تفاصيل الخبر

أخطاء الأطباء في لبنان

24/12/2015
أخطاء الأطباء في لبنان

أخطاء الأطباء في لبنان

بقلم وردية بطرس

michel_daher قانونياً هناك صعوبة في تحديد معنى الخطأ الطبي، اما الفقهاء فلقد عرفوا الخطأ الطبي بأنه: <كل مخالفة او خروج من الطبيب في سلوكه على القواعد والأصول الطبية التي يقضي بها العام، والمتعارف عليها نظرياً وعملياً وقت تنفيذه العمل الطبي، او اخلاله بواجبات الحيطة والحذر واليقظة التي يفرضها قانون واجبات المهنة على الطبيب، متى ترتبت على فعله نتائج جسيمة، في حين كان في قدرته وواجباً عليه ان يكون يقظاً وحذراً في تصرفه حتى لا يضر بالمريض.

ولقد بينت الدراسات ان السبب الرئيسي في الخطأ الطبي هو الاعتقاد بمبدأ مغلوط يتعارض مع الطبيعة البشرية: هذا المبدأ هو ان الطبيب لا يخطئ. بناء على هذا المبدأ فإن التنظيم الطبي في معظم المستشفيات يعتمد على دقة الطبيب وقدرته على تفادي الخطأ، بدلاً من الافتراض ان الخطأ قد يحدث على يد أفضل الأطباء وأقدرهم لأنهم بشر، وعلى التنظيم والنظام الطبي معالجته ومنع وقوعه، اذ ان الطبيب هو انسان في نهاية الأمر والانسان بطبيعته يخطىء ويسهو. ولكن هذا لا يخفف عن الطبيب عبء مسؤولياته تجاه الأرواح التي ائتمن عليها، ولا يسقط عنه العقاب في حالات التعمد والاهمال، او المخالفة الواضحة للأنظمة والقوانين التي يستطيع الحكم عليها أولياء العلم في هذا المجال. ان المفهوم الخاطىء للخطأ الطبي الذي لا يتجاوز محاولة معاقبة الطبيب او الشخص المعالج دون دراسة جذور المشكلة وأسباب حدوثها لا يؤدي في النهاية الى الفوائد المرجوة من تفادي خطأ مشابه في المستقبل.

ولقد أثبتت الدراسات ان تركيز الجهود على معاقبة الشخص المعالج يبعث في نفوس العاملين في النظام الطبي الخوف والرهبة من الأخطاء والعقاب، مما يؤدي الى اخفاء الأخطاء وعدم الاعتراف بها، بدلاً من محاولة معالجتها ودراسة أسباب حدوثها. وبالتالي تستمر الأخطاء وتتفاقم مع الايام ويخسر المجتمع فرصة الافادة من اخطائه. وبذلك فان الدراسات تشير الى ان اي خطأ طبي يكمن في معظم الأحيان في التنظيم المتبع في المستشفى لا في الشخص المعالج، والخطأ الطبي ليس مسؤولية فرد ولكنه مسؤولية مشتركة، إذ ان الخطأ غالباً لا يصل الى المريض الا بمسؤولية مخطئين عدة.

أما عن دور نقابة الاطباء، فتتولى لجنة التحقيقات المهنية درس الأمور والنزاعات الناشئة بين الاطباء، او بينهم وبين مرضاهم، وعليها تجري التحقيقات اللازمة وترفع تقريرها الى مجلس النقابة، فاذا ثبت الخطأ الطبي يُحال الطبيب على المجلس التأديبي وتُطبق بحقه العقوبات الآتية وفقاً لطبيعة الخطأ، معطوفاً على الآثار المترتبة عليه: التنبيه، اللوم، التوقيف المؤقت عن العمل لمدة لا تتجاوز الستة أشهر، ثم المنع من ممارسة المهنة نهائياً. يتبع المجلس التأديبي أصول محاكمة عادية سرية ويتخذ قراراته بأكثرية اعضائه وعليه يصدر قراره خلال شهرين من تاريخ الشكوى، واذا خالف ذلك يحق لكل من النقيب والنيابة العامة نقل القضية الى محكمة الاستئناف التي تنظر فيها بالدرجة الاخيرة. تقبل القرارات التأديبية الاعتراض والاستئناف، اما قرارات المجلس التأديبي ومحكمة الاستئناف فهي سرية. وفي حال حُكم على الطبيب بجريمة تمس شرف rola-hammoudمهنة الطبابة وكرامتها، او اذا حُكم عليه مرتين في السنة بعقوبة اشد من التنبيه، فلمجلس النقابة ان يقرر بأكثرية ثلثي اعضائه نشر القرار في دار النقابة لمدة شهر واحد.

