تفاصيل الخبر

آخر أيام... الديموقراطية 

07/01/2021
آخر أيام... الديموقراطية 

آخر أيام... الديموقراطية 

بقلم خالد عوض

  [caption id="attachment_84739" align="alignleft" width="413"] المتظاهرون يجتاحون "الكابيتول هيل": عنوان النظام العالمي الجديد..الفوضى.[/caption]

 يبدو أن بداية العام ٢٠٢١ تحمل عنوان نظام المستقبل. فكما حمل العقد الأخير من القرن الماضي نهاية الشيوعية مع انهيار الإتحاد السوفياتي يبدو أن العقد الثالث من القرن الحالي سيحمل معه اندثار النظام الرأسمالي الذي نعرفه أو على الأقل تصدع أحد دعائمه الرئيسة: الديموقراطية.

 أم الديموقراطية تلهم العالم في الانقلاب على.. الديموقراطية

 لم يحدث أن هجم متظاهرون على الكونغرس الأميركي كما حصل منذ أيام. حتى في عز الغضب الشعبي الأميركي من حرب "فيتنام" في ستينات القرن الماضي، لم يخترق المتظاهرون حرمة "الكابيتول هيل" أو اقتحموا مكاتب النواب وعاثوا فساداً فيها كما فعل أنصارالرئيس "دونالد ترامب". ولم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة أن رفض رئيس الإقرار بالهزيمة محرضاً الشارع لإبقائه في منصبه ومجازفاً بالسلم الأهلي كما فعل الرئيس الحالي. ليست المشكلة حقيقة في "ترامب" وشخصيته النرجسية. هناك ٧٤ مليون أميركي انتخبوا "ترامب" لأنه يمثل الانقلاب على "النظام" بكل معانيه. وها هو يقود بشكل غير مباشر انقلاباً على الديموقراطية. الذين ناصروه سئموا بما جاءتهم به هذه الديموقراطية خلال العقدين الماضيين وضاقوا ذرعاً بما يسمى بـ"الإستابلشمنت". اعتنقوا أفكار " ترامب" أو بالأحرى تمكن هو من رفع الشعارات التي تروي طموحاتهم الأقرب إلى القومية منها إلى مفاهيم الديموقراطية. النتيجة لمسيرة "ترامب" أن العالم كله تفرج على الكونغرس الأميركي المفروض أنه مرتع الديموقراطية في العالم وهو يتعرض للتهشيم المادي والمعنوي. ما حصل في "الكابيتول هيل" يوم الأربعاء ٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢١ جرد الولايات المتحدة من قدرتها على رفع لواء الدفاع عن الديموقراطية في العالم وأنذر بمجيء نظام جديد لا مكان فيه للديمقراطية التي ظل الغرب يتغنى بها كمفتاح للتطور الاقتصادي.

الدعاية للولايات المتحدة والفعل.. للصين

[caption id="attachment_84738" align="alignleft" width="375"] الرئيس الصيني "شي جين بينغ": على العالم (والولايات المتحدة) أن يتبعوا نموذج الحكم الصيني.[/caption]

 بينما كانت كل الأنظار مشدوهة إلى أروقة الكونغرس الأميركي وشوارع العاصمة "واشنطن" لمتابعة آخر فصول الانتخابات الرئاسية الأميركية ومصيرها، كانت أحداث مهمة جداً تجري في الصين. فقد توارى عن الأنظار مؤسس شركة "علي بابا" الصيني "جاك ما" ولم يظهر منذ اواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عندما انتقد علناً القوانين الصينية، ملمحاً أنها من أكبر العوائق للتطور الإقتصادي الحقيقي. "اختفاء" أغنى رجل أعمال صيني واكبه منذ أيام قرار محكمة صينية في مدينة "تيانجين" إعدام رئيس شركة مالية حكومية بتهمة تقاضي رشى. لا شك أن الحكم يعكس حزم الحكومة الصينية في محاربة الفساد ولكن تنفيذ الإعدام بسبب رشى مالية كبيرة يرسم أيضاً صورة واضحة عن النظام الصيني الاستبدادي.  وقبل يومين من نهاية عام ٢٠٢٠، حكمت السلطات الصينية بالسجن أربع سنوات على الصحافية "زهانغ زاهن" بتهمة إثارة القلاقل بعدما انتقدت تعامل الحكومة الصينية مع فيروس الـ"كورونا "في المرحلة الأولى لاكتشافه وأبرزت كيف كان التركيز على سمعة الصين وحزبها الحاكم أهم من محاصرة الوباء. ومنذ أيام منعت السلطات الصينية فريقاً مؤلفاً من عشرة أشخاص من منظمة الصحة العالمية من المجيء إلى مدينة "ووهان" للتحقيق في الإجراءات الصينية الأولية لمنع تفشي "كوفيد ١٩" ورفضت منحهم تأشيرة دخول. إذا كانت الديموقراطية في الولايات المتحدة تعاني بسبب تعنت الرئيس " ترامب" ورفضه مغادرة البيت الأبيض فإنها تحتضر في الصين في ظل حكم الرئيس "شي جينغ بينغ".

الصين ترسم معالم النظام العالمي الجديد ومعظم الدول... تواكبها

[caption id="attachment_84740" align="alignleft" width="333"] مؤسس شركة "علي بابا" الملياردير "جاك ما": لماذا اختفى بل... من أخفاه؟[/caption]

صدرت مؤخراً عدة تقارير تؤكد أن الصين ستصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم عام ٢٠٢٨ على أبعد تقدير. المسألة ليست فقط عملية أرقام نمو اقتصادي سنوي مرتفعة تسمح للصين بتجاوز الولايات المتحدة. فمع تغير الترتيب الاقتصادي للدول، سيضطر العالم أن يتكيف وأن يحاكي نظام الدولة الأقوى اقتصادياً. ونظام الصين مزيج هجين من كل شيء: فيه رأسمالية وبعض مظاهر اقتصاد السوق والعولمة ، ولكن فيه أيضاً كل مظاهر الاقتصاد الموجه والكثير من أفكار "ماو تسي تونغ" الشيوعية. ولتحقيق النمو لا تتوانى الصين عن استخدام شتى وسائل الاستبداد وقمع الحريات ولا تكترث لأي انتقاد في ما يتعلق باحترامها لحقوق الإنسان. هذا الخليط الغريب بين الشيوعية والرأسمالية هو ما يتجه العالم كله إليه اليوم. لن يكون هذا الانتقال سهلاً في ظل تفاوت طبقي حاد وبطالة قياسية وفي ظل شبه انفصام بين الاقتصاد الحقيقي والأسواق المالية. وما أتاحه الوباء للحكومات من قدرة متزايدة  في مراقبة شعوبها وكذلك طريقة فرض الإغلاقات والتعاطي الحازم مع توزيع اللقاحات هو أول الغيث.

عندما سئل الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" عام ٢٠١٨ عن موقف الولايات المتحدة حول تغيير الدستور الصيني للسماح للرئيس "شي جين بينغ" بأن يستمر رئيساً مدى الحياة، وعن الاستفتاء الشعبي في روسيا الذي سمح للرئيس "فلاديمير بوتين" بأن يبقى رئيساً حتى عام ٢٠٣٦ علق ببساطة: "ربما يجب على الولايات المتحدة أن تجرب ذلك ذات يوم". لا شك أن ما شهدته "واشنطن" منذ أيام هو محاولة جدية للحاق بالصين وروسيا، وليس كما اعتقدنا لسنوات طويلة أن العكس هو الذي سيحصل.