تفاصيل الخبر

اختلاط العامل الشخصي بالسياسة والدستور قطع التواصل بين عون والحريري... والحكومة!

27/01/2021
اختلاط العامل الشخصي بالسياسة والدستور  قطع التواصل بين عون والحريري... والحكومة!

اختلاط العامل الشخصي بالسياسة والدستور قطع التواصل بين عون والحريري... والحكومة!

 

[caption id="attachment_85243" align="alignleft" width="378"] الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري.. قنوات الاتصال مقطوعة بينهما.[/caption]

 تعتقد مصادر سياسية متابعة لعملية تشكيل الحكومة العتيدة، ان من الأسباب المباشرة لعرقلة التشكيل والدخول في ازمة سياسية مفتوحة، طبيعة العلاقة الشخصية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، التي تنعكس على أسباب أخرى سياسية تؤدي الى استمرار الخلاف بين الرجلين على نحو جعل تشكيل الحكومة العتيدة يدخل في نفق طويل. ولم تكن العبارات التي صدرت من الرئيس عون امام رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب حول "كذب" الرئيس الحريري، إلا النقطة التي افاضت الكأس وزادت في الطين بلة! صحيح ان ما قاله الرئيس عون كان كلاماً عفوياً، وهو المعروف بصراحته وعفويته، الا ان الصحيح أيضاً ان مثل هذا الكلام وإن كان كلاماً في السياسة يعتبر من الكلام المألوف، لكنه عكس مشاعر لدى رئيس الجمهورية تجاه الرئيس المكلف كان من الأفضل كتمانها وإن حيكت في جلسة كان يفترض ان تكون بين رئيسي الجمهورية والحكومة لولا غلطة المصور التلفزيوني الذي ترك ميكروفون الصوت مفتوحاً... فتم تسجيل الحوار.

 إذن، يطغى العامل الشخصي في العلاقة بين الرئيسين عون والحريري على ما عداه من العوامل من دون التقليل من أهمية الشق السياسي بكل متفرعاته. لكن الشق الشخصي له مفاعيل سلبية كثيرة ترخي بثقلها على الشق السياسي، فالرئيس عون الذي بنى تحالفاً مع الرئيس الحريري سمي بــ "التسوية" أدت الى انتخابه رئيساً للجمهورية، لطالما نظر الى الرئيس الحريري على انه في عمر "ابنه" لو كان للرئيس عون ولداً صبياً، ولطالما تعاطى معه من هذا المنظار، وفي هذا السياق يذكـــر قريبــــون من بعبدا كيف ان الرئيس عون تصرف يـــوم "استقال" الرئيس الحريري خلال وجوده في الرياض وما رافق ذلك من ملابسات لا تزال مفاعيلها مستمرة حتى الساعة والتي يرفض الرئيس الحريري الحديث عنها او مجرد استذكارها. يومها، يقول القريبون، رفض الرئيس عون الاستقالة "من بعيد" وشعر ان في الامر ما هو أبعد من مجرد "استقالة حكومة" وسرعان ما تبين ان غياب الرئيس الحريري يومها عن بيروت وسفره المفاجئ الى الرياض تزامن مع حملة نفذها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان طاولت كبار المتمولين السعوديين من الاسرة الحاكمة وغيرهم ترافقت مع "إقامة" لهم قسرية في فندق "ريتز"...

 في ذلك اليوم شعر الرئيس عون ان الحريري موجود في الرياض في ظروف "غير طبيعية"، فأجرى سلسلة اتصالات مع عدد من الرؤساء العرب والأجانب مطالبا بــ "عودة " رئيس الوزراء اللبناني الى بلده، لافتاً الى الحصانات التي يتمتع بها رئيس الحكومة، وصولاً الى حديثه عن "احتجازه" في الرياض... ولم يكتف بذلك بل طلب الى وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل ان يجوب دول القرار لطرح المسألة والمطالبة بإعادة الحريري سالماً الى وطنه، وكان التجاوب الأبرز من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي تحرك ميدانياً وزار السعودية، ثم حصل الاتفاق على مغادرة الحريري الرياض الى باريس لفترة ومنها الى بيروت.