فماذا عن كيفية الاستفادة من الاخطاء الطبية لتحسين النظام الصحي؟ وغيرها من الاسئلة يجيب عنها الأطباء المعنيون اثر مشاركتهم في ندوة لـ<الجمعية اللبنانية للجودة والسلامة الصحية> التي عقدت مؤتمرها السنوي الثالث بعنوان <مشاركة المريض في صحته>، وقد تخللته ندوة للعامة عنوانها: <كيفية الاستفادة من الأخطاء الطبية لتحسين النظام الصحي>. وكان قد شارك في الندوة المدير العام لوزارة الصحة العامة الدكتور وليد عمار، والبروفيسور ميشال ضاهر ممثلاً نقيب الاطباء البروفيسور انطوان البستاني، ونقيب أصحاب المستشفيات المهندس سليمان هارون، ورئيسة الجمعية الدكتورة رلى حمود، فيما أدارت الندوة الاعلامية رلى معوض.

عمار والأخطاء الطبية

فماذا عن مسألة محاسبة الاخطاء الطبية ودور وزارة الصحة والاجراءات المتخذة؟ يقول الدكتور وليد عمار:

- من الصعب التخلص من الأخطاء الطبية ولكن بالامكان التعلم منها او تفاديها. ان الهدف ليس العقوبة بحد ذاتها انما الهدف الأول ان يكون هناك احساس عند الجسم الطبي والعاملين في القطاع الصحي والمؤسسات الصحية بوجود محاسبة. اما الهدف الثاني فيكمن في اعادة الثقة للمواطن بمؤسساتنا الصحية التي تتمتع بمستوى جيد. انه من غير الممكن ان تتهرب الوزارة من مسؤولياتها، فهمها سلامة المواطنين وحقوقهم، وقد شكلت لجنة استشارية بحثت في الشكاوى وتبين ان اغلبها غير محقة والبعض منها يجب اخذ الاجراءات فيها.

وتحدث الدكتور عمار عن تعاون الوزارة مع النقابة لتحسين النظام الصحي والجودة، ويشرح متطرقاً الى برنامج الاعتماد الذي نجح وكان له تأثير كبير على القطاع، وفي هذا البرنامج الكثير من المعايير لتفادي الأخطاء الطبية والأعراض الجانبية وسلامة المريض، قائلاً: <ان هذا النظام لم يكن لينجح لو لم تتجاوب المستشفيات معنا وتحديداً الممرضات، لكن للأسف بعض الأطباء لم يتعاونوا، وهدف الوزارة من هذا البرنامج هو خلق ثقافة الجودة، إلاّ انه لا يجوز توقيف الطبيب دون محاكمة او اثبات، ونحن كوزارة مع المريض أولاً وأخيراً>.

اما عن الشكاوى فيقول البروفيسور ميشال ضاهر: عندما يلمس المريض حصول خطأ ما، فعليه تقديم شكوى الى نقابة الأطباء التي تؤلف بدورها لجنة من الاختصاصيين الذين يستطيعون وحدهم الفصل في هذا الموضوع، ثم يؤخذ الملف الى المستشفى، ويُحفظ بطريقة قانونية، حيث لا يمكن لاحد ان يغير فيه، وتؤخذ المعطيات من المستشفى، اضافة الى معلومات من المريض وتقرير من الطبيب، وتدرسها اللجنة بعد ذلك ويحق لها ان تتابع تحقيقها من خلال استدعاء المريض لتحصل منه على معلومات ومعطيات جديدة، كما يمكنها ان تستدعي الطبيب للاستفسار عن أمور لم تكن واضحة او مذكورة، وتكوّن بالتالي فكرة عامة عن الشكوى وتقدم تقريرها بتجرد، ويبلّغ هذا التقرير للمريض الذي يمكنه على اساسه تقديم شكوى مدنية.

الدكتور-وليد-عماروبالسؤال عن حماية الطبيب من التوقيف يقول:

- ان اجراء عدم توقيف الطبيب موجود في قانون الآداب الطبية لكنه لم يطبق. فلا يمكن توقيف الطبيب مباشرة، يجب أولاً ان تكون هناك موافقة من الدائرة القانونية في النقابة. وما حصل مؤخراً كان بلبلة تنبه اليها الوزير وسُويت الأمور، دون ان ننسى ان كرامة الطبيب قد أُهينت وان ما حدث قد أثار خضة في البلد. فما من أحد يرتكب خطأ بارادته، وفي حال حصوله علينا ان نتعلم منه لكي لا يتكرر. ويجب اعطاء علم بالأخطاء وخلق جهاز بالمستشفى ما يُسمى بلجنة العناية بالجودة التي أصبحت متوفرة في غالبية المستشفيات. على الوزارة ان يكون لديها سجل بالأخطاء وهذا الامر لا يتطلب مجهوداً كبيراً.

