفوئيد وهو مرض معدٍ ينتج عن أكل او شرب المواد الملوثة، وغيرها من الأمراض ولها تأثير كبير جداً على الانسان، ومن المتوقع ان تصيب الشعب اللبناني. والتيفوئيد هي جرثومة تسبب أمراضاً وبدأت تظهر حالات في لبنان، وهي قاتلة أحياناً خصوصاً في الجهاز الهضمي، وللأسف هذه الجرثومة تعتبر منقرضة وغير موجودة في العالم، ولكنها ظهرت منها بعض الحالات في لبنان في الأونة الأخيرة نتيجة انتشار النفايات في الشوارع والأحياء السكنية. بالنسبة لـ<الكوليرا> فكما ذكرت انه لن ينتشر بشكل كبير انما هذا لا يعني انه لن تظهر حالات إصابة بالكوليرا خصوصاً في المناطق المحرومة مثل عكار، وذلك نتيجة اختلاط مياه الشرب ومياه المجاري. ولكن كما قلت في لبنان لا يوجد اختلاط ما بين مياه الشرب ومياه المجاري ولهذا لن يظهر مرض الكوليرا بشكل كبير او لافت، وبالتالي لا مجال للخوف.

وبالسؤال عن الطاعون يشرح قائلاً:

- يُستبعد ان يُصاب اللبنانيون بالطاعون لأن الطاعون مرتبط بالقوارض ولا يشكل خطراً، ولكن تزايد أعداد القوارض يؤدي الى احتمال الإصابة بالطاعون. وتجدر الاشارة الى ان الإصابة بالطاعون لا تزال نادرة جداً. ولكن لم تُسجل أي حالة حتى الآن. ولكن قد يتحول الى كارثة وبائية في حال لم تُدار مشكلة النفايات. طبعاً القوارض تقتات من النفايات سواء أمطرت ام لا، وبالتالي الخطر يهدد الجميع اذا لم يُصار الى حل مشكلة النفايات بأسرع وقت ممكن.

orduresــ ولكن الجميع يخشى من الشتوة الأولى خصوصاً ان النفايات تغمر مختلف المناطق اللبنانية، فإلى أي مدى يشكل ذلك خطراً على صحة الناس؟

- الشتوة الأولى ستقوم بترطيب النفايات وسيؤدي ذلك الى زيادة معدل تكاثر الجراثيم والقوارض، وبالتالي ستتفاقم المشكلة، ناهيك عن الروائح الكريهة التي ستنبعث من النفايات بعدما تهطل الأمطار.

ــ وطبعاً مع وصول العاصفة الرملية الى لبنان زاد الأمر سوءاً من حيث تأثيره السلبي على صحة الناس خصوصاً على المصابين بالحساسية والربو وحتى غير المصابين به على المدى البعيد؟

- أولاً لا بدّ من الإشارة هنا الى انه منذ فجر الخليقة والعالم يعاني من وجود العواصف الرملية دون مشاكل صحية تُذكر، ولكن للأسف في هذا العصر فإن العاصفة الرملية تحمل معها الكثير من الملوثات الدقيقة التي ما ان تدخل الى الشُعب والقصبات الهوائية ومجاري التنفس، تؤدي الى مشكلة صحية الا وهي زيادة معدل الإصابة بالاختناق، وحالات نوبات الحساسية وهذا ما نشهده في لبنان مؤخراً، وفي بعض الحالات أدى ذلك الى الوفاة.

الكمامات الواقية

 

ــ وهل تحمي الكمامات الواقية من النفايات والعاصفة الرملية وغيرها؟

- الكمامات الواقية تُعتبر حماية جزئية من التلوثات ومن الغبار، ولكنها في الواقع حل غير فعال، إلا انها لا شك تخفف من التعرض لرائحة النفايات وتخفف من استنشاق الجراثيم او <الفيروسات> او انتقالها، خصوصاً ان عدداً كبيراً من هذه الجراثيم ينتقل عن طريق الهواء. ولكن بشكل عام يُنصح بوضع الكمامات الواقية في مثل هذه الحالات وفي حالات الإصابة بمشاكل في الجهاز التنفسي.

ــ وهل يختلف الأمر اذا كان جهاز المناعة لدى الشخص قوياً او ضعيفاً؟

- التأثير يكون بشكل عام، ولكن درجات التأثير تختلف بين انسان وآخر بحسب قوة جسم الانسان وقوة المناعة لديها، وبحسب عوامل عديدة منها عوامل وراثية، وعوامل بنيوية جسدية.

ــ لا شك ان مشكلة النفايات تهدد صحة اللبنانيين سواء اذ أمطرت السماء ام لا ولكن هل من نصائح وقائية لحين حل هذه المشكلة؟

- ننصح بترشيد الاستهلاك من خلال تدوير النفايات، وتخفيف كميتها. ويجب الاشارة هنا الى ان الشعب اللبناني هو من الشعوب المستهلكة لدرجة التبذير، حيث لوحظ ان معدل إنتاج الفرد اللبناني للنفايات يقدر بحوالى ضعفين او ثلاثة أضعاف معدل إنتاج النفايات في بلدان أخرى مثل اليابان... والملاحظ انه في اليابان لا تنبعث روائح كريهة من النفايات بشكل عام، وذلك لأن رمي الطعام عندهم او فضلات الطعام غير موجود عملياً لأن استهلاك اليابانيين للطعام يعادل تحديداً احتياجاتهم لأنهم يبتاعون على قدر حاجتهم، وبالتالي ليس لديهم فضلات بسبب استهلاك الكمية التي يحتاجون اليها. طبعاً في أوروبا أيضاً لا تشتري الناس كميات كبيرة من الطعام على قدر حاجتها، انما الأميركيون يستهلكون كميات كبيرة من الطعام، ولكن الجيد في الأمر انه يُمنع رمي فضلات الطعام الا في أكياس مخصصة لها، وأيضاً تفرز النفايات في المنازل اذ يضعون البلاستيك في كيس خاص له، والورق في كيس مخصص له وهكذا دواليك... اذاً تُفرز النفايات في المنازل قبل رميها او التخلص منها، وهذا ما لا يحدث عندنا في لبنان. صحيح ان أزمة النفايات يجب ان تُعالج من قبل الدولة، ولكن يجب ان يبدأ اللبنانيون بفرز النفايات في المنازل قبل رميها، وأيضاً تقليل شراء الأطعمة لكي لا يرموا فضلات الطعام، وبالتالي نساعد بتخفيف المشكلة أقله من ناحية الفرز. علينا ان ندق ناقوس الخطر لئلا نصل الى مشاكل صحية وبيئية أكثر خطورة وتهدد صحة الناس بشكل مخيف.