تصرف أب مع ابنه

هذه الحادثة لا ينساها الرئيس عون وكيف تصرف كرئيس دولة مسؤول أولاً، وكأب راعه ان يرى "ابنه" محتجزاً في دولة أخرى. وبعد عودة الحريري الى بيروت زار الحريري بعبدا شاكراً للرئيس عون ما قام به من اجله وعاد عن "استقالته" واستمرت الحكومة والبقية معروفة. وانطلاقاً من هذه الحادثة، وغيرها يتعلق بطبيعة العلاقة بين الرئيسين، كان الرئيس عون يشعر دائماً بمودة تجاه الرئيس الحريري وعزّ عليه ان يقدم استقالة حكومته بعد "انتفاضة 17 تشرين" من دون التشاور معه في وقت كانت فيه ظروف البلاد صعبة اقتصادياً ومالياً. وهنا، حسب المطلعين، بدأ الفتور يدب في العلاقة بين الرئيسين، بالتزامن مع فتور اكثر بين الحريري والنائب جبران باسيل على رغم ما جمعهما من علاقة خلال الأعوام الثلاثة الأولى من عهد الرئيس عون. وتطور هذا الفتور وصولاً الى ترشيح السفير مصطفى اديب لرئاسة الحكومة وما قيل يومها عن دور سلبي مباشر للرئيس الحريري أدى الى اعتذار اديب عن القيام بهذه المهمة. ومرت الأيام واعلن الحريري عن رغبته في الترشيح لرئاسة الحكومة ونال أصوات 65 نائباً وحجب نواب "تكتل لبنان القوي" و"القوات اللبنانية" وحزب الله عنه أصواتهم.

 وسط هذه الصورة بدأت رحلة الحريري لتشكيل حكومته الثالثة في عهد الرئيس عون وبدا واضحاً ان رئيس الجمهورية لم يعد "يتعاطف" مع الحريري كما كان الوضع في السابق وصار الفتور يكبر ويتسع خلال الزيارات الكثيرة التي قام بها الحريري لعرض تشكيلته الحكومية على الرئيس عون الذي لم يوفق في اقناع الرئيس المكلف بضرورة تحقيق الشراكة في تشكيل الحكومة وفقاً للمادة 53 من الدستور، وحصلت خلافات تناولت أسماء بعض الوزراء المقترحين، كما تناولت الحقائب أيضاً.

وفي كل جلسة، سرية او معلنة، كان منسوب الخلاف يتصاعد الى درجة ان الرئيس عون بدا مستاء جداً من مواقف الرئيس الحريري، والأخير بادله الشعور نفسه... وتمسك كل طرف بموقفه ودخلت البلاد في ازمة كان للعامل الشخصي فيها التأثير الكبير. فالرئيس عون ليس في وارد "الاعتذار" من الرئيس الحريري  على اتهامه بــ "الكذب"، والرئيس الحريري لن يحرك الملف الحكومي ما لم يأته اتصال من بعبدا لمعالجة فضيحة الفيديو... وهكذا اختلط العامل الشخصي بالموقفين السياسي والدستوري مع نسبة لا بأس بها من "العناد" ورفض القبول بالمخارج او ما يعرف بــ "التسوية" او "التنازلات"....