وبدوره يؤكد نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة المهندس سليمان هارون على انه لا يمكن تفادي الأخطاء الطبية على أنواعها كافة ازاء هذا الكم الهائل من الخدمات التي تقدمها المستشفيات. فلا يمكننا ان نصل الى هدف <الخطأ الصفر>. وانتقد البرامج الاعلامية التي أظهرت الأخطاء الطبية كأمر مشين وغريب، وان من تناولها في الاعلام ليس لديه اي معرفة طبية. وهذا الامر غير مقبول ويسبب ارباكاً لدى الناس، إذ انه كل يوم وفي كل مستشفى تحصل أخطاء طبية، تتراوح بين أخطاء بسيطة لا تؤثر على صحة المريض وأخرى يمكن ان تودي بحياته. ونحن نراقب كل ذلك ونعمل لتخفيف هذه الأخطاء من خلال نظام الاعتماد لادارة العمل الطبي. وهناك ضغوطات اضافية على القطاع الطبي في لبنان، مثل النقص في الممرضين، فالحاجة مثلاً تقتضي بوجود 14 ألف ممرض في حين لدينا 7 آلاف. ولتعويض هذا النقص نعطيهم ساعات اضافية، ما يزيد حتماً من نسبة الأخطاء. وهذه من أبسط الأمور التي نعاني منها، أضف الى ذلك اننا نعيش اليوم في عالم قلق، فالناس لا تتواصل فيما بينها ولا تتحمل بعضها.

وبالسؤال عن تدريب العاملين في القطاع الاستشفائي يقول المهندس هارون:

- هناك اتفاق مع الوزارة على اقامة تدريب للعاملين في القطاع الاستشفائي تحت عنوان <أنسنة المستشفى>، ويشمل برامج تدريبية للعاملين لانسنة العلاقة بينهم وبين المريض، وانه في ظل هذا التشنج في المجتمع ستكون مهمتنا صعبة. ان التقصير الذي يحصل أحياناً هو بسبب العدد الكبير للحالات التي تصل الى المستشفيات، لان هناك 700 الف حالة استشفاء ومليون حالة طوارئ في السنة. ومن الضروري مراعاة الظروف التي يعمل فيها الجسم الطبي، من الناحيتين المادية والاجتماعية. وان الجميع بحاجة الى أنسنة ليس المستشفيات وحدها وحسب. وان التحضير جارٍ لبرنامج وطني لاخذ مؤشرات معينة تضبط عمليات او أموراً معينة سواء الاخطاء الطبية او الامراض التي تُلتقط داخل المستشفيات.

نقيب-اصحاب-المستشفيات-الخاصة-في-لبنان-المهندس-سليمان-هارونوعن دور <الجمعية اللبنانية للجودة والسلامة> في نشر العلم وتحسين جودة الطب تقول الدكتورة رلى حمود:

- ان الجمعية تأخذ العبر من الأخطاء التي تحصل في المستشفيات وتقوم بتقويم حول الحاجة لاقامة تدريب ومؤتمرات وورشات عمل تركز على سلامة المريض وكيفية تفادي حصول الأخطاء. نحن نشرح للمريض كل ما يتعلق بسلامته وهذا من حقه. ولقد صدر التقرير في العام 2000 في الولايات المتحدة الاميركية، وورد فيه ان خلال سنة واحدة يموت بين 45 ألف و 90 ألف مواطن في أميركا بسبب الأخطاء الطبية، 30 في المئة منها يمكن تفاديها.

وتابعت:

- نحن نحاول كجمعية التركيز على التوصيات التي صدرت خارج لبنان لنطبقها هنا، ومنها عدم الحياء والاعتراف بالخطأ والابلاغ عنه والبحث عن امكانية تفاديه لاحقاً. وهذا ما يعزز ثقة المواطن بالنظام الصحي. ومن بين التوصيات أيضاً عدم المعاقبة العشوائية، بل دراسة الأخطاء ووضع تقرير وطني للتعلم من الأخطاء والمساعدة في تفاديها. ان النظام الصحي محفوف بالمخاطر بسبب تعدد اختصاصات العاملين فيه. وهناك عوامل كثيرة تؤدي الى خلل في التواصل في هذا النظام. مــن هنـــا ضــــــرورة المحـــــاسبة والنظـــــــر في النظام ومحاولة تحسينــــه من خلال وضع ضوابط لتفادي حصول الأخطاء.