 ويقول مطلعون على موقف بعبدا ان رئيس الجمهورية لن يتخلى عن دوره الفعلي، الدستوري، كشريك للرئيس المكلف في تأليف الحكومة، وان اقتضى امرار السنتين المتبقيتين في عمر الولاية في ظل حكومة تصريف اعمال. ما يعنيه موقف الرئيس ان توقيعه مرسوم تأليف الحكومة لا يتوقف على موافقته على أسماء الوزراء المسيحيين وحقائبهم، او على حصته هو، بل الاتفاق على أسماء الوزراء جميعاً، فرداً فرداً، ما دام توقيعه يمنح التشكيلة طبيعتها الدستورية، ويتيح لها ابصار النور. وسواء نظر الى هذا الاعتبـــار كأحد مقاييس ما بات يدعى "وحدة المعايير" او عدّ في صلب الصلاحية الدستورية لرئيس الجمهورية، فإن الحقيقة الجديدة المرتبطة بهذه الصلاحية، ان عون كرّس سابقة الشراكة الفعلية لرئيس الجمهورية في تأليف أي حكومة، وان كانت هذه في مرحلتها الأولى غير الناجزة مهمة الرئيس المكلف. لم يقل يوماً انه هو الذي يؤلف الحكومة، شأن ما اشاع الحريري مراراً كما لو ان الصلاحية مطلقة بلا قيود، او كما لو ان أياً من الرؤساء المكلفين اسلافه منذ اتفاق الطائف، ابان الحقبة السورية وبعدها، اعتاد بمفرده على تأليفها وقصر مهمة رئيس الجمهورية على التوقيع. في نهاية المطاف من دون توقيع رئيس الدولة، يفقد الرئيس المكلف أي صلاحية تقريرية. أهمية السابقة ان أياً من رؤساء الجمهورية الذين سيخلفون الرئيس الحالي، لا يسعه بعد الان التفريط بها او اهمالها.

الحريري يخلط الشخصي بالسياسي

في المقابل يصر الحريري، ومن منطلق بعضه شخصي والبعض الاخر سياسي يتصل بقراءته لصلاحياته الدستورية، يصر على التمسك بتكليفه ورفض الاعتذار أياً تكن الضغوط التي يواجهها وانه هو قبالة رئيس للجمهورية تصعب المساكنة معه! ولأن الدستور لا يقيده بمهلة، فليس لأحد - بما في ذلك الغالبية النيابية صاحبة التفويض - انتزاع التكليف منه. وبذلك لا يعترف الرئيس الحريري بأنه غير قادر على تأليف الحكومة، وهو يلقي اللوم على رئيس الجمهورية الذي يقول عنه انه "غير متعاون"،  او على الكتل والقوى السياسية وشروطها... ويندرج في الشق الشخصي تمسك الرئيس الحريري بصفة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الى ما شاء الله واضعاً في جيبه "بطاقة التكليف" التي تمكنه من التمسك بموقفه وعدم التنازل عنه لأي سبب.

 ومع اختلاط الشخصي بالدستوري والسياسي، يكبر حجم الخلاف في تأليف الحكومة بين الرئيسين عون والحريري ولكل منهما حساباته السياسية والمستقبلية حيال الحكومة المقبلة وبماذا سيخرجان منها في موازين الربح والخسارة. فالرئيس عون لا يفارق تفكيره همّ مستقبل فريقه السياسي الذي يتعرض لسيل من الضربات المحلية والخارجية، وما ستكون ارتدادات الحكومة العتيدة - اذا تألفت - على رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل. ولذلك يعتقد العونيون ان انتهاء ولاية عون في ظل حكومة دياب اسهل عليهم بدرجات من وجود الحريري على رأسها لجملة من الاعتبارات، خصوصاً اذا لم يتم اجراء الانتخابات النيابية في موعدها او حصول فراغ في سدة الرئاسة الأولى. ومن هنا لن يقدم عون على وضع توقيعه على مرسوم التأليف قبل ان يكون مطمئناً الى شكل الحكومة وحضوره فيها. وتضره هنا أي حسابات خاطئة في السنتين الأخيرتين. اما بالنسبة الى الحريري فقد سارع الى ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة ليقطع الطريق أولاً على أي جهة تفكر بترشيح آخر مكانه، فضلاً عن عدم السماح لــ 8 آذار بالاتيان بشخصية سنية من طينة حسان دياب، مع معرفتــــه المسبقة بــــأن الرئيس نبيه بري و"حزب الله" لا يريدان غيره. ويستعجل الرئيس المكلف تشكيل الحكومة لكن وفق شروطه، مع علمه بأن المفتاح النهائي للافراج عن التأليف موجود في بعبدا!